سوق سوداء للأوراق الثبوتية السورية... "فيديو"
جو 24 : تحقيق: حازم حموي وحنان خندقجي - “فرصة العمر” جاءته بعد عامين على لجوئه إلى الأردن؛ اتصل به شقيقه العامل في السعودية، ليطلب منه تجهيز أوراقه وجواز سفره في أقرب وقت لقنص فرصة عمل في الرياض.
على أن حلم اللاجئ السوري بالسفر والعمل لإعالة عائلته تبخر، فيما بقي ممنوعا من العمل في الأردن؛ كونه لا يحمل تصريحَ عمل.
فشل الشاب البالغ من العمر 29 عاما في قنص الفرصة مبكرا لأن وثائقه – جواز سفره، دفتر عائلته وهويته- محجوزة لدى مديرية شؤون اللاجئين، منذ أن سجّل لاجئا في سكن البشابشة، داخل الرمثا المحاذية للحدود السورية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012. هذا السكن الخاص أغلق في مطلع أغسطس/ آب 2012، ونقل القاطنون فيه والبالغ عددهم 2500 لاجئ إلى مخيم الزعتري. (*-1) إجراءات استقبال اللاجئين على غرار بلال، احتجزت الأجهزة الأمنية المختلفة -المخابرات والأمن العام- وبعدها مديرية شؤون اللاجئين السوريين التابعة لوزارة الداخلية 219ألف وثيقة سفر وهوية سورية بين 2011 وحتى أواخر 2013.
هذا الإجراء – المخالف للمواثيق الدولية- حفّز سوقا سوداء للاتجار بأوراق ثبوتية سورية (جوازات سفر، هويات شخصية، رخص قيادة، دفاتر عائلة)، احتجزت عقب دخولهم الأراضي الأردنية، على ما يكشف هذا التحقيق الاستقصائي، الذي يرصد أيضا “تبادل منفعة” بين سماسرة أردنيين وسوريين مع رجال أمن وعاملين في مديرية شؤون اللاجئين السوريين، إما لإعادة وثائق محتجزة مقابل 50 – 150 دينار (70- 210 دولار) عن كل منها، أو لاستصدار بطاقات الخدمة الخاصة بالجالية السورية بطريقة غير مشروعة.
وتتواصل معاناة اللاجئين – وسط ضعف رقابة وزارة الداخلية وأذرعها -حتى بعد صدور قرار وزير الداخلية الفريق أول حسين المجالي في 30/12/2013 بوقف إجراءات احتجاز وثائقهم الرسمية.
مدير مديرية شؤون اللاجئين العميد وضّاح الحمود يؤكد أن المديرية أعادت منذ ذلك التاريخ قرابة 53 ألف وثيقة – ربع الوثائق – التي احتجزت منذ بدء تدفق اللاجئين من الجارة الشمالية في مارس/ آذار 2011.
تكمن أهمية استرجاع الوثائق في تمكين اللاجئ من مغادرة المخيم، وطلب اللجوء إلى دولة ثالثة، أو العمل، وتوثيق عقود الإيجار، والزواج، وتسجيل المواليد الجدد، وقيادة السيارات. ويندرج مشروع العودة إلى سورية ضمن خيارات اللاجئ الساعي لاسترداد وثائقه.
لاجئون بدون هوية
على أن ثمانية لاجئين سوريين يؤكدون في مقابلات مع معدي التحقيق أنهم لجأوا لل”رشى” من أجل استرجاع وثائقهم بواسطة سماسرة بسبب تعقيدات استردادها عبر القنوات الرسمية، وعدم وجود تعليمات واضحة بذلك.
وفشل 83 لاجئا في مخيم الزعتري – من بينهم بلال- في استعادة وثائقهم رغم مراجعتهم لإدارة المخيم لاستردادها و/ أو دفعوا رشى لوسطاء دون جدوى، حسبما يؤكدون في مقابلات فردية وجمعية قبل شهر من نشر التحقيق.
وتوصل الفريق إلى أن سماسرة يتعاونون مع رجال أمن لتأمين سوريين ببطاقة الخدمة الخاصة بالجالية السورية، الصادرة عن مراكز أمنية، بطريقة غير قانونية، مقابل 15- 50 دينارا للبطاقة الواحدة.
كل ذلك يحدث وسط ضعف رقابة مديرية شؤون اللاجئين السوريين التابعة لوزارة الداخلية، علاوة على عدم التزام الحكومة الأردنية بمذكرة التفاهم الموقعة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 1998 وتعديلاتها، فيما يخص إعطاء اللاجئ مركزا قانونياً ومعاملته وفق المعايير الدولية؛ التي تمنع حجز وثائقهم، على ما يقول الخبير القانوني الدكتور محمد الموسى.
يشاطره في الرأي الناشط الحقوقي رياض صبح، إذ يرى في احتجاز الوثائق “مخالفة للمادة 5 من مذكرة التفاهم”.
متاهة استعادة الوثائق
بدأ بلال محاولة استرجاع وثائقه المحتجزة لدى مديرية شؤون اللاجئين السوريين في أوائل فبراير/ شباط 2014، بتقديم طلب رسمي لإدارة مخيم الزعتري؛ المسؤولة عن الاحتفاظ بوثائق اللاجئين في مركز رباع السرحان لاستقبال اللاجئين. )
“لا توجد وثائق باسمك”، هذه الإجابة كانت كفيلة بأن يصاب بلال بخيبة أمل.
في اليوم التالي، ذهب بلال بنفسه إلى مكان حفظ الوثائق في مركز رباع السرحان 10 كم عن مخيم الزعتري، فكان الرد: “نحن لا نسلم الوثائق هنا، يجب أن تقدم طلب استرداد وثائق في مخيم الزعتري” الذي يؤويه. وفي اليوم ذاته قدم طلباً جديداً شرح فيه للضابط المسؤول حاجته للوثائق بغية السفر إلى السعودية.
الضابط وعد بلال بتسليمه صورة عن الوثائق، ليقدمها للسفارة، وحال صدور التأشيرة سَيُسلمه وثائقه. لكن هذا لم يحدث رغم مراجعة بلال إدارة المخيم أكثر من عشر مرات، ما أفقده الصبر وفرصة العمر.
طريق الوسطاء
يقول بلال: “حاولت الحصول على وثائقي بطريقة غير رسمية بواسطة سمسار، مقابل 50 دينار عن كل وثيقة، لكنني تأكدت أن وثائقي الخاصة مفقودة”.
ويطالب بلال بحل” مشكلته، مؤكدا أن “من أضاع وثائقي جهة رسمية أردنية، فليمنحوني جواز سفر أردني مؤقت أستطيع المغادرة به”.
“لم تصدر وزارة الداخلية أي تعليمات تضبط عملية إعادة الوثائق للاجئين” بحسب رصدنا للجريدة الرسميةالصادرة عن رئاسة الوزراء منذ بدء الأزمة السورية في 2011 وحتى تاريخه. كما لا يوجد آلية واضحة تحكم ذلك. وكل ما في الأمر أن إدارات مخيمات اللاجئين تعلن عن أسماء اللاجئين داخل المخيمات الذين عليهم استرجاع وثائقهم.
بعد سبعة أشهر على وقف احتجاز الوثائق، لم تشرع مديرية شؤون اللاجئين بإعادة الوثائق للاجئين خارج مخيمات اللجوء. هذه المهمة تتطلب ثمانية أشهر على الأقل، بحسب مدير مديرية شؤون اللاجئين السوريين.
يقول العميد الحمود عن شكوى بلال الذي يملك وصل تسليم وثائقه: “لا أستطيع تحديد إذا كان هناك وثائق مفقودة، لكن كلها محفوظة بشكل دقيق. أما إذا شخص لا يوجد له وثائق من الأصل ويدعّي ذلك، فهذا موضوع آخر”.
وزارة الداخلية ترد على اتهام بلال بنص مكتوب لمعدي التحقيق، شرحت من خلاله أنها تحتفظ بوثائق القادمين من سورية عبر “الشيك الحدودي”، ليتسنى لها التأكد من أن هذه الفئة التي دخلت الأردن بطريقة “غير مشروعة” تندرج “تحت إطار الاحتياج الإنساني”.
الحكومة تخالف القانون الدولي
على أن الناشط الحقوقي رياض صبح يرفض مبررات الحكومة، ويتساءل: “بما أن الاتفاقيات الدولية تطالب الدولة (المضيفة) بإعطاء وثائق للاجئ في حال عدم امتلاكها، فكيف يتم سحبها وهو يمتلكها”؟
وينتقد صبح “معاقبة اللاجئ بسحب وثائقه بسبب دخوله غير الشرعي” لافتا إلى أنه “بإمكان الحكومة أخذ صورة عن الوثائق بدل احتجازها”.
وفي حال “فقدت الوثائق أو أتلفت على السلطات (الأردنية) منح اللاجئ وثيقة أو ورقة لكي يذهب إلى سفارة بلاده ويصدر غيرها”، على ما يشرح صبح، مستدركا: “إذا كان (اللاجئ) على خلاف مع السفارة على الحكومة الأردنية أن تتحمل الخطأ، وأن تلتزم قانونياً وأخلاقياً بإصدار وثائق تسمح له بالسفر والتنقل”.
المفوضية لا سلطة لها
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تكتفي بالتلميح – على لسان ممثلها أندور هاربر- إلى عدم قانونية احتجاز وثائق اللاجئ.
“في الوضع المثالي ينبغي أن يمتلك اللاجئون وثائقهم الخاصة بهم، لأن ذلك يسهل أمر الرجوع لسورية ونحن نأمل ذلك، لكن الأمر يرجع للحكومة الأردنية في النهاية”، حسبما يقول هاربر (استرالي الجنسية).
يبرر العميد وضاح الحمود سحب الوثائق بأنه “إجراء كان أمنيا بحتا بغض النظر عن الاتفاقيات وذلك للحفاظ على أمن البلد”، لافتا إلى أن “حجز الوثيقة في حال اللجوء لا يتعارض مع المركز القانوني للاجئ”.
سوق سوداء
رافق معدا التحقيق اللاجئ أبو طه (30 عاما) إلى مخيم الزعتري لاسترجاع وثائقه، بواسطة لاجئ سوري آخر يدعى أبو خالد (55 عاما)، الذي امتهن السمسرة في كل ما يلزم اللاجئين داخل مخيم الزعتري. ووثقّا ذلك بالكاميرا المخفية.
- “كم وثيقة محجوزة لك”؟دخل أبو طه كرفان أبو خالد، ودار بينهم الحوار التالي:
- “(جواز سفر، هوية شخصية، دفتر خدمة العلم)”.
- “بساعة بجيبهم”.
- “طيب ما بتقدر تجيب وثيقة وحدة بس (جواز سفر)”.
- “ما بنفع وثيقة وحدة صعب، إن شاء الله الظرف في 10 وثائق بنرجعه كله”.
- “طيب توكلنا على الله”.
- “أعطيني تاريخ دخولك، والاسم والتاريخ وكم وثيقة”.
- “31/1/2013….”
- “بكلفوا 200 دينار”.
- “لا لا كثير 50 على كل وثيقة”.
- “أنا ما بأخذ أكثر من 5 دنانير الله وكيلك، يعني في ضابط وفي مسؤول عنه، والكل بوخذ”.
انتظرنا مع أبو طه في الكرفان قرابة ساعة، ثم حضر أبو خالد والوثائق معه. وقال الوسيط: “أخرجهم الضابط من المغلف، ورجعه مكانه فارغا”. ثم استلم أبو طه وثائقه الثلاثة مقابل 150 دينارا دفعها على دفعتين قبل التسليم وبعده، طالبا أن يبقى الموضوع طي الكتمان.
راجع معدا التحقيق أبو خالد أكثر من مرة لأخذ تعليقه على قصة السمسرة، إلا أنه رفض التعليق أمام الكاميرا مكتفياً عبر اتصال هاتفي معه أن المشاهد المصورة ملفقة.
سماسرة ورجال أمن
اللاجئ السوري أحمد (30 عاما) يقطن في مخيم الزعتري. ساعده حضوره لحفلة عرس على بناء علاقة مع أربعة ضباط ورقيب، حسبما يقول، يكون من خلالها واجهة تعمل على استخراج وثائق مقابل 50 دينارا لكل وثيقة (جواز سفر، هوية، رخصة قيادة..) نصيبه منها 15 دينارا.
يقول أحمد “استخرجت 20 وثيقة خلال شهر عن طريق الضابط”، لكن العمل لم يستمر بسبب خلافات حول تقاسم العمولة.
ما إن مضت فترة وجيزة، حتى تعرف أحمد على كاتب قلم في مركز استقبال رباع السرحان، ليعمل معه على استخراج وثائق مقابل خمسة دنانير يأخذها أحمد عن كل وثيقة، على حد قوله.
هذا السمسار رفض كليا ترتيب أي لقاء مع رجل أمن، ما حال دون التثبت من ادعاءاته. كما لم يتمكن معدا التحقيق إثبات الربط بين الوسيط ورجل الأمن المعني بسبب صعوبة تعقّب الوسيط، ومنعهما من دخول مركز رباع السرحان لاستقبال اللاجئين. جاء قرار المنع من مديرية التوجيه المعنوي التابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة، بعد أن طلبت وزارة الداخلية منهما مخاطبة هذه المديرية كون مركز رباع السرحان يقع ضمن منطقة عسكرية.
خلال 11 شهرا من التقصي الميداني، قابل معدا التحقيق 10 سماسرة (تتراوح أعمارهم بين 25 و 50 عاما)، أحدهم أردني والبقية سوريين، يمتهنون استرجاع الوثائق مقابل عمولات مالية، تتراوح بين 50-150 دينار للوثيقة الواحد. يعمل أربعة سماسرة منهم في مدينة اربد التي يقطنها قرابة 200 ألف سوري من أصل مليون وربع مليون نسمة، فيما يعمل ثلاثة سماسرة في مخيم الزعتري الذي يُؤَوّي قرابة 80 ألف لاجئ سوري. ويعمل ثلاثة آخرون في مدينة المفرق التي يبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة انضم إليهم قرابة 150 ألف سوري.
وبحسب هؤلاء السماسرة، يبلغ عدد الوثائق التي استرجعوها لأصحابها 18 وثيقة يوميا، أي ما يعادل قرابة ستة آلاف وثيقة خلال 11 شهرا.
البطاقة الأمنية
“ساعدت حوالي 200 شخص من أصدقائي ومعارفي على استخراج البطاقة الأمنية عن طريق شخص يدعى أنس”، بحسب اللاجئ السوري محمد (25 عاما).
البطاقة الأمنية هي بطاقة خدمة خاصة بالجالية السورية، يتم إصدارها من المراكز الأمنية، للتعريف بحاملها وتسهيل معاملاته اليومية. ويبلغ عدد السوريين الحاصلين عليها قرابة 586 ألفا حتى مطلع إبريل/ نيسان، بحسب رد وزارة الداخلية المكتوب على أسئلتنا. فيما حصل 130 ألف لاجئ سوري على البطاقة الممغنطة، بعد أخذ بصمة العين الخاصة بكل منهم.
ويشترط للحصول على البطاقة الأمنية، بحسب العميد وضاح الحمود، “أن يكون لدى طالبها وثائقه السورية. وفي حال عدم توفرها يجب أن يكون حاصلا على كفالة صادرة عن إدارة المخيم. وأن يُعرّف عليه مواطن أردني، إضافة إلى تحديد مكان سكنه، وحصوله على شهادة خلو أمراض”.
طلب معدا التحقيق من محمد تنسيق مقابلة مع صديقه أنس الذي “يعمل على إصدار البطاقات الأمنية بالتعاون مع رجال أمن في محافظة إربد”، وفق ما يقوله محمد.
التقينا أنس قرب البنك الأردني الكويتي في شارع الجامعة بمدينة إربد في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، وطلبنا منه إصدار بطاقة أمنية لمشرف التحقيق الزميل مصعب الشوابكة:
- “بدي صورة شخصية، مكتوب على ظهرها اسمه الثلاثي، واسم والدته، وتاريخ ميلاده”.
- “الهوية أصلية ولا مزورة”؟
- “صرت مطلع أكثر من 1000 هوية، كل السوريين في إربد بيعرفوني وطلعتلهم هويات، أكيد مش مزورة”.
بعد قرابة أسبوعين عدنا إلى أنس، وطلب منا القدوم إلى بيته للحصول على البطاقة. سلمنا بطاقة خدمة خاصة بالجالية السورية، تحمل اسم زميلنا مصعب وصورته، ورقمها 8001449111 ومختومة من الخلف “مديرية شرطة محافظة إربد/ مركز أمن إربد الشرقي” وصادرة بتاريخ 30/12/2013.
ومن خلال مصادرنا في مديرية الأمن العام تأكدنا من أن البطاقة غير مزورة ومدرجة على نظام البطاقات الخاصة بالجالية السورية.
شؤون اللاجئين: حالات فردية
عرضنا “التزوير” على مدير مديرية شؤون اللاجئين السوريين فقال: “هذه حالة تحقيقية معينة، لا استطيع أن أجيبك على حالات فردية غير مطلع عليها، ومن الممكن أن تراجع المركز المختص وتبلغ عنها”.
يرد العميد الحمود على تهم بضلوع رجال أمن مع سماسرة: “هناك بعض الحالات الفردية المحدودة وهي لا تشكل ظاهرة، وتم إحالتها إلى الجهات التحقيقية في الأجهزة الأمنية المختلفة. بعضهم طرد من الخدمة، والبعض الآخر يقضّي عقوبته بالسجن في مراكز الإصلاح”.
سألنا الحمود عن عدد أفراد الأمن الذين طردوا من الخدمة، أو الذين عوقبوا إلا انه لم يجبنا على ذلك.
ويتابع الحمود: “لم يسجل لدينا حالات تتعلق بالوثائق، بقدر حالات التكفيل والسماح بمغادرة المخيم وغيرها، ولن نسمح للعنصر البشري العامل لدينا أن يكون فاسدا، سواء بالأزمة السورية أو بدونها”.
الداخلية تحجب المعلومات
بعثنا بطلب حصول على المعلومات لوزارة الداخلية، وفق قانون ضمان حق الحصول على المعلومات رقم 47 لسنة 2007. لم تجب الداخلية عن 15 من 24 سؤالاً تتصل بوثائق اللاجئين السوريين.
وبقيت الأسئلة التالية بدون إجابات:
- عدد أفراد الأمن العام الذين تم ضبطهم بتهمة بيع وثائق سورية محتجزة لأصحابها أو لأطراف أخرى، منذ بدء الأزمة السورية؟ عدد أفراد الأمن الذين أحيلوا إلى المحاكمة بتهمة استثمار الوظيفة لبيعهم الوثائق السوريين المحتجزة؟
- عدد الأشخاص الذين ضبطوا كوسطاء في عملية بيع وثائق سورية محتجزة لأصحابها أو لأطراف أخرى، وما الإجراءات المتخذة بحقهم، منذ بدء الأزمة السورية؟
- عدد أفراد الأمن الذين ضبطوا بتهمة إصدار بطاقات خدمة خاصة بالسوريين، مخالفة للشروط، وبمقابل مادي، منذ بدء الأزمة السورية؟
عدم الإجابة دفعنا للتظلم لمجلس المعلومات، استنادا للقانون، لكن المجلس قرر بالأغلبية رفض تظلمنا بدعوى “أن البيانات المطلوبة تصنف من ضمن البيانات التي يمنع الكشف عنها”.
السفارة السورية: احتجاز الوثائق مرفوض
مسؤول إعلامي في السفارة السورية بعمان فضل عدم ذكر اسمه، يقول إن “الوثائق السورية ملك للدولة السورية وصادرة عن حكومتها، ولا يجوز لدولة أخرى سحبها أو احتجازها”.
ويحمل المسؤول الحكومة الأردنية مسؤولية المتاجرة بوثائق اللاجئين من قبل سماسرة واستغلال أوضاعهم المعيشية، معتبرا أن هذه الإجراءات تخالف المعايير الدولية.
ويرى أيضا أن احتجاز الوثائق زاد من معاناة السوريين فيما يتعلق بتسجيل حالات الزواج والطلاق والولادة.
مدير مكتب الإغاثة التابع للائتلاف السوري المعارض في الأردن أحمد المصري، يؤكد أن “الجهات الحكومية الأردنية المعنية على علم بانتشار سماسرة يقومون باستغلال أوضاع اللاجئين السوريين داخل المخيم وخارجه”.
ويطالب المصري “الجهات المعنية بضرورة اتخاذ إجراءات سريعة وصارمة للحد من تفاقم المشكلة”.
تبقى معاناة قرابة 167 ألف لاجئ سوري مستمرة طالما بقيت مديرية شؤون اللاجئين تحتجز وثائقهم الثبوتية، ما يسمح لسماسرة بتحقيق مآرب مادية على حساب معاناة اللاجئين الإنسانية.
بألم وغضب يجادل بلال “صاحب الحلم الضائع”: “ليس ذنبي أنهم أضاعوا وثائقي، أليس من المفروض أن تكون بيد أمينة عندما سلمتها لجهة حكومية، ولماذا يجب على اللاجئ دفع رشوة لاستعادة وثائقه”.
** هذا التحقيق من إعداد وحدة الصحافة الاستقصائية في راديو البلد، وبدعم من شبكة أريج إعلاميون من أجل صحافة عربية استقصائية، وبإشراف الزميل مصعب الشوابكة.
* إجراءات استقبال اللاجئين:
1- عبور الشيك.
2- استقبال اللاجئين من قبل حرس الحدود/الجيش العربي.
3- نقل اللاجئ بعد التأكد منه إلى مركز استقبال رباع السرحان.
4- حجز الوثائق منذ بدء الأزمة وحتى 30/12/2013، وإعطاءه وصل للمراجعة.
5- منذ شباط/2014 ، يتم أخذ بصمة عين اللاجئ وإصدار بطاقة ممغنطة له.
6- التسجيل في المفوضية كاللاجئ.
7- ينقل اللاجئ إلى أحد مخيمات اللجوء.
* البطاقة الممغنطة:
بطاقة مقروءة آليا، أصدرت بداية شباط /2014، تحتوي على بصمة عين اللاجئ وتتضمن جميع المعلومات عنه؛ الاسم، ومكان السكن، والعمر، الجنس، تاريخ دخول المملكة. وهي بمثابة بطاقة شخصية يصعب تزويرها تصدرها مديرية شؤون اللاجئين السوريين بالتعاون مع المفوضية السامية.
حصل على هذه البطاقة 130.383 لاجئ سوري.
يأتي إصدار هذه البطاقات كإجراء تنظيمي لحصر أعداد اللاجئين، وتوفير قاعدة بيانات خاصة بهم، وضبط إجراءات صرف المساعدات. وهي بمثابة الوثيقة الرسمية المعتمدة لدى كل القطاعات الصحية والتربوية والبنوك والقطاعات الخاصة، ومفوضية شؤون اللاجئين، بحسب العميد وضاح الحمود.
بطاقة الخدمة الخاصة بالجالية السورية:
بطاقة ورقية يسهل تزويرها تصدرها المراكز الأمنية لإفراد الجالية السورية بغض النظر عن كونهم لاجئين. بدأ إصدارها منذ بداية الأزمة السورية (ربيع 2011)، وهي بمثابة بطاقة تسهل تنقل حاملها، وتثبت شخصيته ولا تصدر إلا بالشروط التالية:
1) أن يكون مواطنا سوريا دخل الأراضي الأردنية بشكل رسمي، أو خرج من المخيم بكفالة.
2) أن يكون لديه عقد إيجار مسجل في البلدية التي يسكنها.
3) في حال عدم وجود سجل عقد الإيجار، يجب حضور شخص أردني لكفالة اللاجئ السوري.
4) تعبئة نموذج خاص متوفر في المراكز الأمنية من قبل المستأجر (السوري) والمؤجر.
4) تصدر من أقرب مركز أمن لمكان السكن.
* نصت المادة 5 من مذكرة التفاهم بين المملكة الأردنية الهاشمية والمفوضية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الموقعة عام 1998، والمعدلة عام 2014 على “معاملة ملتمسي اللجوء واللاجئين وفق المعايير الدولية المعترف بها، وإعطاء اللاجئ مركزا قانونيا”.
* اللجوء السوري في أرقام: (المصدر مديرية شؤون اللاجئين)
- 1.400.000 سوري على الأراضي الأردنية.
-750.000 سوري على أرض المملكة قبل الأزمة السورية.
- 498.750 سوري دخلوا الأردن بطريقة غير مشروعة.
- 119.500 سوري عادوا طوعيا إلى بلادهم.
- 100.000 سوري موزعين على 6 مخيمات أكبرها الزعتري فيه 83.141 لاجئ.
- 646.673 سوري مسجل كلاجئ لدى المفوضية السامية لشوؤن اللاجئين.
- 656.056 سوري حصول على بطاقة الخدمة الخاصة بالجالية السورية.
- 130.383 سوري حصل على البطاقة الممغنطة.
- 219.333 وثيقة سورية محتجزة.
- 52.603 وثيقة سورية تم إعادتها لأصحابها.
* عدد اللاجئين السوريين في المخيمات:
- مخيم الزعتري:83.141 لاجئ سوري
- مخيم مريجب الفهود (الإماراتي): 37.000 لاجئ سوري.
- مخيم الحديقة: 710 لاجئ سوري.
- مخيم سايبر ستي: 407 لاجئين سوريين.
- مخيم الأزرق:11.705 لاجئين سوريين.
- مخيم الراجحي (العسكريين): 2140 لاجئ سوري.
على أن حلم اللاجئ السوري بالسفر والعمل لإعالة عائلته تبخر، فيما بقي ممنوعا من العمل في الأردن؛ كونه لا يحمل تصريحَ عمل.
فشل الشاب البالغ من العمر 29 عاما في قنص الفرصة مبكرا لأن وثائقه – جواز سفره، دفتر عائلته وهويته- محجوزة لدى مديرية شؤون اللاجئين، منذ أن سجّل لاجئا في سكن البشابشة، داخل الرمثا المحاذية للحدود السورية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012. هذا السكن الخاص أغلق في مطلع أغسطس/ آب 2012، ونقل القاطنون فيه والبالغ عددهم 2500 لاجئ إلى مخيم الزعتري. (*-1) إجراءات استقبال اللاجئين على غرار بلال، احتجزت الأجهزة الأمنية المختلفة -المخابرات والأمن العام- وبعدها مديرية شؤون اللاجئين السوريين التابعة لوزارة الداخلية 219ألف وثيقة سفر وهوية سورية بين 2011 وحتى أواخر 2013.
هذا الإجراء – المخالف للمواثيق الدولية- حفّز سوقا سوداء للاتجار بأوراق ثبوتية سورية (جوازات سفر، هويات شخصية، رخص قيادة، دفاتر عائلة)، احتجزت عقب دخولهم الأراضي الأردنية، على ما يكشف هذا التحقيق الاستقصائي، الذي يرصد أيضا “تبادل منفعة” بين سماسرة أردنيين وسوريين مع رجال أمن وعاملين في مديرية شؤون اللاجئين السوريين، إما لإعادة وثائق محتجزة مقابل 50 – 150 دينار (70- 210 دولار) عن كل منها، أو لاستصدار بطاقات الخدمة الخاصة بالجالية السورية بطريقة غير مشروعة.
وتتواصل معاناة اللاجئين – وسط ضعف رقابة وزارة الداخلية وأذرعها -حتى بعد صدور قرار وزير الداخلية الفريق أول حسين المجالي في 30/12/2013 بوقف إجراءات احتجاز وثائقهم الرسمية.
مدير مديرية شؤون اللاجئين العميد وضّاح الحمود يؤكد أن المديرية أعادت منذ ذلك التاريخ قرابة 53 ألف وثيقة – ربع الوثائق – التي احتجزت منذ بدء تدفق اللاجئين من الجارة الشمالية في مارس/ آذار 2011.
تكمن أهمية استرجاع الوثائق في تمكين اللاجئ من مغادرة المخيم، وطلب اللجوء إلى دولة ثالثة، أو العمل، وتوثيق عقود الإيجار، والزواج، وتسجيل المواليد الجدد، وقيادة السيارات. ويندرج مشروع العودة إلى سورية ضمن خيارات اللاجئ الساعي لاسترداد وثائقه.
لاجئون بدون هوية
على أن ثمانية لاجئين سوريين يؤكدون في مقابلات مع معدي التحقيق أنهم لجأوا لل”رشى” من أجل استرجاع وثائقهم بواسطة سماسرة بسبب تعقيدات استردادها عبر القنوات الرسمية، وعدم وجود تعليمات واضحة بذلك.
وفشل 83 لاجئا في مخيم الزعتري – من بينهم بلال- في استعادة وثائقهم رغم مراجعتهم لإدارة المخيم لاستردادها و/ أو دفعوا رشى لوسطاء دون جدوى، حسبما يؤكدون في مقابلات فردية وجمعية قبل شهر من نشر التحقيق.
وتوصل الفريق إلى أن سماسرة يتعاونون مع رجال أمن لتأمين سوريين ببطاقة الخدمة الخاصة بالجالية السورية، الصادرة عن مراكز أمنية، بطريقة غير قانونية، مقابل 15- 50 دينارا للبطاقة الواحدة.
كل ذلك يحدث وسط ضعف رقابة مديرية شؤون اللاجئين السوريين التابعة لوزارة الداخلية، علاوة على عدم التزام الحكومة الأردنية بمذكرة التفاهم الموقعة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 1998 وتعديلاتها، فيما يخص إعطاء اللاجئ مركزا قانونياً ومعاملته وفق المعايير الدولية؛ التي تمنع حجز وثائقهم، على ما يقول الخبير القانوني الدكتور محمد الموسى.
يشاطره في الرأي الناشط الحقوقي رياض صبح، إذ يرى في احتجاز الوثائق “مخالفة للمادة 5 من مذكرة التفاهم”.
متاهة استعادة الوثائق
بدأ بلال محاولة استرجاع وثائقه المحتجزة لدى مديرية شؤون اللاجئين السوريين في أوائل فبراير/ شباط 2014، بتقديم طلب رسمي لإدارة مخيم الزعتري؛ المسؤولة عن الاحتفاظ بوثائق اللاجئين في مركز رباع السرحان لاستقبال اللاجئين. )
“لا توجد وثائق باسمك”، هذه الإجابة كانت كفيلة بأن يصاب بلال بخيبة أمل.
في اليوم التالي، ذهب بلال بنفسه إلى مكان حفظ الوثائق في مركز رباع السرحان 10 كم عن مخيم الزعتري، فكان الرد: “نحن لا نسلم الوثائق هنا، يجب أن تقدم طلب استرداد وثائق في مخيم الزعتري” الذي يؤويه. وفي اليوم ذاته قدم طلباً جديداً شرح فيه للضابط المسؤول حاجته للوثائق بغية السفر إلى السعودية.
الضابط وعد بلال بتسليمه صورة عن الوثائق، ليقدمها للسفارة، وحال صدور التأشيرة سَيُسلمه وثائقه. لكن هذا لم يحدث رغم مراجعة بلال إدارة المخيم أكثر من عشر مرات، ما أفقده الصبر وفرصة العمر.
طريق الوسطاء
يقول بلال: “حاولت الحصول على وثائقي بطريقة غير رسمية بواسطة سمسار، مقابل 50 دينار عن كل وثيقة، لكنني تأكدت أن وثائقي الخاصة مفقودة”.
ويطالب بلال بحل” مشكلته، مؤكدا أن “من أضاع وثائقي جهة رسمية أردنية، فليمنحوني جواز سفر أردني مؤقت أستطيع المغادرة به”.
“لم تصدر وزارة الداخلية أي تعليمات تضبط عملية إعادة الوثائق للاجئين” بحسب رصدنا للجريدة الرسميةالصادرة عن رئاسة الوزراء منذ بدء الأزمة السورية في 2011 وحتى تاريخه. كما لا يوجد آلية واضحة تحكم ذلك. وكل ما في الأمر أن إدارات مخيمات اللاجئين تعلن عن أسماء اللاجئين داخل المخيمات الذين عليهم استرجاع وثائقهم.
بعد سبعة أشهر على وقف احتجاز الوثائق، لم تشرع مديرية شؤون اللاجئين بإعادة الوثائق للاجئين خارج مخيمات اللجوء. هذه المهمة تتطلب ثمانية أشهر على الأقل، بحسب مدير مديرية شؤون اللاجئين السوريين.
يقول العميد الحمود عن شكوى بلال الذي يملك وصل تسليم وثائقه: “لا أستطيع تحديد إذا كان هناك وثائق مفقودة، لكن كلها محفوظة بشكل دقيق. أما إذا شخص لا يوجد له وثائق من الأصل ويدعّي ذلك، فهذا موضوع آخر”.
وزارة الداخلية ترد على اتهام بلال بنص مكتوب لمعدي التحقيق، شرحت من خلاله أنها تحتفظ بوثائق القادمين من سورية عبر “الشيك الحدودي”، ليتسنى لها التأكد من أن هذه الفئة التي دخلت الأردن بطريقة “غير مشروعة” تندرج “تحت إطار الاحتياج الإنساني”.
الحكومة تخالف القانون الدولي
على أن الناشط الحقوقي رياض صبح يرفض مبررات الحكومة، ويتساءل: “بما أن الاتفاقيات الدولية تطالب الدولة (المضيفة) بإعطاء وثائق للاجئ في حال عدم امتلاكها، فكيف يتم سحبها وهو يمتلكها”؟
وينتقد صبح “معاقبة اللاجئ بسحب وثائقه بسبب دخوله غير الشرعي” لافتا إلى أنه “بإمكان الحكومة أخذ صورة عن الوثائق بدل احتجازها”.
وفي حال “فقدت الوثائق أو أتلفت على السلطات (الأردنية) منح اللاجئ وثيقة أو ورقة لكي يذهب إلى سفارة بلاده ويصدر غيرها”، على ما يشرح صبح، مستدركا: “إذا كان (اللاجئ) على خلاف مع السفارة على الحكومة الأردنية أن تتحمل الخطأ، وأن تلتزم قانونياً وأخلاقياً بإصدار وثائق تسمح له بالسفر والتنقل”.
المفوضية لا سلطة لها
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تكتفي بالتلميح – على لسان ممثلها أندور هاربر- إلى عدم قانونية احتجاز وثائق اللاجئ.
“في الوضع المثالي ينبغي أن يمتلك اللاجئون وثائقهم الخاصة بهم، لأن ذلك يسهل أمر الرجوع لسورية ونحن نأمل ذلك، لكن الأمر يرجع للحكومة الأردنية في النهاية”، حسبما يقول هاربر (استرالي الجنسية).
يبرر العميد وضاح الحمود سحب الوثائق بأنه “إجراء كان أمنيا بحتا بغض النظر عن الاتفاقيات وذلك للحفاظ على أمن البلد”، لافتا إلى أن “حجز الوثيقة في حال اللجوء لا يتعارض مع المركز القانوني للاجئ”.
سوق سوداء
رافق معدا التحقيق اللاجئ أبو طه (30 عاما) إلى مخيم الزعتري لاسترجاع وثائقه، بواسطة لاجئ سوري آخر يدعى أبو خالد (55 عاما)، الذي امتهن السمسرة في كل ما يلزم اللاجئين داخل مخيم الزعتري. ووثقّا ذلك بالكاميرا المخفية.
- “كم وثيقة محجوزة لك”؟دخل أبو طه كرفان أبو خالد، ودار بينهم الحوار التالي:
- “(جواز سفر، هوية شخصية، دفتر خدمة العلم)”.
- “بساعة بجيبهم”.
- “طيب ما بتقدر تجيب وثيقة وحدة بس (جواز سفر)”.
- “ما بنفع وثيقة وحدة صعب، إن شاء الله الظرف في 10 وثائق بنرجعه كله”.
- “طيب توكلنا على الله”.
- “أعطيني تاريخ دخولك، والاسم والتاريخ وكم وثيقة”.
- “31/1/2013….”
- “بكلفوا 200 دينار”.
- “لا لا كثير 50 على كل وثيقة”.
- “أنا ما بأخذ أكثر من 5 دنانير الله وكيلك، يعني في ضابط وفي مسؤول عنه، والكل بوخذ”.
انتظرنا مع أبو طه في الكرفان قرابة ساعة، ثم حضر أبو خالد والوثائق معه. وقال الوسيط: “أخرجهم الضابط من المغلف، ورجعه مكانه فارغا”. ثم استلم أبو طه وثائقه الثلاثة مقابل 150 دينارا دفعها على دفعتين قبل التسليم وبعده، طالبا أن يبقى الموضوع طي الكتمان.
راجع معدا التحقيق أبو خالد أكثر من مرة لأخذ تعليقه على قصة السمسرة، إلا أنه رفض التعليق أمام الكاميرا مكتفياً عبر اتصال هاتفي معه أن المشاهد المصورة ملفقة.
سماسرة ورجال أمن
اللاجئ السوري أحمد (30 عاما) يقطن في مخيم الزعتري. ساعده حضوره لحفلة عرس على بناء علاقة مع أربعة ضباط ورقيب، حسبما يقول، يكون من خلالها واجهة تعمل على استخراج وثائق مقابل 50 دينارا لكل وثيقة (جواز سفر، هوية، رخصة قيادة..) نصيبه منها 15 دينارا.
يقول أحمد “استخرجت 20 وثيقة خلال شهر عن طريق الضابط”، لكن العمل لم يستمر بسبب خلافات حول تقاسم العمولة.
ما إن مضت فترة وجيزة، حتى تعرف أحمد على كاتب قلم في مركز استقبال رباع السرحان، ليعمل معه على استخراج وثائق مقابل خمسة دنانير يأخذها أحمد عن كل وثيقة، على حد قوله.
هذا السمسار رفض كليا ترتيب أي لقاء مع رجل أمن، ما حال دون التثبت من ادعاءاته. كما لم يتمكن معدا التحقيق إثبات الربط بين الوسيط ورجل الأمن المعني بسبب صعوبة تعقّب الوسيط، ومنعهما من دخول مركز رباع السرحان لاستقبال اللاجئين. جاء قرار المنع من مديرية التوجيه المعنوي التابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة، بعد أن طلبت وزارة الداخلية منهما مخاطبة هذه المديرية كون مركز رباع السرحان يقع ضمن منطقة عسكرية.
خلال 11 شهرا من التقصي الميداني، قابل معدا التحقيق 10 سماسرة (تتراوح أعمارهم بين 25 و 50 عاما)، أحدهم أردني والبقية سوريين، يمتهنون استرجاع الوثائق مقابل عمولات مالية، تتراوح بين 50-150 دينار للوثيقة الواحد. يعمل أربعة سماسرة منهم في مدينة اربد التي يقطنها قرابة 200 ألف سوري من أصل مليون وربع مليون نسمة، فيما يعمل ثلاثة سماسرة في مخيم الزعتري الذي يُؤَوّي قرابة 80 ألف لاجئ سوري. ويعمل ثلاثة آخرون في مدينة المفرق التي يبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة انضم إليهم قرابة 150 ألف سوري.
وبحسب هؤلاء السماسرة، يبلغ عدد الوثائق التي استرجعوها لأصحابها 18 وثيقة يوميا، أي ما يعادل قرابة ستة آلاف وثيقة خلال 11 شهرا.
البطاقة الأمنية
“ساعدت حوالي 200 شخص من أصدقائي ومعارفي على استخراج البطاقة الأمنية عن طريق شخص يدعى أنس”، بحسب اللاجئ السوري محمد (25 عاما).
البطاقة الأمنية هي بطاقة خدمة خاصة بالجالية السورية، يتم إصدارها من المراكز الأمنية، للتعريف بحاملها وتسهيل معاملاته اليومية. ويبلغ عدد السوريين الحاصلين عليها قرابة 586 ألفا حتى مطلع إبريل/ نيسان، بحسب رد وزارة الداخلية المكتوب على أسئلتنا. فيما حصل 130 ألف لاجئ سوري على البطاقة الممغنطة، بعد أخذ بصمة العين الخاصة بكل منهم.
ويشترط للحصول على البطاقة الأمنية، بحسب العميد وضاح الحمود، “أن يكون لدى طالبها وثائقه السورية. وفي حال عدم توفرها يجب أن يكون حاصلا على كفالة صادرة عن إدارة المخيم. وأن يُعرّف عليه مواطن أردني، إضافة إلى تحديد مكان سكنه، وحصوله على شهادة خلو أمراض”.
طلب معدا التحقيق من محمد تنسيق مقابلة مع صديقه أنس الذي “يعمل على إصدار البطاقات الأمنية بالتعاون مع رجال أمن في محافظة إربد”، وفق ما يقوله محمد.
التقينا أنس قرب البنك الأردني الكويتي في شارع الجامعة بمدينة إربد في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، وطلبنا منه إصدار بطاقة أمنية لمشرف التحقيق الزميل مصعب الشوابكة:
- “بدي صورة شخصية، مكتوب على ظهرها اسمه الثلاثي، واسم والدته، وتاريخ ميلاده”.
- “الهوية أصلية ولا مزورة”؟
- “صرت مطلع أكثر من 1000 هوية، كل السوريين في إربد بيعرفوني وطلعتلهم هويات، أكيد مش مزورة”.
بعد قرابة أسبوعين عدنا إلى أنس، وطلب منا القدوم إلى بيته للحصول على البطاقة. سلمنا بطاقة خدمة خاصة بالجالية السورية، تحمل اسم زميلنا مصعب وصورته، ورقمها 8001449111 ومختومة من الخلف “مديرية شرطة محافظة إربد/ مركز أمن إربد الشرقي” وصادرة بتاريخ 30/12/2013.
ومن خلال مصادرنا في مديرية الأمن العام تأكدنا من أن البطاقة غير مزورة ومدرجة على نظام البطاقات الخاصة بالجالية السورية.
شؤون اللاجئين: حالات فردية
عرضنا “التزوير” على مدير مديرية شؤون اللاجئين السوريين فقال: “هذه حالة تحقيقية معينة، لا استطيع أن أجيبك على حالات فردية غير مطلع عليها، ومن الممكن أن تراجع المركز المختص وتبلغ عنها”.
يرد العميد الحمود على تهم بضلوع رجال أمن مع سماسرة: “هناك بعض الحالات الفردية المحدودة وهي لا تشكل ظاهرة، وتم إحالتها إلى الجهات التحقيقية في الأجهزة الأمنية المختلفة. بعضهم طرد من الخدمة، والبعض الآخر يقضّي عقوبته بالسجن في مراكز الإصلاح”.
سألنا الحمود عن عدد أفراد الأمن الذين طردوا من الخدمة، أو الذين عوقبوا إلا انه لم يجبنا على ذلك.
ويتابع الحمود: “لم يسجل لدينا حالات تتعلق بالوثائق، بقدر حالات التكفيل والسماح بمغادرة المخيم وغيرها، ولن نسمح للعنصر البشري العامل لدينا أن يكون فاسدا، سواء بالأزمة السورية أو بدونها”.
الداخلية تحجب المعلومات
بعثنا بطلب حصول على المعلومات لوزارة الداخلية، وفق قانون ضمان حق الحصول على المعلومات رقم 47 لسنة 2007. لم تجب الداخلية عن 15 من 24 سؤالاً تتصل بوثائق اللاجئين السوريين.
وبقيت الأسئلة التالية بدون إجابات:
- عدد أفراد الأمن العام الذين تم ضبطهم بتهمة بيع وثائق سورية محتجزة لأصحابها أو لأطراف أخرى، منذ بدء الأزمة السورية؟ عدد أفراد الأمن الذين أحيلوا إلى المحاكمة بتهمة استثمار الوظيفة لبيعهم الوثائق السوريين المحتجزة؟
- عدد الأشخاص الذين ضبطوا كوسطاء في عملية بيع وثائق سورية محتجزة لأصحابها أو لأطراف أخرى، وما الإجراءات المتخذة بحقهم، منذ بدء الأزمة السورية؟
- عدد أفراد الأمن الذين ضبطوا بتهمة إصدار بطاقات خدمة خاصة بالسوريين، مخالفة للشروط، وبمقابل مادي، منذ بدء الأزمة السورية؟
عدم الإجابة دفعنا للتظلم لمجلس المعلومات، استنادا للقانون، لكن المجلس قرر بالأغلبية رفض تظلمنا بدعوى “أن البيانات المطلوبة تصنف من ضمن البيانات التي يمنع الكشف عنها”.
السفارة السورية: احتجاز الوثائق مرفوض
مسؤول إعلامي في السفارة السورية بعمان فضل عدم ذكر اسمه، يقول إن “الوثائق السورية ملك للدولة السورية وصادرة عن حكومتها، ولا يجوز لدولة أخرى سحبها أو احتجازها”.
ويحمل المسؤول الحكومة الأردنية مسؤولية المتاجرة بوثائق اللاجئين من قبل سماسرة واستغلال أوضاعهم المعيشية، معتبرا أن هذه الإجراءات تخالف المعايير الدولية.
ويرى أيضا أن احتجاز الوثائق زاد من معاناة السوريين فيما يتعلق بتسجيل حالات الزواج والطلاق والولادة.
مدير مكتب الإغاثة التابع للائتلاف السوري المعارض في الأردن أحمد المصري، يؤكد أن “الجهات الحكومية الأردنية المعنية على علم بانتشار سماسرة يقومون باستغلال أوضاع اللاجئين السوريين داخل المخيم وخارجه”.
ويطالب المصري “الجهات المعنية بضرورة اتخاذ إجراءات سريعة وصارمة للحد من تفاقم المشكلة”.
تبقى معاناة قرابة 167 ألف لاجئ سوري مستمرة طالما بقيت مديرية شؤون اللاجئين تحتجز وثائقهم الثبوتية، ما يسمح لسماسرة بتحقيق مآرب مادية على حساب معاناة اللاجئين الإنسانية.
بألم وغضب يجادل بلال “صاحب الحلم الضائع”: “ليس ذنبي أنهم أضاعوا وثائقي، أليس من المفروض أن تكون بيد أمينة عندما سلمتها لجهة حكومية، ولماذا يجب على اللاجئ دفع رشوة لاستعادة وثائقه”.
** هذا التحقيق من إعداد وحدة الصحافة الاستقصائية في راديو البلد، وبدعم من شبكة أريج إعلاميون من أجل صحافة عربية استقصائية، وبإشراف الزميل مصعب الشوابكة.
* إجراءات استقبال اللاجئين:
1- عبور الشيك.
2- استقبال اللاجئين من قبل حرس الحدود/الجيش العربي.
3- نقل اللاجئ بعد التأكد منه إلى مركز استقبال رباع السرحان.
4- حجز الوثائق منذ بدء الأزمة وحتى 30/12/2013، وإعطاءه وصل للمراجعة.
5- منذ شباط/2014 ، يتم أخذ بصمة عين اللاجئ وإصدار بطاقة ممغنطة له.
6- التسجيل في المفوضية كاللاجئ.
7- ينقل اللاجئ إلى أحد مخيمات اللجوء.
* البطاقة الممغنطة:
بطاقة مقروءة آليا، أصدرت بداية شباط /2014، تحتوي على بصمة عين اللاجئ وتتضمن جميع المعلومات عنه؛ الاسم، ومكان السكن، والعمر، الجنس، تاريخ دخول المملكة. وهي بمثابة بطاقة شخصية يصعب تزويرها تصدرها مديرية شؤون اللاجئين السوريين بالتعاون مع المفوضية السامية.
حصل على هذه البطاقة 130.383 لاجئ سوري.
يأتي إصدار هذه البطاقات كإجراء تنظيمي لحصر أعداد اللاجئين، وتوفير قاعدة بيانات خاصة بهم، وضبط إجراءات صرف المساعدات. وهي بمثابة الوثيقة الرسمية المعتمدة لدى كل القطاعات الصحية والتربوية والبنوك والقطاعات الخاصة، ومفوضية شؤون اللاجئين، بحسب العميد وضاح الحمود.
بطاقة الخدمة الخاصة بالجالية السورية:
بطاقة ورقية يسهل تزويرها تصدرها المراكز الأمنية لإفراد الجالية السورية بغض النظر عن كونهم لاجئين. بدأ إصدارها منذ بداية الأزمة السورية (ربيع 2011)، وهي بمثابة بطاقة تسهل تنقل حاملها، وتثبت شخصيته ولا تصدر إلا بالشروط التالية:
1) أن يكون مواطنا سوريا دخل الأراضي الأردنية بشكل رسمي، أو خرج من المخيم بكفالة.
2) أن يكون لديه عقد إيجار مسجل في البلدية التي يسكنها.
3) في حال عدم وجود سجل عقد الإيجار، يجب حضور شخص أردني لكفالة اللاجئ السوري.
4) تعبئة نموذج خاص متوفر في المراكز الأمنية من قبل المستأجر (السوري) والمؤجر.
4) تصدر من أقرب مركز أمن لمكان السكن.
* نصت المادة 5 من مذكرة التفاهم بين المملكة الأردنية الهاشمية والمفوضية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الموقعة عام 1998، والمعدلة عام 2014 على “معاملة ملتمسي اللجوء واللاجئين وفق المعايير الدولية المعترف بها، وإعطاء اللاجئ مركزا قانونيا”.
* اللجوء السوري في أرقام: (المصدر مديرية شؤون اللاجئين)
- 1.400.000 سوري على الأراضي الأردنية.
-750.000 سوري على أرض المملكة قبل الأزمة السورية.
- 498.750 سوري دخلوا الأردن بطريقة غير مشروعة.
- 119.500 سوري عادوا طوعيا إلى بلادهم.
- 100.000 سوري موزعين على 6 مخيمات أكبرها الزعتري فيه 83.141 لاجئ.
- 646.673 سوري مسجل كلاجئ لدى المفوضية السامية لشوؤن اللاجئين.
- 656.056 سوري حصول على بطاقة الخدمة الخاصة بالجالية السورية.
- 130.383 سوري حصل على البطاقة الممغنطة.
- 219.333 وثيقة سورية محتجزة.
- 52.603 وثيقة سورية تم إعادتها لأصحابها.
* عدد اللاجئين السوريين في المخيمات:
- مخيم الزعتري:83.141 لاجئ سوري
- مخيم مريجب الفهود (الإماراتي): 37.000 لاجئ سوري.
- مخيم الحديقة: 710 لاجئ سوري.
- مخيم سايبر ستي: 407 لاجئين سوريين.
- مخيم الأزرق:11.705 لاجئين سوريين.
- مخيم الراجحي (العسكريين): 2140 لاجئ سوري.