دراسة تعديل المادة 389 المرتبطة بالتسول والمتسولين
تنفيذا لخطة إصلاح قطاع الرعاية الاجتماعية، على مستوى التشريعات، التي أطلقتها وزارة التنمية الاجتماعية، في 11/ 6/2012، تدرس الوزارة بالتعاون مع وزارتي العدل والداخلية، تعديل نص المادة 389 من قانون العقوبات النافذ، لكي يصبح دور التنمية الاجتماعية في مجال إعادة تأهيل المتسولين الصادرة بحقهم أحكام قضائية، بينما يصبح دور مديرية الأمن العام ضبط المتسولين والتحقيق معهم وتوديعهم للقضاء.
هذا ولوحظ في الآونة الأخيرة كثرة الحديث عن التسول والمتسولين، دون التطرق بشكل مفصل إلى موقف القانون منه؛ والدور الفعلي والمتوقع للمؤسسات المعنية بشأنه، على اختلاف تبعيتها القطاعية؛ وإحصاءاته الوصفية والتحليلية؛ ونتائج دراساته الميدانية؛ وخصائص ممتهنيه، الأمر الذي دفع بوزارة التنمية الاجتماعية إلى بيان مضمون كل ما يرتبط به وبمارسيه من تشريعات وأدوار مؤسسية وإحصاءات ودراسات، بل وعبر ودروس مستفادة.
فالأردن كمثيلته من الدول الأوربية والعربية، التي تجرم تسول البالغين؛ لكونه جريمة نص عليها قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته حتى سنة2011 . فالفقرة الأولى( ب، ج، هـ)، من المادة رقم 389 من قانون العقوبات الأردني، تعرف المتسول، بالاستناد إلى حالته. فوفقا للبند( ب) من الفقرة الأولى، فأن المتسول، هو من " استعطى أو طلب الصدقة من الناس متذرعا إلى ذلك بعرض جروحه أو عاهة فيه أو بأية وسيلة أخرى، سواء أكان متجولا أو جالسا في محل عام، أو وجد يقود ولدا دون السادسة عشرة من عمره للتسول وجمع الصدقات أو يشجعه على ذلك". وطبقا للبند(ج) من ذات الفقرة، فأن المتسول، هو من " وجد متنقلا من مكان إلى آخر لجمع الصدقة والإحسان أو ساعيا لجمع التبرعات الخيرية مهما كان نوعها بالاستناد إلى ادعاء كاذب". وحسب البند(هـ) من نفس الفقرة، فأن المتسول، هو من" وجد متجولا في أي مكان أو مقربة منه أو أية طريق أو شارع عام أو في مكان محاذ لهما أو في أي محل عام أخر في وقت وظروف يستنتج منها بأنه موجود لغاية غير مشروعه أو غير لائقة".
وللمتسول عقوبته، كما يظهر من بقية نص الفقرة الأولى ، ونصي الفترتين 2 و3 من المادة 389. فتقول بقية نص الفقرة 1 "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر أو أن تقرر المحكمة إحالته على أي مؤسسة معنية من قبل وزير الشؤون الاجتماعية للعناية بالمتسولين لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث سنوات. غير أنه يجوز لوزير التنمية الاجتماعية في أي وقت شاء أن يفرج عن أي شخص عهد به إلى أي مؤسسة بمقتضى هذه المواد وفق الشروط التي يراها مناسبة، كما يجوز له أن يعيده إلى المؤسسة المذكورة لإكمال المدة المحكوم بها إذا خولفت هذه الشروط".
بينما تقول الفقرة(2) " في حال تكرار الفعل المنصوص عليه في البندين (ب) و(ج)، للمحكمة أن تقضي بإحالته إلى المؤسسة المشار إليها في تلك الفقرة للمدة المذكورة فيها على أنه لا يجوز لوزير التنمية الاجتماعية الإفراج عنه إلا بعد أن يكون قد أمضى ثلث المدة المحكوم بها على الأقل، أو أن تقضي بعقوبة الحبس لمدة من ثلاثة أشهر إلى سنة أذا كان التكرار للمرة الثانية ولمدة من أربعة أشهر إلى سنة إذا كان التكرار للمرة الثالثة فأكثر".
في حين تقول الفقرة (3)" يعاقب كل من سخر الغير لارتكاب فعل من الأفعال المنصوص عليها في البندين (ب) و(ج) من الفقرة(1) من هذه المادة بالحبس مدة لا تقل عن سنة".
وحصرت المادة المذكورة مسؤولية استقصاء جرائم التسول، وإلقاء القبض على مرتكبيها، واستلام ما بحوزتهم من أموال وأشياء بوزارة التنمية الاجتماعية. وفي هذا الصدد، تقول الفقرة( 4) " لوزير التنمية الاجتماعية تكليف موظف أو أكثر لاستقصاء الجرائم الواردة في هذه المادة حول التسول وجمع الصدقات والتبرعات والقبض على مرتكبيها، ولهذه الغاية يكون للموظف المكلف صفة الضابطة العدلية". بينما تقول الفقرة(5)" في جميع الأحوال للمحكمة مصادرة الأموال والأشياء الموجودة في حوزة من ارتكب أيا من الأفعال السابقة والأمر بتسليمها لوزارة التنمية الاجتماعية لصرفها على الجهات والمؤسسات التي تعنى بالمتسولين".
أما تسول الأحداث في الأردن، فأنه يشير إلى تعرضهم إلى الخطر من محيطهم الاجتماعي، الذي قد يؤثر سلبا في بقائهم ونمائهم، الأمر الذي يستوجب حمايتهم في غالب الأحيان، من خلال نزعهم من أسرهم، التي يعيشون فيها، وإلحاقهم بدور الرعاية الاجتماعية، بموجب قرارات قضائية، يسندها قانون الأحداث رقم 24 لسنة 1968 وتعديلاته حتى سنة 2007، ويتخذها قضاة محاكم الأحداث.
وبالرغم من أن مهمة ضبط المتسولين ، من اختصاص أفراد الضابطة العدلية، إلا أنها تقع على عاتق وزارة التنمية الاجتماعية؛ للتشريعات الناظمة لعملها، التي كان من آخرها القانون المعدل لقانون العقوبات رقم 8 لسنة 2011 . فتختص وزارة التنمية الاجتماعية بمكافحة التسول، كما يظهر من نص المادة 11/ 4 من قانونها رقم 14 لسنة 1956 وتعديلاته حتى سنة 1967 ، ومن نص المادة 389(الفقرة الرابعة) من القانون المعدل لقانون العقوبات رقم 8 لسنة 2011 ؛ وبحماية المجتمع من أخطار الجريمة، حسب ما يتضح من نظام تنظيمها الإداري رقم 20 لسنة 1997 ؛ وبرعاية الأحداث المتسولين، كما يتبين من نص المادة 31 من قانون الأحداث رقم 24 لسنة 1968 وتعديلاته حتى سنة 2007؛ وبتطبيق إجراءات منع تسول الأحداث، الصادرة بموجب تعليمات، تسندها أحكام المادة 11 من قانون مراقبة سلوك الأحداث رقم 37 لسنة 2006 .
لهذا التشريعات، وغيرها من مكونات السياسات الاجتماعية الأخرى، تقوم وزارة التنمية الاجتماعية بنوعين من الإجراءات العملية؛ لضبط المتسولين، والحيلولة دون وقوع جرائهم، الأول علاجي، والثاني وقائي.
وما يؤكد على قيام وزارة التنمية الاجتماعية بمعالجة التسول، دور رعاية المتسولين، التي تفتتحها وتشغلها؛ وحملات مكافحة التسول، التي تديرها؛ ولجانها، التي تشكلها من بعض موظفيها وممثلي بعض شركائها، مثل: مديرية الأمن العام وأمانات المدن والبلديات؛ لضبط المتسولين، وإحالة البالغين منهم، إلى المراكز الأمنية، لقيام هذه الأخيرة بالتحقيق معهم، وتوديعهم إلى القضاء؛ لإجراء المقتضى القانوني بشأن قضاياهم، الذي يكون في غالب الأحيان تكفليهم، أو حجز حرية المكررين منهم في دور الرعاية المخصصة لهم. وإحالة أيضا الأحداث منهم، إلى محكمة الأحداث، الواقعة في منطقة سكناهم؛ لإصدار قرارات بشأن تكفليهم من قبل أوليائهم أو أوصياهم، أو انتزاعهم من أسرهم، في حال خطر هذه الأخيرة عليهم، على اعتبار أنهم من فئة المحتاجين للحماية والرعاية، التي عالجتها المادة 31 من قانون الأحداث رقم 28 لسنة 1968 وتعديلاته حتى سنة 2007.
أما ما يؤكد على قيام وزارة التنمية الاجتماعية بالوقاية من التسول، فعالياتها التوعوية، التي تنظمها بالتعاون مع شركائها، مثل: وزارة الأوقاف، جمعية المذيعين الأردنيين، أمانة عمان الكبرى،مؤسسة الإذاعة والتلفزيون،ومفوضة العقبة . ومن أبرز تلك الحملات، حملة" التسول طريق للانحراف"، التي نفذت في شهري تموز، آب من عام 2003، في محافظات اربد والعاصمة والعقبة. وحملة" " مسؤوليتك كمواطن في التصدي لقضية التسول"، التي نفذت في شهر حزيران من عام 2009 ، من خلال 40 مديرية للتنمية الاجتماعية، بهدف توعية المواطنين بمسؤوليتهم الاجتماعية تجاه الحد من التسول؛ و تكوين جماعات التصدي للتسول بصفته كمهدد للأمن الاجتماعي؛ وتوجيهم لتقديم تبرعاتهم عبر القنوات المؤسسية، إلى مستحقيها، مثل لجان الزكاة، وغيرها؛ وإخلاء الشوارع والإشارات الضوئية من المتسولين. وحملة" مسؤوليتك" الثانية، التي نفذت في النصف الثاني من عام 2010.
فالجديد في حملة " مسؤوليتك" الثانية، وسائلها، الأفلام الكرتونية، التي أنتجتها وزارة التنمية الاجتماعية بالتعاون مع أمانة عمان الكبرى؛ لبثها على الموقع الإلكتروني لوزارة التنمية الاجتماعية، وشاشة التلفزيون الأردني. ولمحاولة ضمان تأثير هذه الأفلام في اتجاهات مشاهديها، فقد استقت قصصها من الواقع المعاش للمتسولين، الذي أظهرته نتائج دراسة حالاتهم الاجتماعية. فخلاصة قصص هذه الأفلام، تكمن في الدروس والعبر المستفادة منها، استغلال أولياء الأمور لأطفالهم، وأفراد أسرهم من المعوقين والإناث في التسول؛ وعرضه المتسولين من هذه الفئات للخطر؛ وابتكار المتسولين للمواقف المثيرة لعطف وشفقة المارة من الناس للحصول على المال منهم؛ وكثرة المردود المالي لما يحصله المتسولين من الناس دون عناء أو تعب.
وعلى الرغم من الجهود المنصبة على معالجة التسول، والوقاية منه، إلا أن إحصاءات وزارة التنمية الاجتماعية، تشير إلى وقوع معدلاته باتجاهات مختلفة، تعكس خصائص ممارسيه. فقد تبين من أحداث إحصاءاتها ، أن معدل المتسولين المضبوطين، في الأشهر التسعة من عامي 2008 و2009 ، بلغ 1321 متسولاً ومتسولة، منهم 887.5 بالغاً وبالغة، و 484 طفلاً وطفلة. وأن معدل المتسولين المكررين في الفترة مدار البحث، 557.5 متسولاً ومتسولة، منهم 464 ضبطوا في عام 2009، مقارنة بـ 651 ضبطوا في عام 2008 . وأن معدل المتسولين البالغين الذكور(310.5) ، اقل من مثيله للمتسولات البالغات الإناث(577)، وأن متوسط الأحداث المتسولين الذكور(281) اقل من نظيره للأحداث المتسولات الإناث(203)، الأمر الذي قد يشير إلى تأنيث التسول في الأردن.
فهذه الإشارة، قد تكون صحيحة، بدلالة إحصاءاتها العامة لسنوات أخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر،سنة 2010 ، التي شهدت ضبط 1085 إمرأة متسولة، مقابل 591 رجل. وسنة 2002 ، التي شهدت هي الأخرى، ضبط 529 إمرأة متسولة، مقابل 330 رجل متسول. كما وبدلالة السلاسل الزمنية للفترة من عام 1974-2004 ، ومفادها تراجع معدل التغير للمتسولين الذكور ( -0.39%) ، مقابل تقدم معدل التغير للمتسولات الإناث(+3.17 %).
وتشير نتائج الدراسات إلى خصائص المتسولين، فقد تبين من دراسة سابقة أجرتها وزارة التنمية الاجتماعية، على عينة عددها 181 متسولا ومتسولة ، أن 67.40% و98.34% و91.60% من المتسولين أميين وأصحاء و قادرين على العمل. بينما تبين من دراسة سابقة أخرى ، نالت معدتها عليها درجة الماجستير في علم الاجتماع ، التي أجرتها على عينة عشوائية، بلغ حجمها 400 متسولا ومتسولة يزيد سنهم عن 18 سنة، أن لغالبية العظمى من المتسولين، هم من المتمتعين بصحة جيدة؛ القاطنين في مساكن مستقلة؛ المتمتعين بأجواء أسرية عادية لطيفة؛ المرتدين للأسواق والأماكن القريبة من المساجد؛ المتنقلين من مكان لآخر؛ الخارجين من منازلهم وقت الصباح؛ المستغلين لشهر رمضان؛ الجامعين يوميا بين 5 و9 دنانير؛ ؛ الملحين في طلبهم للمال من الآخرين؛ الحاملين للأطفال لاستدار عطف الآخرين؛ العارفين لمن يتصدق عليهم من مظهره الخارجي؛ الممارسين للتسول بشكل فردي؛ المقبوض عليهم مرة واحدة؛ والواعين بأن تسولهم جريمة يعاقب عليها القانون.