jo24_banner
jo24_banner

«داعش» في لبنان... ماذا عن الأردن؟

عريب الرنتاوي
جو 24 : استحوذت “عرسال” على عناوين الصحف ووسائل الإعلام، القرية البقاعية (السنيّة) المحاطة بالمقالع والمحاجر، التي تقع في قمة “الجرود” الفاصلة بين سوريا ولبنان، باتت موضع اهتمام الصحافة الدولية، بعد أن نجح تنظيم “داعش” ومعه “النصرة” وفصائل أخرى، من اقتحامها، وقتل وأسر وجرح عشرات الجنود والضباط في الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية.
مذ تحولت الاحتجاجات السلمية في سوريا إلى ثورة مسلحة، لم تقف “عرسال” على الحياد، أعلنت انحيازها الكامل إلى جانب المعارضة السورية، وتحولت إلى ممر وملاذ للجماعات المسلحة التي تقاتل نظام الرئيس السوري بشار الأسد ... لم تخف المدينة هويتها المذهبية للحظة، وامتاز خطاب بعض فعالياتها بالمراوحة ما بين خطابين: سلفي وحريري... في البدء كان الأمر مقبولاً وممكناً، قبل أن يحدث الافتراق بين “المستقبل” والتيار الجهادي، وسعي الأول لتمييز خطابه عن الثاني، سيما بعدما بات الرهان على الجهاديين مكلفاً في ظل رفض دولي لهذا التيار من جهة، وبعد أن بدأ الجهاديون بالتمدد في البيئة السنيّة على حساب تيار المستقبل، وبصورة تتهدد نفوذه ورموزه.
ما بين ثلاثة إلى خمسة آلاف مسلح، بعضهم “داعشيون” وغالبيتهم من الذين نجح تنظيم الدولة في “تأليف قلوبهم” بعد انتصاراته العراقية المدوية، يتمركزون في منطقة التلال والجرود الوعرة المطلة على “عرسال” وعلى امتداد الحدود السورية مع لبنان، جاؤوها خفافاً وثقالاً، من حمص ويبرود والقصير وغيرها من المعاقل المعارضة التي انهارت تباعاً في السنة الفائتة ... هؤلاء ليس لديهم سوى واحد من ثلاثة خيارات: أولها، محاولة العودة إلى قلاعهم وحصونهم السابقة، وهي مهمة متعذرة في ضوء التقدم الذي يحققه الجيش السوري على الأرض ... ثانيها، البقاء في “الجرود”، حيث يواجهون نقصاً في العتاد والغذاء والدواء في ظل حصار مزدوج، يحكم الجيش السوري وحزب الله إغلاقه عليهم يوماً بعد آخر ... وثالثها الاندفاع نحو لبنان، وهذا ما فعلوه مؤخراً، وفي ظني أن “عرسال” ليست سوى أولى محاولات هذه المجموعات للتمدد، أو أقله، للخروج من شرنقة الحصار.
تكتيكياً، يبدو أن “عرسال” هي معركة استطلاع بالنار، تقوم بها الفصائل الجهادية لسبر أغوار الحقبة اللبنانية في “جهادها الأكبر” ... تتعرف من خلالها على قوة الجيش والدولة اللبنانيين من جهة، وتختبر مواقف القوى والأطراف اللبنانية، خصوصاً حلفاءها المحتملين من جهة ثانية، وتمتحن تماسك المجتمع اللبناني وقدرته على التماسك من جهة ثالثة.
لكن على المدى المتوسط، فإن لمعركة “عرسال” أهدافاً أخرى، قد تكون كامنة لدى “داعش” بشكل خاص ... أهم هذه الأهداف على الإطلاق، إلحاق شمال لبنان وبعض مناطق بقاعه، بدولته الإسلامية بزعامة أبو بكر البغدادي ... وربط هذه المناطق بمناطق شمال شرق سوريا وصولاً للموصل، عبر أرياف حمص وحلب، والوصول إلى موطئ قدم (ميناء) على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط.
وربما تكون “داعش” قد استندت في مخططها هذا إلى جملة من العوامل، التي تعتبرها مساعدة، لتحقيق هدف توسيع دولة الخلافة ... من هذه العوامل: وجود بيئة حاضنة في المناطق السنية من “عرسال” إلى الضنيّة وعكار وصولاً لطرابلس وغيرها، بيئة مسلحة ومدججة بالميليشيات و”علماء الدين” وفقهاء الجهاد ... من هذه العوامل أيضاً، اتساع شقة الانقسام والاستقطاب المذهبي في المجتمع اللبناني بين سنة وشيعة ... منها ضعف الدولة اللبنانية بأجهزتها ومؤسساتها العسكرية والمدنية والأمنية.
النتائج الأولية لـ اختبار عرسال” أظهر ما يلي: يمكن الرهان على بيئة اجتماعية حاضنة لـ “داعش”، ما شهدته بعض المناطق السنيّة المذكورة، وما صدر من مواقف وتصريحات عن “علماء” و”فقهاء” السلفية الجهادية وبعض نواب الشمال من تيار المستقبل، أظهرت أن هؤلاء أقرب إلى داعش وهويتها المذهبية، منهم إلى لبنان واللبنانيين وهويتهم الوطنية الجامعة.
أظهرت النتائج، أن الدولة اللبنانية، وإن أبدت بعض التماسك والتوحد خلف الجيش والأجهزة الأمنية الموزعة على الطوائف، ما زالت عرضة للاهتزاز والتضعضع ... فالتردد ميّز أداء مسؤولين كبار داخل الدولة، وتطور المواجهات قد يفضي إلى مزيد من الاهتزاز، وتحويله إلى تفكك وانقسام.
لكن في المقابل، أظهرت النتائج، أن لبنان ما زال يحظى بشبكة أمان إقليمية ودولية، تهدف إلى منع انزلاقه في المستنقعين السوري والعراقي ... وتسعى في حفظ وحدته واستقلاله “ونأيه بنفسه” وتماسك مؤسساته.
لتكون الخلاصة، أن معركة “عرسال” التي لم تضع أوزارها بعد، ليست مرشحة للاستمرار والتوسع والتكرار فحسب، بل وليس مستبعداً أن تكون “بروفة” للمعركة الأوسع التي تستهدف إلحاق شمال لبنان بدولة داعش وخلافة البغدادي.
تطورات المشهد اللبناني المقلقة، جعلت السؤال عن “داعش والأردن” مشروعاً وراهناً تماماً، ولقد رأينا كثرة من الزملاء الكتاب والسياسيين الأردنيين، يتناولونه من زوايا مختلفة، أهمها أن “داعش” لها موطئ قدم في الأردن، وهذا أمر صحيح، لكن الصحيح كذلك، أن الأردن يتميز عن الدول الثلاث التي امتدت إليها نيران “داعش”، بتماسك الدولة والأجهزة والجيش وتجانس المجتمع كذلك .... لـ “داعش” مؤيدون عقائدياً في الأردن، لكن ليس في الأردن طوائف ومذاهب وبيئات حاضنة لـ “داعش” وهذا أمر مهم.
لا خوف على الأردن من “اختراق” خارجي تقوم به “داعش” للأردن، طالما أن الحديث يدور عن الحدود الأردنية – العراقية المفتوحة على مئات الكيلومترات من الصحراء والأراضي المكشوفة وشبه الخالية ... لكن ماذا إن مالت الكفة في جنوب سوريا لصالح “داعش”؟ ... ماذا إن توالت مبايعات الفصائل المسلحة و”النصرة” لـ “داعش” بما فيها تلك التي تحظى بنفوذ قوي في جنوب سوريا؟ ... هنا يجب أن نقلق، فما يفصل تجمعاتنا السكانية عن مناطق نفوذ هذه المنظمات ليس سوى كيلومترات محدودة، وما بين عمان وخط الحدود مع سوريا، يسكن أكثر من 80 بالمائة من الأردنيين، و”داعش” ليس لها قدرة على التمدد في الخلاء، بيد أنها تصبح شراً مستطيراً إن أمكن لها اختطاف التجمعات السكانية الكبرى، حيث تصبح المعارك معها، أكثر شراسة وأعلى كلفة.
لا تهويل ولا تهوين عند الحديث عن خطر “داعش” ... بيد أننا في مطلق الأحوال، نحن بحاجة لاستراتيجية وطنية شامل لمواجهة هذا التهديد، مثلما نحن بحاجة لإبقاء أعيننا مفتوحة على ما يجري في سوريا، خصوصاً في جنوبها .... والأهم، أننا قد نكون بحاجة لتفعيل إطار إقليمي لمواجهة هذا التهديد بصورة مشتركة ومنسقة، بدءاً من أربيل، مروراً ببغداد ودمشق، وانتهاء ببيروت.

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news