المعارك متواصلة في غزة وجهود كيري تتعرض للسخرية
مر ما يقرب من ثلاثة أسابيع على بدء النزاع المسلح في غزة، وعدد الضحايا الفلسطينيين والإحتلال في تصاعد مستمر وسط علامات على تزايد عمق المأزق السياسي نتيجة لعدم رغبة الطرفين المتحاربين في التزحزح عن موقفهما في القضايا الرئيسية. وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية المحمومة، إلا ان اتفاق وقف اطلاق النار لا يلوح في الأفق.
ففي إسرائيل، يعارض الكثيرون هدنة مؤقتة سابقة لأوانها قائلين إنها تمنح حماس وغيرها من الجماعات المسلحة في قطاع غزة الوقت لاستعادة عافيتها وإعداد شراك وكمائن أكثر فتكا بالجنود الإسرائيليين.
ويرى كثيرون أنه إذا لم يتم منح الجيش الاحتلال الإسرائيلي الوقت الكافي لــ "إنهاء مهمته"، فإن الخسائر في أرواح الجنود ستضيع سدى.
وفي قطاع غزة، لا يرغب الكثير منهم في التزحزح عن موقفهم وتقديم تنازلات، بما في ذلك تخفيف الحصار وتحسين الفرص الاقتصادية للفلسطينيين.
وقد دفع ارتفاع عدد القتلى دبلوماسيين دوليين للضغط من أجل وقف إطلاق نار من شأنه أن يمنح كلا الجانبين راحة من الصراع الدائر منذ 20 يوما، لكن المحادثات لم تسفر عن نتائج.
وتعرض وزير الخارجية الامريكي جون كيري، الذي يجري مباحثات في باريس والقاهرة وتل أبيب ورام الله بهدف التوسط من اجل التوصل لهدنة، لانتقادات نتيجة لطريقة تعامله مع الوضع.
ووصف مسؤولون اسرائيليون والسلطة الفلسطينية مؤتمره الصحفي الذي عقد في القاهرة أمس الأول الجمعة - والذي اعلن فيه انه كان يعمل على هدنة إنسانية تستمر لسبعة أيام بعد أن رفضت الحكومة الامنية الاسرائيلية الفكرة - بأنه أمر مثير للــ "إحراج".
وذكرت صحيفة الشرق الأوسط ومقرها لندن اليوم الاحد ان السلطة الفلسطينية أيضا غاضبة من كيري لعدم دعوة قادتها ولعدم دعوة مصر للمحادثات في باريس. وقال مسؤول في السلطة الفلسطينية إن كيري يسعى لــ "تخريب" مصر و "استرضاء" قطر وتركيا.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت، الاوسع انتشارا عن مسؤول اسرائيلي "مطلع" قوله إنه ذهل بسبب عدم فهم (كيري) للمنطقة وعدم فهمه للديناميات الداخلية لحماس وعدم الاكتراث بالاقتراب من حد الإهانة لمصر.
والمنطق الذي يعمل به كيري هو أن التحدث إلى الوسيطين قطر وتركيا هو وسيلة للتواصل مع حماس.
ولم يعلق مسؤولون اسرائيليون وفلسطينيون علنا على جهود التهدئة. لكن ردود الفعل القوية التي تم تسريبها إلى وسائل الإعلام تؤكد على تعقيد الوضع، مع وجود عدد لا يحصى من اللاعبين والوسطاء المعنيين.
وفي الجولة الأخيرة من القتال في تشرين ثان 2012، كان الرئيس الإسلامي المعزول في مصر محمد مرسي هو من توسط في هدنة بين اسرائيل وغزة بعد ثمانية أيام من القتال.
اما هذه المرة، فإن حماس، الذراع الفلسطينية للإخوان المسلمين، لا تثق بمصر، تحت قيادة السيسي، مما أدى الى تدخل قطر وتركيا .
وكانت اسرائيل قد قبلت في عهد الرئيس المعزول مرسي دور الوساطة المصرية لان الكثيرين من رجال الاستخبارات المصرية الذين كانوا يقومون بدور الوساطة حينئذ هم نفس الشخصيات التي قامت بنفس الدور في عهد الرئيس الاسبق حسني مبارك .
وهناك مسألة اخري تتمثل في ان اسرائيل بعد هجومها الثالث علي غزة منذ اوخر عام 2008 تريد تحقيق ماهو اكثر من فترة راحة وتوقف لاطلاق الصواريخ من غزة لمدة 18 او 20 شهرا .
وتسعي اسرائيل لكسب الوقت لتدمير اكبر قدر من الانفاق التي تمثل نقطة انطلاق للهجمات عليها وهو الهدف المعلن لهجومها البري الحالي في غزة في الوقت الذي يقول فيه المسئولون العسكريون الاسرائيليون ان فترة تصل حتي الي اسبوع لاتكفي لتحديد وتدمير غالبية هذه الانفاق .
على صعيد آخر تواصلت المعارك الاحد في قطاع غزة وتبادلت اسرائيل وحماس الاتهام بالمسؤولية عن فشل تمديد التهدئة التي تم الالتزام بها السبت.
وقال رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو في مقابلة مع "سي ان ان" ان مقاتلي حماس "ينتهكون وقف اطلاق النار الذي اعلنوه بانفسهم"، مضيفا ان اسرائيل "ستقوم بكل ما يلزم للدفاع عن الشعب" الاسرائيلي.
كما قال نتانياهو في مقابلة مع شبكة سي بي اس "آمل بان نتمكن من التوصل الى تهدئة دائمة لكي نتمكن من نزع السلاح في غزة".
من جهته اكد المتحدث باسم حماس سامي ابو زهري استعداد حماس للالتزام بتهدئة جديدة الاحد. وقال "استجابة لتدخل من الامم المتحدة ومراعاة لاوضاع شعبنا واجواء العيد، تم التوافق مع فصائل المقاومة على تهدئة انسانية لمدة 24 ساعة تبدا من الساعة الثانية ظهر الاحد" (11,00 ت.غ).
واضاف "ننتظر ردا رسميا من العدو".
وقال الجيش الاسرائيلي ان 22 صاروخا اطلقت من غزة وسقطت في اسرائيل في حين تمكنت القبة الحديدية من اعتراض خمسة اخرين. ولم يعلن عن وقوع ضحايا نتيجة هذا القصف.
ومع اقتراب شهر رمضان من نهايته مساء الاحد، دخل الطرفان في مزايدات ردا على طلب من الامم المتحدة بتمديد "الهدنة الانسانية" التي تم الالتزام بها السبت.
ودعا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون مرة جديدة مساء الاحد و"باشد التعابير حزما" الى تمديد التهدئة لمدة 24 ساعة.
وكانت حركة حماس رفضت مساء السبت هذا التمديد في حين ان الحكومة الامنية الاسرائيلية المصغرة وافقت عليه. واصرت حماس على ضرورة انسحاب الجنود الاسرائيليين من المناطق التي دخلوها في قطاع غزة في السابع عشر من تموز.
واعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في مقابلة مع شبكة التلفزيون الاميركية "بي بي اس" ان الحرب في غزة هي ضد "المحتلين". واضاف "انا مستعد للتعايش مع اليهود والمسيحيين والعرب وغير العرب (...) الا انني لن اتعايش مع محتلين".
وسقط 11 فلسطينيا الاحد في قصف اسرائيلي شمل جنوب وشمال قطاع غزة بينهم امراة مسيحية.
وصححت وزارة الصحة في قطاع غزة الاحد عدد الشهداء الفلسطينيين في العملية العسكرية الاسرائيلية، مشيرة الى انه بلغ 1032 شهيدا بدلا من اكثر من 1060 كان اعلن عنهم في وقت سابق.
وبعد ان استفاد السكان من التهدئة السبت للتمون بالمواد الغذائية فانهم باتوا يخشون استمرار الحرب هذه لفترة طويلة.
ذلك ان اي اتفاق حول تهدئة ولو كانت طويلة لن يحل المشكلة وسيكون من الضروري الدخول في محادثات لا يزال من الصعب المراهنة على نجاحها.
فاسرائيل التي اعلنت انها ضربت نحو 3600 "هدف" منذ بدء العملية العسكرية تريد القضاء على الانفاق التي بنتها حماس مع حركة الجهاد الاسلامي.
وتقول اسرائيل ايضا انها عثرت على نحو ثلاثين نفقا ودمرت النفق الذي اتاح لمجموعة من حماس قتل سبعة جنود اسرائيليين في العشرين من تموز/يوليو.
كما اكدت اسرائيل انها قتلت 320 مقاتلا من حماس خلال عشرين يوما من العمليات العسكرية.
من جهته اعلن الجيش المصري الاحد تدمير 13 نفقا بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة.
واطلق الجيش المصري منذ عام عملية عسكرية واسعة في سيناء مكثفا تدمير الانفاق بين هذه المنطقة وقطاع غزة والتي تشتبه مصر واسرائيل في انها تستخدم في تهريب الاسلحة والعناصر الاسلامية المتطرفة. وجرى بالفعل تدمير اكثر من الف من هذه الانفاق في السنوات الاخيرة.
وللقبول بوقف شامل لاطلاق النار تطالب حماس برفع الحصار الذي تفرضه اسرائيل على قطاع غزة منذ العام 2006 .
وسقط للجيش الاحتلال الاسرائيلي حتى الان 43 جنديا وهي اعلى حصيلة منذ حرب عام 2006 في لبنان مع حزب الله.
وخلال هدنة السبت عاد الفلسطينيون الى احيائهم المدمرة، بحثا عما تبقى لهم بين الحطام.
ونصحت حركة حماس النازحين بعدم الاقتراب من المباني المدمرة جراء القصف الاسرائيلي ومن ساحات المعارك خشية من وجود اي عبوات غير منفجرة. وقال خضر سكر من حي الشجاعية الذي تعرض لقصف اسرائيلي عنيف "نخاف ان نفتح احد الابواب ونجد قنبلة".
واجبر 170 الف فلسطيني في قطاع غزة حتى الان على مغادرة منازلهم بسبب المعارك ما يمثل 10% من السكان.
وكالات