شينكر :حجم مقلق من الدعم لـ تنظيم "الدولة الإسلامية" في الأردن
جو 24 : ديفيد شينكر يكتب - وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية، يضم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» [أو «داعش»] حالياً 60 دولة. وفي الوقت الذي تشكل فيه الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، كما أوضح الرئيس أوباما الأسبوع الماضي "عملية يشارك فيها العالم بأسره"، إلا أن ليس جميع الحلفاء هم على قدم المساواة. فمن بين شركاء واشنطن العديدين، لعل الأردن هو الشريك الأهم. إذ تثبت المملكة أنها حليفة لا غنى عنها في الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، من خلال نشر الطائرات المقاتلة وتوفير الدعم اللوجستي وتدريب المتمردين السوريين المعتدلين. ويعود ذلك إلى سبب وجيه: إن «داعش» تشكّل خطراً مباشراً على المملكة. وفي الأشهر الأخيرة، اعتقلت السلطات الأردنية العشرات من أنصار تنظيم «الدولة الإسلامية»، وقبل أسابيع قليلة فقط شهدت البلاد ثاني تظاهرة مؤيدة لـ «داعش» على أراضيها.
ولكن مشاركة الأردن في التحالف لا تلقى دعم جميع الأردنيين. فوفقاً لاستطلاع للرأي أجراه "مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية" نُشر الشهر الماضي، يَعتبر 62 بالمائة فقط من الأردنيين أن تنظيم «الدولة الإسلامية» - و 31 بالمائة فقط يعتبرون «جبهة النصرة» التابعة لـ تنظيم «القاعدة»، ومقرها في سوريا - منظمتان إرهابيتان. ومما يثير الدهشة بصورة أكثر هو أن 44 بالمائة فقط من الأردنيين الذين شملهم الاستطلاع يعتبرون تنظيم «القاعدة» منظمة إرهابية.
وفي ضوء هذه الميول، ليس من المستغرب أن يعارض العديد من الأردنيين مشاركة جيشهم في الحملة التي تستهدف «داعش» و«جبهة النصرة».
وفي الواقع، برزت اعتراضات على الدور الذي يضطلع به الأردن في التحالف المناهض لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» قبل أن تدخل المملكة في التحالف. ففي بداية أيلول/سبتمبر، أرسل واحد وعشرين نائباً في البرلمان الأردني مذكرة إلى رئيسه، أعربوا فيها عن رفضهم مشاركة البلاد في التحالف الدولي، معتبرين أن "هذه الحرب ليست حربنا، فجيشنا قادر على الدفاع عن حدودنا والرد على أي عدوان".
ويمثّل الموقّعون على المذكرة أقل من 15 بالمائة من أعضاء البرلمان، ولكن بناءً على بيانات "مركز الدراسات الإستراتيجية" ووفقاً للأدلة التي استقيتها خلال زياراتي إلى الأردن، فإن الاتجاهات المناهضة للتحالف تفوق هذه النسبة بشكل ملحوظ بين عامة السكان في الأردن.
وقد برز الإسلاميون بشكل خاص من بين معارضي مشاركة المملكة في التحالف. على سبيل المثال، لم يقتصر موقف فرع جماعة «الإخوان المسلمين» في البلاد على "رفض استخدام الأراضي الأردنية كقاعدة عسكرية أو منصة انطلاق" لقوات التحالف فحسب، بل اعتبر أن نشر قوات خارج المملكة يشكل انتهاكاً للمادة 127 من الدستور، والتي تحصر دور الجيش بمهمة "الدفاع" عن الدولة و"سلامتها".
بالإضافة إلى ذلك، يشكل تنامي السلفيين بين السكان الأردنيين أمراً خطراً. فأبو سياف، قائد الحركة الجهادية السلفية المحلية - التي تدعم «جبهة النصرة» علناً - وصف تدخل الأردن في سوريا ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» بأنه "بداية النهاية" لحكم العاهل الأردني الملك عبد الله. بيد، هناك مجموعة أخرى مكونة من 25 من العلماء المسلمين الأردنيين كانت قد نشرت في وقت سابق من هذا الشهر، في الصحيفة الإسلامية الأردنية اليومية "السبيل"، بياناً وصفت فيه عمليات التحالف بأنها "حملة ضد الإسلام".
ولا تقتصر هذه المعارضة على الإسلاميين فقط. ففي أيلول/ سبتمبر، ألقت جماعة تدعو نفسها "التيار الشعبي الأردني" بثقلها ضد الحرب، متهمة الولايات المتحدة بـ "خلق «داعش»"، و"استخدامها كأداة لتقسيم بلدان المنطقة وفتح المجال أمام تدخلها في الشؤون الداخلية لدولها".
ومن جانبهم، انتقد الليبراليون العلمانيون في الأردن أيضاً دعم عمان القوي للتحالف على أسس عملية. ففي افتتاحية صدرت مؤخراً، تساءلت الصحيفة اليومية الإلكترونية "JO24.net" - المعروفة بوجهات نظرها المعتدلة - عن السبب الذي دفع الملك عبد الله إلى السماح للجنرال المتقاعد جون آلن، الذي يقود التحالف ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، بلقاء زعيم المعارضة السورية أحمد الجربا في عمان. وحذر المقال من أن الاجتماع "فتح الباب على مصراعيه لأسوأ سيناريوهات الانتقام [السوري]" من الأردن.
وفي بلد ديمقراطي، قد يؤدي كل هذا النقد - ونتائج الاستطلاعات التي جاءت سلبية بأغلبية ساحقة - إلى إحداث تغيير في السياسة. ومع أن الأردن ليست دولة ديمقراطية، إلا أن الملك عبدالله ليس محصناً أمام الضغوطات الداخلية. فالثورات التي قامت في عدد من الدول العربية، إلى جانب المشاكل الاقتصادية الكبيرة في الأردن - والتي تفاقمت مع وصول حوالي مليون لاجئ سوري - جعلت الملك أكثر حساسية، إن لم نقل استجابة، لمنتقديه في الداخل.
إلا أن اعتبارات الملك عبد الله تتجاوز حدود الأردن. فبالإضافة إلى التهديد الذي تشكله «داعش» وأمثالها في العراق وسوريا، لا بد أن تكون واشنطن، الراعي والممول الرئيسي للمملكة، قد أوضحت أن مشاركة الأردن في التحالف هي ضرورة حتمية.
ونظراً إلى المخاطر التي يطرحها الأمر، من غير المرجح أن يغيّر الأردن مساره على الأمد المنظور. ولكن إذا ما استمرت العمليات الجوية في السنوات المقبلة، قد تنضم أنشطة الأردن في التحالف الدولي في نهاية المطاف إلى الوضع الاقتصادي ومشكلة اللاجئين السوريين لتكون مصدراً للإحباط والاستياء الشعبي في المملكة.
وبغض النظر عن الكيفية التي تتجلى بها تداعيات استمرار المشاركة في التحالف في شوارع عمان، يشير استطلاع "مركزالدراسات الاستراتيجية" إلى أن الحرب في سوريا - التي قتل فيها النظام الشيعي اسمياً ما يقارب 200 ألف شخص معظمهم من المسلمين السنّة - لا تزال تشكل قضية تحرك عواطف الأردنيين وتثير تعاطفهم مع تنظيم «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة». وبطبيعة الحال، إذا ما شنت هاتان المنظمتان هجمات في الأردن - مثل تفجيرات الفنادق التي نفذها تنظيم «القاعدة» في فنادق في عمان عام 2005 - فقد ينخفض الدعم المحلي لهاتين الجماعتين. وفي غضون ذلك، في الوقت الذي يرسل فيه الأردن طلعات جوية لتنفيذ عمليات القصف ويخفف من التهديدات المباشرة التي يشكلها تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإن الدينامية المستمرة في سوريا تضمن وجود خزان متنامٍ من الدعم الشعبي للإرهابيين في المملكة قد يكون مزعزعاً للاستقرار بشكل متزايد.
*مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
ولكن مشاركة الأردن في التحالف لا تلقى دعم جميع الأردنيين. فوفقاً لاستطلاع للرأي أجراه "مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية" نُشر الشهر الماضي، يَعتبر 62 بالمائة فقط من الأردنيين أن تنظيم «الدولة الإسلامية» - و 31 بالمائة فقط يعتبرون «جبهة النصرة» التابعة لـ تنظيم «القاعدة»، ومقرها في سوريا - منظمتان إرهابيتان. ومما يثير الدهشة بصورة أكثر هو أن 44 بالمائة فقط من الأردنيين الذين شملهم الاستطلاع يعتبرون تنظيم «القاعدة» منظمة إرهابية.
وفي ضوء هذه الميول، ليس من المستغرب أن يعارض العديد من الأردنيين مشاركة جيشهم في الحملة التي تستهدف «داعش» و«جبهة النصرة».
وفي الواقع، برزت اعتراضات على الدور الذي يضطلع به الأردن في التحالف المناهض لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» قبل أن تدخل المملكة في التحالف. ففي بداية أيلول/سبتمبر، أرسل واحد وعشرين نائباً في البرلمان الأردني مذكرة إلى رئيسه، أعربوا فيها عن رفضهم مشاركة البلاد في التحالف الدولي، معتبرين أن "هذه الحرب ليست حربنا، فجيشنا قادر على الدفاع عن حدودنا والرد على أي عدوان".
ويمثّل الموقّعون على المذكرة أقل من 15 بالمائة من أعضاء البرلمان، ولكن بناءً على بيانات "مركز الدراسات الإستراتيجية" ووفقاً للأدلة التي استقيتها خلال زياراتي إلى الأردن، فإن الاتجاهات المناهضة للتحالف تفوق هذه النسبة بشكل ملحوظ بين عامة السكان في الأردن.
وقد برز الإسلاميون بشكل خاص من بين معارضي مشاركة المملكة في التحالف. على سبيل المثال، لم يقتصر موقف فرع جماعة «الإخوان المسلمين» في البلاد على "رفض استخدام الأراضي الأردنية كقاعدة عسكرية أو منصة انطلاق" لقوات التحالف فحسب، بل اعتبر أن نشر قوات خارج المملكة يشكل انتهاكاً للمادة 127 من الدستور، والتي تحصر دور الجيش بمهمة "الدفاع" عن الدولة و"سلامتها".
بالإضافة إلى ذلك، يشكل تنامي السلفيين بين السكان الأردنيين أمراً خطراً. فأبو سياف، قائد الحركة الجهادية السلفية المحلية - التي تدعم «جبهة النصرة» علناً - وصف تدخل الأردن في سوريا ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» بأنه "بداية النهاية" لحكم العاهل الأردني الملك عبد الله. بيد، هناك مجموعة أخرى مكونة من 25 من العلماء المسلمين الأردنيين كانت قد نشرت في وقت سابق من هذا الشهر، في الصحيفة الإسلامية الأردنية اليومية "السبيل"، بياناً وصفت فيه عمليات التحالف بأنها "حملة ضد الإسلام".
ولا تقتصر هذه المعارضة على الإسلاميين فقط. ففي أيلول/ سبتمبر، ألقت جماعة تدعو نفسها "التيار الشعبي الأردني" بثقلها ضد الحرب، متهمة الولايات المتحدة بـ "خلق «داعش»"، و"استخدامها كأداة لتقسيم بلدان المنطقة وفتح المجال أمام تدخلها في الشؤون الداخلية لدولها".
ومن جانبهم، انتقد الليبراليون العلمانيون في الأردن أيضاً دعم عمان القوي للتحالف على أسس عملية. ففي افتتاحية صدرت مؤخراً، تساءلت الصحيفة اليومية الإلكترونية "JO24.net" - المعروفة بوجهات نظرها المعتدلة - عن السبب الذي دفع الملك عبد الله إلى السماح للجنرال المتقاعد جون آلن، الذي يقود التحالف ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، بلقاء زعيم المعارضة السورية أحمد الجربا في عمان. وحذر المقال من أن الاجتماع "فتح الباب على مصراعيه لأسوأ سيناريوهات الانتقام [السوري]" من الأردن.
وفي بلد ديمقراطي، قد يؤدي كل هذا النقد - ونتائج الاستطلاعات التي جاءت سلبية بأغلبية ساحقة - إلى إحداث تغيير في السياسة. ومع أن الأردن ليست دولة ديمقراطية، إلا أن الملك عبدالله ليس محصناً أمام الضغوطات الداخلية. فالثورات التي قامت في عدد من الدول العربية، إلى جانب المشاكل الاقتصادية الكبيرة في الأردن - والتي تفاقمت مع وصول حوالي مليون لاجئ سوري - جعلت الملك أكثر حساسية، إن لم نقل استجابة، لمنتقديه في الداخل.
إلا أن اعتبارات الملك عبد الله تتجاوز حدود الأردن. فبالإضافة إلى التهديد الذي تشكله «داعش» وأمثالها في العراق وسوريا، لا بد أن تكون واشنطن، الراعي والممول الرئيسي للمملكة، قد أوضحت أن مشاركة الأردن في التحالف هي ضرورة حتمية.
ونظراً إلى المخاطر التي يطرحها الأمر، من غير المرجح أن يغيّر الأردن مساره على الأمد المنظور. ولكن إذا ما استمرت العمليات الجوية في السنوات المقبلة، قد تنضم أنشطة الأردن في التحالف الدولي في نهاية المطاف إلى الوضع الاقتصادي ومشكلة اللاجئين السوريين لتكون مصدراً للإحباط والاستياء الشعبي في المملكة.
وبغض النظر عن الكيفية التي تتجلى بها تداعيات استمرار المشاركة في التحالف في شوارع عمان، يشير استطلاع "مركزالدراسات الاستراتيجية" إلى أن الحرب في سوريا - التي قتل فيها النظام الشيعي اسمياً ما يقارب 200 ألف شخص معظمهم من المسلمين السنّة - لا تزال تشكل قضية تحرك عواطف الأردنيين وتثير تعاطفهم مع تنظيم «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة». وبطبيعة الحال، إذا ما شنت هاتان المنظمتان هجمات في الأردن - مثل تفجيرات الفنادق التي نفذها تنظيم «القاعدة» في فنادق في عمان عام 2005 - فقد ينخفض الدعم المحلي لهاتين الجماعتين. وفي غضون ذلك، في الوقت الذي يرسل فيه الأردن طلعات جوية لتنفيذ عمليات القصف ويخفف من التهديدات المباشرة التي يشكلها تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإن الدينامية المستمرة في سوريا تضمن وجود خزان متنامٍ من الدعم الشعبي للإرهابيين في المملكة قد يكون مزعزعاً للاستقرار بشكل متزايد.
*مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.