jo24_banner
jo24_banner

الشعب ليس قطيعاً.. والسلطة السياسيّة والدينيّة المطلقة من مخلّفات العصور الوسطى

الشعب ليس قطيعاً.. والسلطة السياسيّة والدينيّة المطلقة من مخلّفات العصور الوسطى
جو 24 : تامر خرمه- الانقلاب على وعود الإصلاح لم يقتصر على تعديلات دستورية تنسف طموح بناء ديمقراطيّة حقيقيّة مستندة إلى مبدأ الشراكة والتعدّديّة السياسيّة فحسب، بل تعدّى الأمر ذلك إلى محاولة بناء سلطة دينيّة مطلقة لا يُسمح بمخالفتها أو نقدها على الإطلاق.

منذ انحسار الحراك السياسي المطالب بالإصلاح والسلطة تمعن في انقضاضها على كافّة المطالب الشعبيّة، فمن الاستمرار في سياسة الإفقار، إلى محاربة المعارضة الوطنيّة، إلى حصر المزيد من الصلاحيّات بيد مرجعيّة واحدة، تراجع الانفتاح السياسي إلى مرحلة ما قبل العام 1989. بناء شراكة سياسيّة حقيقيّة بات أبعد ما يكون عن واقع الحال. السلطة تبدو وكأّنّها تنتقم من الناس -الذين طالبوا بالارتقاء بالانفتاح السياسي إلى حالة ديمقراطيّة- عبر التراجع حتّى عن المستوى المنخفض لـ "ديمقراطيّة" ما قبل الربيع العربي.

ولم تكتف السلطة بذلك، بل تجاوزت تكريس السلطة السياسيّة المطلقة إلى إقرار قانون يجعل من إصدار الفتاوى الشرعيّة حكراً على جهة واحدة، بل ويجرّم كلّ من لا يقبل أو ينتقد ما يصدر عن هذه الجهة من فتاوى.

أوّلاً دائرة الافتاء ليست مجلس كهنوت يا صنّاع القرار، ومثل هذا القانون يسيء إلى دائرة الافتاء نفسها قبل أيّة جهة أخرى، فهي ليست محاكم تفتيش القرون الوسطى حتّى تضعونها في موقع مناقض للاجتهاد ولحريّة الفكر والمعتقد. ثمّ أن التعدديّة الدينيّة مصونة بالدستور، فكيف يتمّ إقرار قانون يجرّم الاختلاف في المسائل الفقهيّة أو التشريعيّة ؟!

الشعوب ليس قطعاناً يمكن سوقها بسلطة سياسيّة ودينيّة مطلقة. كما أن الحقيقة ليست حكراً على أحد. مثل هذه الممارسات ظننّا أنّها انتهت منذ أمد بعيد، فهل اخترع أحدهم آلة الزمن لنشهد مثل هذه القفزة المرعبة إلى بدايات التاريخ ؟!

ليس ما نشهده اليوم هو تقويض لأسس مفهوم الدولة المدنيّة فحسب، بل هو عودة إلى مرحلة ما قبل الدولة، حيث تكون السلطة مطلقة وفوق أيّ نقد. الخطورة أن هذه الردّة من شأنها أن تفضي إلى نتائج كارثيّة، أهونها نسف العقد الاجتماعي عبر تشويه مفاهيم الانتماء والدولة والمواطنة. إقرار قوانين تجعل من الناس مجرّد رعايا ليس لهم إلاّ السمع والطاعة، يحوّل القانون من وسيلة لتنظيم علاقات الناس إلى أداة قمع مباشر، كما يحوّل السلطة إلى عقبة أمام التطوّر الاجتماعي، ولك تصوّر كافّة السيناريوهات المحتملة بعد ذلك.

كما أنّ إقحام الدين في لعبة السلطة، التي تستهدف فرض القيود على عقول الناس، عبر إقرار مثل هذه القوانين التي تناقض حريّة الفكر والمعتقد وتحرّم التفكير باسم الدين، مسألة تتعارض تماماً مع تجريم الاساءة إلى الأديان في القانون الأردني، فاستخدام الدين على هذا النحو هو أكثر من مجرّد إساءة.

وهل حقّاً يعتقد صنّاع القرار أن انحسار الحراك السياسي المطالب بالإصلاح نتيجة مخاوف ترتبط بالتطوّرات الإقليميّة، يتيح لهم التراجع عن كافّة الوعود الإصلاحيّة بل ومصادرة حتّى حقّ الناس بالتفكير؟

الشارع العربي الذي ثار على واقعه المتردّي لن يهدأ حتّى يتغيّر هذا الواقع، هذا ما تثبته حركة التاريخ وتجارب الشعوب الأخرى، فكيف إذا ما تراجع واقع الناس إلى أدنى ممّا كان عليه قبل اندلاع الثورات ؟

أمّا التطوّرات الإقليميّة التي يراهن صنّاع القرار على مخاوف الناس المرتبطة بها، فهي تزيد الأمور تعقيداً وخطورة، وليس من الحكمة اعتبارها "ضمانة" تتيح للسلطة الإمعان في غيّها واستفرادها، على جلاوزة المطبخ السياسي إعادة حساباتهم مجدّداً، فالمرحلة لا تحتمل المزيد من المغامرات غير المحسوبة، والشعب ليس قطيعاً يمكن تطويعه وإدارته بسلطات مطلقة!!
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير