من الجيزة إلى حاويات العقبة.. الإطارات المشتعلة هي الحلّ !
تامر خرمه - إذا أردت إيصال صوتك أو مظلمتك إلى المسؤولين فعليك بالإطارات المشتعلة، لن يسمعك أحد دون إغلاق الشوارع. هذا ما تدفعك إليه إدارة الدولة التي لا تكترث لحالك ولا تبالي بما تعانيه من بؤس، فإذا كنت عاطلا عن العمل أو عاملا تنشد العدالة لقضيّتك، وطرقت كلّ ما تصل إليه يديك من أبواب، لن تحصل سوى على صدى طرقاتك ترتدّ إليك وأنت حسير.
عندها يكون الاحتجاج هو كلمة السرّ التي تجعلك مرئيّاً في نظر صنّاع القرار. هذا هو حال الأردن منذ ما يزيد على عقد من الزمن، تهيمن مشكلة ما على المشهد، فتتوالى الالتماسات والمناشدات لحلّها دون أيّ نتيجة، وعندما يصل المتظلّمون إلى طريق مسدود يعلنون الإضراب أو الاعتصام، أو يغلقون شارعا أو مصنعا أو.. وقتها يلبّي "الدرك" النداء.
بالأمس قام محتجّون في لواء الجيزة بإغلاق الطريق المؤدية إلى المصانع في تلك المنطقة، احتجاجا على تهميش العمالة المحليّة واستيراد العمالة الوافدة برواتب متدنية.. بعد الاحتجاج تحرّكت وزارة الداخليّة ووزارة العمل والصناعة والتجارة لحلّ المشكلة التي ما كانت لتحدث أصلا لو اضلعت هذه الوزارات بدورها كما ينبغي منذ البداية.
صحيح أنّه لا أحد يوافق على الاعتداء على المرافق أو إغلاق الطرق، ولكن ينبغي التعامل مع الفقراء الذين ضاعت حقوقهم وباتوا بلا عمل نتيجة إغلاق أحد المصانع، بشيء من الحلم، وليس التمسّك بالقمع البوليسي كأداة وحيدة للتفاهم.
الأصل أن تقوم الدولة برعاية مصالح الناس، فلماذا تغيب القنوات التي يمكن أن يلجأ إليها المتظلّم عوضا عن محاصرته ودفعه لتصعيد الاحتجاج ثم الاستقواء عليه بقوّات الدرك ؟! الاعتداء على الشوارع العامّة مسألة مرفوضة، ولكن في المقابل ينبغي احتواء المسألة قبل تفاقمها، يعني بالعربي البسيط: "لا يموت الذيب ولا يفنى الغنم".
ثمّ إن هذه المصانع تتصرّف بطريقة انتهازيّة تنظر إلى المجتمع المحلّي على أنّه مجرّد قطعة أرض، تخنقه بما تتسبّب فيه من تلوّث دون أن تؤدي أيّة خدمة اجتماعيّة، فالعمالة المستوردة تحرم أبناء المجتمع المحلّي من فرص العمل في هذه المصانع، التي تنال كافّة التسهيلات الضريبيّة دون أيّ مقابل !!
بالأمس أيضا أنصفت المحكمة العماليّة عمال ميناء حاويات العقبة، بعد سلسلة إضرابات واجهها المسؤولون بالصلف والعنت، فكانت الخسائر المتراكمة هي نتيجة هذا الموقف المنحاز ضدّ قضايا العمال العادلة، ألم تكن الاستجابة للمطالب المشروعة ممكنة إلاّ بعد كلّ هذا التصعيد ؟!
طريقة التعامل مع مظالم الناس، ترغمهم على الاحتجاج، ويمعن المسؤولون في غيّهم عبر قمع الاحتجاجات.. تستخدم القوّة البوليسيّة وغالبا بشكل مفرط، ليعود الاحتجاج من جديد وبصوت أعلى، فيعود "الدرك"، ثمّ تتصاعد الاحتجاجات، حتّى يملّ صنّاع القرار ويوافقون على حلّ المعضلة.
هل يستحيل على مختف الوزارات والمؤسّسات القيام بدورها المطلوب وحلّ مشاكل الناس قبل تفاقم الأوضاع ؟! ألا تقتضي الحكمة تغيير المعادلة القائمة والنظر إلى ما هو أبعد ؟؟ أم أن الإطارات المشتعلة ستبقى دائما هي الحلّ ؟