حروب الجيل الرابع (الجزء الأول)
د. حسين عمر توقه
جو 24 : سوف نحاول من خلال هذا البحث التوصل إلى أجيال الحروب المختلفة والتي صنفها أصحاب السياسة والفكر الإستراتيجي انها تلخص ما يدور في العالم اليوم منذ اللحظات الأولى التي قامت فيها قوات الإمبراطورية اليابانية بالهجوم على ميناء بيرل هاربر. حيث تم تحديد الجيل الأول بالحرب العالمية الأولى واستسلام دول المحور .
أما الجيل الثاني من الحروب فقد تمت تسميته بالحرب الباردة التي شهدت انقسام العالم إلى معسكرين رئيسيين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي أي المعسكر الشيوعي والمعسكر الرأسمالي وإنتهاء هذه الحرب بإنهيار الإتحاد السوفياتي .
أما الجيل الثالث من الحرب الثالثة والتي تعارف على تسميتها بالحرب على الإرهاب والتي انطلقت شرارتها بتاريخ 11/9/ 2000 بحادثة تفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وما صاحبه من هجوم على كل من أفغانستان والعراق في إطار قرارات الأمم المتحدة وقيام الولايات المتحدة بخوض غمار هذه الحرب من تألف لقوى وجيوش العديد من دول العالم.
أما الحرب الرابعة فلقد بدأت حين قررت الولايات المتحدة بعد خسائرها الفادحة في الأرواح والمال والعتاد أن تقوم بزرع ميليشيات دينية بإعتبارها خلايا نائمة تقوم بتغذيتها فكريا وعقائديا وماديا ثم تبدأ بإيقاظها حسب مخططات عقائدية دينية سياسية من أجل إشعال حرب أهلية بين الأنظمة السائدة وبين هذه المجموعات والميليشيات كما هو حادث حاليا في معظم أنحاء العالم العربي
نقاط للتأمل :
1: تصريحات هيلاري كلينتون
في كتابها الجديد خيارات صعبة صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون " إن الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة باراك أوباما هي من قامت بتأسيس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بهدف الإمعان في تقسيم الشرق الأوسط. ولقد تم الإتفاق مع الأخوان المسلمين ورئيس الوزراء التركي أردوغان على إعلان الدولة الإسلامية يوم السبت الموافق 5/7/2013 وكنا ننتظر الإعلان عن هذه الدولة لكي نعترف نحن وأوروبا بها. لقد زرت 112 دولة في العالم وتم الإتفاق مع بعض الأصدقاء بالإعتراف بالدولة الإسلامية لدى إعلانها فوراً وفجأة تحطم كل شيء وكسر أمام أعيننا بدون سابق إنذار. شيء مهول حدث في مصر. لقد فشل مشروعنا عقب سقوط الأخوان المسلمين. وكنا نخطط للتوجه بعد ذلك إلى دول الخليج الفارسي " حسب تعبيرها " وكانت أول دولة مهيأة هي الكويت عن طريق أعواننا من الأخوان المسلمين هناك. ومن ثم السعودية فالإمارات والبحرين وسلطنة عمان. وبعد ذلك يعاد تقسيم الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية حيث ستصبح السيطرة لنا على كامل المنطقة. خاصة على منابع النفط والمنافذ البحرية. لقد فكرنا في استخدام القوة لكن مصر ليست سوريا أو العراق أو ليبيا فجيشها قوي وشعب مصر لن يترك جيشه يقاتل وحده ".
2: قوات البشمركة
لماذا تراجعت قوات البشمركة الكردية عن مجابهة قوات داعش وسمحت لها بإحتلال سد الموصل وهو ثاني أكبر سد في العراق ثم لماذا سمحت داعش لقوات البشمركة والجيش العراقي بإستعادة سد الموصل ولم تعمد إلى تفجيره ولماذا سمحت قوات البشمركة لقوات داعش الوصول إلى المناطق القريبة من أربيل العاصمة لإقليم كردستان وعلى مسافة 35 كيلومتر علما بأن قوات البشمركة هي أقوى قوة عسكرية موجودة في العراق ولها تاريخ طويل يرجع في بداياته إلى مطلع القرن العشرين من خلال مشاركة وحداته القتالية النظامية مع القوات العثمانية ومن ثم برز إلى سطح الأحداث بداية عام 1961 من خلال الحرب العراقية الكردية وفي عام 1975 من خلال الصراع مع إيران. كما شهدت حدود كردستان الشمالية حرب استنزاف مع تركيا لسنوات طويلة.
لقد اكتسب جيش البشمركة زخما من المعدات والآليات العسكرية لا سيما بعد انهيار نظام الرئيس العراقي صدام حسين واجتياح القوات الأمريكية للعراق حيث قام جيش البشمركة بالمشاركة في خوض المعارك ضد الجيش العراقي جنبا الى جنب مع القوات الأمريكية وقام بالإستيلاء على كميات كبيرة من أسلحة الجيش العراقي وعلى سبيل المثال لا الحصر تمت السيطرة على ما يقارب من 2000 دبابة ومجنزرة وناقلة جنود وأعداد كبير من قطع المدفعية الثقيلة وهو يعتبر الآن أقوى من الجيش العراقي التابع للحكومة المركزية وهو مجهز بأحدث الأسلحة ويتراوح تعداده ما بين 275 ألف مقاتل إلى 300 ألف مقاتل وتربطه علاقات مميزة مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل وتم تكليفه بالمسؤولية الكاملة عن الأمن في المناطق الكردية في شمال العراق. وفي أواخر عام 2004 تم تحويل البشمركة إلى ما يعرف بإسم قوات الحرس الوطني العراقي ولقد تولت الولايات المتحدة مهمة تدريب القوات الكردية لمساعدتها في القضاء على المتمردين السنة في العراق.
ويعتبر إقليم كردستان من أكثر الأقاليم العراقية إستقلالا عن الحكومة المركزية عسكريا واقتصاديا واستراتيجيا حيث يمر في أراضيه أنبوب النفط الواصل إلى ميناء جيهان التركي .
لقد قام جيش البشمركة خلال الأشهر الماضية في فرض سيطرته على المناطق الحدودية المتاخمة لإقليم كردستان بعد انسحاب قيادات الفرقة 12 والفرقة الثانية والفرقة الثالثة والفرقة الرابعة ولجؤ القادة إلى إقليم كردستان تاركين وراءهم أسلحتهم الخفيفة ودباباتهم وقطع المدفعية والعربات المجنزرة وقام الرئيس الكردي مسعود البرزاني بالإعلان عن ضم كركوك إلى كردستان .
لماذا لم تقم قوات البشمركة بالدفاع عن الأزيديين وسمحت بمحاصرتهم في سنجار من قبل قوات داعش بل لماذا لم تعمد قبل ذلك إلى الدفاع عن مئات الآلاف من المسيحيين الذين تم تهجيرهم من محافظات الوسط العراقي وفي مقدمتها مدينة الموصل. ولماذا قررت الولايات المتحدة السماح لطائراتها من فوق حاملة الطائرات بوش بالإغارة على مواقع داعش والظهور بالمظهر الإنساني المنقذ الأعظم.
3: الدولة الإسلامية (داعش )
نحن لا نريد أن نتطرق هنا إلى الجانب الديني وتاريخ الفكر السلفي الذي برزت بذوره عند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني الذهلي أحد الأئمة الأربعة وصاحب المذهب الحنبلي وطورها شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الذي ساهم في تطوير ونمو حركة الإسلام السياسي وأتى من بعده الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان آل مشرف التميمي الذي كان يدعو الناس إلى عقيدة التوحيد ولذلك سمى أتباعه هذه الدعوة بالدعوة السلفية نسبة إلى السلف الصالح. ونحن هنا وفي هذه العجلة لا نستطيع استعراض تطور الفكر عبر العلماء الثلاثة في مقالة فأفكارهم بحاجة إلى مجلدات وإن ما يهمنا هنا أنه تم بطريقة أو بأخرى تم ربط فكر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالفكر السلفي.
يرجع تأسيس جماعة التوحيد والجهاد إلى أبو مصعب الزرقاوي وهو أحمد فاضل نزال الخلايلة أردني الجنسية. توجه إلى أفغانستان عام 1989 عن طريق بيشاور واستقر به المقام لفترة في مدينة جلال أباد والتي تعتبر القاعدة الخلفية للمجاهدين العرب والأفغان وفي ربيع 1989 توجه مع عدد من المقاتلين إلى منطقة خوست شرق أفغانستان إلا أنه لم يشارك في القتال ضد السوفييت لأن الحرب كانت قد انتهت قبل وصوله وقرر المشاركة في الموجة الثانية من معارك الحرب الأهلية والتحق بمعسكرات قلب الدين حكمتيار وشارك في المعارك التي دارت بين الأحزاب الإسلامية ضد الأحزاب الموالية للشيوعية حتى عام 1993 حيث قرر العودة إلى الأردن بعد بدء الحرب الأهلية بين فصائل المجاهدين وانتهاء حرب الخليج الثانية والبدء في ملاحقة الأفغان العرب في بيشاور .
وكانت تلك الفترة قد شهدت عودة الكثيرين من المقاتلين الأردنيين من أفغانستان والذين انخرطوا في عدد من التنظيمات كجيش محمد والأفغان الأردنيون وباشر أبو مصعب الزرقاوي الإتصال بعصام البرقاوي (أبي محمد المقدسي) صديقه في أفغانستان. ولقد تضافرت جهود كل من الزرقاوي صاحب الخبرة القتالية العملية وأبو محمد المقدسي صاحب الخبرة النظرية من أجل نشر السلفية الجهادية وتمكنا من جمع عدد من الأتباع والأنصار وأطلقوا على أنفسهم اسم جماعة التوحيد. وتم الإتفاق أن يكون أبو محمد المقدسي أميرا لجناح الدعوة وأبو مصعب الزرقاوي أميرا للجماعة وأن يكون خالد مصطفى العاروري (أبو القسام) من أهل الشورى والحل والعقد. وبدأت الجماعة العمل في ظل ظروف وأحداث متسارعة فلقد كان الأردن على وشك توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل وبصدد إجراء الإنتخابات النيابية كما شهدت تلك الفترة وقوع حادثة المسجد الإبراهيمي 1993 وقرر بعض أعضاء الجماعة القيام بعملية استشهادية ضد إسرائيل ولم تجد دعوة المقدسي إلى السلفية الجهادية أي صعوبة في إكتساب أنصار ومتعاطفين لا سيما بين المجموعات الصغيرة المنتشرة في العديد من المدن والمحافظات الأردنية لا سيما في السلط ومعان والمفرق والزرقاء والتي كانت تتبنى مواقف سيد قطب في الحاكمية وتكفير الحكومات والدساتير. ولقد قامت الأجهزة الأمنية بإلقاء القبض على كافة أعضاء تنظيم جماعة التوحيد وتم تقديمهم الى محكمة أمن الدولة عام 1996 حيث تم الحكم عليهم بالسجن لمدة خمسة عشرة عاما وعقب تولي الملك عبد الله الثاني ابن الحسين مقاليد الحكم أعلن التلفزيون الأردني بتاريخ 23 آذار عام 1999 العفو العام عن المساجين. وقام الزرقاوي بمعية مجموعة من تنظيم الجماعة بالمغادرة إلى الباكستان ومنها إلى أفغانستان حيث أسس هناك معسكر هيرات. في هذه الأثناء وقعت حادثة برجي التجارة العالمي بتاريخ 11/9/2001 مما أدى إلى وقوع مجابهة شرسة بين القاعدة وجماعاتها المختلفة وبين الولايات المتحدة وحلفائها من القوى العظمى وحكومات العديد من الدول العربية وكانت فاتحة الصراع الدامي للحرب الأفغانية التي أدت إلى سقوط نظام طالبان واختباء قادة القاعدة عن الأنظار. وانتقل أبو مصعب الزرقاوي مع عدد من أنصاره من معسكر هيرات إلى إيران ثم إلى المناطق الكردية في شمال العراق. وفي كردستان قام عدد من أنصار الزرقاوي بتأسيس تنظيم تحت اسم (جند الشام) ثم أقاموا تحالفا مع فصيل كردي متشدد انشق عن الجماعة الإسلامية ونشأ تنظيم جديد تحت اسم (أنصار الإسلام) .
وبقي الزرقاوي في كردستان وأخذ يتنقل سرا بينها وبين سوريا. وبتاريخ 9/4/ 2003 تمكنت القوات الأمريكية من إحتلال بغداد وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين. في ظل هذه الظروف والمعطيات الجديدة انتقل أبو مصعب الزرقاوي إلى بغداد ووجد في المجتمع السني حاضنة اجتماعية وباشر في إعادة بناء شبكة جديدة في العراق وبدأ إجراء إتصالات واسعة ونجح في تأسيس جماعة من المتطوعين العرب بالإضافة إلى النواة الأساسية من الأردنيين وقامت هذه المجموعة بسلسلة من العمليات الإنتحارية فبتاريخ 19/8/2003 تم تنفيذ عملية تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد أسفرت عن مقتل 22 شخصا من بينهم ممثل الأمم المتحدة في العراق سيرجيو فيرا دي ميلو وقام بعدها بإغتيال رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق محمد باقر حكيم وقتل معه 83 شخصا وبتاريخ 12/12/2003 قام بتنفيذ هجوم على قاعدة عسكرية إيطالية في الناصرية قتل من جرائها 19بينهم 7 من جنود التحالف طوال هذه الفترة كان يشار إلى المجموعة بإسم مجموعة الزرقاوي حيث فرضت نفسها بقوة وبدأت تحظى بتأييد ودعم من تيار السلفية الجهادية داخل العراق وخارجه من خلال تبنيه لآيديولوجية سلفية جهادية صارمة واستراتيجية قتالية تعتمد على التوسع في العمليات الإنتحارية. وفي عام 2003 انضم الى مجموعة الزرقاوي عمر يوسف جمعة (أبو أنس الشامي) الذي استطاع أن يقنع الزرقاوي بالإعلان عن تأسيس جماعة واضحة الراية والعنوان أطلق عليها اسم (جماعة التوحيد والجهاد) في أواخر شهر أيلول عام 2003 .
بتاريخ 2/3/2004 قامت جماعة التوحيد والجهاد بمجموعة من الإعتداءات المتزامنة على الشيعة في كربلاء تسببت في مقتل 170 شخصا وجرح 550 شخصا. وكانت هذه الإعتداءات نقطة تحول خطيرة في الصراع داخل العراق إذ أطلقت العنان بصورة مرعبة للصراع السني / الشيعي وتعزيز المجابهة العسكرية بين السنة والشيعة وتوفير بيئة من الفوضى الأمنية والإحتقان الطائفي .
وبدأ الإتصال مع تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن وذلك لجلب مزيد من الأعضاء وفق سياسات عولمة الجهاد. حيث بدأ المئات من المتطوعين من العالم العربي والإسلامي وأوروبا يتدفقون للإلتحاق بالزرقاوي وتم تغيير اسم الجماعة من التوحيد والجهاد إلى تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين. واستمر الزرقاوي في عملياته ونشاطاته وعمل على الإمتداد إلى خارج العراق في الدول المحيطة في الأردن وسوريا ولبنان والسعودية وكان تفكيره وبعض من تصريحاته تشير إلى أنه يخطط إلى إقامة (إمارة إسلامية) سنية في وسط وغرب العراق تمثل رأس حربة إقليمي لتنظيم القاعدة في المنطقة وفي عام 2006 ظهر أبو مصعب الزرقاوي في شريط مصور معلنا عن تشكيل (مجلس شورى المجاهدين) بزعامة عبد الله رشيد البغدادي.
ولقد برز اسم أبو مصعب الزرقاوي على المستوى الدولي حين قام وزير الخارجية الأمريكية كولن باول بإلقاء كلمته أمام مجلس الأمن الدولي بتاريخ 5/2/ 2003 وبالتحديد قبل ستة أسابيع من الإجتياح الأمريكي للعراق حيث أعلن أن هناك علاقة تربط نظام صدام بتنظيم القاعدة حيث استخدم كولن باول إسم أبو مصعب الزرقاوي وأشار إلى تنظيم القاعدة بأنها " شبكة الإرهاب الإسلامي ".
وبتاريخ 8/2/2003 تم إكتشاف مادة (الإنتراكس) في رسالة موجهة إلى بيل فريست زعيم أغلبية الجمهوريين في مجلس الشيوخ وتم توجيه أصابع الإتهام إلى مصعب الزرقاوي بإعتباره الشخص المختص في توضيب السموم والمتفجرات. وبتاريخ 13/2/2003 بثت قناة (إي بي سي) خبرا مفاده أن ألإرهابي أبو مصعب الزرقاوي يحضر لإعتداءات على الولايات المتحدة وبلغ قمة الذروة حين ذكر الرئيس جورج بوش اسم الزرقاوي واصفا إياه الرجل الأخطر في العالم بعد أسامة بن لادن .
وفي صباح 7/6/2006 أعلن رئيس الحكومة العراقية عن مقتل أبو مصعب الزرقاوي في غارة جوية أمريكية على بعقوبة. وبعد مقتل الزرقاوي وفي نفس الشهر جرى انتخاب أبي حمزة المهاجر زعيما للتنظيم وبتاريخ 15/10/2006 تم تشكيل دولة العراق الإسلامية بزعامة أبي عمر البغدادي إثر إجتماع عام لمجموعة من الفصائل المسلحة وتم إختيار أبو عمر البغدادي زعيما للتنظيم .
وفي يوم الإثنين الموافق 19/4/2010 شنت القوات الأمريكية والقوات العراقية عملية عسكرية في منطقة الثرثار استهدفت منزلا كان يتواجد فيه كل من أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر وبعد اشتباكات عنيفة تم قصف المنزل بواسطة الطائرات ليقتلا معا وتم عرض جثتيهما على وسائل الإعلام. وتم اختيار (أبو بكر البغدادي) ليصبح أميرا لدولة الإسلام في العراق لقد ولد إبراهيم عواد إبراهيم السامرائي "وهو الإسم الحقيقي لأبو بكر البغدادي" عام 1971 في مدينة سامراء واختار في بداية التسعينات أن يدرس العلوم الشرعية فاتجه إلى الجامعة الإسلامية في بغداد وتابع دراسته حتى حصل على شهادة الدكتوراه. ولقد حصل التحول في حياته العملية بعد الإحتلال الأمريكي للعراق بفترة قليلة إذ تبنى تحريض العشائر العربية على القتال وساهم في تأسيس مجموعات مسلحة في نطاق ديالى وسامراء وبغداد ولقد تعرض للإعتقال على يد قوات الإحتلال الأمريكي في العام 2005 حتى العام 2009 "وحسب أحد تقارير عميل المخابرات الأمريكية السابق إدوارد سنودن " أنه في هذه الفترة تم تجنيد أبو بكر البغدادي وتم تدريبه عسكريا واستخباريا على يد خبراء من الموساد وأكد أن دولة العراق الإسلامية هي نتاج تعاون استخباري أمريكي بريطاني إسرائيلي وأنه تم وضع خطة تحت رمز (عش الدبابير) من أجل تجميع أكبر عدد ممكن من الميليشيات الإسلامية وتقويتها من أجل زعزعة أنظمة الحكم في الدول العربية وجر الدول المسلمة إلى صراع طويل الأمد بين السنة الشيعة وتنفيذ مخطط تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات دويلة شيعية في الجنوب ودويلة سنية في الوسط ودويلة الأكراد في الشمال .
بعد إندلاع الأزمة السورية وأصبحت ثورة مسلحة بدأ تكوين الفصائل والجماعات لقتال النظام السوري. وفي أواخر عام 2011 تم تكوين جبهة النصرة بقيادة أبو محمد الجولاني حيث أصبح الأمين العام لها. واستمرت الجبهة بقتال النظام حتى وردت تقارير استخبارية عن علاقتها الفكرية والتنظيمية بفرع دولة العراق الإسلامية وأدرجتها الولايات المتحدة على لائحة المنظمات الإرهابية. وبتاريخ 9/4/ 2011 ظهر تسجيل صوتي منسوب إلى أبو بكر البغدادي يعلن فيه أن جبهة النصرة هي امتداد لدولة العراق الإسلامية وأعلن فيها إلغاء اسمي جبهة النصرة ودولة العراق لتعرف بإسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). ولكن أبو محمد الجولاني رفض فكرة الإندماج وأعلن مبايعة تنظيم القاعدة في أفعانستان .
واستمر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في القيام بعملياته في كل من سوريا والعراق وازداد نفوذه بعد عملية تفجير السفارة الإيرانية في بيروت. وفي عام 2013 تم فرار أكثر من 500 سجين من أتباع تنظيم القاعدة من سجن التاجي وسجن أبو غريب وقام بالإستيلاء على مطار منغ العسكري وتدمير المبنى الرئيس للمطار وبتاريخ 29/9/2013 قاموا بإستهداف مقر الأمن العام في مدينة أربيل بسيارات مفخخة وانتحاريين يرتدون أحزمة مفخخة. وسيطر التنظيم على منطقة واسعة من مدينة الفلوجة العراقية .
وما أن تم الإعلان بتاريخ 19/5/2014 عن فوز إئتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي ب 95 مقعدا في الإنتخابات النيابية وإعلانه القيام بترشيح نفسه لتولي رئاسة الحكومة للمرة الثالثة تسارعت الأحداث وقام تنظيم داعش في بداية شهر حزيران بالسيطرة على محافظة نينوى وقام أكثر من 500 ألف مواطن بالهرب من الموصل وامتد تسونامي داعش لفرض سيطرته على المحافظات السنية الست أو ما يعرف بالمثلث السني وهي مراكز تواجد الدولة الإسلامية في العراق وبتاريخ 29/6/2014 أعلن أبو محمد العدناني الناطق الرسمي عن الخلافة الإسلامية ومبايعة أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين وأنه سيتم استخدام اسم (الدولة الإسلامية) فقط.
وصاحب هذا التوسع في العراق توسع آخر في سوريا وامتدادا إلى لبنان. كما تم الإعلان عن السيطرة على المواقع الحدودية ولعل أهمها بالنسبة إلينا هو موقع طريبيل على الحدود الأردنية العراقية .
وتم إحتلال قاعدة سبايكر في تكريت وتم الإستيلاء على كافة المعدات العسكرية للفرقة 12 والفرقة الثانية والثالثة والرابعة وقامت قوات داعش بإحتلال البنوك المركزية للمحافظات الست والحصول على ملايين من الدولارات الأمريكية بالإضافة إلى السيطرة على مصافي النفط وبيع إنتاجها بمدخول يقدر بمليوني دولار يوميا وبلغت المساحة التي سيطرت عليها قوات داعش حتى لحظة كتابة هذا البحث ما يقارب من 45% من مساحة العراق وامتدت لتشمل المناطق الشرقية المتاخمة للحدود الشرقية للجمهورية ألإيرانية الإسلامية والمناطق الشمالية المتاخمة لإقليم كردستان والحدود الأردنية والسورية غربا وتم الإستيلاء على سد الموصل وإجتياح جبل سنغار الذي شهد عملية تهجير وتقتيل للأزيديين ووصلت قوات داعش إلى مسافة 35 كيلو متر عن مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان وفي مساء يوم الخميس الموافق 7/8/2014 أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن إصدار أوامره إلى الطائرات الأمريكية بالبدء بشن غاراتها الجوية على مواقع داعش والمباشرة بإلقاء المساعدات الغذائية لإنقاذ الأزيديين المحاصرين في جبل سنجار. وبتاريخ 8/8/2014 بدأت الطائرات الأمريكية بشن غاراتها الجوية على قوات داعش وتمكنت قوات البشمركة بالتعاون مع الجيش العراقي من استعادة السيطرة على سد الموصل الإستراتيجي وقيام معارك في معظم المدن والقرى السنية وتفيد التقارير الأولية إلى استعادة قوات الجيش العراقي وقوات البشمركة بمساعدة الطائرات الأمريكية سيطرتها على بعض المدن والقرى وانسحاب قوات داعش منها.
والسؤال الذي يطرحه الكثيرون من المفكرين الإستراتيجيين ما هو تعداد قوات تنظيم داعش هل هو 10 آلاف مقاتل أو 15 ألف مقاتل وهل يعقل أن تقوم هذه الأعداد ببسط سيطرتها على هذه المسافات الشاسعة والتي تضم الملايين من المواطنين والتي تعج بتنظيمات عسكرية وميليشيات سنية كبيرة وما هو تعداد الدبابات والصواريخ والسيارات المصفحة وسيارات الدفع الرباعي ولا شك بأن هذه القوات لديها شبكة إتصالات معقدة قادر على إيصال أوامرها إلى قادة الفصائل المختلفة ولديها قادة قمة في التخطيط الإستراتيجي العسكري ولا أظن أن عمليات القتل الجماعي ونشر أفلام هذه المذابح على المواقع تتم بدون أوامر من جهات عليا في التنظيم. لا سيما شريط الفيديو الأخير والذي تم بثه من خلال الفيديو بتاريخ 19/8/2014 تحت عنوان " رسالة إلى أمريكا ويظهر فيه شخص مقنع يتحدث باللغة ألإنجليزية بلهجة بريطانية يقوم بذبح الصحفي الأمريكي جيمس فولي الذي كان قد اختطف قبل نحو عامين في سوريا .
وما هو مصير قوات داعش بعد أن قررت الولايات المتحدة التدخل في الحرب الدائرة حتى لو كان التدخل من خلال مشاركة الطائرات الأمريكية وزيادة عدد الخبراء والمستشارين العسكريين .
وهل يعقل أن يقوم تنظيم داعش بالإستمرار في مقاتلة كل من الجيش العراقي وقوات البشمركة والشرطة العراقية وقوات الصحوة العراقية وميليشيات شيعية متنوعة مثل عصائب أهل الحق وجيش المهدي وحزب الله العراقي والحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية وحزب العمال الكردي والجيش الحر .
4: نوري المالكي
ما هي العلاقة الحقيقية بين المرجعية الدينية العليا في إيران ممثلة بالمرشد الديني الأعلى للثورة الإسلامية في إيران مع نوري المالكي وما هي علاقة نوري المالكي مع القيادة السياسية الإيرانية ممثلة برئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية حسن روحاني وما هو دور الفريق قاسم سليماني قائد فيلق القدس واجتماعاته المغلقة في بغداد مع نوري المالكي.
ثم ما هي العلاقة الحقيقية بين نوري المالكي وبين الولايات المتحدة وهو الذي ورث الكثير من نتائج أخطاء بول بريمر السياسية والتشريعية والعسكرية لا سيما في تعزيز بذور التقسيم في الدستور العراقي الجديد والذي رسمت الإطار التشريعي لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم رئيسة إقليم شيعي وإقليم سني وإقليم كردي.
لقد تميز عهد نوري المالكي بالعنف الطائفي وإقصاء وتقليص النفوذ السني وما صاحبه من عمليات قتل جماعي وتفجيرات وإغتيالات تستهدف التجمعات السكانية المدنية مثل الأسواق والأحياء السكنية المدنية والجوامع في مناطق ذات غالبيات سنية بهدف الإنتقام أو التصفية الطائفية بناء على خلفيات مذهبية.
وكان لتسريح الجيش العراقي بعد الإحتلال الأمريكي آثاره السيئة التي برزت على سطح الأحداث ولعلي لا أبالغ وأنا أقول إن معظم ثوار العشائر هم من العسكريين الذين خدموا تحت إمرة الرئيس العراقي صدام حسين والذين تم تسريحهم بعد الإحتلال الأمريكي للعراق.
وإنه لمن المؤلم حقا أن يتجاوز عدد ضحايا العنف الطائفي ضحايا العراق في كل حروبه كما شهد عهده فسادا في المال فاق كل التوقعات صاحبه تسلمه مسؤولية وزارات ومراكز سيادية تتعلق بشؤون الأمن القومي بالإضافة إلى رئاسة الحكومة.
هل كان نوري المالكي يحاول التوفيق بين ولائه لإيران وبين تنفيذه لرغبات الإدارة الأمريكية وهل فعلا كانت مهمته إيصال العراق إلى مرحلة اللاعودة في تنفيذ مخطط تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات وإلى إيقاع الفتنة بين السنة والشيعة وجر إيران ودول الخليج إلى حرب جديدة. وما هي الظروف والملابسات التي نجمت عن قيام داعش بالسيطرة على أجزاء كبيرة من العراق وبالذات إقليم الوسط السني وإتساعها لتشمل مناطق في سوريا وفي لبنان .
ما الذي حدث في اللحظات الأخيرة وأجبر نوري المالكي على التنازل عن مطالبته بمنصب رئاسة الحكومة للمرة الثالثة بعد أن رفض كل الضغوط الخارجية والداخلية بما فيها نداء المرجعيات الشيعية. وهل سيتم تعطيل مخطط تقسيم العراق بمحاولة إيجاد إتفاق بين الولايات المتحدة وإيران والدول أعضاء مجلس الأمن الدولي في دعم الدكتور حيدر العبادي رئيسا جديدا للحكومة العراقية. وهل ستنجح القيادات العراقية الجديدة بدءا من رئيس الجمهورية العراقية فؤاد معصوم ورئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري ورئيس الوزراء العراقي المكلف الدكتور حيدر العبادي في إعادة الوحدة إلى العراق وتأجيل مخطط التقسيم وهل ستشارك كل المنظمات والأحزاب الشيعية والتنظيمات والميليشيات السنية والجيش العراقي وقوات البشمركة في التصدي إلى قوات الدولة الإسلامية (داعش) من أجل تحرير المحافظات الوسطى التي قامت بالسيطرة عليها. تشير المؤشرات الأولية أن الشهر المقرر دستوريا كمهلة قانونية ليتمكن خلاله رئيس الوزراء العراقي المكلف الدكتور حيد العبادي سوف يشهد أكثر الحوادث دموية وأكثر المعارك شراسة ولا يعلم أحد هل سينجح مخطط تفتيت العراق أم أنه سيتم التوص إلى إتفاق من أجل تأجيل مخطط التقسيم.
* الكاتب باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمن القومي
أما الجيل الثاني من الحروب فقد تمت تسميته بالحرب الباردة التي شهدت انقسام العالم إلى معسكرين رئيسيين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي أي المعسكر الشيوعي والمعسكر الرأسمالي وإنتهاء هذه الحرب بإنهيار الإتحاد السوفياتي .
أما الجيل الثالث من الحرب الثالثة والتي تعارف على تسميتها بالحرب على الإرهاب والتي انطلقت شرارتها بتاريخ 11/9/ 2000 بحادثة تفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وما صاحبه من هجوم على كل من أفغانستان والعراق في إطار قرارات الأمم المتحدة وقيام الولايات المتحدة بخوض غمار هذه الحرب من تألف لقوى وجيوش العديد من دول العالم.
أما الحرب الرابعة فلقد بدأت حين قررت الولايات المتحدة بعد خسائرها الفادحة في الأرواح والمال والعتاد أن تقوم بزرع ميليشيات دينية بإعتبارها خلايا نائمة تقوم بتغذيتها فكريا وعقائديا وماديا ثم تبدأ بإيقاظها حسب مخططات عقائدية دينية سياسية من أجل إشعال حرب أهلية بين الأنظمة السائدة وبين هذه المجموعات والميليشيات كما هو حادث حاليا في معظم أنحاء العالم العربي
نقاط للتأمل :
1: تصريحات هيلاري كلينتون
في كتابها الجديد خيارات صعبة صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون " إن الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة باراك أوباما هي من قامت بتأسيس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بهدف الإمعان في تقسيم الشرق الأوسط. ولقد تم الإتفاق مع الأخوان المسلمين ورئيس الوزراء التركي أردوغان على إعلان الدولة الإسلامية يوم السبت الموافق 5/7/2013 وكنا ننتظر الإعلان عن هذه الدولة لكي نعترف نحن وأوروبا بها. لقد زرت 112 دولة في العالم وتم الإتفاق مع بعض الأصدقاء بالإعتراف بالدولة الإسلامية لدى إعلانها فوراً وفجأة تحطم كل شيء وكسر أمام أعيننا بدون سابق إنذار. شيء مهول حدث في مصر. لقد فشل مشروعنا عقب سقوط الأخوان المسلمين. وكنا نخطط للتوجه بعد ذلك إلى دول الخليج الفارسي " حسب تعبيرها " وكانت أول دولة مهيأة هي الكويت عن طريق أعواننا من الأخوان المسلمين هناك. ومن ثم السعودية فالإمارات والبحرين وسلطنة عمان. وبعد ذلك يعاد تقسيم الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية حيث ستصبح السيطرة لنا على كامل المنطقة. خاصة على منابع النفط والمنافذ البحرية. لقد فكرنا في استخدام القوة لكن مصر ليست سوريا أو العراق أو ليبيا فجيشها قوي وشعب مصر لن يترك جيشه يقاتل وحده ".
2: قوات البشمركة
لماذا تراجعت قوات البشمركة الكردية عن مجابهة قوات داعش وسمحت لها بإحتلال سد الموصل وهو ثاني أكبر سد في العراق ثم لماذا سمحت داعش لقوات البشمركة والجيش العراقي بإستعادة سد الموصل ولم تعمد إلى تفجيره ولماذا سمحت قوات البشمركة لقوات داعش الوصول إلى المناطق القريبة من أربيل العاصمة لإقليم كردستان وعلى مسافة 35 كيلومتر علما بأن قوات البشمركة هي أقوى قوة عسكرية موجودة في العراق ولها تاريخ طويل يرجع في بداياته إلى مطلع القرن العشرين من خلال مشاركة وحداته القتالية النظامية مع القوات العثمانية ومن ثم برز إلى سطح الأحداث بداية عام 1961 من خلال الحرب العراقية الكردية وفي عام 1975 من خلال الصراع مع إيران. كما شهدت حدود كردستان الشمالية حرب استنزاف مع تركيا لسنوات طويلة.
لقد اكتسب جيش البشمركة زخما من المعدات والآليات العسكرية لا سيما بعد انهيار نظام الرئيس العراقي صدام حسين واجتياح القوات الأمريكية للعراق حيث قام جيش البشمركة بالمشاركة في خوض المعارك ضد الجيش العراقي جنبا الى جنب مع القوات الأمريكية وقام بالإستيلاء على كميات كبيرة من أسلحة الجيش العراقي وعلى سبيل المثال لا الحصر تمت السيطرة على ما يقارب من 2000 دبابة ومجنزرة وناقلة جنود وأعداد كبير من قطع المدفعية الثقيلة وهو يعتبر الآن أقوى من الجيش العراقي التابع للحكومة المركزية وهو مجهز بأحدث الأسلحة ويتراوح تعداده ما بين 275 ألف مقاتل إلى 300 ألف مقاتل وتربطه علاقات مميزة مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل وتم تكليفه بالمسؤولية الكاملة عن الأمن في المناطق الكردية في شمال العراق. وفي أواخر عام 2004 تم تحويل البشمركة إلى ما يعرف بإسم قوات الحرس الوطني العراقي ولقد تولت الولايات المتحدة مهمة تدريب القوات الكردية لمساعدتها في القضاء على المتمردين السنة في العراق.
ويعتبر إقليم كردستان من أكثر الأقاليم العراقية إستقلالا عن الحكومة المركزية عسكريا واقتصاديا واستراتيجيا حيث يمر في أراضيه أنبوب النفط الواصل إلى ميناء جيهان التركي .
لقد قام جيش البشمركة خلال الأشهر الماضية في فرض سيطرته على المناطق الحدودية المتاخمة لإقليم كردستان بعد انسحاب قيادات الفرقة 12 والفرقة الثانية والفرقة الثالثة والفرقة الرابعة ولجؤ القادة إلى إقليم كردستان تاركين وراءهم أسلحتهم الخفيفة ودباباتهم وقطع المدفعية والعربات المجنزرة وقام الرئيس الكردي مسعود البرزاني بالإعلان عن ضم كركوك إلى كردستان .
لماذا لم تقم قوات البشمركة بالدفاع عن الأزيديين وسمحت بمحاصرتهم في سنجار من قبل قوات داعش بل لماذا لم تعمد قبل ذلك إلى الدفاع عن مئات الآلاف من المسيحيين الذين تم تهجيرهم من محافظات الوسط العراقي وفي مقدمتها مدينة الموصل. ولماذا قررت الولايات المتحدة السماح لطائراتها من فوق حاملة الطائرات بوش بالإغارة على مواقع داعش والظهور بالمظهر الإنساني المنقذ الأعظم.
3: الدولة الإسلامية (داعش )
نحن لا نريد أن نتطرق هنا إلى الجانب الديني وتاريخ الفكر السلفي الذي برزت بذوره عند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني الذهلي أحد الأئمة الأربعة وصاحب المذهب الحنبلي وطورها شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الذي ساهم في تطوير ونمو حركة الإسلام السياسي وأتى من بعده الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان آل مشرف التميمي الذي كان يدعو الناس إلى عقيدة التوحيد ولذلك سمى أتباعه هذه الدعوة بالدعوة السلفية نسبة إلى السلف الصالح. ونحن هنا وفي هذه العجلة لا نستطيع استعراض تطور الفكر عبر العلماء الثلاثة في مقالة فأفكارهم بحاجة إلى مجلدات وإن ما يهمنا هنا أنه تم بطريقة أو بأخرى تم ربط فكر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالفكر السلفي.
يرجع تأسيس جماعة التوحيد والجهاد إلى أبو مصعب الزرقاوي وهو أحمد فاضل نزال الخلايلة أردني الجنسية. توجه إلى أفغانستان عام 1989 عن طريق بيشاور واستقر به المقام لفترة في مدينة جلال أباد والتي تعتبر القاعدة الخلفية للمجاهدين العرب والأفغان وفي ربيع 1989 توجه مع عدد من المقاتلين إلى منطقة خوست شرق أفغانستان إلا أنه لم يشارك في القتال ضد السوفييت لأن الحرب كانت قد انتهت قبل وصوله وقرر المشاركة في الموجة الثانية من معارك الحرب الأهلية والتحق بمعسكرات قلب الدين حكمتيار وشارك في المعارك التي دارت بين الأحزاب الإسلامية ضد الأحزاب الموالية للشيوعية حتى عام 1993 حيث قرر العودة إلى الأردن بعد بدء الحرب الأهلية بين فصائل المجاهدين وانتهاء حرب الخليج الثانية والبدء في ملاحقة الأفغان العرب في بيشاور .
وكانت تلك الفترة قد شهدت عودة الكثيرين من المقاتلين الأردنيين من أفغانستان والذين انخرطوا في عدد من التنظيمات كجيش محمد والأفغان الأردنيون وباشر أبو مصعب الزرقاوي الإتصال بعصام البرقاوي (أبي محمد المقدسي) صديقه في أفغانستان. ولقد تضافرت جهود كل من الزرقاوي صاحب الخبرة القتالية العملية وأبو محمد المقدسي صاحب الخبرة النظرية من أجل نشر السلفية الجهادية وتمكنا من جمع عدد من الأتباع والأنصار وأطلقوا على أنفسهم اسم جماعة التوحيد. وتم الإتفاق أن يكون أبو محمد المقدسي أميرا لجناح الدعوة وأبو مصعب الزرقاوي أميرا للجماعة وأن يكون خالد مصطفى العاروري (أبو القسام) من أهل الشورى والحل والعقد. وبدأت الجماعة العمل في ظل ظروف وأحداث متسارعة فلقد كان الأردن على وشك توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل وبصدد إجراء الإنتخابات النيابية كما شهدت تلك الفترة وقوع حادثة المسجد الإبراهيمي 1993 وقرر بعض أعضاء الجماعة القيام بعملية استشهادية ضد إسرائيل ولم تجد دعوة المقدسي إلى السلفية الجهادية أي صعوبة في إكتساب أنصار ومتعاطفين لا سيما بين المجموعات الصغيرة المنتشرة في العديد من المدن والمحافظات الأردنية لا سيما في السلط ومعان والمفرق والزرقاء والتي كانت تتبنى مواقف سيد قطب في الحاكمية وتكفير الحكومات والدساتير. ولقد قامت الأجهزة الأمنية بإلقاء القبض على كافة أعضاء تنظيم جماعة التوحيد وتم تقديمهم الى محكمة أمن الدولة عام 1996 حيث تم الحكم عليهم بالسجن لمدة خمسة عشرة عاما وعقب تولي الملك عبد الله الثاني ابن الحسين مقاليد الحكم أعلن التلفزيون الأردني بتاريخ 23 آذار عام 1999 العفو العام عن المساجين. وقام الزرقاوي بمعية مجموعة من تنظيم الجماعة بالمغادرة إلى الباكستان ومنها إلى أفغانستان حيث أسس هناك معسكر هيرات. في هذه الأثناء وقعت حادثة برجي التجارة العالمي بتاريخ 11/9/2001 مما أدى إلى وقوع مجابهة شرسة بين القاعدة وجماعاتها المختلفة وبين الولايات المتحدة وحلفائها من القوى العظمى وحكومات العديد من الدول العربية وكانت فاتحة الصراع الدامي للحرب الأفغانية التي أدت إلى سقوط نظام طالبان واختباء قادة القاعدة عن الأنظار. وانتقل أبو مصعب الزرقاوي مع عدد من أنصاره من معسكر هيرات إلى إيران ثم إلى المناطق الكردية في شمال العراق. وفي كردستان قام عدد من أنصار الزرقاوي بتأسيس تنظيم تحت اسم (جند الشام) ثم أقاموا تحالفا مع فصيل كردي متشدد انشق عن الجماعة الإسلامية ونشأ تنظيم جديد تحت اسم (أنصار الإسلام) .
وبقي الزرقاوي في كردستان وأخذ يتنقل سرا بينها وبين سوريا. وبتاريخ 9/4/ 2003 تمكنت القوات الأمريكية من إحتلال بغداد وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين. في ظل هذه الظروف والمعطيات الجديدة انتقل أبو مصعب الزرقاوي إلى بغداد ووجد في المجتمع السني حاضنة اجتماعية وباشر في إعادة بناء شبكة جديدة في العراق وبدأ إجراء إتصالات واسعة ونجح في تأسيس جماعة من المتطوعين العرب بالإضافة إلى النواة الأساسية من الأردنيين وقامت هذه المجموعة بسلسلة من العمليات الإنتحارية فبتاريخ 19/8/2003 تم تنفيذ عملية تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد أسفرت عن مقتل 22 شخصا من بينهم ممثل الأمم المتحدة في العراق سيرجيو فيرا دي ميلو وقام بعدها بإغتيال رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق محمد باقر حكيم وقتل معه 83 شخصا وبتاريخ 12/12/2003 قام بتنفيذ هجوم على قاعدة عسكرية إيطالية في الناصرية قتل من جرائها 19بينهم 7 من جنود التحالف طوال هذه الفترة كان يشار إلى المجموعة بإسم مجموعة الزرقاوي حيث فرضت نفسها بقوة وبدأت تحظى بتأييد ودعم من تيار السلفية الجهادية داخل العراق وخارجه من خلال تبنيه لآيديولوجية سلفية جهادية صارمة واستراتيجية قتالية تعتمد على التوسع في العمليات الإنتحارية. وفي عام 2003 انضم الى مجموعة الزرقاوي عمر يوسف جمعة (أبو أنس الشامي) الذي استطاع أن يقنع الزرقاوي بالإعلان عن تأسيس جماعة واضحة الراية والعنوان أطلق عليها اسم (جماعة التوحيد والجهاد) في أواخر شهر أيلول عام 2003 .
بتاريخ 2/3/2004 قامت جماعة التوحيد والجهاد بمجموعة من الإعتداءات المتزامنة على الشيعة في كربلاء تسببت في مقتل 170 شخصا وجرح 550 شخصا. وكانت هذه الإعتداءات نقطة تحول خطيرة في الصراع داخل العراق إذ أطلقت العنان بصورة مرعبة للصراع السني / الشيعي وتعزيز المجابهة العسكرية بين السنة والشيعة وتوفير بيئة من الفوضى الأمنية والإحتقان الطائفي .
وبدأ الإتصال مع تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن وذلك لجلب مزيد من الأعضاء وفق سياسات عولمة الجهاد. حيث بدأ المئات من المتطوعين من العالم العربي والإسلامي وأوروبا يتدفقون للإلتحاق بالزرقاوي وتم تغيير اسم الجماعة من التوحيد والجهاد إلى تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين. واستمر الزرقاوي في عملياته ونشاطاته وعمل على الإمتداد إلى خارج العراق في الدول المحيطة في الأردن وسوريا ولبنان والسعودية وكان تفكيره وبعض من تصريحاته تشير إلى أنه يخطط إلى إقامة (إمارة إسلامية) سنية في وسط وغرب العراق تمثل رأس حربة إقليمي لتنظيم القاعدة في المنطقة وفي عام 2006 ظهر أبو مصعب الزرقاوي في شريط مصور معلنا عن تشكيل (مجلس شورى المجاهدين) بزعامة عبد الله رشيد البغدادي.
ولقد برز اسم أبو مصعب الزرقاوي على المستوى الدولي حين قام وزير الخارجية الأمريكية كولن باول بإلقاء كلمته أمام مجلس الأمن الدولي بتاريخ 5/2/ 2003 وبالتحديد قبل ستة أسابيع من الإجتياح الأمريكي للعراق حيث أعلن أن هناك علاقة تربط نظام صدام بتنظيم القاعدة حيث استخدم كولن باول إسم أبو مصعب الزرقاوي وأشار إلى تنظيم القاعدة بأنها " شبكة الإرهاب الإسلامي ".
وبتاريخ 8/2/2003 تم إكتشاف مادة (الإنتراكس) في رسالة موجهة إلى بيل فريست زعيم أغلبية الجمهوريين في مجلس الشيوخ وتم توجيه أصابع الإتهام إلى مصعب الزرقاوي بإعتباره الشخص المختص في توضيب السموم والمتفجرات. وبتاريخ 13/2/2003 بثت قناة (إي بي سي) خبرا مفاده أن ألإرهابي أبو مصعب الزرقاوي يحضر لإعتداءات على الولايات المتحدة وبلغ قمة الذروة حين ذكر الرئيس جورج بوش اسم الزرقاوي واصفا إياه الرجل الأخطر في العالم بعد أسامة بن لادن .
وفي صباح 7/6/2006 أعلن رئيس الحكومة العراقية عن مقتل أبو مصعب الزرقاوي في غارة جوية أمريكية على بعقوبة. وبعد مقتل الزرقاوي وفي نفس الشهر جرى انتخاب أبي حمزة المهاجر زعيما للتنظيم وبتاريخ 15/10/2006 تم تشكيل دولة العراق الإسلامية بزعامة أبي عمر البغدادي إثر إجتماع عام لمجموعة من الفصائل المسلحة وتم إختيار أبو عمر البغدادي زعيما للتنظيم .
وفي يوم الإثنين الموافق 19/4/2010 شنت القوات الأمريكية والقوات العراقية عملية عسكرية في منطقة الثرثار استهدفت منزلا كان يتواجد فيه كل من أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر وبعد اشتباكات عنيفة تم قصف المنزل بواسطة الطائرات ليقتلا معا وتم عرض جثتيهما على وسائل الإعلام. وتم اختيار (أبو بكر البغدادي) ليصبح أميرا لدولة الإسلام في العراق لقد ولد إبراهيم عواد إبراهيم السامرائي "وهو الإسم الحقيقي لأبو بكر البغدادي" عام 1971 في مدينة سامراء واختار في بداية التسعينات أن يدرس العلوم الشرعية فاتجه إلى الجامعة الإسلامية في بغداد وتابع دراسته حتى حصل على شهادة الدكتوراه. ولقد حصل التحول في حياته العملية بعد الإحتلال الأمريكي للعراق بفترة قليلة إذ تبنى تحريض العشائر العربية على القتال وساهم في تأسيس مجموعات مسلحة في نطاق ديالى وسامراء وبغداد ولقد تعرض للإعتقال على يد قوات الإحتلال الأمريكي في العام 2005 حتى العام 2009 "وحسب أحد تقارير عميل المخابرات الأمريكية السابق إدوارد سنودن " أنه في هذه الفترة تم تجنيد أبو بكر البغدادي وتم تدريبه عسكريا واستخباريا على يد خبراء من الموساد وأكد أن دولة العراق الإسلامية هي نتاج تعاون استخباري أمريكي بريطاني إسرائيلي وأنه تم وضع خطة تحت رمز (عش الدبابير) من أجل تجميع أكبر عدد ممكن من الميليشيات الإسلامية وتقويتها من أجل زعزعة أنظمة الحكم في الدول العربية وجر الدول المسلمة إلى صراع طويل الأمد بين السنة الشيعة وتنفيذ مخطط تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات دويلة شيعية في الجنوب ودويلة سنية في الوسط ودويلة الأكراد في الشمال .
بعد إندلاع الأزمة السورية وأصبحت ثورة مسلحة بدأ تكوين الفصائل والجماعات لقتال النظام السوري. وفي أواخر عام 2011 تم تكوين جبهة النصرة بقيادة أبو محمد الجولاني حيث أصبح الأمين العام لها. واستمرت الجبهة بقتال النظام حتى وردت تقارير استخبارية عن علاقتها الفكرية والتنظيمية بفرع دولة العراق الإسلامية وأدرجتها الولايات المتحدة على لائحة المنظمات الإرهابية. وبتاريخ 9/4/ 2011 ظهر تسجيل صوتي منسوب إلى أبو بكر البغدادي يعلن فيه أن جبهة النصرة هي امتداد لدولة العراق الإسلامية وأعلن فيها إلغاء اسمي جبهة النصرة ودولة العراق لتعرف بإسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). ولكن أبو محمد الجولاني رفض فكرة الإندماج وأعلن مبايعة تنظيم القاعدة في أفعانستان .
واستمر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في القيام بعملياته في كل من سوريا والعراق وازداد نفوذه بعد عملية تفجير السفارة الإيرانية في بيروت. وفي عام 2013 تم فرار أكثر من 500 سجين من أتباع تنظيم القاعدة من سجن التاجي وسجن أبو غريب وقام بالإستيلاء على مطار منغ العسكري وتدمير المبنى الرئيس للمطار وبتاريخ 29/9/2013 قاموا بإستهداف مقر الأمن العام في مدينة أربيل بسيارات مفخخة وانتحاريين يرتدون أحزمة مفخخة. وسيطر التنظيم على منطقة واسعة من مدينة الفلوجة العراقية .
وما أن تم الإعلان بتاريخ 19/5/2014 عن فوز إئتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي ب 95 مقعدا في الإنتخابات النيابية وإعلانه القيام بترشيح نفسه لتولي رئاسة الحكومة للمرة الثالثة تسارعت الأحداث وقام تنظيم داعش في بداية شهر حزيران بالسيطرة على محافظة نينوى وقام أكثر من 500 ألف مواطن بالهرب من الموصل وامتد تسونامي داعش لفرض سيطرته على المحافظات السنية الست أو ما يعرف بالمثلث السني وهي مراكز تواجد الدولة الإسلامية في العراق وبتاريخ 29/6/2014 أعلن أبو محمد العدناني الناطق الرسمي عن الخلافة الإسلامية ومبايعة أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين وأنه سيتم استخدام اسم (الدولة الإسلامية) فقط.
وصاحب هذا التوسع في العراق توسع آخر في سوريا وامتدادا إلى لبنان. كما تم الإعلان عن السيطرة على المواقع الحدودية ولعل أهمها بالنسبة إلينا هو موقع طريبيل على الحدود الأردنية العراقية .
وتم إحتلال قاعدة سبايكر في تكريت وتم الإستيلاء على كافة المعدات العسكرية للفرقة 12 والفرقة الثانية والثالثة والرابعة وقامت قوات داعش بإحتلال البنوك المركزية للمحافظات الست والحصول على ملايين من الدولارات الأمريكية بالإضافة إلى السيطرة على مصافي النفط وبيع إنتاجها بمدخول يقدر بمليوني دولار يوميا وبلغت المساحة التي سيطرت عليها قوات داعش حتى لحظة كتابة هذا البحث ما يقارب من 45% من مساحة العراق وامتدت لتشمل المناطق الشرقية المتاخمة للحدود الشرقية للجمهورية ألإيرانية الإسلامية والمناطق الشمالية المتاخمة لإقليم كردستان والحدود الأردنية والسورية غربا وتم الإستيلاء على سد الموصل وإجتياح جبل سنغار الذي شهد عملية تهجير وتقتيل للأزيديين ووصلت قوات داعش إلى مسافة 35 كيلو متر عن مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان وفي مساء يوم الخميس الموافق 7/8/2014 أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن إصدار أوامره إلى الطائرات الأمريكية بالبدء بشن غاراتها الجوية على مواقع داعش والمباشرة بإلقاء المساعدات الغذائية لإنقاذ الأزيديين المحاصرين في جبل سنجار. وبتاريخ 8/8/2014 بدأت الطائرات الأمريكية بشن غاراتها الجوية على قوات داعش وتمكنت قوات البشمركة بالتعاون مع الجيش العراقي من استعادة السيطرة على سد الموصل الإستراتيجي وقيام معارك في معظم المدن والقرى السنية وتفيد التقارير الأولية إلى استعادة قوات الجيش العراقي وقوات البشمركة بمساعدة الطائرات الأمريكية سيطرتها على بعض المدن والقرى وانسحاب قوات داعش منها.
والسؤال الذي يطرحه الكثيرون من المفكرين الإستراتيجيين ما هو تعداد قوات تنظيم داعش هل هو 10 آلاف مقاتل أو 15 ألف مقاتل وهل يعقل أن تقوم هذه الأعداد ببسط سيطرتها على هذه المسافات الشاسعة والتي تضم الملايين من المواطنين والتي تعج بتنظيمات عسكرية وميليشيات سنية كبيرة وما هو تعداد الدبابات والصواريخ والسيارات المصفحة وسيارات الدفع الرباعي ولا شك بأن هذه القوات لديها شبكة إتصالات معقدة قادر على إيصال أوامرها إلى قادة الفصائل المختلفة ولديها قادة قمة في التخطيط الإستراتيجي العسكري ولا أظن أن عمليات القتل الجماعي ونشر أفلام هذه المذابح على المواقع تتم بدون أوامر من جهات عليا في التنظيم. لا سيما شريط الفيديو الأخير والذي تم بثه من خلال الفيديو بتاريخ 19/8/2014 تحت عنوان " رسالة إلى أمريكا ويظهر فيه شخص مقنع يتحدث باللغة ألإنجليزية بلهجة بريطانية يقوم بذبح الصحفي الأمريكي جيمس فولي الذي كان قد اختطف قبل نحو عامين في سوريا .
وما هو مصير قوات داعش بعد أن قررت الولايات المتحدة التدخل في الحرب الدائرة حتى لو كان التدخل من خلال مشاركة الطائرات الأمريكية وزيادة عدد الخبراء والمستشارين العسكريين .
وهل يعقل أن يقوم تنظيم داعش بالإستمرار في مقاتلة كل من الجيش العراقي وقوات البشمركة والشرطة العراقية وقوات الصحوة العراقية وميليشيات شيعية متنوعة مثل عصائب أهل الحق وجيش المهدي وحزب الله العراقي والحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية وحزب العمال الكردي والجيش الحر .
4: نوري المالكي
ما هي العلاقة الحقيقية بين المرجعية الدينية العليا في إيران ممثلة بالمرشد الديني الأعلى للثورة الإسلامية في إيران مع نوري المالكي وما هي علاقة نوري المالكي مع القيادة السياسية الإيرانية ممثلة برئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية حسن روحاني وما هو دور الفريق قاسم سليماني قائد فيلق القدس واجتماعاته المغلقة في بغداد مع نوري المالكي.
ثم ما هي العلاقة الحقيقية بين نوري المالكي وبين الولايات المتحدة وهو الذي ورث الكثير من نتائج أخطاء بول بريمر السياسية والتشريعية والعسكرية لا سيما في تعزيز بذور التقسيم في الدستور العراقي الجديد والذي رسمت الإطار التشريعي لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم رئيسة إقليم شيعي وإقليم سني وإقليم كردي.
لقد تميز عهد نوري المالكي بالعنف الطائفي وإقصاء وتقليص النفوذ السني وما صاحبه من عمليات قتل جماعي وتفجيرات وإغتيالات تستهدف التجمعات السكانية المدنية مثل الأسواق والأحياء السكنية المدنية والجوامع في مناطق ذات غالبيات سنية بهدف الإنتقام أو التصفية الطائفية بناء على خلفيات مذهبية.
وكان لتسريح الجيش العراقي بعد الإحتلال الأمريكي آثاره السيئة التي برزت على سطح الأحداث ولعلي لا أبالغ وأنا أقول إن معظم ثوار العشائر هم من العسكريين الذين خدموا تحت إمرة الرئيس العراقي صدام حسين والذين تم تسريحهم بعد الإحتلال الأمريكي للعراق.
وإنه لمن المؤلم حقا أن يتجاوز عدد ضحايا العنف الطائفي ضحايا العراق في كل حروبه كما شهد عهده فسادا في المال فاق كل التوقعات صاحبه تسلمه مسؤولية وزارات ومراكز سيادية تتعلق بشؤون الأمن القومي بالإضافة إلى رئاسة الحكومة.
هل كان نوري المالكي يحاول التوفيق بين ولائه لإيران وبين تنفيذه لرغبات الإدارة الأمريكية وهل فعلا كانت مهمته إيصال العراق إلى مرحلة اللاعودة في تنفيذ مخطط تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات وإلى إيقاع الفتنة بين السنة والشيعة وجر إيران ودول الخليج إلى حرب جديدة. وما هي الظروف والملابسات التي نجمت عن قيام داعش بالسيطرة على أجزاء كبيرة من العراق وبالذات إقليم الوسط السني وإتساعها لتشمل مناطق في سوريا وفي لبنان .
ما الذي حدث في اللحظات الأخيرة وأجبر نوري المالكي على التنازل عن مطالبته بمنصب رئاسة الحكومة للمرة الثالثة بعد أن رفض كل الضغوط الخارجية والداخلية بما فيها نداء المرجعيات الشيعية. وهل سيتم تعطيل مخطط تقسيم العراق بمحاولة إيجاد إتفاق بين الولايات المتحدة وإيران والدول أعضاء مجلس الأمن الدولي في دعم الدكتور حيدر العبادي رئيسا جديدا للحكومة العراقية. وهل ستنجح القيادات العراقية الجديدة بدءا من رئيس الجمهورية العراقية فؤاد معصوم ورئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري ورئيس الوزراء العراقي المكلف الدكتور حيدر العبادي في إعادة الوحدة إلى العراق وتأجيل مخطط التقسيم وهل ستشارك كل المنظمات والأحزاب الشيعية والتنظيمات والميليشيات السنية والجيش العراقي وقوات البشمركة في التصدي إلى قوات الدولة الإسلامية (داعش) من أجل تحرير المحافظات الوسطى التي قامت بالسيطرة عليها. تشير المؤشرات الأولية أن الشهر المقرر دستوريا كمهلة قانونية ليتمكن خلاله رئيس الوزراء العراقي المكلف الدكتور حيد العبادي سوف يشهد أكثر الحوادث دموية وأكثر المعارك شراسة ولا يعلم أحد هل سينجح مخطط تفتيت العراق أم أنه سيتم التوص إلى إتفاق من أجل تأجيل مخطط التقسيم.
* الكاتب باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمن القومي