مقومات القدرة السورية وبداية الخسارة الجدية
حمادة فراعنة
جو 24 : « إن ما حدث كان مفاجئاً ، وهذا يكشف بالتأكيد بعض التصدعات في النظام السوري ، ولكنني أعتقد أننا يجب ألا نتسرع في الاستنتاج « بهذه الكلمات لخص جلالة الملك موقف عمّان وحصيلة التقييم الأردني للوضع السوري ، كما أوردها جلالته في مقابلته مع سي . إن . إن . عبر برنامج « غرفة الحدث « قبل أيام قليلة ، فالرغبة شيء، والوقائع الحسية شيئاً آخر ، لأن النظام في دمشق ما زال يملك مجموعة من الأوراق ، تمده بأسباب القوة والثبات والأستمرارية ، صمد بسببها طوال أزمة الحراكات الشعبية منذ أن انفجرت في أذار من العام الماضي 2011 ، ولا تزال في أوج إستمراريتها حتى يومنا هذا .
لقد إعتمدت دمشق على ثلاثة عوامل تملكها ، لمواجهة ثورة الربيع العربي بطبعتها السورية ، دفعت الفريق الحاكم كي يختار الحل الأمني العسكري ، كخيار أول ، لمعالجة الاحتجاجات المعارضة لإرث سنوات طويلة من تحكم الفرد والعائلة والطائفة والحزب الواحد .
المعالجة الأمنية لم تخل ُ من معالجات سياسية ومدنية ، شملت تعديل الدستور ، وإلغاء المادة الثامنة التي أعطت حزب البعث ميزة « قيادة المجتمع والدولة « ، وإجراء إنتخابات برلمانية وبلدية وتشكيل حكومة بمشاركة بعض رموز المعارضة المدجنة ، ولكنها جاءت متأخرة ، ولم تترك بصماتها في تغيير المعادلة الداخلية وتوسيع قاعدة المشاركة الجدية وصولاً لإرساء معايير التعددية والديمقراطية وصناديق الاقتراع المفقودة ، بمعنى أوضح لم تكن المعالجات ولا الاصلاحات التي تمت وبادر إليها الرئيس كافية لإسكات أصوات المعارضة وحراكاتها .
وفي مواجهتها للمعارضة إعتمدت دمشق وراهنت على العوامل الثلاثة التالية :
أولاً : على قوة المؤسسة العسكرية والأمنية ، وتماسكها ، وديمومة ولائها للنظام ولرئيسه ، خاصة وأن الأنقسامات التي حدثت بين صفوفه قبل الموجة الأخيرة ، كانت هامشية ، ولم تؤثر على صلب المؤسسة العسكرية وتماسكها .
ثانياً :على توفر عوامل إقليمية مساندة يقف في طليعتها إيران وحزب الله وجزء من النظام العراقي ، وفروا لها روافع داعمة مادية ومعنوية ، وإحساس بالثقة ، لمواجهة خصوم إقليميين ودوليين ، يقفون داعمين إعلامياً ومالياً وسياسيا ، لقوى المعارضة المدنية والعسكرية على السواء .
ثالثاً : على المظلة الروسية الصينية ، التي حالت دون إصدار قرار من مجلس الأمن ، يسمح بالتدخل العسكري ، علناً ومباشرة ، كما حصل في تجربتي العراق وليبيا ، وخلاصة الموقف الروسي أن واشنطن خطفت العراق وليبيا في غفلة من اليقظة الروسية ، ولذلك فإن موسكو ومعها بكين لن تسمحا بتكرار ما جرى في العراق وليبيا ، كي يتكرر في سوريا ، مما وفر للنظام مصدراً قوياً للتصرف بمعزل عن القلق أو الرضوخ للضغوط ، أو الاستجابة للإملاءات ، الأميركية الأوروبية الخليجية .
ولكن على الرغم من إمتلاك دمشق لهذه العوامل الثلاثة الداخلية والأقليمية والدولية ، فقد فشلت في إخماد قوى المعارضة ، أو في إسكات صوت الحراكات أو ردعها ، او تقليص تمددها ، وسواء لدى النظام أو لدى المعارضة ، فالعامل الذاتي هو الأساس ، فإذا توفرت عوامل الإسناد للنظام من إيران وحزب الله وجزء من النظام العراقي ، فإن عوامل الإسناد لقوى المعارضة وللاحتجاجات وللحراكات المدنية والعسكرية ، من قبل الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا والمنظومة الخليجية عبر الضخ الأعلامي والمالي والعسكري والسياسي ، لا تقل أهمية وقوة وتنوعاً عن تلك التي يتلقاها النظام من حلفائه في المنطقة وعلى المستوى الدولي ، وهذا كله ترك أثره وبصماته الداخلية الملموسة ، وأدى إلى توسيع شبكة المعارضة وتوفير الروافع لها ، كي تتمكن ليس فقط من مواصلة نشاطها ، بل كي تكسب إنحيازات نوعية جديدة لصفوفها .
لقد كان هروب طيار الميغ إلى الأردن ، وتبعته سلسلة من عمليات الهروب لكبار الضباط ، والسفير السوري في بغداد هو فاتحة جدية ، ومؤشرات أولية ، على مأزق النظام ، وتصدع لدى مؤسسته العسكرية والأمنية والمدنية والدبلوماسية والحزبية ، وتلاها عملية تفجير مبنى الأمن القومي ، وسقوط رموز عسكرية قوية وبارزة ، بمستوى وزير الدفاع ونائبه ومستشار الرئيس العسكري ومسؤول الأمن القومي ، ليدلل على أن الضربات الموجعة ، وصلت إلى داخل البيت المغلق والمحصن .
فقدان آصف شوكت ، كواحد من ثلاثة أشخاص يقودون المؤسسة العسكرية هم الرئيس بشار وشقيقه ماهر وثالثهم آصف شوكت ، يعكس مدى الخسارة التي مني بها النظام نتيجة هذه العملية التفجيرية ، وبهذا الوضع ، يكون الوضع في سوريا في غاية الحرج ومربكاً ، ووصل إلى درجة لم يعد فيها ممكناً التوصل إلى حلول سياسية واقعية ، على غرار ما حصل في اليمن ، وأن التجربة الليبية هي المرشحة للتكرار ، بكل ما تحمل من خراب لسوريا ، وتدمير للجيش ، وفكفكة للجغرافيا والديمغرافيا السورية ، أسوة ، بل وقد يكون أسوأ مما حصل في العراق من حروب وتطهير طائفي متبادل .
الضربة التي تلقتها « خلية الأزمة « الأمنية ، انعكست مباشرة على الموقف الروسي الذي أعلنته وكالة انترفاكس الروسية الرسمية نقلاً عن مصدر عسكري ودبلوماسي رسمي بقولها « قررت روسيا إرجاء تسليم شحنة المروحيات القتالية إلى سورية حتى عودة الوضع الطبيعي إلى البلاد « وقيّم المصدر الروسي الذي نقلته الإنترفاكس « بأن قرار إرجاء تسليم المروحيات الى سوريا مرتبط بتدهور الوضع العسكري والسياسي في البلاد ، وبالاعتداء الإرهابي الذي قتل وجرح فيه عدد كبير من القادة العسكريين ، وزيادة الأعمال العسكرية للمعارضة « وعليه قررت السلطات الروسية أنها في هذه الظروف « لا تستطيع ضمان تسلم المروحيات بكل أمان « وأن سورية ستتسلم هذه المروحيات وأنظمة الدفاعات الجوية « بعد عودة الوضع إلى طبيعته « .
ضربة خلية الأزمة ، تلتها ضربة أخرى معنوية ومادية من قبل روسيا ، فمتى ستكون الضربة اللاحقة ضد النظام السوري وممن ؟؟.
عن الرأي
لقد إعتمدت دمشق على ثلاثة عوامل تملكها ، لمواجهة ثورة الربيع العربي بطبعتها السورية ، دفعت الفريق الحاكم كي يختار الحل الأمني العسكري ، كخيار أول ، لمعالجة الاحتجاجات المعارضة لإرث سنوات طويلة من تحكم الفرد والعائلة والطائفة والحزب الواحد .
المعالجة الأمنية لم تخل ُ من معالجات سياسية ومدنية ، شملت تعديل الدستور ، وإلغاء المادة الثامنة التي أعطت حزب البعث ميزة « قيادة المجتمع والدولة « ، وإجراء إنتخابات برلمانية وبلدية وتشكيل حكومة بمشاركة بعض رموز المعارضة المدجنة ، ولكنها جاءت متأخرة ، ولم تترك بصماتها في تغيير المعادلة الداخلية وتوسيع قاعدة المشاركة الجدية وصولاً لإرساء معايير التعددية والديمقراطية وصناديق الاقتراع المفقودة ، بمعنى أوضح لم تكن المعالجات ولا الاصلاحات التي تمت وبادر إليها الرئيس كافية لإسكات أصوات المعارضة وحراكاتها .
وفي مواجهتها للمعارضة إعتمدت دمشق وراهنت على العوامل الثلاثة التالية :
أولاً : على قوة المؤسسة العسكرية والأمنية ، وتماسكها ، وديمومة ولائها للنظام ولرئيسه ، خاصة وأن الأنقسامات التي حدثت بين صفوفه قبل الموجة الأخيرة ، كانت هامشية ، ولم تؤثر على صلب المؤسسة العسكرية وتماسكها .
ثانياً :على توفر عوامل إقليمية مساندة يقف في طليعتها إيران وحزب الله وجزء من النظام العراقي ، وفروا لها روافع داعمة مادية ومعنوية ، وإحساس بالثقة ، لمواجهة خصوم إقليميين ودوليين ، يقفون داعمين إعلامياً ومالياً وسياسيا ، لقوى المعارضة المدنية والعسكرية على السواء .
ثالثاً : على المظلة الروسية الصينية ، التي حالت دون إصدار قرار من مجلس الأمن ، يسمح بالتدخل العسكري ، علناً ومباشرة ، كما حصل في تجربتي العراق وليبيا ، وخلاصة الموقف الروسي أن واشنطن خطفت العراق وليبيا في غفلة من اليقظة الروسية ، ولذلك فإن موسكو ومعها بكين لن تسمحا بتكرار ما جرى في العراق وليبيا ، كي يتكرر في سوريا ، مما وفر للنظام مصدراً قوياً للتصرف بمعزل عن القلق أو الرضوخ للضغوط ، أو الاستجابة للإملاءات ، الأميركية الأوروبية الخليجية .
ولكن على الرغم من إمتلاك دمشق لهذه العوامل الثلاثة الداخلية والأقليمية والدولية ، فقد فشلت في إخماد قوى المعارضة ، أو في إسكات صوت الحراكات أو ردعها ، او تقليص تمددها ، وسواء لدى النظام أو لدى المعارضة ، فالعامل الذاتي هو الأساس ، فإذا توفرت عوامل الإسناد للنظام من إيران وحزب الله وجزء من النظام العراقي ، فإن عوامل الإسناد لقوى المعارضة وللاحتجاجات وللحراكات المدنية والعسكرية ، من قبل الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا والمنظومة الخليجية عبر الضخ الأعلامي والمالي والعسكري والسياسي ، لا تقل أهمية وقوة وتنوعاً عن تلك التي يتلقاها النظام من حلفائه في المنطقة وعلى المستوى الدولي ، وهذا كله ترك أثره وبصماته الداخلية الملموسة ، وأدى إلى توسيع شبكة المعارضة وتوفير الروافع لها ، كي تتمكن ليس فقط من مواصلة نشاطها ، بل كي تكسب إنحيازات نوعية جديدة لصفوفها .
لقد كان هروب طيار الميغ إلى الأردن ، وتبعته سلسلة من عمليات الهروب لكبار الضباط ، والسفير السوري في بغداد هو فاتحة جدية ، ومؤشرات أولية ، على مأزق النظام ، وتصدع لدى مؤسسته العسكرية والأمنية والمدنية والدبلوماسية والحزبية ، وتلاها عملية تفجير مبنى الأمن القومي ، وسقوط رموز عسكرية قوية وبارزة ، بمستوى وزير الدفاع ونائبه ومستشار الرئيس العسكري ومسؤول الأمن القومي ، ليدلل على أن الضربات الموجعة ، وصلت إلى داخل البيت المغلق والمحصن .
فقدان آصف شوكت ، كواحد من ثلاثة أشخاص يقودون المؤسسة العسكرية هم الرئيس بشار وشقيقه ماهر وثالثهم آصف شوكت ، يعكس مدى الخسارة التي مني بها النظام نتيجة هذه العملية التفجيرية ، وبهذا الوضع ، يكون الوضع في سوريا في غاية الحرج ومربكاً ، ووصل إلى درجة لم يعد فيها ممكناً التوصل إلى حلول سياسية واقعية ، على غرار ما حصل في اليمن ، وأن التجربة الليبية هي المرشحة للتكرار ، بكل ما تحمل من خراب لسوريا ، وتدمير للجيش ، وفكفكة للجغرافيا والديمغرافيا السورية ، أسوة ، بل وقد يكون أسوأ مما حصل في العراق من حروب وتطهير طائفي متبادل .
الضربة التي تلقتها « خلية الأزمة « الأمنية ، انعكست مباشرة على الموقف الروسي الذي أعلنته وكالة انترفاكس الروسية الرسمية نقلاً عن مصدر عسكري ودبلوماسي رسمي بقولها « قررت روسيا إرجاء تسليم شحنة المروحيات القتالية إلى سورية حتى عودة الوضع الطبيعي إلى البلاد « وقيّم المصدر الروسي الذي نقلته الإنترفاكس « بأن قرار إرجاء تسليم المروحيات الى سوريا مرتبط بتدهور الوضع العسكري والسياسي في البلاد ، وبالاعتداء الإرهابي الذي قتل وجرح فيه عدد كبير من القادة العسكريين ، وزيادة الأعمال العسكرية للمعارضة « وعليه قررت السلطات الروسية أنها في هذه الظروف « لا تستطيع ضمان تسلم المروحيات بكل أمان « وأن سورية ستتسلم هذه المروحيات وأنظمة الدفاعات الجوية « بعد عودة الوضع إلى طبيعته « .
ضربة خلية الأزمة ، تلتها ضربة أخرى معنوية ومادية من قبل روسيا ، فمتى ستكون الضربة اللاحقة ضد النظام السوري وممن ؟؟.
عن الرأي