الامير حسن يكتب: الحجُّ فلاحٌ للأمّة
جو 24 : دعا سمو الامير الحسن بن طلال في مقال لسموه بمناسبة حلول موسم الحج إلى تأمّل المعاني الشريفة التي تنطوي عليها فريضة الحج .
وتاليا النص الكامل لمقال سموه: تدعونا مناسبة الحجّ إلى تأمّل المعاني الشريفة التي تنطوي عليها، إذ تجتمع الأفئدة على قصد واحد، وتنتظمُ في أداء موحّد لمناسك هذا الركن من أركان الإسلام الخمسة. ويجهر الحجيج الآتي من مشارق الأرض ومغاربها بصوت واحد تلبية لدعوة التوحيد. فمن أعظم منافع هذه الفريضة أنّها تبرز وحدة المسلمين على اختلاف أجناسهم وألوانهم من دون أيّ تمييز.
كما تجسّد في جوهرها تمام رسالة الإسلام وكمال الدين وتعكس التكامل بين المادة والروح. فمهما تباعدت بين المسلمين الديار، ونأت مواطنهم عن بيت الله الحرام، فإنهم يأتونه جماعات وفرادى من كلِّ فجٍّ عميق لتأدية مناسك الحج، التي تنمّي عواطف المسلمين نحو ربهم ودينهم وماضيهم وحاضرهم. كما تُذكي مشاعرهم وتجدّدُ روح الانتماء إلى هذه الأمّة وتحثّهم، على المزيد من البرّ والتعاون على الخير بما يصب في مصلحة المسلمين.
ويبدو اليوم للقاصي والداني أنّ حال الأمّة تتطلّب وقفة تأمل وتدبّر لما آلت إليه من تفرّق وضعف وسطوة للخطاب التكفيريّوقتل واستباحة صارخة للدماء والأوطان وانتهاك للمقدّسات.ومما يُدمي القلب هذا الاختطاف السافر لرسالة الإسلام السمحة العادلة، التي تخاطب العقل والروح معًا، حيث تمّ تشويهها وتحويلها إلى أداة للقتل والتدمير تمزّقُ جسد الأمّة وتنخر في بنيانها الثقافي، وتهدّد التنوّع والتعدّد الدينيّ،الذي طالما احْتَضَنَتْه ُهذه الأمّة عبر العصور ودافَعَت عنه بفكرها المستنير. وأمام هذه العواصف العاتية التي هبّت وتهبّ على أمتنا، لا يزال إيماننا بروحها راسخًا وتمسّكنا بثوابتها مكينًا. إنّ الحج منبرٌ عام يحقّقُ المنافع على صعيد العبادة والأخلاق والعلاقات بين المسلمين، الذين يحملون هموم الأمّة وتطلعاتها ويجدّون في رعاية مصالحها وخدمتها ورفع كلمتها في وجه التحديات الكبرى.فما أحوجَنا إلى إعلاء لغة الحوار الهادئ البنّاء على صوت العنف ودعاوى الفتن التي تفتك بمقدرات الأمّة، وإلى الخروج من دائرة الجمود إلى دائرة التّجديد والاجتهاد في سبيل الحقيقة والعدالة.
إنّ ما نطمح إليه هو الخطاب المستنير الذي يدعو إلى الإصلاح والتقارب والالتفاف حول الثوابت والاعتصام بحبل الله والتمسّك بمبدأ الشورى، الذي يجب أن يمثّل أساسًا لحواراتنا مع أنفسنا؛ عربًا ومسلمين، ومع الغرب سواءً بسواء.إنه الخطاب الذي يستند إلى فتح منافذ التفكير والاجتهاد وتحرير العقل من الجمود، والعمل به كما أمرنا الله عزّ وجلّ. وأستذكر هنا كتاب "التفكير فريضة إسلاميّة" لمؤلفه الكبير عباس محمود العقاد، الذي يؤكد في تقديمه أن "التفكير فريضة كسائر الفرائض، وأن العقل الذي يخاطبه الإسلام ... هو العقل الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق ويميّز بين الأمور ويتبصر ويتدبّر." ويرافق الدعوة إلى التفكير إقبال على العلم. فالتفكير، كما يرى العقاد، "لا يمكن أن يكون مستقيمًا صحيحًا إلا إذاً قام على معرفة صحيحة. فالتفكير وطلب العلم إذا صنوان لا يفترقان." إن تحجيم العقل النقدي والجمود الفكري سيؤدّيان إلى خللٍ في البنى الفكرية والثقافية والمعرفية. وفي وقتنا الراهن، الذي يشهد اضطرابات دينية وفكرية واجتماعية، تنتشرمظاهر التمييز والإقصاء بدعاوى ومسوّغات دينية أو فكرية أو سياسية تهدّد كرامة الإنسان وحقوقه.
ففي عالمنا العربي والإسلامي، يعاني الكثيرون شتى صنوف الفُرقة والشقاق والإرهاب والإحباط، وتحيق بهم مخاطر الفقر والتخلف والبطالة والأميّة.
وفي هذا الإطار، فإنّ مبادئ العدالة وسيادة القانون والتمكين القانونيّ أساسيّة في تحقيق التنمية العالميّة الجديدة.
وقد تمّ إطلاق نداء إلى الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة من أجل إدراج العدالة ضمن الأهداف الألفية الإنمائيّة لمرحلة ما بعد 2015. فهل نحن جادّون في المشاركة الفاعلة في هذا المسعى؟ وهل هنالك توظيف حقيقي لإمكانات الأمة وتفعيل لمقدراتها في هذه المرحلة المقبلة؟ أشير هنا إلى دعواتي المتكرّرة عبر أكثر من ثلاثين سنة إلى تأسيس صندوق عالمي للزكاة والتكافل، يعتمد على جمع الزكاة وسيلة لتقديم المساعدة الإنمائية للبلدان الإسلامية الأقل نموًا.
بذلك، تتحقق الاستفادة المثلى من فائض الزكاة وأموال الوقف لأهداف التمويل البسيط للمؤسسات الصغيرة أو للتوظيف بشكل خاص. كما يمكن توظيف هذا الصندوق في الشؤون الإنسانية من دون أي غاية عقائدية أو اعتبارات سياسية. وبالتالي، تتمّ الاستفادة من نظام الزكاة في سبيل تحقيق الأهداف التنموية، وضمان الحياة الكريمة للأفراد في المجتمعات الإسلامية، وتعزيز قيم الغيرية والسلطة الأخلاقية والكرامة الإنسانية.
ختامًا أبادلُكم جميعًا- إخوتي المسلمين، بمختلف مذاهبكم وانتماءاتكم- أصدق التهاني بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك. أعادَهُ اللهُ علينا وقد تمكّنت فينا معاني الوئام والسّلام وقيمة الوحدة التي يرمز إليها الحج.
بترا
وتاليا النص الكامل لمقال سموه: تدعونا مناسبة الحجّ إلى تأمّل المعاني الشريفة التي تنطوي عليها، إذ تجتمع الأفئدة على قصد واحد، وتنتظمُ في أداء موحّد لمناسك هذا الركن من أركان الإسلام الخمسة. ويجهر الحجيج الآتي من مشارق الأرض ومغاربها بصوت واحد تلبية لدعوة التوحيد. فمن أعظم منافع هذه الفريضة أنّها تبرز وحدة المسلمين على اختلاف أجناسهم وألوانهم من دون أيّ تمييز.
كما تجسّد في جوهرها تمام رسالة الإسلام وكمال الدين وتعكس التكامل بين المادة والروح. فمهما تباعدت بين المسلمين الديار، ونأت مواطنهم عن بيت الله الحرام، فإنهم يأتونه جماعات وفرادى من كلِّ فجٍّ عميق لتأدية مناسك الحج، التي تنمّي عواطف المسلمين نحو ربهم ودينهم وماضيهم وحاضرهم. كما تُذكي مشاعرهم وتجدّدُ روح الانتماء إلى هذه الأمّة وتحثّهم، على المزيد من البرّ والتعاون على الخير بما يصب في مصلحة المسلمين.
ويبدو اليوم للقاصي والداني أنّ حال الأمّة تتطلّب وقفة تأمل وتدبّر لما آلت إليه من تفرّق وضعف وسطوة للخطاب التكفيريّوقتل واستباحة صارخة للدماء والأوطان وانتهاك للمقدّسات.ومما يُدمي القلب هذا الاختطاف السافر لرسالة الإسلام السمحة العادلة، التي تخاطب العقل والروح معًا، حيث تمّ تشويهها وتحويلها إلى أداة للقتل والتدمير تمزّقُ جسد الأمّة وتنخر في بنيانها الثقافي، وتهدّد التنوّع والتعدّد الدينيّ،الذي طالما احْتَضَنَتْه ُهذه الأمّة عبر العصور ودافَعَت عنه بفكرها المستنير. وأمام هذه العواصف العاتية التي هبّت وتهبّ على أمتنا، لا يزال إيماننا بروحها راسخًا وتمسّكنا بثوابتها مكينًا. إنّ الحج منبرٌ عام يحقّقُ المنافع على صعيد العبادة والأخلاق والعلاقات بين المسلمين، الذين يحملون هموم الأمّة وتطلعاتها ويجدّون في رعاية مصالحها وخدمتها ورفع كلمتها في وجه التحديات الكبرى.فما أحوجَنا إلى إعلاء لغة الحوار الهادئ البنّاء على صوت العنف ودعاوى الفتن التي تفتك بمقدرات الأمّة، وإلى الخروج من دائرة الجمود إلى دائرة التّجديد والاجتهاد في سبيل الحقيقة والعدالة.
إنّ ما نطمح إليه هو الخطاب المستنير الذي يدعو إلى الإصلاح والتقارب والالتفاف حول الثوابت والاعتصام بحبل الله والتمسّك بمبدأ الشورى، الذي يجب أن يمثّل أساسًا لحواراتنا مع أنفسنا؛ عربًا ومسلمين، ومع الغرب سواءً بسواء.إنه الخطاب الذي يستند إلى فتح منافذ التفكير والاجتهاد وتحرير العقل من الجمود، والعمل به كما أمرنا الله عزّ وجلّ. وأستذكر هنا كتاب "التفكير فريضة إسلاميّة" لمؤلفه الكبير عباس محمود العقاد، الذي يؤكد في تقديمه أن "التفكير فريضة كسائر الفرائض، وأن العقل الذي يخاطبه الإسلام ... هو العقل الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق ويميّز بين الأمور ويتبصر ويتدبّر." ويرافق الدعوة إلى التفكير إقبال على العلم. فالتفكير، كما يرى العقاد، "لا يمكن أن يكون مستقيمًا صحيحًا إلا إذاً قام على معرفة صحيحة. فالتفكير وطلب العلم إذا صنوان لا يفترقان." إن تحجيم العقل النقدي والجمود الفكري سيؤدّيان إلى خللٍ في البنى الفكرية والثقافية والمعرفية. وفي وقتنا الراهن، الذي يشهد اضطرابات دينية وفكرية واجتماعية، تنتشرمظاهر التمييز والإقصاء بدعاوى ومسوّغات دينية أو فكرية أو سياسية تهدّد كرامة الإنسان وحقوقه.
ففي عالمنا العربي والإسلامي، يعاني الكثيرون شتى صنوف الفُرقة والشقاق والإرهاب والإحباط، وتحيق بهم مخاطر الفقر والتخلف والبطالة والأميّة.
وفي هذا الإطار، فإنّ مبادئ العدالة وسيادة القانون والتمكين القانونيّ أساسيّة في تحقيق التنمية العالميّة الجديدة.
وقد تمّ إطلاق نداء إلى الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة من أجل إدراج العدالة ضمن الأهداف الألفية الإنمائيّة لمرحلة ما بعد 2015. فهل نحن جادّون في المشاركة الفاعلة في هذا المسعى؟ وهل هنالك توظيف حقيقي لإمكانات الأمة وتفعيل لمقدراتها في هذه المرحلة المقبلة؟ أشير هنا إلى دعواتي المتكرّرة عبر أكثر من ثلاثين سنة إلى تأسيس صندوق عالمي للزكاة والتكافل، يعتمد على جمع الزكاة وسيلة لتقديم المساعدة الإنمائية للبلدان الإسلامية الأقل نموًا.
بذلك، تتحقق الاستفادة المثلى من فائض الزكاة وأموال الوقف لأهداف التمويل البسيط للمؤسسات الصغيرة أو للتوظيف بشكل خاص. كما يمكن توظيف هذا الصندوق في الشؤون الإنسانية من دون أي غاية عقائدية أو اعتبارات سياسية. وبالتالي، تتمّ الاستفادة من نظام الزكاة في سبيل تحقيق الأهداف التنموية، وضمان الحياة الكريمة للأفراد في المجتمعات الإسلامية، وتعزيز قيم الغيرية والسلطة الأخلاقية والكرامة الإنسانية.
ختامًا أبادلُكم جميعًا- إخوتي المسلمين، بمختلف مذاهبكم وانتماءاتكم- أصدق التهاني بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك. أعادَهُ اللهُ علينا وقد تمكّنت فينا معاني الوئام والسّلام وقيمة الوحدة التي يرمز إليها الحج.
بترا