jo24_banner
jo24_banner

قراءة في كتاب بني هاني "الاقتصاد المؤسسي"

قراءة في كتاب بني هاني الاقتصاد المؤسسي
جو 24 : ما بين الاقتصاد والفلسفة والتاريخ يأخذك هذا الكتاب، وتبهرك اللغة التي سُبك بها، بل تطويع المؤلف البارع لتلك اللغة بشكل يرقى إلى ذائقة القارئ المثقف.

ويرى مؤلف الكتاب، رئيس جامعة جرش الدكتور عبدالرزاق بني هاني أن "إبداعات الانسان عجيبة بذاتها، فعجائبها لاتنتهي وحاجاتنا اليها لاتنقضي، وقد اخذت زمام المبادرة من مخترعها لتكون في نهاية المطاف موجهة له، وهذه الابداعات هي؛ اللغة والنقود والمؤسسات، ولا شيء من إبداعات الإنسان أو اختراعاته، مهما كانت، يفوق أو يضاهي بسطوته وجبروته هذه الابداعات الثلاثة، لأنها إبداعات أصيلة، وليس لها بدائل مهما حاول الإنسان استبدالها".

والمؤسسات، وفق رئيس جامعة جرش، متغيرة نسبيا من حيث المكان والزمان، تتكون من عوامل تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية وانثروبولوجية متداخلة على نحو غير قابل للفصل.

ويعرفها رئيس جامعة جرش بأنها البنى والهياكل الفوقية التي يصنعها الانسان بهدف ضبط شبكة العلاقات داخل الدولة والمجتمع، وهي بالتالي سلطة زمنية جامحة تتجاوز الفرد وقدراته وإمكاناته، وهي الحواضن والمرجعيات والاوعية الفكرية التي ينهل منها الفرد والجماعة مواقفهم السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة او المتقاربة او المتشابهة، وما يميزها انها مكانية النطاق والتأثير، لكنها منتشرة بين الأفراد والجماعات بشكل لا يمكنهم من الإفلات منها، والمذهل في المؤسسات ان البشر الخاضعين لها لا يشعرون بها، لأنهم مستغرقون فيها، واصبحوا مع الأيام وكأنهم جزء منها، الأهم ان البشر يصنعون المؤسسات من اجل تقليل اللايقين الذي يواجهونه على مدار الساعة.

ويرى رئيس جامعة جرش انه لا يهمنا نمط الحياة من أي نموذج بقدر ما يهمنا ان النمط ذاته هو اختيار حقيقي من فعل الجماعة التي تنتمي اليه، والاهم ان توزيع الموارد الانتاجية يتم بناء على فعل المؤسسات التي تم تصنيعها من آلة التجاذب الاختياري وليس بفعل أقدار مجهولة، وهنا يطرح المؤلف اطروحته الاخطر في حياة الانسان وهي: ان الفقر واثر قلة الموارد ليسا قدرا على الانسان، بل هما من صنع يديه ومؤسساته التي آمن بها، فاستبدت بعقله وكبلت إرادته.

وينحت رئيس جامعة جرش الدكتور بني هاني، مصطلح "الدولة المعلولة"، والذي يعني به تلك الدولة التي تعمل مؤسساتها وتسهر اجهزتها على رعاية مصلحة الفئة الحاكمة، وقد سميت دولة معلولة لأن آلة التجاذب الاختياري فيها تتلقى إشارات مؤسسية متضاربة، تسخر الموارد المؤسسية لرعاية وتمجيد الأقلية المسيطرة على مقاليد الحكم فيها، وبذلك يتم حصر كل قرارات الجماعة البشرية الخاضعة لسيطرتها بيد الأقلية الحاكمة، أما في الدولة الطبيعية فيتم حصر قرارات الجماعة بيد الجماعة نفسها.

ويرى رئيس جامعة جرش ان هناك اربعة عوامل متحركة حاسمة تعمل باستمرار على تعطيل عملية الانتخاب الطبيعي للقيم والقوانين الجيدة، اي المؤسسات الرشيدة وهي: المقاومة المؤسسية، والجمود أو اللزوجة المؤسسية، نظام الطرد المركزي، وحالة اللافعل واللاإرادة، أي لا- إرادة القرار، ولا- إرادة التنفيذ.
فالمستفيدون من الوضع القائم وإدامة النظام يعملون بحرص وقوة على مقاومة وإحباط التغيير تحت حجة حماية النظام العام، وعادة ما يقوم هؤلاء باختلاق الأحداث كي يتم تعطيل إعادة ترتيب مكونات المصفوفة المؤسسية أو صناعة مؤسسات جديدة جيدة، وهذه الأفعال الممكنة هي ما يُعرف بالمقاومة المؤسسية، وهي المستفيدة من عدم التغيير.

أما الجمود واللزوجة فتتعلق بمرونة النظام الاجتماعي والفرص السانحة والممكنة لإحداث تغييرات إيجابية في الوضع العام، وكلما زاد جمود النظام لاجتماعي اصبح التغيير صعبا، وتعتمد مرونة النظام في أغلب الاحيان على عاملين رئيسيين هما؛ حجم التغيير المطلوب، والمدة الزمنية التي بقست خلالها المؤسسات القائمة موجودة بدون تغيير.

أما نظام الطرد المركزي فيتمثل في قوة المؤسسات الراهنة على البقاء نتيجة لتغريب وطرد المؤسسات الراشدة، فكلما حاول بعض الأفراد إدخال مؤسسات حميدة إلى توليفة المؤسسات الحاكمة عملت قوة الجذب المركزية على سحبها إلى داخل المنظومة من اجل التجربة وسرعان ما تسحبها قوة الطرد المركزي خارج المنظومة الاجتماعية السائدة بسبب عدم توافقها مع المصالح الآنية للقوى الاجتماعية الفاعلة.

ويشير رئيس جامعة جرش إلى ما أسماه المجتمع الدارويني، الذي يفتقر للمؤسسات الحميدة، والقائم على المحسوبية والواسطة، بلا مبادئ أو مؤسسية، لافتا إلى ما اسماه "البيطرة الاقتصادية"، و"البياطرة الاقتصاديين".

الكتاب، الصادر عن دار وائل للنشر والتوزيع في عمان، يصف مشكلة غياب المؤسسية ويشخصها، ولا يقتصر على ذلك بل يقدم العلاج والوصفة الكامنة في ثلاثة ثورات؛ اجتماعية وتشريعية وتربوية.

الكتاب جاد، وحاد، وفيه إسقاطات عميقة، بأسلوب شائق.

مؤلفه: رئيس جامعة جرش، الدكتور عبدالرزاق بني هاني
سنة الإصدار: 2014


(الغد)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير