jo24_banner
jo24_banner

سمير الرفاعي.. أعرنا سكوتك

سمير الرفاعي.. أعرنا سكوتك
جو 24 : تامر خرمه- يحكى أن "جحا" قرّر الحكم في قضيّة رجلين حضرا إلى منزله للفصل في خصومة نشبت بينهما، فدعا صاحبنا أحد المختصمين إلى حجرته ليسمع شكواه، فلمّا أدلى ما بدلوه قال له "جحا": أنت على حقّ. خرج الرجل سعيداً بما سمعه ليدخل المختصم الثاني، ويعرض القضيّة من وجهة نظره، فردّ "جحا" أيضاً بعبارة: أنت على حقّ.

بمجرّد خروج الرجلين من المنزل، هرعت زوجة "جحا" التي كانت تسترق السمع من الحجرة الأخرى، لتوبّخ زوجها وتلومه على قوله "انت على حقّ" لكلا المختصمين، فما كان من "جحا" إلاّ أن أجابها: أنت على حقّ يا زوجتي!

حنكة "جحا" السياسيّة جعلته يدرك أن عليه إجابة الآخرين بما يحبّون سماعه، وليس بما ينبغي قوله. إمام النوادر والطرائف جسّد في ذلك الموقف الشخصيّة البراغماتيّة التي لا تعجز عن الوصول إلى مبتغاها، نتيجة إرضائها الدائم للآخرين وترديدها لما يودّون سماعه.

يبدو أن بعض الساسة الأردنيّين الطامحين بالعودة إلى مناصب خسروها، لفشل مقارباتهم واستراتيجيّاتهم، قد قرّروا اللجوء إلى ذات التكتيك "الجحويّ" فباتوا يغرّدون بما يريد الآخرون سماعه. ولكن "الآخرون" هنا هم "آخرون" بكلّ ما تعنيه الكلمة.. هم كلّ شيء باستثناء الناس!

ليست هذه طلسمة لوغاريتميّة.. الأمر ببساطة أن كثيراً من الساسة الطامحين لا يرون الناس، ولا يأخذون بعين الاعتبار سوى رضا دوائر صنع القرار، سواء على المستوى المحلّي أو على مستوى العلاقات الدوليّة.

ومن هؤلاء الطامحين المغرّدين بما يشتهي "الآخرون" سماعه، لنيل الرضا والعودة إلى مناصبهم السابقة، رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، الذي يبدو أنّه مازال مستمرّاً في تسويق نفسه، محاولاً هذه المرّة توجيه رسائل "تويتريّة" لدوائر صنع القرار في الأردن، وكذلك لدهاقنة التحالف الغربي المتكالبين على ثروات وخيرات المنطقة تحت شعار "محاربة الإرهاب" وقتال "الدواعش".

فزّاعة "الإرهاب" تعكس "نظريّة الشيطان" التي مازالت "كارتيلات" الموت والاستغلال تستثمرها في تجارة الحروب، فبعد صناعة التنظيمات المتشدّدة، بدأت واشنطن وحلفاؤها باستخدام هذه التنظيمات مبرّرا لتحقيق المزيد من أطماعها في المنطقة العربيّة.. ولكنّ "العمّ سام" ومن لفّ حوله من أصحاب "الرقاب الحمراء" في الغرب الجامح، و"الحقول السمراء" في الخليج المالح، لا يريدون دفع تكلفة الدخول في مستنقع الحرب في سوريّة والعراق.. بالنسبة لهذا التحالف -الغارق في حرب قذرة اختلطت فيها قطاعات التحالف والتناحر على حساب الدم السوري والأرواح العراقيّة- أصبح الأردن هو الحلّ!

الرفاعي، الذي ربّما يستند على تكتيك "جحا" في ترديد ما يرغب "الآخرون" بسماعه، غرّد بقوله أن "التهاب الإقليم" يستدعي من الأردنيّين الإسهام "بكل امكانياتنا وقدراتنا العسكرية". ليس هناك ما هو "أعذب" من عبارات الترويج لزجّ الأردن في هذه الحرب على "آذان" مريديها. هنا قد يكون لتغريدة الرفاعي ما يعود عليه بـ "الرضا".. ولكن ما الثمن ؟

بالتأكيد لن يدفع رجالات "البزنس" وأصحاب الألقاب ثمن إغراق الأردن في معارك وحروب وقودها الناس ونتائجها مفتوحة على أسوأ الاحتمالات.. الثمن سيدفعه الشعب الأردني كما دفعه أشقاءنا في سوريّة والعراق، في حال تحوّل الأردن إلى طرف في تجارة هذه الحرب.

ربّما تناسى بعض الطامحين أن كفاءة قوّاتنا المسلّحة والأجهزة الأمنيّة تشكّل ضمانة أمن واستقرار الأردن، وليست سلعة يمكن المتاجرة بها وفق ما يشتهون. إذا كانت الولايات المتحدة الحافل تاريخها بحروب لا تنتهي، في فيتنام، وأفغانستان، والعراق وغيرها، تنأى بجنودها وقوّاتها عن هذه المعارك الدمويّة، فهل من الحكمة أن يرسل الأردن أبناءه للموت في سبيل أطماع الغير ؟!
باختصار.. الدم ليس سلعة رخيصة، ولا مصلحة للأردن في التورّط فيما وراء الحدود من حروب يخوضها حلفاء الأمس وأعداء اليوم على حساب الشعوب. من كان يطمح لنيل "الرضا" سواء على المستوى المحلّي أو الدولي، يمكنه الاستمرار في إعداد وتلبية العزائم والولائم، ولكن بعيداً عن الترويج للانخراط في هذه الحرب القذرة. فعلاً الإقليم ملتهب ومنتفخ بالسموم والقيح، لذا من كان يؤمن بالأردن والأمن القومي، فليقل خيراً أو ليصمت.





تابعو الأردن 24 على google news