jo24_banner
jo24_banner

بين داليدا وصباح!

بين داليدا وصباح!
جو 24 : غاب الصباح، واحتجبت الشمس. صدى الكون يئنّ بحزن، يبكي رحيل من كانت تتراقص معه فوق الغيوم. صباح نور شمسك لن يغيب كغيرك من القامات الفنية الكبيرة التي بنت أساسها على الصخر. لا أدري لما اصطحبتني الذكريات مع رحيل صباح إلى فنانة سحرت الألباب بفنّها، وقدّمت روائع لا نزال نردّدها، هي "الديفا" داليدا.

داليدا هي صباح وصباح هي داليدا
في منتصف القرن العشرين، تحوّلت يولاندا إلى داليدا وجانيت إلى صباح من دون أن تدركا ما يخبّئه لهما القدر من رجال وشهرة ونجومية. شاء الزمن أن يجمع مسرح الأولمبيا في باريس "شمس الشموس" و"Mademoiselle Bambino" للنجومية والشهرة اللتين اكتسبتاها. فقد بدأت رحلة شحرورتنا الفنيّة في مطلع الأربعينات في فيلم "القلب له واحد". وبزغ نجم داليدا، ملكة جمال مصر السابقة، سنة 1956، بعد أن غنّت "بامبينو".
أحبّت كلّ من داليدا وصباح القاهرة: ترعرت الأولى في أحضانها بينما انطلقت نجومية الثانية من أهرامها. فكانت القاهرة، تتصارع مع باريس لجذب ابنة بلدها داليدا، وتتحايل على بيروت لاستمالة صباح وإغوائها. كانت مصر دائماً الحضن الدافئ والذراع المفتوحة في كلّ مرّة احتاجت النجمتان إلى حنان "أمّ الدنيا". وبعدما نجحت مصر في تبنّي صباح، أصبحت داليدا أخت الشحرورة، وتوأمها الإيطالي- الفرنسي.
أما إطلالة النجمتين فتشابهت، فكان التحول في لون شعرهما من الكستنائي إلى الجدايل الشقر الذهبية ليتوّجا ملكتين على المسرح وقلوب الملايين. كلتاهما حضور طاغ، وذكاء فني، وجمال آسر، وأناقة لافتة. طبعاً كل ذلك ما كان ليكتمل ويتوّج إلا بحنجرة الماسية ميزت نجمتين كلتيهما فصدحتا على الخشبة وتمايلتا فكانتا رمزاً للجرأة والأنوثة والإغواء. قدّمت داليدا كصباح الاستعراضات الفنيّة، ورقصت وغنّت، فكان حضورها يشبه حضور الشحرورة. طبعاً، كان لكلّ نجمة سحرها الخاص، ولكن كانت ترافقهما الهالة نفسها أو ذلك الضوء الساطع الجاذب الذي يحيق بهما.

تعدد الرجال
لا شك في أن الرجل كان أساسياً في حياة صباح وداليدا. فقد أمضت النجمتان حياتهما وهما يبحثان عن شريك يرافقهما ضمن مسيرتهما الفنية الصعبة والطويلة، ويكون الملجأ والملاذ الآمن والصدر الحنون. لأنها لم تجد فارس أحلامها، غامرت صباح مرّات ومرّات في عالم الذكور بحثاً عن الشريك المناسب، ولكن محاولاتها هذه باءت بالفشل. فبعد أنور منسي زوجها الأوّل ورشدي أباظة الذي اعترفت بأنه حبّ حياتها، جو حمود ونجيب شماس الذي كان يكبرها سناً، الشيخ عبدالله المبارك الكويتي وأحمد فراج الذي بغيرته قضى على زواجهما، النائب يوسف حمود ووسيم طبارة. رضخت صباح للواقع، فقدت أملها بإيجاد الحبّ، وتزوّجت من الراقص فادي لبنان لأنها تحتاج إلى صديق وشخص يدير أعمالها، وكان مرور سريع لملك جمال لبنان عمر محيو لإعطائه نوعاً من الدفع في مسيرته. أمّا داليدا فقد غنّت لرجالها "Les hommes de ma vie". لم يكن لوسيان موريس أوّل من اكتشفها فنياً فقط وحولها نجمة، بل كان أيضاً أوّل زوج لها. ولكن زواجها منه لم يطل، إذ طلّقته من أجل الارتباط بالرسام البولوني جان سوبياسكي، ثمّ انفصلت عن هذا الأخير للإعلان عن زواجها بلويجي تانكو الذي أحبّته بجنون والذي آلمها انتحاره. ولأنها لم تتمكن من الزواج منه وحبها الكبير له، حاولت الانتحار غير أن محاولتها باءت بالفشل. حبّها لريشار شانفراي بعث الحياة في نفسها من جديد، فأمضت أسعد اللحظات معه. وكما لفت صباح عمر محيو الذي يصغرها بالسنّ، عشقت داليدا تلميذاً رومانياً غنّت له « Il venait d'avoir 18 ans ».
المحطة الأخيرة: السماء

كانت خيبة أمل صباح وداليدا بالقدر بداية رحلتهما إلى عالم العزلة والوحدة. فعلى الرغم من الشهرة الواسعة التي اكتسبتاها، كانت حياتهما الشخصية مليئة بالعواصف. عاشت داليدا مثل صباح سنواتها الأخيرة بعيداً من أنظار الناس وغدرهم وخيانتهم، فغنّت "Avec le temps" وردّت صباح "ساعات ساعات". ولكن بعكس الشحرورة التي على الرغم من الصعاب التي واجهتها في حياتها تمسكت بالحياة، تمنّت داليدا الموت. تمنّت الموت على خشبة المسرح، تحت الأضواء، فصرخت "Moi je veux mourir sur scène". لم تحتمل داليدا قسوة القدر وظلم الحياة فاختارت الانتحار خلاصاً لعذاباتها. رحلت مع نسائم الربيع، تاركة رسالة وحيدة "سامحوني، لم أعد أتحمل الحياة". رحلت صباح الإشراقة الدائمة موصية بأن يكون يوم دفنها عرساً غير سامحة للحزن بأن يهزمها حتى بمماتها.النهار


تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير