تفاصيل زيارة خالد مشعل الى عمان
قبل أسبوع من الآن، بدأ وفد من قيادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" برئاسة رئيس المكتب السياسي خالد مشعل زيارة إلى عمان؛ بدت في نظر المراقبين مفاجئة ومثيرة للاهتمام في توقيتها. وسارع محللون في حينه، إلى الربط بين موعد الزيارة والاعلان عن فوز مرشح الإسلاميين في مصر محمد مرسي بمنصب رئيس الجمهورية، ومجمل التحولات الجارية في المنطقة العربية.
مشعل ورفاقه الذين ما يزالون حتى الآن في عمان، عقدوا خمسة لقاءات رسمية مع كبار المسؤوليين في الدولة، وعلى رأسهم جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو الأمير على بن الحسين، الذي لعب دورا حيويا مهما في ترتيب الزيارة الأولى لوفد حماس قبل أشهر، والزيارة الاخيرة، بالاضافة إلى رئيس الوزراء فايز الطراونة، ورئيس الديوان الملكي رياض ابو كركي، ومدير مكتب الملك عماد فاخوري، ورئيس هيئة الاركان المشتركة الفريق أول مشعل الزبن، ومدير المخابرات العامة اللواء فيصل الشوبكي، الذي يتولى جهازه منذ أعوام ادارة ملف العلاقة مع حركة حماس.
حقيقة الزيارة وقيمتها
قبل الدخول في تفاصيل اللقاءات والملفات التي تناولتها، يتعين أولا توضيح ظروف الزيارة ودلالاتها بالنسبة للأردن وحركة حماس.
خلافا لتقديرات المراقبين، فإن الاتفاق على موعد الزيارة، تم قبل الإعلان عن فوز مرسي في الانتخابات الرئاسية بأسبوع تقريبا. قيادة حماس وبعد زيارتها الأولى إلى عمان قبل أشهر، أبلغت بأن النية تتجه لترتيب زيارات اخرى، لكن ولظروف يطول شرحها، لم يتم الاتفاق على موعد محدد، فعادت حماس لتذكر بالامر، وبعد وقت قليل تلقت موافقة على تحديد موعد الزيارة.
لم يضع الاردن هذه المرة شروطا على تشكيلة الوفد المرافق لمشعل، وإن طالب باختصار العدد قدر الامكان، ووفر تسهيلات كبيرة للوفد عند وصوله، وكان في استقباله ثلاثة مسؤولين في دوائر الدولة السيادية.
بعد الزيارة الأولى لوفد حماس إلى عمان، وصف مسؤول في الحركة تلك الزيارة بالاستهلالية، لكنه اليوم وبعد جولات من الاجتماعات مع المسؤولين الأردنيين، يؤكد المسؤول ذاته، وبثقة، أن هذه زيارة "تأسيسية"، لعلاقة دائمة تقوم على أسس واضحة، وتخدم مصالح الشعبين الأردني والفلسطيني.
وتكمن قيمة الزيارة ايضا، في التأسيس لمسار مستقل للعلاقة بين الطرفين وفصلها عن العلاقة مع دولة قطر التي رعت الزيارة الأولى لقيادة حماس إلى عمان.
الأردن وحماس.. محددات ترسم طريق العلاقة
أحد أهم الملفات التي تناولتها مباحثات الطرفين، مستقبل العلاقة بين الأردن وحماس، وتسوية ملفات عالقة، وتجاوز إرث من عدم الثقة. اجتماعات كبار المسؤولين الأمنيين مع مشعل وفريق مصغر من وفد حماس، كانت مناسبة استثنائية للتوافق على محددات العلاقة وآفاقها المستقبلية.
في هذه اللقاءات، رحب الطرفان بالمحددات الأربعة التي تعهدت بها حركة حماس للعلاقة مع الاردن، وهي:
1 – أمن الأردن مقدس لا نمسه، ولا نسمح لأحد أن يمسه، وأي قضية تحصل في المستقبل ستكون خارج السياق، وسنحاسب المسؤول عنها، ونأمل من الطرف الأردني أن يتعامل معها على هذا الأساس.
2- نحترم خصوصية الوضع الداخلي الأردني، ولا نتدخل فيه، إلا في إطار التشاور وبطلب من الجانب الأردني.
3 - الشأن "الإخواني" في الأردن، لا دخل لنا فيه ولسنا جزءا منه. "كنا في الماضي تنظيما واحدا، لكننا اليوم تنظيم منفصل عن الإخوان المسلمين في الأردن"؛ لا اختراق لنا في الإخوان، ونحن غير مسؤولين عن "استعمال" البعض لحماس في التنافس داخل الإخوان المسلمين.
4 - العلاقة الأردنية الفلسطينية لها خصوصيتها، ويجب مراعاتها، ونحن الطرف الإقدر على صياغة تصور لهذه العلاقة، في ضوء محدداتنا الصارمة، وهي: لا توطين ولا وطن بديلا، والأردن ليس ساحة للتعويض السياسي عما يعجز عنه البعض غربي النهر.
على هذه القاعدة، دعت قيادة حماس إلى إقامة علاقة منتظمة مع الأردن في بعديها السياسي والأمني، وأكدت لجميع المسؤولين أنها لا تريد فتح مكتب في عمان؛ لا الآن ولا في المستقبل.
شعرت قيادة حماس خلال الاجتماعات، بأن هناك رغبة أردنية أكيدة في بناء علاقة صحية ومنتظمة بين الطرفين، والأهم؛ أن هناك توجيها من أعلى مستوى بتسوية جميع الملفات العالقة مع حركة حماس، وفتح صفحة جديدة.
الاجتماعات مع المسؤولين الأمنيين، تمت في أجواء مريحة، وسادتها رغبة بتجاوز خلافات الماضي واستعادة الثقة. وقد تم الاتفاق على دراسة مطالب الحركة بخصوص القيود الأمنية لأعضائها من حملة الجنسية الأردنية، وتسهيل حركة تنقلهم وزياراتهم للأردن، باستثناء رئيس المكتب السياسي للحركة، والاتفاق على علاقة تشاورية دائمة، بدون فتح مكاتب للحركة في الأردن.
ملف الإخوان المسلمين في الأردن
حرص قادة حماس خلال اللقاءات مع المسؤولين الأردنيين على عدم التطرق إلى موضوع مشاركة الإسلاميين من عدمه في الانتخابات، لكن مبادرة أحد كبار الحضور إلى طرح الأمر، فتح نقاشا حوله. لم يطلب الجانب الأردني وساطة حماس عند الإسلاميين، ولم يعرض مشعل ورفاقه من طرفهم القيام بهذا الدور. وخاطب مسؤول أردني كبير مشعل بالقول: أنا لا أطلب منكم شيئا، لكن لا أحد يمنعكم من قول كلمة خير.
بعد لقاءات مشعل مع الرسميين الأردنيين، اجتمع مع قيادات الحركة الإسلامية في منزل المراقب العام للإخوان المسلمين همام سعيد. نقل مشعل إلى قيادة الحركة الإسلامية رغبة أركان الدولة الأردنية بمشاركتهم في الانتخابات النيابية. وقال مشعل للإخوان: القرار قراركم، لكن عليكم أن تدركوا الفرق بين واقع الجمهوريات والملكيات، فما يصلح هناك، لا يصلح هنا. لا تفكروا أن كل شيء تريده المعارضة يمكن تحقيقه مرة واحدة. ونصحهم: اشتقوا مقاربة للإصلاح في الأردن بدون أن تدفع البلاد ثمنا باهضا. وأردف، هناك رغبة كبيرة عند الدولة الأردنية بالتفاهم مع الإخوان ومشاركتهم في الانتخابات.
مشعل الذي وجد نفسه في موقع الوسيط بدون تنسيق مسبق أو طلب من أية جهة، خرج بقناعة أن "المفتاح" الذي يحدث فارقا في موقف الإخوان المسلمين لجهة المشاركة، هو التخلي عن الصوت الواحد. في المقابل فإن الحركة الإسلامية استجابت على الفور لطلب التطمينات التي طلبها النظام بعدم السعي للحصول على الأغلبية في مجلس النواب.
سورية وأفق الحل السياسي
لم تغب الأزمة السورية عن لقاءات القيادة الأردنية مع وفد حماس. الجانب الأردني الذي يبدي قلقا كبيرا من تداعيات هذه الأزمة على المنطقة طرح جملة أسئلة حول فرص الحل في سورية، ووقف مسلسل سفك الدماء. قادة حماس أبدوا تشاؤما حيال فرص الحل السياسي، ونجاح مبادرة كوفي أنان، إذ يسود لديهم الاعتقاد بأن الأزمة تجاوزت إمكانيات الحل السياسي، وأن المواجهات على الأرض، هي التي ستحسم الصراع.
مصر بعد فوز مرسي
عندما التقى جلالة الملك بوفد حماس، كان قد أُعلن عن فوز محمد مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية. قال خالد مشعل في اللقاء إنه يعرف مرسي منذ 12 عاما، وهو شخصية وطنية معتدلة حسب وصفه. أقر مشعل بارتكاب الإسلاميين في مصر أخطاء في المرحلة الأولى بعد الثورة، لكنه على قناعة اليوم "بأنهم تعلموا من أخطائهم". وحاول مشعل تطمين الجانب الأردني حول دور الإخوان المسلمين في مصر. وأبدى استعداده "لأي شيء" يطلبه الجانب الأردني من الرئاسة المصرية. وأكد أنه نصح مرسي ببناء علاقة وثيقة مع الأردن، ورعاية المصالح المشتركة للبلدين.
في المقابل، لم يلمس مشعل أي انطباع سلبي من جانب المسؤولين الأردنيين تجاه الرئيس المصري الجديد.
المصالحة الفلسطينية ومستقبل السلام
أبلغت قيادة حماس كبار المسؤولين الأردنيين ترحيبها، لا بل وحرصها على دور أردني في الجهود المبذولة لإنجاز المصالحة بين حركتي حماس وفتح. قال مشعل بهذا الخصوص: حماس لا تضيق ذرعا بالدور الأردني، قلت ذلك للملك الراحل، وأقولها اليوم. لكن خلال البحث في تفاصيل المصالحة وأسباب تعثرها، ظهر تباين في الموقف من رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، وتساءل الجانب الأردني: لماذا أنتم في حركة حماس متحفظون على استلام فياض لحكومة المصالحة.
في معرض الحديث عن مستقبل عملية السلام، طرح مسؤول أردني سؤالا مباشرا على خالد مشعل: هناك احتمال بأن يفوز باراك أوباما بولاية ثانية، وقد يعمل من أجل إنجاز حل للقضية الفلسطينية فماذا تريدون منه؟
السؤال نفسه، تقريبا سبق لمشعل أن سمعه من الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر خلال اللقاء معه في القاهرة قبل أشهر، وحينها طلب كارتر من مشعل الموافقة الصريحة على المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل.
رد مشعل على السؤال بما يلي:
هناك أمران أساسيان لا بد من توافرهما، حتى نستطيع القول إننا جاهزون؛ الأول: ترك الفلسطينيين وشأنهم لإنجاز المصالحة والديمقراطية الداخلية بدون تدخل أو ضغوط وفرض شروط. وعليهم في أميركا والغرب أن يتعايشوا مع الديمقراطية الفلسطينية. ثانيا: نحن موافقون على حدود 1967، لكننا لن نتخلى عن القدس وحق اللاجئين في العودة.
أما بالنسبة للمبادرة العربية، فهي من وجهة نظر حماس انتهت، لكن حركة حماس تعد مع العهد الجديد، "المقصود فوز أوباما مرة ثانية" بـ"نيو أبروج"- مقاربة جديدة مختلفة. ويعتقد قادة حركة حماس بهذا الخصوص بأن على العرب أن يستغلوا "رعب إسرائيل من الربيع العربي" للوصول إلى حل عادل، يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه.
وفيما يتعلق بانتخابات حماس الداخلية، وما تردد عن خلافات في بين حماس الداخل والخارج، فقد أكد اعضاء في المكتب السياسي أن الانتخابات الداخلية في غزة انتهت، لكنها مستمرة في الضفة الغربية والخارج. وأوضحوا وجود "تنوع" في مواقف الحركة "يزيد وينقص" حسب القضايا المطروحة. وأشاروا إلى أن الموقف من قضية المصالحة، هو من أكثر المسائل جدلا في أوساط الحركة. أما بالنسبة إلى انتخاب رئيس وأعضاء المكتب التنفيذي للحركة، فقد أكدوا أن الأمر برمته مؤجل لما بعد انتخاب مجلس شورى الحركة، وإلى ذلك الحين سيبقى أمر "تنحي" خالد مشعل بناء على رغبته مطروحا. "الغد"