الجبهة الوطنية ما بين الواقعية السياسية والدفع نحو الحائط
أكثر من قيادي حزبي ، من قيادات الأحزاب اليسارية والقومية ، أكد أن موقف الأحزاب الخمسة البعث الاشتراكي ، والبعث التقدمي ، والشعب الديمقراطي ، والشيوعي والحركة القومية للديمقراطية المباشرة ، ما زالت ضد التسرع في اتخاذ قرار نهائي بالمقاطعة لانتخابات مجلس النواب المقبل ، وأنها ليست في عجلة من أمرها ، وأن القانون لم يستكمل خطواته الدستورية بعد ، وأن التطورات السياسية الجارية محلياً وعربياً ، قد تدفع باتجاه قرار سياسي أكثر استجابة لمطالب المعارضة.
وأكدوا تعليقاً على القرار الذي صدر عن اللجنة التنفيذية للجبهة الوطنية ، أن التباين في الرؤية بين مكونات الجبهة الثلاثة يتمحور حول أداة الضغط ، فالذين يدعون للمقاطعة يعتبرون التوجه لمقاطعة الانتخابات بمثابة أداة ضغط باتجاه إجراء المزيد من التعديلات على القانون ، بينما الذين يطالبون بالتريث يعتبرون أن التلويح بالمقاطعة هو السلاح الضاغط باتجاه العمل نحو التعديل دون التسرع بإعلان المقاطعة ، ولذلك جاء قرار لجنة التنسيق للأحزاب اليسارية والقومية أكثر دقة في التعبير عن موقفها في رفض القانون دون الإعلان عن قرار المقاطعة .
النائب عبلة أبو علبة ، أمين عام حزب الشعب الديمقراطي الأردني ، ردت على المهندس وائل السقا العضو القيادي في حركة الأخوان المسلمين ، في اجتماع قيادة الجبهة الوطنية للاصلاح ما قبل الأخير ، حين طالبها بتقديم استقالتها من مجلس النواب ، احتجاجاً على قانون الانتخاب " صوت للدائرة المحلية وصوت للدائرة الوطنية " الذي قدمته الحكومة ، وشرعه مجلسا النواب والأعيان ، ردت عليه بالقول :
" لقد شاركتم بمجلس النواب الثاني عشر ، الذي جرى انتخابه وفق قانون مؤقت ، قانون الصوت الواحد ، ولم تبادروا بصياغة مشروع قانون بديل لا في المجلس الحادي عشر وكان رئيسه من طرفكم ، عبد اللطيف عربيات ، وكنتم 26 نائباً ، ولا في الثاني عشر وكان لكم 16 نائباً ، وفي ذلك المجلس جرى التوقيع على معاهدة السلام الأردنية الاسرائيلية ، وتمت المصادقة عليها من قبل مجلس النواب ، بحضوركم ومشاركتكم واكتفيتم بالتصويت ضدها ، كما فعلنا نحن الأن بشأن قانون الانتخاب ، وأكثر من ذلك لقد تم تمرير قانون الضريبة المضافة " ضريبة المبيعات " بموافقتكم ورضاكم ، وهو أول قانون تم تشريعه في الأردن ، وأول لقاء تم بين وزير المالية آنذاك سامي قمو مع الكتل البرلمانية في قاعة الصور لتمرير قانون المبيعات المضافة ، تم مع كتلة الأخوان المسلمين ، وكان حصيلة اللقاء ما وعد به النائب إبراهيم زيد الكيلاني باسم كتلتكم لوزير المالية " عيّ الخير " حيث جرى التصويت والموافقة على قانون ضريبة المبيعات بالأغلبية البرلمانية يوم 1/6/1994 .
وردت أبو علبة على رئيس الجبهة أحمد عبيدات بقولها :
" أنت يا باشا أخر من يحق له المطالبة بمقاطعة الانتخابات ، فأنت ابن هذا النظام ، وأنت كبرت عبر مؤسساته ، ونحن قبلنا بك رئيساً للجبهة ، من أجل أن تكون أداة تفاهم وتوسط وإسناد للواقعية السياسية ، لا أن تنحاز للقطيعة بيننا وبين مؤسسات الدولة ، نحن ضد القانون بصيغته الحالية ولكننا نطالب بعدم اتخاذ قرار بالمشاركة أو بالمقاطعة ، ليس فقط لأننا نرغب باستشارة قواعدنا الحزبية ، بل لأننا ضد التسرع والقطيعة ، والوصول إلى الحائط ، ولذلك عليك أن تكون أداة مناورة من أجل تحسين القانون ، لا أن نطلق الطلقة الوحيدة التي نملكها بإعلان المقاطعة كما يرغب الأخوة في حركة الأخوان المسلمين ، ونصل للحائط وهذا ما لا نريده ولا نسعى له .
وردت على بعض الشخصيات المطالبة بالمقاطعة بقولها : أما بشأن بعض الشخصيات التي تجلس هنا ( وهي تقصد الشخصيات المستقلة ، ولم تسمهم بالشخصيات المستقلة ، ولكنها اكتفت حسب محضر الاجتماع بوصفهم الشخصيات ) فبعضهم لم يتردد بالاستجابة للمشاركة بحكومة معروف البخيت ، ولم يستشيروا قيادة الجبهة ، ولم يحترموا خصوصيتها كقوة سياسية معارضة ، وسارعوا للالتحاق بالحكومة ، ونحن لا نحسدهم ولم نقف ضدهم فهذا شأنهم وقرارهم ولكننا نذكّر بذلك ، حتى لا يغمز أحد من قناتنا ، أو يسعى للمزايدة علينا ، إلا إذا اعتبرتونا قلة ضعيفة لا قيمة لها ولا تتعدى حمولة سيارة " بكب " على حد وصف وزير الداخلية الأسبق نذير رشيد .
أما بخصوص القوى والشخصيات الأخرى من خارج الجبهة فقالت أبو علبة : هناك شخصيات تشاركنا الموقف في تقييمنا للقانون ، ولكنها ترفض التسرع ولا تستجيب لمنطق المقاطعة ويقف في طليعة هؤلاء حزب التيار الوطني برئاسة العين عبد الهادي المجالي ، وهو حزب له اعتبار ومكانة لا يستهان بمن يؤيده ويقف إلى جانبه ، وكذلك حزب الجبهة الأردنية الموحدة الذي بعث برسالة إلى جلالة الملك يُطالب فيها حرفياً: بعدم الموافقة على التعديلات التي أجريت على القانون الذي تم تقديمه لأنه قانون غير منتج وغير مجد وسوف يقسم ولا يجمع ، ويزيد من قوة الحراك ، ويعطي كل المبررات لمن لا يريد أن يعارض، كي تدفعه لأن يعارض " .
لم تكن مداخلة عبلة أبو علبة ، مداخلة شخصية تستهدف إظهار قوة المرأة على الرجل ، وتقديم الحجة المقنعة للحضور من الاخوان المسلمين ورئيس الجبهة عبيدات والشخصيات المستقلة ، بقدر ما عبرت مداخلتها عن أزمة الجبهة الوطنية ، ووجود موقفين لدى قيادتها والأطراف المشاركة فيها ، فالخلاف بين صفوفها ليس إجرائياً يتطلب سرعة البت ، أو تباطؤاً في اتخاذ القرار ، بقدر ما يعكس حالة منهجية ، بين حركة الاخوان المسلمين من طرف والقوى القومية واليسارية من طرف أخر ، فلكل منهما رؤيته في معالجة القانون والتصدي له ، وتوسيع شبكة المعارضة ، فالاخوان المسلمين ، يسعون لكسر عظم مع الحكومة والمؤسسات الرسمية ، والأحزاب اليسارية والقومية تسعى للتفاهم والحوار وممارسة الضغط ودفع القوى المحافظة كي تكون أكثر استجابة لمتطلبات التغيير والاصلاح مما هي عليه وفيه ، وعبلة أبو علبة في هذه المداخلة عبرت عن موقف منير حمارنه وأكرم الحمصي وفؤاد دبور الذي كان يهز رأسه بقوة أمام المجتمعين ليس مؤيداً فقط لما كانت تقوله ، بل لشجاعتها ودقتها في بق البحصة أمام الكبار العتاولة من السياسيين المحترمين من ذوي الخبرة في المعارضة الحزبية والسياسية في بلادنا.