ما هي الحيل التي تمارسها المتاجر لتدفعنا للشراء
جو 24 : في أغلب الأحيان نتعرض لأنواع مختلفة من الحيل ومحاولات التأثير في المتاجر، فثمة حيل خاصة بتصميم المتاجر والأسواق تدفعنا لشراء الغذاء الصحي دون أن ندرك ذلك، كما تقول الكاتبة فيرونيك غرين وود.
يمكن القول إنه في كل مرة تدخل فيها متجرا ما، تصبح عرضة للكثير من الضغوط ومحاولات التأثير.
فتصميم المكان نفسه يلعب دورا في ذلك، إذ توضع السلع الرئيسية التي يذهب المرء إلى المتجر خصيصا لشرائها، مثل البيض والحليب والخبز، في أبعد مكان بالمتجر، وذلك ليجد في طريقه صفوفا تغص بالمقبلات والوجبات الخفيفة من الفواكه مثلا، أو بتلك المقرمشات الجديدة الرائعة، أو بأنواع من الأجبان.
لكن هذا ليس كل شيء. فأطفالك يشكلون هدفا بدورهم لمثل هذه الحيل: فكل منتجات حبوب الإفطار الموضوعة على مستوى نظر الطفل الجالس في عربة التسوق، مغمورة بالملصقات التي تحمل رسوما كرتونية من تلك التي يعشقها الأطفال، وذلك في محاولة مُثلى لإغرائهم للتعلق بها.
لكن هل يمكن استغلالنا والتلاعب بعقولنا من أجل تحقيق صالحنا؟ بالنسبة لمعظم الشركات العاملة في إنتاج الأغذية، ليس هناك سبب يذكر لديها لصرف انتباهنا عن منتجاتها عالية الدهون والسكريات وحلوة الطعم على نحو مفرط في الوقت نفسه.
ولكن، بالنظر إلى أننا نخضع للتأثير ونتعرض له في كل الأحوال، من الممكن أن يراودنا تساؤل عما إذا كانت المتاجر ومراكز التسوق يمكن أن تدرك في يوم ما الفوائد الكامنة في دفع مرتاديها لتغيير سلوكهم الشرائي للإقبال على منتجات صحية بشكل أكبر، إلى حد قد يجعل القسم الخاص ببيع الخضروات والفواكه بين جنباتها، أشبه ببلاد العجائب التي يصرخ فيها الأطفال حبا في تناول اللفت!
بطبيعة الحال، قد يحدث ذلك من قبل أصحاب المتاجر مدفوعين ربما بالإعفاءات الضريبية، التي تُقدم لتحفيز الأنشطة التي تسهم في تحسين مستوى الصحة العامة. ولكن حتى في ظل أوضاع المتاجر الحالية، فلا يصعب دفع مرتاديها للمضي قدما في الاتجاه الصحيح، على الأقل على المدى القصير.
ترويج ذكي
في هذا السياق، تشير إستر بابيس، أستاذة علم النفس الاجتماعي في جامعة أوتريخت الهولندية، إلى أن توزيع منشورات دعائية لوصفات غذائية عند مداخل المتاجر، تحوي كلمات وعبارات مثل "صحي" و"منخفض السعرات الحرارية"، يؤدي إلى أن يشتري من يعانون من زيادة الوزن أو من يتبعون حمية غذائية وجبات خفيفة بكميات أقل وذلك على نحو لا شعوري.
وتشير التقديرات إلى أن حجم مشتروات هؤلاء من المقبلات أو الوجبات الخفيفة يقل بنسبة هائلة، تصل إلى 75 في المئة، مقارنة بنظرائهم الذين يحصلون على منشورات دعائية لا تحتوي على تعبيرات ذات صلة بسبل الحفاظ على الصحة العامة.
وتشير بابيس إلى أن ذلك يعني أن التعرض لمثل هذه العبارات والمصطلحات يؤدي إلى تنشيط وتعزيز الأهداف القائمة بالفعل لدى من يقرأها، وتذكرهم بما يمكن لهم فعله في الحال لتحقيق هذه الأهداف، دون أن يلاحظوا ذلك.
حيل أخرى في هذا الشأن، اقترحها برايان وانسينك، وهو أستاذ لعلم سلوك المستهلك في جامعة كورنيل، وهو معروف بأبحاثه في ما يُعرف بـ"علم نفس تناول الطعام".
ففي سياق دراسات أجراها وانسينك مؤخرا، خلص إلى نتيجة أولية تفيد بأن المستهلكين يزيدون من نصيب الفواكه والخضروات الداخلة في حجم استهلاكهم من الطعام بنسبة 24 في المئة، إذا قيل لهم إنه يتعين عليهم جعل نصف وجبة العشاء الخاصة بهم مكونة من هذين الصنفين، وهو ما ينعكس بالتالي على طبيعة مشترواتهم من المتاجر والأسواق المركزية.
ووجد وانسينك أن تقسيم عربة التسوق التي يستعملها المتسوق داخل متاجر البقالة إلى قسمين، يخصص أحدهما للفواكه والخضراوات واللحوم ومنتجات الألبان فقط، من شأنه دفع المتسوقين إلى زيادة إنفاقهم على الفواكه والخضراوات، بنحو أكثر من الضعف، مقارنة بهؤلاء الذين لم يُقدموا على تقسيم عربات التسوق الخاصة بهم.
وبلغة الأرقام، كشفت الدراسة عن أن الفريق الأول بلغ حجم إنفاقه على شراء الفواكه 365 دولارا مقابل 182 دولارا أنفقها الفريق الثاني.
أما في ما يتعلق بالخضروات، فبلغ حجم إنفاق الفريق الأول 519 دولارا مقابل 217 دولارا أنفقها الفريق الثاني.
الفكرة هنا تكمن في أن تقسيم عربة التسوق يشير إلى وجود نمط اجتماعي يسعى المستهلكون إلى مواكبته والالتزام به.
عادات المستهلكين
مثال آخر، تأتينا به آن إسكارون؛ الباحثة في مجال الصحة العامة بجامعة كاليفورنيا في ولاية لوس أنجليس الأمريكية.
شاركت إسكارون في إعداد دراسة شاملة راجعت أبحاثا أُجريت بشأن محاولات المتاجر الكبرى تشجيع ما يُعرف بـ"التسوق الصحي"، وهي دراسات أجريت على مدار أكثر من 40 عاما.
وتقول إسكارون إن محاولات التأثير هذه تحقق نجاحا أكبر بشكل عام في تغيير العادات الشرائية للمستهلكين، كلما شملت جوانب وعوامل أكثر.
فعلى سبيل المثال، ربما يكون من المجدي أن نضع على أرفف المتاجر ملصقات تشجع على (التسوق الصحي)، ولكن إذا ما ترافق ذلك مع تحريك ذكي لسعر المنتج، فستكون محاولة التأثير هنا من جانب المتجر أكثر فعالية على الأرجح.
وتقول الباحثة في هذا الشأن إنه "في كل الأحوال، كلما كان بوسعك التأثير في عدد أكبر من الدوافع التي تحرك المتسوق الذي يرتاد متاجر البقالة، كلما كنتَ أكثر قدرة على التأثير في اختياراته."
ولكن على الرغم من ذلك، فإن قدرة أصحاب المتاجر على التأثير في القرارات الشرائية لمرتاديها على المدى الطويل، تبدو لغزا وربما أكثر تعقيدا من مجرد لغز.
تصميم المتاجر
فبنظر كارين غلانز، وهي أستاذة في علم الأوبئة بجامعة بنسلفانيا في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، يمثل إجراء تخفيض كبير على أسعار المنتجات، التي تتسق مع المعايير الصحية؛ أمرا كافيا لجعلها تختفي من على أرفف المتاجر من فرط الإقبال عليها.
لكن غلانز تضيف أن هناك نتائج سلبية أيضا لهذا الأمر تتمثل في أنه سيتعين على "شخص ما أن يدفع ثمن" هذا الخفض في الأسعار.
كما تشير غلانز إلى أنها أدركت أن المستهلكين يختلفون في ما يتعلق بمدى استجابتهم لمحاولات التأثير التي يتعرضون لها.
مثال على ذلك، ما رصدته من مقابلات أجرتها مع المتسوقين في مناطق يقطنها ذوو الدخول المحدودة. فهناك، يمكن أن يؤدي التركيز على المزايا الصحية الكامنة في تناول منتج غذائي ما، إلى الإيحاء بأن هذا المنتج ذو مذاق رديء، بدلا من أن يقود لإقناع المستهلكين بالإقبال عليه.
لكن بالرغم من عدم جدوى التأكيد على مزايا المنتج الغذائي في ما يخص تحسين الصحة في كل الأماكن، فثمة أساليب أخرى للتحفيز قد تحقق هذا الغرض.
ففي إطار دراسة نُشرت خلال العام الجاري، أجرت غلانز وفريقها تعديلات على الأقسام المخصصة للمشروبات في بعض متاجر البقالة. وفي هذا السياق، استحوذت المشروبات منخفضة السعرات الحرارية -أو تلك الخالية من السعرات على الإطلاق مثل المياه- على مساحة عرض أكبر في الأماكن المميزة التي تقع عليها أنظار المتسوقين.
الحليب على اليسار
وفي الإطار ذاته، جرى تعديل تصميم الأقسام الخاصة بمنتجات الألبان، بحيث توضع عبوات اللبن منزوع الدسم على الجانب الأيسر، الذي يتوجه إليه المستهلكون عادة، بدلا من وضع عبوات اللبن كامل الدسم على هذا الجانب.
وضمن هذه التجربة، وضع الباحثون علامات ملونة على العبوات موضع البحث، دون كتابة أي عبارات توحي بأن هذه المنتجات ذات تأثير أفضل على الصحة من غيرها.
وبالرغم من أن هذا التدخل من قبل الباحثين لم يقدم وعدا للمستهلكين بأن شراءهم لمنتجات بعينها سيعود عليهم بفائدة ما، فإنه أدى لزيادة مبيعات قوارير المياه، وكذلك عبوات اللبن منزوع الدسم.
وقد نجحت غلانز مؤخرا في الحصول على موافقة المعهد الوطني للصحة في الولايات المتحدة لتمويل دراسة واسعة النطاق ستجرى على مدار عامين، وتتناول على نحو مباشر؛ كيف يمكن لمتاجر البقالة أن تحدث تغييرات ملموسة في العادات الشرائية لمرتاديها من خلال مثل هذه الأساليب البارعة.
في الوقت نفسه، يمكن أن تكون التدخلات ومحاولات التأثير الأكثر فاعلية، هي تلك التي لا نلاحظها بالضرورة؛ من قبيل تصميم المتجر بالشكل الذي يجعل المتسوق يمر بمنتجات بعينها، أو وضع منتجات ما في نهايات الممرات، حيث تفيد الدراسات بأن فرص البيع هناك ربما تكون أكبر.
ويحرص القائمون على مثل هذه المتاجر على أن يجد المتسوقون الأقسام الخاصة ببيع الخضروات والفواكه مباشرة فور دخولهم من الأبواب الأمامية، وذلك لإعطاء انطباع بأن ما يُعرض في تلك الأقسام طازج وصحي، وهو انطباع يسيطر على المتسوق بعد ذلك خلال تجوله في باقي أقسام المتجر.
وقد قطعت متاجر راقية، مثل (هول فودز ماركت) التي لديها فروع في أمريكا الشمالية والعاصمة البريطانية لندن، شوطا أبعد في تطوير أقسام بيع الخضروات والفواكه لديها، وذلك عبر عرض عينات من المنتجات على المتسوقين، وكذلك توفير معلومات توضح منشأ الأغذية والفاكهة المعروضة.
متاجر المستقبل
بطبيعة الحال، ربما لم تصل هذه المتاجر بعد إلى تصميم كفيل بجعل خضروات، لا يألفها الأطفال عادة مثل اللفت، طعاما لا يقاوم من جانبهم. ولكن مزيدا من الاهتمام بمنح المنتجات الأكثر فائدة لصحة الإنسان مساحة أوسع على أرفف المتاجر، مقارنة بتلك التي تشغلها حاليا، قد يخلف تأثيرا أكبر مما يتوقع أحد.
والسؤال هنا: كيف سيبدو شكل متاجر البقالة المعنية بتشجيع عملائها على شراء المنتجات الأكثر فائدة للصحة في المستقبل؟
قد يكون مفاجئا أن الإجابة ربما تتمثل في أن تلك المتاجر المستقبلية قد لا تختلف كثيرا عن نظيراتها التي نراها اليوم، والتي تجري فيها محاولات التأثير على السلوك الاستهلاكي للمتسوقين دون أن يلحظ ذلك أحد تقريبا.
ربما يبدو مستغربا أن تفكر في حقيقة أنه يمكن أن يتم التأثير على رأيك بتلك السهولة دون أن تدرك ذلك. لكن عليك أن تتبنى حقيقة أنك لا تتصرف دائما كما يرغب عقلك الواعي.
يمكن القول إنه في كل مرة تدخل فيها متجرا ما، تصبح عرضة للكثير من الضغوط ومحاولات التأثير.
فتصميم المكان نفسه يلعب دورا في ذلك، إذ توضع السلع الرئيسية التي يذهب المرء إلى المتجر خصيصا لشرائها، مثل البيض والحليب والخبز، في أبعد مكان بالمتجر، وذلك ليجد في طريقه صفوفا تغص بالمقبلات والوجبات الخفيفة من الفواكه مثلا، أو بتلك المقرمشات الجديدة الرائعة، أو بأنواع من الأجبان.
لكن هذا ليس كل شيء. فأطفالك يشكلون هدفا بدورهم لمثل هذه الحيل: فكل منتجات حبوب الإفطار الموضوعة على مستوى نظر الطفل الجالس في عربة التسوق، مغمورة بالملصقات التي تحمل رسوما كرتونية من تلك التي يعشقها الأطفال، وذلك في محاولة مُثلى لإغرائهم للتعلق بها.
لكن هل يمكن استغلالنا والتلاعب بعقولنا من أجل تحقيق صالحنا؟ بالنسبة لمعظم الشركات العاملة في إنتاج الأغذية، ليس هناك سبب يذكر لديها لصرف انتباهنا عن منتجاتها عالية الدهون والسكريات وحلوة الطعم على نحو مفرط في الوقت نفسه.
ولكن، بالنظر إلى أننا نخضع للتأثير ونتعرض له في كل الأحوال، من الممكن أن يراودنا تساؤل عما إذا كانت المتاجر ومراكز التسوق يمكن أن تدرك في يوم ما الفوائد الكامنة في دفع مرتاديها لتغيير سلوكهم الشرائي للإقبال على منتجات صحية بشكل أكبر، إلى حد قد يجعل القسم الخاص ببيع الخضروات والفواكه بين جنباتها، أشبه ببلاد العجائب التي يصرخ فيها الأطفال حبا في تناول اللفت!
بطبيعة الحال، قد يحدث ذلك من قبل أصحاب المتاجر مدفوعين ربما بالإعفاءات الضريبية، التي تُقدم لتحفيز الأنشطة التي تسهم في تحسين مستوى الصحة العامة. ولكن حتى في ظل أوضاع المتاجر الحالية، فلا يصعب دفع مرتاديها للمضي قدما في الاتجاه الصحيح، على الأقل على المدى القصير.
ترويج ذكي
في هذا السياق، تشير إستر بابيس، أستاذة علم النفس الاجتماعي في جامعة أوتريخت الهولندية، إلى أن توزيع منشورات دعائية لوصفات غذائية عند مداخل المتاجر، تحوي كلمات وعبارات مثل "صحي" و"منخفض السعرات الحرارية"، يؤدي إلى أن يشتري من يعانون من زيادة الوزن أو من يتبعون حمية غذائية وجبات خفيفة بكميات أقل وذلك على نحو لا شعوري.
وتشير التقديرات إلى أن حجم مشتروات هؤلاء من المقبلات أو الوجبات الخفيفة يقل بنسبة هائلة، تصل إلى 75 في المئة، مقارنة بنظرائهم الذين يحصلون على منشورات دعائية لا تحتوي على تعبيرات ذات صلة بسبل الحفاظ على الصحة العامة.
وتشير بابيس إلى أن ذلك يعني أن التعرض لمثل هذه العبارات والمصطلحات يؤدي إلى تنشيط وتعزيز الأهداف القائمة بالفعل لدى من يقرأها، وتذكرهم بما يمكن لهم فعله في الحال لتحقيق هذه الأهداف، دون أن يلاحظوا ذلك.
حيل أخرى في هذا الشأن، اقترحها برايان وانسينك، وهو أستاذ لعلم سلوك المستهلك في جامعة كورنيل، وهو معروف بأبحاثه في ما يُعرف بـ"علم نفس تناول الطعام".
ففي سياق دراسات أجراها وانسينك مؤخرا، خلص إلى نتيجة أولية تفيد بأن المستهلكين يزيدون من نصيب الفواكه والخضروات الداخلة في حجم استهلاكهم من الطعام بنسبة 24 في المئة، إذا قيل لهم إنه يتعين عليهم جعل نصف وجبة العشاء الخاصة بهم مكونة من هذين الصنفين، وهو ما ينعكس بالتالي على طبيعة مشترواتهم من المتاجر والأسواق المركزية.
ووجد وانسينك أن تقسيم عربة التسوق التي يستعملها المتسوق داخل متاجر البقالة إلى قسمين، يخصص أحدهما للفواكه والخضراوات واللحوم ومنتجات الألبان فقط، من شأنه دفع المتسوقين إلى زيادة إنفاقهم على الفواكه والخضراوات، بنحو أكثر من الضعف، مقارنة بهؤلاء الذين لم يُقدموا على تقسيم عربات التسوق الخاصة بهم.
وبلغة الأرقام، كشفت الدراسة عن أن الفريق الأول بلغ حجم إنفاقه على شراء الفواكه 365 دولارا مقابل 182 دولارا أنفقها الفريق الثاني.
أما في ما يتعلق بالخضروات، فبلغ حجم إنفاق الفريق الأول 519 دولارا مقابل 217 دولارا أنفقها الفريق الثاني.
الفكرة هنا تكمن في أن تقسيم عربة التسوق يشير إلى وجود نمط اجتماعي يسعى المستهلكون إلى مواكبته والالتزام به.
عادات المستهلكين
مثال آخر، تأتينا به آن إسكارون؛ الباحثة في مجال الصحة العامة بجامعة كاليفورنيا في ولاية لوس أنجليس الأمريكية.
شاركت إسكارون في إعداد دراسة شاملة راجعت أبحاثا أُجريت بشأن محاولات المتاجر الكبرى تشجيع ما يُعرف بـ"التسوق الصحي"، وهي دراسات أجريت على مدار أكثر من 40 عاما.
وتقول إسكارون إن محاولات التأثير هذه تحقق نجاحا أكبر بشكل عام في تغيير العادات الشرائية للمستهلكين، كلما شملت جوانب وعوامل أكثر.
فعلى سبيل المثال، ربما يكون من المجدي أن نضع على أرفف المتاجر ملصقات تشجع على (التسوق الصحي)، ولكن إذا ما ترافق ذلك مع تحريك ذكي لسعر المنتج، فستكون محاولة التأثير هنا من جانب المتجر أكثر فعالية على الأرجح.
وتقول الباحثة في هذا الشأن إنه "في كل الأحوال، كلما كان بوسعك التأثير في عدد أكبر من الدوافع التي تحرك المتسوق الذي يرتاد متاجر البقالة، كلما كنتَ أكثر قدرة على التأثير في اختياراته."
ولكن على الرغم من ذلك، فإن قدرة أصحاب المتاجر على التأثير في القرارات الشرائية لمرتاديها على المدى الطويل، تبدو لغزا وربما أكثر تعقيدا من مجرد لغز.
تصميم المتاجر
فبنظر كارين غلانز، وهي أستاذة في علم الأوبئة بجامعة بنسلفانيا في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، يمثل إجراء تخفيض كبير على أسعار المنتجات، التي تتسق مع المعايير الصحية؛ أمرا كافيا لجعلها تختفي من على أرفف المتاجر من فرط الإقبال عليها.
لكن غلانز تضيف أن هناك نتائج سلبية أيضا لهذا الأمر تتمثل في أنه سيتعين على "شخص ما أن يدفع ثمن" هذا الخفض في الأسعار.
كما تشير غلانز إلى أنها أدركت أن المستهلكين يختلفون في ما يتعلق بمدى استجابتهم لمحاولات التأثير التي يتعرضون لها.
مثال على ذلك، ما رصدته من مقابلات أجرتها مع المتسوقين في مناطق يقطنها ذوو الدخول المحدودة. فهناك، يمكن أن يؤدي التركيز على المزايا الصحية الكامنة في تناول منتج غذائي ما، إلى الإيحاء بأن هذا المنتج ذو مذاق رديء، بدلا من أن يقود لإقناع المستهلكين بالإقبال عليه.
لكن بالرغم من عدم جدوى التأكيد على مزايا المنتج الغذائي في ما يخص تحسين الصحة في كل الأماكن، فثمة أساليب أخرى للتحفيز قد تحقق هذا الغرض.
ففي إطار دراسة نُشرت خلال العام الجاري، أجرت غلانز وفريقها تعديلات على الأقسام المخصصة للمشروبات في بعض متاجر البقالة. وفي هذا السياق، استحوذت المشروبات منخفضة السعرات الحرارية -أو تلك الخالية من السعرات على الإطلاق مثل المياه- على مساحة عرض أكبر في الأماكن المميزة التي تقع عليها أنظار المتسوقين.
الحليب على اليسار
وفي الإطار ذاته، جرى تعديل تصميم الأقسام الخاصة بمنتجات الألبان، بحيث توضع عبوات اللبن منزوع الدسم على الجانب الأيسر، الذي يتوجه إليه المستهلكون عادة، بدلا من وضع عبوات اللبن كامل الدسم على هذا الجانب.
وضمن هذه التجربة، وضع الباحثون علامات ملونة على العبوات موضع البحث، دون كتابة أي عبارات توحي بأن هذه المنتجات ذات تأثير أفضل على الصحة من غيرها.
وبالرغم من أن هذا التدخل من قبل الباحثين لم يقدم وعدا للمستهلكين بأن شراءهم لمنتجات بعينها سيعود عليهم بفائدة ما، فإنه أدى لزيادة مبيعات قوارير المياه، وكذلك عبوات اللبن منزوع الدسم.
وقد نجحت غلانز مؤخرا في الحصول على موافقة المعهد الوطني للصحة في الولايات المتحدة لتمويل دراسة واسعة النطاق ستجرى على مدار عامين، وتتناول على نحو مباشر؛ كيف يمكن لمتاجر البقالة أن تحدث تغييرات ملموسة في العادات الشرائية لمرتاديها من خلال مثل هذه الأساليب البارعة.
في الوقت نفسه، يمكن أن تكون التدخلات ومحاولات التأثير الأكثر فاعلية، هي تلك التي لا نلاحظها بالضرورة؛ من قبيل تصميم المتجر بالشكل الذي يجعل المتسوق يمر بمنتجات بعينها، أو وضع منتجات ما في نهايات الممرات، حيث تفيد الدراسات بأن فرص البيع هناك ربما تكون أكبر.
ويحرص القائمون على مثل هذه المتاجر على أن يجد المتسوقون الأقسام الخاصة ببيع الخضروات والفواكه مباشرة فور دخولهم من الأبواب الأمامية، وذلك لإعطاء انطباع بأن ما يُعرض في تلك الأقسام طازج وصحي، وهو انطباع يسيطر على المتسوق بعد ذلك خلال تجوله في باقي أقسام المتجر.
وقد قطعت متاجر راقية، مثل (هول فودز ماركت) التي لديها فروع في أمريكا الشمالية والعاصمة البريطانية لندن، شوطا أبعد في تطوير أقسام بيع الخضروات والفواكه لديها، وذلك عبر عرض عينات من المنتجات على المتسوقين، وكذلك توفير معلومات توضح منشأ الأغذية والفاكهة المعروضة.
متاجر المستقبل
بطبيعة الحال، ربما لم تصل هذه المتاجر بعد إلى تصميم كفيل بجعل خضروات، لا يألفها الأطفال عادة مثل اللفت، طعاما لا يقاوم من جانبهم. ولكن مزيدا من الاهتمام بمنح المنتجات الأكثر فائدة لصحة الإنسان مساحة أوسع على أرفف المتاجر، مقارنة بتلك التي تشغلها حاليا، قد يخلف تأثيرا أكبر مما يتوقع أحد.
والسؤال هنا: كيف سيبدو شكل متاجر البقالة المعنية بتشجيع عملائها على شراء المنتجات الأكثر فائدة للصحة في المستقبل؟
قد يكون مفاجئا أن الإجابة ربما تتمثل في أن تلك المتاجر المستقبلية قد لا تختلف كثيرا عن نظيراتها التي نراها اليوم، والتي تجري فيها محاولات التأثير على السلوك الاستهلاكي للمتسوقين دون أن يلحظ ذلك أحد تقريبا.
ربما يبدو مستغربا أن تفكر في حقيقة أنه يمكن أن يتم التأثير على رأيك بتلك السهولة دون أن تدرك ذلك. لكن عليك أن تتبنى حقيقة أنك لا تتصرف دائما كما يرغب عقلك الواعي.