الربيع الفلسطيني.. مواجهة تاريخيّة من المسافة صفر
جو 24 : تامر خرمه- في الوقت الذي قامت فيه بوليفيا بإدراج "اسرائيل" على قائمة الدول الإرهابيّة، وقرّرت عدّة دول في أميركا الجنوبيّة سحب سفرائها من تلّ الربيع المحتلّ، يواصل نظام السيسي محاصرة غزّة التي تتعرّض لحرب إبادة، فيما وردت أنباء تفيد بتمويل دول خليجيّة للجرائم الصهيونيّة. أمّا الأردن فقد قدّم مطار الملكة علياء بديلاً لدولة الاحتلال، بعد رفض شركات طيران الهبوط في مطار اللد، وفقاً لما تناقلته وسائل إعلام دون ورود نفي رسميّ !!
مشهد لا يوجد أيّ داع للتعليق عليه، فليس هناك وصف يفوق بشاعة هذا المشهد بذاته. ولكن يجدر تسليط الضوء على التطوّرات التي تشهدها ساحة المقاومة الفلسطينيّة ارتباطاً بالخذلان الرسمي العربي.
تاريخيّاً تمثّلت معضلة المقاومة الفلسطينيّة بحاجتها إلى الدعم الرسمي العربي، فمنذ تأسيس منظّمة التحرير في العام 1964 الذي اختزل الصراع العربي- الصهيوني إلى صراع فلسطيني- اسرائيلي، وتأسيس حركة فتح في العام 1965، التي اعتمدت في تمويلها على دول النفط، إلى ارتباط بعض التنظيمات الفلسطينيّة بنظام حافظ الأسد في الثمانينيّات، وتحويلها إلى أدوات للنظام السوري، كالقيادة العامّة وفتح الانتفاضة، وصولاً إلى رحلة المكتب السياسي لحركة حماس بين عمّان ودمشق ومن ثمّ الدوحة، إلى تطلّعات الحركة ورهانها على الرئيس المصري السابق محمد مرسي قبل انقلاب العسكر.. شكّل ارتباط المقاومة الفلسطينيّة بدعم النظام الرسمي العربي جوهر المشكلة التي أفضت إلى استبدال مطلب الدولة بحلم التحرير.
نظرة على الواقع الراهن قد تكشف الكثير من نتائج الدعم العربي الرسمي المحدود، والمشروط بأجندة لا علاقة لها بحلم العودة والتحرير، فالقيادة العامّة على سبيل المثال باتت مجرّد أداة عسكريّة سلّطها نظام الأسد على السوريّين والفلسطينيّين في مخيّم اليرموك. ولا مكان هنا للتذكير بتدخّلات النظام السوري في لبنان منذ العام 1977، التي أفضت إلى اغتيال كمال جنبلاط ومساندة اليمين المتصهين في لبنان لحسم صراعه ضدّ المقاومة الفلسطينيّة اللبنانيّة، وقد تكفي الإشارة إلى النتائج التي تمخّضت عن دعم فتح الانتفاضة، والتي يمكن اختصارها بتأسيس ما يسمّى بفتح الإسلام وجند الشام، قبل نشوء التنظيمات التي تقاتل اليوم في سوريّة كداعش وأخواتها.
كما قد يكون من المفيد التذكير بنتائج ارتباط المقاومة الفلسطينيّة بدعم النظام الرسمي العربي، والتي أدّت إلى اختزال مشروع التحرير إلى حلّ الدولتين –أو الحلّ المرحلي كما يحلو للبعض تسميته- في مؤتمر الجزائر بالعام 1987، وبالتالي إلى اتفاقيّة أوسلو ومعاهدة وادي عربة.
ولا ننسى أيضاً كيف كرّس الصراع الإقليمي العربي في الساحة الفلسطينيّة الانقسام الذي انتهى بفصل الضفّة الغربيّة عن قطاع غزّة، وبتحويل أنظار حركتيّ فتح وحماس إلى مشاريع لا علاقة لها بالقضيّة الفلسطينيّة، ولا تخدم الأهداف التي تأسّست من أجلها كلتا الحركتين في المقام الأوّل.
وبعد رحلة حركة المقاومة الإسلاميّة حماس بين العواصم العربيّة، وانتهاء هذه الرحلة بحرد دمشق واستعار حالة العداء في القاهرة، بدأت الحركة باتّباع تكتيكاً جديداً تجلّى في مسألتين: 1- الإمساك بزمام المبادرة وفرض معادلة المقاومة على الساحة الإقليميّة بعيداً عن أي ارتهان لهذا النظام او ذاك. 2- تغيير استراتيجيّات المقاومة والانتقال من مربّع العمليّات الاستشهاديّة إلى استهداف الجنود بشكل مباشر، عبر عمليّات نوعيّة موجعة.
المسألتان لا يمكن فصلهما على المستويين التكتيكي والاستراتيجي، فالأرقام التي باتت معلومة للقاصي والداني، تكشف أن قتلى الجانب الصهيوني هم أعضاء في جيش الاحتلال. مقابل ذلك نجد أن الغالبيّة العظمى من الشهداء الفلسطينيّين هم من الأطفال. هذه النتيجة مكّنت حماس من كسب تأييد شعبي واسع على المستوى الدولي، وليس العربي فحسب، وليس غريباً أن يفضي هذا التكتيك إلى المواقف التي اتّخذتها بعض دول أميركا الجنوبيّة، أو إلى تظاهرات التأييد الجماهيريّة التي شهدتها معظم عواصم العالم.
كما أن التفاف كافّة الفصائل في الداخل الفلسطيني حول خيار المقاومة –بما فيها حركة فتح- خلق واقعاً جديداً في ظلّ التأييد الشعبي العالمي وتعرية الاحتلال، يمكّن هذه الفصائل من فرض شروطها وخياراتها على سلطة أوسلو وإطارها الأوسع المتمثّل بالنظام العربي، الذي يخشى انفجار الشارع نتيجة استمرار المقاومة وتواطؤ هذا النظام.
حتّى الأنظمة الغربيّة الداعمة لاسرائيل تقف عاجزة عن ترويج خطابها المزيّف للواقع، عريّ كامل يكشف قبح هذه الأنظمة أمام شعوبها. المقاومة الفلسطينيّة باتت تملك القول الفصل، ومن المستحيل الآن إخضاعها من قبل أيّ نظام للقبول سواء بالمبادرة المصريّة أو غيرها من المبادرات التي تخدم بعض الأنظمة، وتحقّق للاحتلال مزيداً من المكتسبات.
الجانب المشرق من المشهد الراهن، الذي كشف التواطؤ الرسمي العربي مع الاحتلال، يتمثّل بقدر المقاومة الفلسطينيّة على فرض شروطها على المستويين الإقليمي والدولي. تطوير سلاح المقاومة محليّاً والتأييد الشعبي العربي غير المشروط، وتظاهرات التضامن العالميّة، جعلت من المستحيل احتواء هذه المقاومة أو استغلالها لتحقيق مصالح أنظمة معيّنة كما كان الوضع في السابق.. هذا من جانب.
ومن جانب آخر فإن لخشية النظام الرسمي العربي من هذا الوضع ما يبرّره، فبعد أن ظنّ الكثيرون أن هذا النظام قد نجا من هبّة الربيع العربي، عادت المقاومة الفلسطينيّة لتعيد الأمور إلى نصابها، وتذكّر بحقيقة المعسكر الذي انتفضت في وجهه كافّة شعوب المنطقة. هذا المعسكر لا يقتصر فقط على القاعدة العسكريّة المسمّاة باسرائيل، بل يشمل أدوات الاستعمار الحديث في المنطقة، إنّها الأدوات التي مازالت تقف بين الناس وبين أحلامهم في الحريّة والكرامة.
في العام 2011 امتدّ الربيع العربي إلى الساحة الفلسطينيّة، مسألة يحلو للبعض نسيانها، حيث خرجت التظاهرات في الضفّة الغربيّة، خاصّة في نعلين وبلعين، تحت ذات الشعار الذي نظم منطلقات وبوصلة الربيع العربي "خبز.. حريّة.. عدالة اجتماعيّة".. غير أن الواقع الفلسطيني يستوجب مقاومة الاحتلال قبل أي شيء آخر، لذا كان من الطبيعي أن تعود المقاومة المسلّحة لتصدّر المشهد.
"العلاقة بين الربيع العربي والقضيّة الفلسطينيّة"، جملة تحتوي مغالطة بنيويّة، فكلمة "علاقة" تتضمّن رابطاً بين مسألتين مختلفتين، غير أن الحقيقة هي أن القضيّة الفلسطينيّة جزء جوهري من النضال العربي من أجل التحرّر والتحرير، ودون تحرّر الشعوب العربيّة من الصعب التفاؤل بتحرير فلسطين، والعكس صحيح.
الربيع الفلسطيني أكمل حلقاته اليوم، فبعد أن أدّت الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية والعدوان الصهيوني على غزّة في العام 2008 إلى اندلاع الربيع العربي في العام 2011، قاد الحراك الشعبي العربي إلى تعرية ومحاصرة أنظمة الفساد والاستبداد، وبالتالي إلى امتلاك فصائل المقاومة لزمام المبادرة وفرض شروطها على الجميع. هذه المقاومة –وإن هدأت الأوضاع مؤقّتاً في قادمات الأيّام- ستكون منعطفاً يفجّر موجة احتجاجات أخرى في دول الربيع، التي تدرك شعوبها أن معركة التحرّر من الظلم والاضطهاد هي ذات المعركة التي تخوضها المقاومة من أجل تحرير فلسطين. أدوات الاستعمار في المنقطة العربيّة عاجزة اليوم عن فرض أجنداتها، وما نشهده من تطوّرات ليس سوى البداية.
مشهد لا يوجد أيّ داع للتعليق عليه، فليس هناك وصف يفوق بشاعة هذا المشهد بذاته. ولكن يجدر تسليط الضوء على التطوّرات التي تشهدها ساحة المقاومة الفلسطينيّة ارتباطاً بالخذلان الرسمي العربي.
تاريخيّاً تمثّلت معضلة المقاومة الفلسطينيّة بحاجتها إلى الدعم الرسمي العربي، فمنذ تأسيس منظّمة التحرير في العام 1964 الذي اختزل الصراع العربي- الصهيوني إلى صراع فلسطيني- اسرائيلي، وتأسيس حركة فتح في العام 1965، التي اعتمدت في تمويلها على دول النفط، إلى ارتباط بعض التنظيمات الفلسطينيّة بنظام حافظ الأسد في الثمانينيّات، وتحويلها إلى أدوات للنظام السوري، كالقيادة العامّة وفتح الانتفاضة، وصولاً إلى رحلة المكتب السياسي لحركة حماس بين عمّان ودمشق ومن ثمّ الدوحة، إلى تطلّعات الحركة ورهانها على الرئيس المصري السابق محمد مرسي قبل انقلاب العسكر.. شكّل ارتباط المقاومة الفلسطينيّة بدعم النظام الرسمي العربي جوهر المشكلة التي أفضت إلى استبدال مطلب الدولة بحلم التحرير.
نظرة على الواقع الراهن قد تكشف الكثير من نتائج الدعم العربي الرسمي المحدود، والمشروط بأجندة لا علاقة لها بحلم العودة والتحرير، فالقيادة العامّة على سبيل المثال باتت مجرّد أداة عسكريّة سلّطها نظام الأسد على السوريّين والفلسطينيّين في مخيّم اليرموك. ولا مكان هنا للتذكير بتدخّلات النظام السوري في لبنان منذ العام 1977، التي أفضت إلى اغتيال كمال جنبلاط ومساندة اليمين المتصهين في لبنان لحسم صراعه ضدّ المقاومة الفلسطينيّة اللبنانيّة، وقد تكفي الإشارة إلى النتائج التي تمخّضت عن دعم فتح الانتفاضة، والتي يمكن اختصارها بتأسيس ما يسمّى بفتح الإسلام وجند الشام، قبل نشوء التنظيمات التي تقاتل اليوم في سوريّة كداعش وأخواتها.
كما قد يكون من المفيد التذكير بنتائج ارتباط المقاومة الفلسطينيّة بدعم النظام الرسمي العربي، والتي أدّت إلى اختزال مشروع التحرير إلى حلّ الدولتين –أو الحلّ المرحلي كما يحلو للبعض تسميته- في مؤتمر الجزائر بالعام 1987، وبالتالي إلى اتفاقيّة أوسلو ومعاهدة وادي عربة.
ولا ننسى أيضاً كيف كرّس الصراع الإقليمي العربي في الساحة الفلسطينيّة الانقسام الذي انتهى بفصل الضفّة الغربيّة عن قطاع غزّة، وبتحويل أنظار حركتيّ فتح وحماس إلى مشاريع لا علاقة لها بالقضيّة الفلسطينيّة، ولا تخدم الأهداف التي تأسّست من أجلها كلتا الحركتين في المقام الأوّل.
وبعد رحلة حركة المقاومة الإسلاميّة حماس بين العواصم العربيّة، وانتهاء هذه الرحلة بحرد دمشق واستعار حالة العداء في القاهرة، بدأت الحركة باتّباع تكتيكاً جديداً تجلّى في مسألتين: 1- الإمساك بزمام المبادرة وفرض معادلة المقاومة على الساحة الإقليميّة بعيداً عن أي ارتهان لهذا النظام او ذاك. 2- تغيير استراتيجيّات المقاومة والانتقال من مربّع العمليّات الاستشهاديّة إلى استهداف الجنود بشكل مباشر، عبر عمليّات نوعيّة موجعة.
المسألتان لا يمكن فصلهما على المستويين التكتيكي والاستراتيجي، فالأرقام التي باتت معلومة للقاصي والداني، تكشف أن قتلى الجانب الصهيوني هم أعضاء في جيش الاحتلال. مقابل ذلك نجد أن الغالبيّة العظمى من الشهداء الفلسطينيّين هم من الأطفال. هذه النتيجة مكّنت حماس من كسب تأييد شعبي واسع على المستوى الدولي، وليس العربي فحسب، وليس غريباً أن يفضي هذا التكتيك إلى المواقف التي اتّخذتها بعض دول أميركا الجنوبيّة، أو إلى تظاهرات التأييد الجماهيريّة التي شهدتها معظم عواصم العالم.
كما أن التفاف كافّة الفصائل في الداخل الفلسطيني حول خيار المقاومة –بما فيها حركة فتح- خلق واقعاً جديداً في ظلّ التأييد الشعبي العالمي وتعرية الاحتلال، يمكّن هذه الفصائل من فرض شروطها وخياراتها على سلطة أوسلو وإطارها الأوسع المتمثّل بالنظام العربي، الذي يخشى انفجار الشارع نتيجة استمرار المقاومة وتواطؤ هذا النظام.
حتّى الأنظمة الغربيّة الداعمة لاسرائيل تقف عاجزة عن ترويج خطابها المزيّف للواقع، عريّ كامل يكشف قبح هذه الأنظمة أمام شعوبها. المقاومة الفلسطينيّة باتت تملك القول الفصل، ومن المستحيل الآن إخضاعها من قبل أيّ نظام للقبول سواء بالمبادرة المصريّة أو غيرها من المبادرات التي تخدم بعض الأنظمة، وتحقّق للاحتلال مزيداً من المكتسبات.
الجانب المشرق من المشهد الراهن، الذي كشف التواطؤ الرسمي العربي مع الاحتلال، يتمثّل بقدر المقاومة الفلسطينيّة على فرض شروطها على المستويين الإقليمي والدولي. تطوير سلاح المقاومة محليّاً والتأييد الشعبي العربي غير المشروط، وتظاهرات التضامن العالميّة، جعلت من المستحيل احتواء هذه المقاومة أو استغلالها لتحقيق مصالح أنظمة معيّنة كما كان الوضع في السابق.. هذا من جانب.
ومن جانب آخر فإن لخشية النظام الرسمي العربي من هذا الوضع ما يبرّره، فبعد أن ظنّ الكثيرون أن هذا النظام قد نجا من هبّة الربيع العربي، عادت المقاومة الفلسطينيّة لتعيد الأمور إلى نصابها، وتذكّر بحقيقة المعسكر الذي انتفضت في وجهه كافّة شعوب المنطقة. هذا المعسكر لا يقتصر فقط على القاعدة العسكريّة المسمّاة باسرائيل، بل يشمل أدوات الاستعمار الحديث في المنطقة، إنّها الأدوات التي مازالت تقف بين الناس وبين أحلامهم في الحريّة والكرامة.
في العام 2011 امتدّ الربيع العربي إلى الساحة الفلسطينيّة، مسألة يحلو للبعض نسيانها، حيث خرجت التظاهرات في الضفّة الغربيّة، خاصّة في نعلين وبلعين، تحت ذات الشعار الذي نظم منطلقات وبوصلة الربيع العربي "خبز.. حريّة.. عدالة اجتماعيّة".. غير أن الواقع الفلسطيني يستوجب مقاومة الاحتلال قبل أي شيء آخر، لذا كان من الطبيعي أن تعود المقاومة المسلّحة لتصدّر المشهد.
"العلاقة بين الربيع العربي والقضيّة الفلسطينيّة"، جملة تحتوي مغالطة بنيويّة، فكلمة "علاقة" تتضمّن رابطاً بين مسألتين مختلفتين، غير أن الحقيقة هي أن القضيّة الفلسطينيّة جزء جوهري من النضال العربي من أجل التحرّر والتحرير، ودون تحرّر الشعوب العربيّة من الصعب التفاؤل بتحرير فلسطين، والعكس صحيح.
الربيع الفلسطيني أكمل حلقاته اليوم، فبعد أن أدّت الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية والعدوان الصهيوني على غزّة في العام 2008 إلى اندلاع الربيع العربي في العام 2011، قاد الحراك الشعبي العربي إلى تعرية ومحاصرة أنظمة الفساد والاستبداد، وبالتالي إلى امتلاك فصائل المقاومة لزمام المبادرة وفرض شروطها على الجميع. هذه المقاومة –وإن هدأت الأوضاع مؤقّتاً في قادمات الأيّام- ستكون منعطفاً يفجّر موجة احتجاجات أخرى في دول الربيع، التي تدرك شعوبها أن معركة التحرّر من الظلم والاضطهاد هي ذات المعركة التي تخوضها المقاومة من أجل تحرير فلسطين. أدوات الاستعمار في المنقطة العربيّة عاجزة اليوم عن فرض أجنداتها، وما نشهده من تطوّرات ليس سوى البداية.