كارثة تشريعية غير مسبوقة في الأردن مطلع الشهر القادم
جو 24 : مؤيد المجالي - بَيَّن المحامي إسلام الحرحشي الخبير في القضايا الدستورية في دراسة قانونية أعدها بخصوص المادة (128) من الدستور، من أجل معرفة التشريعات التي سيتم إلغاؤها بموجبها، وقد تم إرسال نسخة من هذه الدراسة للجهات الرسمية المعنية بإنشاء القانون وتطبيقه لاسيما رئيس الوزراء ومجلس الوزراء ورئيس مجلس الأعيان ورئيس مجلس النواب ورئيس ديوان التشريع والرأي والمحكمة الدستورية ومحكمة التمييز والاستئناف والعديد من القضاة النظاميين والشرعيين.
وقد بين المحامي الحرحشي في الدراسة أن كارثة تشريعية ستحل بالمملكة الأردنية الهاشمية عند نفاذ أحكام المادة (128) من الدستور بتاريخ (30/9/2014)، حيث تحكم هذه المادة بإلغاء أو إبطال الالاف من التشريعات السارية في المملكة من قوانين وأنظمة وتعليمات وغيرها، فمدة السنوات الثلاثة التي جاءت بها هذه المادة تنقضي يوم غدٍ الثلاثاء (30/9/2014)، وتنص المادة (128) من الدستور على ما يلي:
1- لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
2- إن جميع القوانين والأنظمة وسائر الأعمال التشريعية المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية عند نفاذ هذا الدستور تبقى نافذة إلى أن تلغى أو تعدل بتشريع يصدر بمقتضاه وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات.
وأضاف المحامي الحرحشي أن المادة (128) من الدستور بصيغتها الجديدة لا سيما بإضافة العبارة (وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات) تنشئ كارثة تشريعية في المملكة الأردنية الهاشمية لا سابق لها في تاريخ المملكة، ويجب أن يتحمل كل من ساهم في صياغة هذه المادة على هذا النحو المسؤولية على هذه الخطيئة.
كما بين أن من واجب المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها تنفيذ أحكام القانون لا سيما الدستور (القانون الأعلى) الواجب إنفاذ أحكامه أولاً، فالواجب الدستوري يقضي بأن عليها إنفاذ أحكام المادة (128) بصيغتها الجديدة، وتساءل: بماذا ستقضي هذه المحاكم سواء من تلقاء نفسها أو بناءاً على طلب أحد الخصوم لديها إذا تم سريان أحكام المادة (128) من الدستور بصيغتها الجديدة بعد تاريخ (1/10/2014)؟؟ ماذا سيكون حكمها؟؟.
وهذا نص الدراسة كما ورد:
دراسة قانونية في المادة (128) من الدستور الأردني
بعد تعديلها بموجب تعديل الدستور لسنة 2011
لمعرفة ما هي التشريعات التي سيتم إلغاؤها بموجبها
الفصل الأول: تاريخ النص الدستوري
أولاً: تنص المادة (128) من الدستور الأصلي عند صدوره ونفاذه بعد نشره في الجريدة الرسمية في العدد (1093) - تاريخ (8/1/1952) على ما يلي:
إن جميع القوانين والأنظمة وسائر الأعمال التشريعية المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية عند نفاذ هذا الدستور تبقى نافذة المفعول إلى أن تلغى أو تعدل بتشريع يصدر بمقتضاه.
ثانياً: أوصت اللجنة الملكية التي كُلِّفت بمراجعة نصوص الدستور في شهر نيسان من سنة 2011 بتعديل نص المادة (128) على النحو التالي:
1. لا يجوز أن تنال القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات من جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
2. إن جميع القوانين والأنظمة وسائر الأعمال التشريعية المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية عند نفاذ هذا الدستور تبقى نافذة المفعول إلى أن تلغى أو تعدل بتشريع يصدر بمقتضاه.
وقد جاء في المذكرة الايضاحية لتعديل الدستور بخصوص تعديل المادة (128) ما يلي:
تعديل يكتسب أهمية خاصة ودلالة بعيدة المدى، وتترتب عليه تطبيقات بالغة الخطورة تُرسِّخ بشكل حاسم مبدأ فصل السلطات ومنع التغول على السلطة التشريعية من قبل السلطة التنفيذية، ويؤدي إلى مزيد من حماية المواطن وحريته.
فقد جرى إضافة بند أول جديد إلى المادة 128 وإعادة ترقيم البند رقم 1 ليصبح بند رقم 2:
البند الأول وهو الأهم:
لا يجوز أن تنال القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات من جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
وفي حقيقة الأمر أن استحداث هذا النص هو ضمانة أكيدة للحفاظ على الحريات والحقوق المقررة للمواطن بموجب الدستور وسد منيع يصد كل نزوع للسلطة التنفيذية لمحاولة تضمين القوانين التي تصدر لتنظيم الحريات والحقوق وممارساتها، أي نصوص تسلب أيا من الحقوق أو الحريات المقررة بموجب الدستور، أو تهدد أي ضمانة يقدمها الدستور في نصوصه ومبادئه لحماية حرية الإنسان وكرامته وحقوقه ومنع التعدي عليها بأي حجة كانت ولو أخذت ثوبا تشريعا يصدر على شكل قانون.
وهذا النص تجسيد حقيقي للإرادة السياسية في إجراء التغيير والتطوير الحقيقي على الممارسات التشريعية من السلطات صاحبة الاختصاص وحائلا دون الممارسات أو التشريعات الاستبدادية أو السالبة لأي من الحقوق والمبادئ المقرّ بها للمواطن بموجب التوجُّه الإنساني العام وحماية حقيقية للحرية في الممارسة والتطبيق وضمانة للحفاظ على حقوق الإنسان.
ثالثاً: قامت حكومة الدكتور معروف البخيت بإدخال تعديل على توصيات اللجنة الملكية بخصوص المادة (128) لاسيما إضافة عبارة (وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات) إلى نهاية الفقرة (2) ثم أرسلت مشروع التعديلات الدستورية إلى مجلس الأمة لإقرارها لتصبح على النحو التالي:
1- لا يجوز أن تنال القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات من جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
2- إن جميع القوانين والأنظمة وسائر الأعمال التشريعية المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية عند نفاذ هذا الدستور تبقى نافذة إلى أن تلغى أو تعدل بتشريع يصدر بمقتضاه وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات.
ملاحظة: يذكر أن الحكومة قد أرسلت مشروع التعديلات الدستورية إلى مجلس الأمة بدون إرفاقها بالأسباب الموجبة.
رابعاً: قام مجلس النواب السادس عشر بإدخال تعديل على مشروع تعديل المادة (128) من الدستور المرسل من الحكومة باستبدال كلمة (تؤثر) بكلمة (تنال) وحرف (على) بحرف (من) الواردة في الفقرة (1) لتصبح المادة (128) بصيغتها المعدلة بعد إقرارها على النحو التالي:
1- لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
2- إن جميع القوانين والأنظمة وسائر الأعمال التشريعية المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية عند نفاذ هذا الدستور تبقى نافذة إلى أن تلغى أو تعدل بتشريع يصدر بمقتضاه وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات.
خامساً: أقر مجلس الأعيان مشروع تعديل المادة (128) من الدستور كما وردت من مجلس النواب.
سادساً: صادق الملك على مشروع التعديلات الدستورية، وقد صدرت وتم نشرها في الجريدة الرسمية العدد (5117) تاريخ (1/10/2011) وتم نفاذها والعمل بها منذ هذا التاريخ، حيث جاء في المادة (36) من هذه التعديلات ما يلي:
المادة (36): يلغى نص المادة (128) من الدستور ويستعاض عنه بالنص التالي:
1- لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
2- إن جميع القوانين والأنظمة وسائر الأعمال التشريعية المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية عند نفاذ هذا الدستور تبقى نافذة إلى أن تلغى أو تعدل بتشريع يصدر بمقتضاه وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات.
الفصل الثاني: تفسير النص الدستوري لمعرفة أحكامه
أولاً: إعمالاً للمبدأ القانوني (مبدأ الأثر الفوري للقانون الجديد) فإن سريان تعديل الدستور يبدأ من تاريخ (1/10/2011)، وبتطبيق ذلك المبدأ على المادة (36) منه فإن المادة (128) من الدستور الأصلي تصبح ملغاة منذ ذلك التاريخ (1/10/2011) ويلغى حكمها، ويبدأ سريان نص المادة (128) الجديد منذ ذلك التاريخ أيضاً أي في (1/10/2011) ويبدأ تطبيق ما ورد بها من أحكام تقضي بها.
ثانياً: من الواضح - وضوح الشمس في رابعة النهار - أن المادة (128) من الدستور عندما أُنشئت مع إنشاء الدستور الأصلي كانت تقضي بأن جميع التشريعات من قوانين أنظمة وغيرها التي كانت سارية في المملكة عند صدور الدستور الأصلي تبقى سارية إلى الوقت الذي يتم إلغاؤها أو تعديلها بتشريع يصدر بموجب الدستور الصادر سنة 1952، ويلاحظ أنه لم يرد في نص المادة (128) في الدستور الأصلي مدة محددة لبقاء هذه التشريعات سارية، بل تبقى سارية إلى الوقت الذي يتم إلغاؤها بتشريع آخر.
ثالثاً: لقد بقيت المادة (128) من الدستور سارية إلى أن تم إلغاؤها بموجب تعديل الدستور لسنة 2011 الذي بدأ العمل به بتاريخ (1/10/2011) وحل محلها نص جديد بدأ سريانه من ذات التاريخ، أي في (1/10/2011)، وهو نص يشابه النص المُلغى من حيث المبنى لكنه أضاف إضافة مهمة وهي عبارة (وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات).
أي أن جميع التشريعات من قوانين وأنظمة وتعليمات وغيرها التي كانت سارية عند بدء العمل وسريان النص الدستوري الجديد، أي بتاريخ (1/10/2011) تبقى سارية إلى يتم إلغاؤها أو تعديلها خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات، ومن الواضح - وضوح الشمس في رابعة النهار – أن هذه المدة تنتهي بتاريخ (30/9/2014).
رابعاً: إن السؤال المهم الذي يجب أن يسأل ويجب الجواب عليه هو: وفقاً لنص المادة (128) الجديد، ماذا بعد مرور السنوات الثلاثة (الفترة الانتقالية)؟؟ ماذا سيحل بجميع التشريعات من قوانين وأنظمة وتعليمات وغيرها التي كانت سارية بتاريخ (1/10/2011) ومضت مدة السنوات الثلاثة (الفترة الانتقالية) ولم يتم إلغاؤها أو تعديلها خلالها؟؟؟ وما هو مصيرها وفقاً لحكم الدستور والمادة (128) منه الواجبة النفاذ أحكامها؟؟؟؟
خامساً: إن المشرع لا يقول لغواً ولا يُضيف فضلاً من الأحكام، وإعمالاً لهذا المبدأ القانوني على نص المادة (128) من الدستور بصيغتها الجديدة، فإن حكمها يقضي بأن جميع التشريعات من قوانين وأنظمة وتعليمات وغيرها التي (1- كانت سارية بتاريخ (1/10/2011)، 2- لم تلغى أو تعدل حتى تاريخ (30/9/2014))، وعددها بالآلاف، تعتبر لاغية و/أو باطلة و/أو غير نافذة حكماً بموجب نص المادة (128) من الدستور (القانون الأسمى) وحكمها الواجب النفاذ والعمل به.
سادساً: لا شك أن المادة (128) من الدستور بصيغتها الجديدة لا سيما بإضافة العبارة (وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات) تنشئ كارثة تشريعية في المملكة الأردنية الهاشمية لا سابق لها في تاريخ المملكة، ويجب أن يتحمل كل من ساهم في صياغة هذه المادة على هذا النحو المسؤولية على هذه الخطيئة.
سابعاً: إن من واجب المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها تنفيذ أحكام القانون لا سيما الدستور (القانون الأعلى) الواجب إنفاذ أحكامه أولاً، فالواجب الدستوري يقضي بأن عليها إنفاذ أحكام المادة (128) بصيغتها الجديدة، ولنا أن نسأل: بماذا ستقضي هذه المحاكم سواء من تلقاء نفسها أو بناءاً على طلب أحد الخصوم لديها إذا تم سريان أحكام المادة (128) من الدستور بصيغتها الجديدة بعد تاريخ (1/10/2014)؟؟ ماذا سيكون حكمها؟؟.
حفظ الله الأردن من كل سوء، وحماه من أعدائه ومن بعض صانعي القرار فيه
والله من وراء القصد
المحامي إسلام الحرحشي
عمان – الأردن
28-9-2014
وقد بين المحامي الحرحشي في الدراسة أن كارثة تشريعية ستحل بالمملكة الأردنية الهاشمية عند نفاذ أحكام المادة (128) من الدستور بتاريخ (30/9/2014)، حيث تحكم هذه المادة بإلغاء أو إبطال الالاف من التشريعات السارية في المملكة من قوانين وأنظمة وتعليمات وغيرها، فمدة السنوات الثلاثة التي جاءت بها هذه المادة تنقضي يوم غدٍ الثلاثاء (30/9/2014)، وتنص المادة (128) من الدستور على ما يلي:
1- لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
2- إن جميع القوانين والأنظمة وسائر الأعمال التشريعية المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية عند نفاذ هذا الدستور تبقى نافذة إلى أن تلغى أو تعدل بتشريع يصدر بمقتضاه وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات.
وأضاف المحامي الحرحشي أن المادة (128) من الدستور بصيغتها الجديدة لا سيما بإضافة العبارة (وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات) تنشئ كارثة تشريعية في المملكة الأردنية الهاشمية لا سابق لها في تاريخ المملكة، ويجب أن يتحمل كل من ساهم في صياغة هذه المادة على هذا النحو المسؤولية على هذه الخطيئة.
كما بين أن من واجب المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها تنفيذ أحكام القانون لا سيما الدستور (القانون الأعلى) الواجب إنفاذ أحكامه أولاً، فالواجب الدستوري يقضي بأن عليها إنفاذ أحكام المادة (128) بصيغتها الجديدة، وتساءل: بماذا ستقضي هذه المحاكم سواء من تلقاء نفسها أو بناءاً على طلب أحد الخصوم لديها إذا تم سريان أحكام المادة (128) من الدستور بصيغتها الجديدة بعد تاريخ (1/10/2014)؟؟ ماذا سيكون حكمها؟؟.
وهذا نص الدراسة كما ورد:
دراسة قانونية في المادة (128) من الدستور الأردني
بعد تعديلها بموجب تعديل الدستور لسنة 2011
لمعرفة ما هي التشريعات التي سيتم إلغاؤها بموجبها
الفصل الأول: تاريخ النص الدستوري
أولاً: تنص المادة (128) من الدستور الأصلي عند صدوره ونفاذه بعد نشره في الجريدة الرسمية في العدد (1093) - تاريخ (8/1/1952) على ما يلي:
إن جميع القوانين والأنظمة وسائر الأعمال التشريعية المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية عند نفاذ هذا الدستور تبقى نافذة المفعول إلى أن تلغى أو تعدل بتشريع يصدر بمقتضاه.
ثانياً: أوصت اللجنة الملكية التي كُلِّفت بمراجعة نصوص الدستور في شهر نيسان من سنة 2011 بتعديل نص المادة (128) على النحو التالي:
1. لا يجوز أن تنال القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات من جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
2. إن جميع القوانين والأنظمة وسائر الأعمال التشريعية المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية عند نفاذ هذا الدستور تبقى نافذة المفعول إلى أن تلغى أو تعدل بتشريع يصدر بمقتضاه.
وقد جاء في المذكرة الايضاحية لتعديل الدستور بخصوص تعديل المادة (128) ما يلي:
تعديل يكتسب أهمية خاصة ودلالة بعيدة المدى، وتترتب عليه تطبيقات بالغة الخطورة تُرسِّخ بشكل حاسم مبدأ فصل السلطات ومنع التغول على السلطة التشريعية من قبل السلطة التنفيذية، ويؤدي إلى مزيد من حماية المواطن وحريته.
فقد جرى إضافة بند أول جديد إلى المادة 128 وإعادة ترقيم البند رقم 1 ليصبح بند رقم 2:
البند الأول وهو الأهم:
لا يجوز أن تنال القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات من جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
وفي حقيقة الأمر أن استحداث هذا النص هو ضمانة أكيدة للحفاظ على الحريات والحقوق المقررة للمواطن بموجب الدستور وسد منيع يصد كل نزوع للسلطة التنفيذية لمحاولة تضمين القوانين التي تصدر لتنظيم الحريات والحقوق وممارساتها، أي نصوص تسلب أيا من الحقوق أو الحريات المقررة بموجب الدستور، أو تهدد أي ضمانة يقدمها الدستور في نصوصه ومبادئه لحماية حرية الإنسان وكرامته وحقوقه ومنع التعدي عليها بأي حجة كانت ولو أخذت ثوبا تشريعا يصدر على شكل قانون.
وهذا النص تجسيد حقيقي للإرادة السياسية في إجراء التغيير والتطوير الحقيقي على الممارسات التشريعية من السلطات صاحبة الاختصاص وحائلا دون الممارسات أو التشريعات الاستبدادية أو السالبة لأي من الحقوق والمبادئ المقرّ بها للمواطن بموجب التوجُّه الإنساني العام وحماية حقيقية للحرية في الممارسة والتطبيق وضمانة للحفاظ على حقوق الإنسان.
ثالثاً: قامت حكومة الدكتور معروف البخيت بإدخال تعديل على توصيات اللجنة الملكية بخصوص المادة (128) لاسيما إضافة عبارة (وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات) إلى نهاية الفقرة (2) ثم أرسلت مشروع التعديلات الدستورية إلى مجلس الأمة لإقرارها لتصبح على النحو التالي:
1- لا يجوز أن تنال القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات من جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
2- إن جميع القوانين والأنظمة وسائر الأعمال التشريعية المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية عند نفاذ هذا الدستور تبقى نافذة إلى أن تلغى أو تعدل بتشريع يصدر بمقتضاه وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات.
ملاحظة: يذكر أن الحكومة قد أرسلت مشروع التعديلات الدستورية إلى مجلس الأمة بدون إرفاقها بالأسباب الموجبة.
رابعاً: قام مجلس النواب السادس عشر بإدخال تعديل على مشروع تعديل المادة (128) من الدستور المرسل من الحكومة باستبدال كلمة (تؤثر) بكلمة (تنال) وحرف (على) بحرف (من) الواردة في الفقرة (1) لتصبح المادة (128) بصيغتها المعدلة بعد إقرارها على النحو التالي:
1- لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
2- إن جميع القوانين والأنظمة وسائر الأعمال التشريعية المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية عند نفاذ هذا الدستور تبقى نافذة إلى أن تلغى أو تعدل بتشريع يصدر بمقتضاه وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات.
خامساً: أقر مجلس الأعيان مشروع تعديل المادة (128) من الدستور كما وردت من مجلس النواب.
سادساً: صادق الملك على مشروع التعديلات الدستورية، وقد صدرت وتم نشرها في الجريدة الرسمية العدد (5117) تاريخ (1/10/2011) وتم نفاذها والعمل بها منذ هذا التاريخ، حيث جاء في المادة (36) من هذه التعديلات ما يلي:
المادة (36): يلغى نص المادة (128) من الدستور ويستعاض عنه بالنص التالي:
1- لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
2- إن جميع القوانين والأنظمة وسائر الأعمال التشريعية المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية عند نفاذ هذا الدستور تبقى نافذة إلى أن تلغى أو تعدل بتشريع يصدر بمقتضاه وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات.
الفصل الثاني: تفسير النص الدستوري لمعرفة أحكامه
أولاً: إعمالاً للمبدأ القانوني (مبدأ الأثر الفوري للقانون الجديد) فإن سريان تعديل الدستور يبدأ من تاريخ (1/10/2011)، وبتطبيق ذلك المبدأ على المادة (36) منه فإن المادة (128) من الدستور الأصلي تصبح ملغاة منذ ذلك التاريخ (1/10/2011) ويلغى حكمها، ويبدأ سريان نص المادة (128) الجديد منذ ذلك التاريخ أيضاً أي في (1/10/2011) ويبدأ تطبيق ما ورد بها من أحكام تقضي بها.
ثانياً: من الواضح - وضوح الشمس في رابعة النهار - أن المادة (128) من الدستور عندما أُنشئت مع إنشاء الدستور الأصلي كانت تقضي بأن جميع التشريعات من قوانين أنظمة وغيرها التي كانت سارية في المملكة عند صدور الدستور الأصلي تبقى سارية إلى الوقت الذي يتم إلغاؤها أو تعديلها بتشريع يصدر بموجب الدستور الصادر سنة 1952، ويلاحظ أنه لم يرد في نص المادة (128) في الدستور الأصلي مدة محددة لبقاء هذه التشريعات سارية، بل تبقى سارية إلى الوقت الذي يتم إلغاؤها بتشريع آخر.
ثالثاً: لقد بقيت المادة (128) من الدستور سارية إلى أن تم إلغاؤها بموجب تعديل الدستور لسنة 2011 الذي بدأ العمل به بتاريخ (1/10/2011) وحل محلها نص جديد بدأ سريانه من ذات التاريخ، أي في (1/10/2011)، وهو نص يشابه النص المُلغى من حيث المبنى لكنه أضاف إضافة مهمة وهي عبارة (وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات).
أي أن جميع التشريعات من قوانين وأنظمة وتعليمات وغيرها التي كانت سارية عند بدء العمل وسريان النص الدستوري الجديد، أي بتاريخ (1/10/2011) تبقى سارية إلى يتم إلغاؤها أو تعديلها خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات، ومن الواضح - وضوح الشمس في رابعة النهار – أن هذه المدة تنتهي بتاريخ (30/9/2014).
رابعاً: إن السؤال المهم الذي يجب أن يسأل ويجب الجواب عليه هو: وفقاً لنص المادة (128) الجديد، ماذا بعد مرور السنوات الثلاثة (الفترة الانتقالية)؟؟ ماذا سيحل بجميع التشريعات من قوانين وأنظمة وتعليمات وغيرها التي كانت سارية بتاريخ (1/10/2011) ومضت مدة السنوات الثلاثة (الفترة الانتقالية) ولم يتم إلغاؤها أو تعديلها خلالها؟؟؟ وما هو مصيرها وفقاً لحكم الدستور والمادة (128) منه الواجبة النفاذ أحكامها؟؟؟؟
خامساً: إن المشرع لا يقول لغواً ولا يُضيف فضلاً من الأحكام، وإعمالاً لهذا المبدأ القانوني على نص المادة (128) من الدستور بصيغتها الجديدة، فإن حكمها يقضي بأن جميع التشريعات من قوانين وأنظمة وتعليمات وغيرها التي (1- كانت سارية بتاريخ (1/10/2011)، 2- لم تلغى أو تعدل حتى تاريخ (30/9/2014))، وعددها بالآلاف، تعتبر لاغية و/أو باطلة و/أو غير نافذة حكماً بموجب نص المادة (128) من الدستور (القانون الأسمى) وحكمها الواجب النفاذ والعمل به.
سادساً: لا شك أن المادة (128) من الدستور بصيغتها الجديدة لا سيما بإضافة العبارة (وذلك خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات) تنشئ كارثة تشريعية في المملكة الأردنية الهاشمية لا سابق لها في تاريخ المملكة، ويجب أن يتحمل كل من ساهم في صياغة هذه المادة على هذا النحو المسؤولية على هذه الخطيئة.
سابعاً: إن من واجب المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها تنفيذ أحكام القانون لا سيما الدستور (القانون الأعلى) الواجب إنفاذ أحكامه أولاً، فالواجب الدستوري يقضي بأن عليها إنفاذ أحكام المادة (128) بصيغتها الجديدة، ولنا أن نسأل: بماذا ستقضي هذه المحاكم سواء من تلقاء نفسها أو بناءاً على طلب أحد الخصوم لديها إذا تم سريان أحكام المادة (128) من الدستور بصيغتها الجديدة بعد تاريخ (1/10/2014)؟؟ ماذا سيكون حكمها؟؟.
حفظ الله الأردن من كل سوء، وحماه من أعدائه ومن بعض صانعي القرار فيه
والله من وراء القصد
المحامي إسلام الحرحشي
عمان – الأردن
28-9-2014