jo24_banner
jo24_banner

وصفي التل ..شخصية معدنها التواضع والإخلاص

وصفي التل ..شخصية معدنها التواضع والإخلاص
جو 24 : وصفي التل هذه الشخصية المذهلة والفريدة، في تكوينها وفكرها، كان انسانا متواضعا جدا، وكان ملتزما بكل القيم والاخلاق الطيبة.
من ذكراة الناس له روايات كثيرة، لكل منها معنى في حياته وحياتهم، نستعرض اليسير منها .

صب الماء على الأيدي!!
من ذكريات فاروق بدران/ مدير مدرسة السلط الثانوية في العام 1965 من خلال كتابه «محطات في المسيرة التربوية»، يذكر انه في تلك السنة زار الأمير الحسن بن طلال مدينة السلط ومدرستها وكان برفقته رئيس الوزراء الأسبق الشريف حسين بن ناصر، ووصفي التل، والمهندس يحيى الخطيب وزير الاشغال والمتصرف والدكتور محمد البشير ومروان الحمود.
وبعد الاستقبال شرحت للأمير عن تاريخ المدرسة واطلعته على مجلة كانت تصدرها المدرسة مطبوعة على الآلة الكاتبة، وهي عدد وحيد، فيها مقال للطالب (وصفي التل)، فقرأه وقال لوصفي: من زمان وأنت تكتب ثم صعدنا الى الطابق العلوي الممتلئ بالمناضد وعلى كل منضدة، منسف واحد، ما عدا صدر المكان الذي كان عليه ثلاثة مناسف، وخلف مائدة سموه اعددنا مكانا يغسل فيه المدعوون اياديهم قبل وبعد تناول الطعام.
وبعد ذلك، قام احد المرافقين يصب الماء على يدي الأمير، وامسكت ابريقاً لأصب الماء على يدي وصفي التل فرفض قائلاً: لا والله!! مدير مدرسة السلط الثانوية العتيدة يصب الماء!! لا والله!! فقلت له: انني اتولى هذا العمل لثلاثة اسباب: الأول انك ضيفي في مدرستي، والثاني لأنك اكبر مني، والثالث لأنك اخو صديقي، فقال: ومن صديقك؟ قلت: سعيد التل، فقال ولو!! شوف واحد غيرك يا مدير مدرسة السلط الثانوية المحترم!!.

ضد الفساد
وهكذا عندما رحل وصفي التل عن الدنيا الفانية لم يترك وراءه اية أراضٍ ولا عقارات ولا رصيدا ماليا في البنوك رغم تقلبه في مناصب حكومية مهمة وخطيرة جداً.. لماذا؟! لانه كان سيفا على الفساد والمفسدين، ويتحلى بصفات الاولياء الصالحين وقدوة للاخرين ايضا .. فكيف نصلح المجتمع اذا كان المسؤول فاسدا؟!.. كان شغوفا بالتأمل والقراءة والصيد والزراعة والمحافظة على كرامة المواطنين وتراب الوطن الأردن الغالي.

الهاتف المنزلي
قبل ان يصبح الرئيس وصفي التل رئيسا للوزراء اشترى قطعة الارض في حي الكمالية في منطقة صويلح وطلب من شركة الكهرباء ان يمدوا له هاتفاً ارضيا.. لكن الخطوط التلفونية كانت تبعد عن منزله مسافة تحتاج الى ان يزرع لخط تلفونه ثلاثة اعمدة خشبية ليست على حساب الشركة بل على حسابه الخاص!! وكان لا بد ان يدفع ثمن تلك الاعمدة وهي (6) دنانير ولم يكن قادرا على دفع هذا المبلغ مرة واحدة، فطلب تقسيطها وخصم دينارين شهرياً من راتبه الحكومي.. رغم انه مسؤول ووزير او رئيس وزراء هام بيده ان يعمل ويطلب اي شيء كما يعتقد الآخرون عادة.

«ولفي لابس عسكري»
ومن شهادة ابداعية قدمها نجل «جميل العاص» خالد يقول: بعد ان عمل الموسيقار جميل العاص في اذاعة القدس جاء الى عمان وكان للاذاعة فرع في عمان تم افتتاحها عام 1959.. ولم تكن الاغنية الاردنية شائعة في دنيا العرب، الى ان اخذت الاذاعة الاردنية على عاتقها أو تنشيطها وتقديمها للمستعمين حلوة مستساغة يعلوها الشموخ في الكلمة.
وفي تلك الفترة، وكان وصفي التل رئيساً للوزراء، يردّد مقطعاً من أغنية كان قد سمعها من أمه الكردية والمقطع هو «تخسا يا كوبان ما انت ولف لي»، .. فقرّر أن تُكمل هذه الأغنية، في الوقت الذي كان يتعرض الأردن لهجوم إعلامي من معظم محيطه!! ولسوء حظ وصفي التل في تلك الفترة أن الشاعر الوحيد الذي كان باستطاعته اكمال هذه الأغنية بلهجتها البدوية الكردية العراقية هو الشيخ رشيد الكيلاني.
لكنه كان قد مضى!! فتناوب وصفي التل مع المشير حابس المجالي والأستاذ حسني فريز على كتابتها في رئاسة الوزراء، وهكذا ظهرت الأغنية التي تحوّلت في زمانها إلى نشيد وطني:
تخسا يا كوبان ما انت الغالي
ولفي شاري الموت لابس عسكري
يزهي بثوب العز واقف مِعْتلي
بعيون صقر للقنص متحضري.
واتفق وصفي التل مع الأستاذ صلاح أبو زيد على أن يُلحن الأغنية جميل العاص، وجاء بسيارة شرطة، حيث وجده في أحد المتاجر في جبل الحسين بعمان، وأغلق عليه غرفة رئاسة الوزراء حتى يتمكن من اكمال تلحينها، وجاء اللحن، ولكي يكتمل النشيد الوطني حضر جلالة الملك الحسين إلى الإذاعة الأردنية يرافقه كبار المسؤولين، ثم صدحت المطربة الأردنية سلوى بالأغنية، وقيل كأنما زلزل حدث يومها في البلاد، وخاصة في أوساط الجيش والعسكر.
مسرى النبي نادى بصوت المبتلى
وين النشامى فوق خيلٍ ضُمري
يا حسين نور العين انت العز اللي
مسرى النبي نادى بصوت المبتلي
وين النشامى فوق خيلٍ ضُمري.

في سينما رغدان
وقد حدثني ذات لقاء قديم احد اصحاب المحلات التجارية وهو رجل كبير في السن، ان وصفي التل كان في الستينيات حين ايامها كان يتولى منصبا حكوميا مهما (وزيرا) في الحكومة الاردنية.. يأتي بعض الاحيان في مساءات عمان الصيفية لحضور بعض الافلام السينمائية وحيداً.. ولم يكن يقبل ان يدخل مجانا، وكان يصف بالدور على شباك التذاكر ليقطع تذكرة ويدفع ثمنها لحضور فيلم ما في تلك السينما العريقة والجميلة سينما رغدان في شارع بسمان في عمان.

صالون الكردي
وعندما كان رئيساً للوزراء ايضا كان لا يتخلى عن النزول الى وسط البلد حيث الشوارع والمتاجر والمطاعم الشعبية التي تتميز بالالفة والشعبية.. فقد كان يأتي كل مدة الى صالون الكردي في دخلة مطعم فؤاد الشهير بسندويشات الفلافل ليحلق شعر رأسه.. ولم يكن يحب ان يأتي الحلاق اليه في منزله ليحلق ويزين شعر رأسه، الذي عُرِف بحلقته القصيرة أو المسماة بالحلقة الانجليزية او الشركسية وكان الكردي يستغرب مجيئه للصالون دون حراسة.
وعن صديقنا المؤرخ الكبير سليمان الموسى في كتابه «أعلام من الأردن» نسرد ما يلي عن وصفي التل:

قارئ نهم
كان وصفي شغوفاً بالمطالعة منذ سنيّ دراسته الجامعية، وكثير من الكتب التي اخذ يقرأها يومذاك كانت تتناول سير الأبطال والبطولات، احب القوة والفيلسوف «نيتشه» والموسيقار «فاجند»، ومعظم قراءاته كانت في السياسة والفلسفة والتاريخ العسكري، والذي كان يزور مكتبته يرى من الكتب ما يمثل مستوى قراءاته واهتماماته الذهنية: جمهورية أفلاطون، نيتشه، سقراط، الامبراطورية الرومانية، وروايات لورنس داريل، ومذكرات القادة، الى جانب ذلك تجد كتباً عن الحيوانات.

الحزن في زيارة المعرض!!
تلقى وصفي التل بطاقة دعوة لزيارة المعرض الصناعي الزراعي الذي أقيم في مباني الكلية العلمية الإسلامية في جبل عمان، وعند تجواله في المعرض شاهد عنبا وتفاحا ومطرزات وتحفا من الصدف.. فأحس بالحزن!! هذه «بضاعة الدعة والسلام والاستسلام»!! وتساءل: أحقاً أن هذا كل ما نستطيع عرضه وصنعه في هذا البلد؟! بلد المرابطين ثغر العروبة الأول! بلد الحصون والدفاع!! احس باشفاق على بلده وعلى مواطنيه وعلى نفسه. أهذه منتوجات تجلب القوة؟! تمنى لو أنه شاهد في المعرض آلة واحدة تدور، لتصم رعيدها الآذان وترتجف الأرض من حركتها!!.

الشاي والقهوة في الدوائر الحكومية
تجربة أخرى من تجاربه وأفكاره الرائدة قام بها وطبقها ألا وهي حظر تقديم الشاي والقهوة في دوائر الحكومة.. وكان في رأيه ان مكاتب الموظفين تتحول احيانا الى مضافات!! فالمواطن الذي يراجع من اجل قضية له لا بد ان يكون على عجلة من امره، ولكن الموظف الذي تربطه ببعض المراجعين روابط القربى والصداقة، يضطر بحكم تقاليد اللياقة الى تقديم القهوة لهؤلاء. وتكون النتيجة ابطاء تسيير اعمال الناس وحاجاتهم!! وهدر الوقت من الموظف كذلك!!.

الرأي
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير