تسليح الضفة الغربية
عريب الرنتاوي
جو 24 : ازداد الحديث مؤخراً عن “تسليح” الضفة الغربية، ونقل خيار “المقاومة المسلحة” من غزة إليها ... المرشد الأعلى للثورة الإسلامية تعهد بذلك، وتلت تصريحاته بهذا الشأن، سلسلة من التصريحات لكبار المسؤولين في الحرس الثوري وفيلق القدس، فصائل فلسطينية رفعت شعار نقل المقاومة إلى الضفة، الدكتور محمود الزهار دعا أهل غزة لإطلاق النار على رأسه إن لم ينجح وصحبه في تحقيق هذا الهدف، خلايا ومحاولات وعمليات في الضفة تدار من قيادة حماس في الخارج، وتحديداً من إسطنبول، كما تقول تقارير فلسطينية وإسرائيلية، إلى غير ما هنالك.
المقاومة بكافة أشكالها، بما فيها المقاومة المسلحة، حق مشروع لشعب يرزح تحت الاحتلال، كفلته مختلف الشرائع السماوية والوضعية وأبقته الشرعية الدولية خياراً متاحاً للشعوب المقهورة، مع أنها لم تجعل منه “صنماً” يُعبد، فاللجوء إلى هذا الخيار، ومن باب “أبغض الحلال”، يستدعي توافر جملة من الظروف والشروط، الموضوعية والذاتية، والمسألة برمتها تخضع لميزان الربح والخسارة الدقيق، والحق قد يُؤخذ به وقد يعلق أو يجمد إلى حين، والقرار بذلك سياسي بامتياز.
انسداد خيار المفاوضات وتآكل “حل الدولتين” وإخفاق الوسيط الأمريكي الحصري في الوصول إلى حل تفاوضي بعد عشرين عاماً من “العبث” والمماطلة والتسويف، هو العامل الرئيس الكامن وراء تجدد الدعوات لـ “تسليح” الضفة ونقل المقاومة إليها ... وأسهم الصمود البطولي لقطاع غزة في وجه العدوانات الإسرائيلية المتكررة خلال السنوات الست الفائتة، في تشجيع أطراف عديدة على التفكير بهذا الخيار والدعوة إليه مجدداً.
لكن المراقب عن كثب لمشهد الانقسام الفلسطيني الداخلي، لا تفوته ملاحظة أن مثل هذه الدعوات، إنما تأتي في سياق “الصراع الفلسطيني الداخلي”، وليس في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي أساساً ... فالحديث عن “المقاومة الشعبية السلمية” ينتعش في مناخات المصالحة والوفاق الوطنيين، أما الأصوات الداعية للتسلح والتسليح والمقاومة في الضفة، فترتفع بقوة، في لحظات التراشق السياسي والإعلامي بين فتح وحماس، وغالباً لأهداف تتعلق بتفكيك قبضة السلطة على الضفة (إن جاز الحديث بهذه اللغة في الحالة الفلسطينية)، وخلق مناخات داخلية تسهم في إضعافها وتساعد في تقوية فريق على حساب فريق آخر، وهنا نتحدث عن حماس في مواجهة فتح تحديداً.
ثمة ما يشبه الإجماع الفلسطيني على انسداد أفق التفاوض والرعاية الأمريكية للمفاوضات، من هنا جاء التوجه إلى مجلس الأمن بمشروع قرار يتضمن خطة لإنهاء الاحتلال وبناء الدولة وحل القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها، وفي هذا السياق جاء الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، داعماً لهذا التوجه ... والحقيقة أن هذه الخطوة يجب تدعيمها وتشجيعها، وهذا ما ينادي به فريق من حماس كذلك (تصريحات أحمد يوسف على سبيل المثال)، بيد أن هذا التوجه لوحده، وبفرض نجاحه في تخطي الفيتو الأمريكي والحصول على أغلبية مناسبة في مجلس الأمن، لن يكون كافياً لإرغام إسرائيل على انهاء احتلالها المديد، فهي بحاجة لخطوات أخرى أكثر أهمية، من بينها استكمال عضوية فلسطين في مختلف المنظمات والمعاهدات والمحافل الدولية، وإطلاق مقاومة شعبية سلمية، جماهيرية وواسعة النطاق، وعلى امتداد خطوط التماس مع الاحتلال والاستيطان في الضفة والقدس، فضلاً عن ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وانهاء حالة الانقسام المكلف.
مثل هذه “الاستراتيجية”، يمكن أن تنجح في تطوير “الصحوة الدولية” التي بدأت في القارة اللاتينية وامتدت إلى السويد، وتردد صداها في برلمانات كل من بريطانيا واسبانيا وإيرلندا وفرنسا، وهي “صحوة” مرشحة للاتساع والتجذر، وتنذر بنزع الشرعية عن الاحتلال، كياناً ومستوطنات وممارسات، وتوفر فرصة لوضع إسرائيل في ذات الخانة التي وجد نظام الفصل العنصري نفسه فيها، قبيل سنوات قلائل من انهياره.
لقد أظهرت ثورات الربيع العربي أن للمقاومة الشعبية السلمية لملايين المواطنين قوة ثورية هائلة، قادرة على تغيير الأنظمة والمعادلات، والمؤكد أنها في الحالة الفلسطينية، ستكون قادرة على إنهاء الاحتلال إذا ما استكملت شروطها وعناصر استمرارها، مستفيدة مما توفره أشكال النضال الأخرى في الميادين السياسية والدبلوماسية والحقوقية من أوراق قوة، لا يجوز بحال الاستهانة بأثرها وتأثيرها، ومدعومة بمناخات دولية مواتية تماماً.
نخشى أن يفضي الانقسام الفلسطيني الداخلي من جهة، ورغبة أطراف إقليمية في الدخول على خط الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إلى وضع الضفة الغربية أمام خيارات ليست جاهزة للتعامل معها، وبصورة تنعكس بأوخم العواقب على فلسطينيي هذه المناطق، في لحظة إقليمية شديدة الحرج، تتمثل في صعود دور الحركات الأصولية المتطرفة والجهادية، وتفشي ظاهرة اللجوء والنزوح والتهجير القسري لملايين السوريين والعراقيين والليبيين ... نخشى أن نكون أمام مغامرات غير محسوبة، تنتهي بنا إلى “نكبة” ثانية، يجري فرضها على الشعب الفلسطيني تحت ستار الحروب والمعارك الطاحنة التي تشهدها المنطقة، فـ “النكبة” الأولى لم تتجل في ضياع الأرض أساساً، بل في هجرة سكانها الأصليين، وتحولهم إلى جيوش من اللاجئين والنازحين في أوطانهم، والمنافي القريبة والبعيدة.
الحالة الإقليمية والدولية المحيطة بالقضية الفلسطينية مواتية تماماً لاختبار خيار المقاومة الشعبية السلمية واسعة النطاق، واستكمال عضوية فلسطين في مختلف المحافل، ومطاردة إسرائيل في كل الساحات والميادين، أما خيار تسليح الضفة وعسكرتها، فأحسب أنه مقامرة غير محسوبة، ودوافعها تكمن في “مطارح” أخرى، من الصراع الفلسطيني الداخلي إلى حروب المذاهب والمحاور، وصراع الضواري على الأدوار وتقاسم النفوذ المشتعل إقليمياً.
الدستور
المقاومة بكافة أشكالها، بما فيها المقاومة المسلحة، حق مشروع لشعب يرزح تحت الاحتلال، كفلته مختلف الشرائع السماوية والوضعية وأبقته الشرعية الدولية خياراً متاحاً للشعوب المقهورة، مع أنها لم تجعل منه “صنماً” يُعبد، فاللجوء إلى هذا الخيار، ومن باب “أبغض الحلال”، يستدعي توافر جملة من الظروف والشروط، الموضوعية والذاتية، والمسألة برمتها تخضع لميزان الربح والخسارة الدقيق، والحق قد يُؤخذ به وقد يعلق أو يجمد إلى حين، والقرار بذلك سياسي بامتياز.
انسداد خيار المفاوضات وتآكل “حل الدولتين” وإخفاق الوسيط الأمريكي الحصري في الوصول إلى حل تفاوضي بعد عشرين عاماً من “العبث” والمماطلة والتسويف، هو العامل الرئيس الكامن وراء تجدد الدعوات لـ “تسليح” الضفة ونقل المقاومة إليها ... وأسهم الصمود البطولي لقطاع غزة في وجه العدوانات الإسرائيلية المتكررة خلال السنوات الست الفائتة، في تشجيع أطراف عديدة على التفكير بهذا الخيار والدعوة إليه مجدداً.
لكن المراقب عن كثب لمشهد الانقسام الفلسطيني الداخلي، لا تفوته ملاحظة أن مثل هذه الدعوات، إنما تأتي في سياق “الصراع الفلسطيني الداخلي”، وليس في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي أساساً ... فالحديث عن “المقاومة الشعبية السلمية” ينتعش في مناخات المصالحة والوفاق الوطنيين، أما الأصوات الداعية للتسلح والتسليح والمقاومة في الضفة، فترتفع بقوة، في لحظات التراشق السياسي والإعلامي بين فتح وحماس، وغالباً لأهداف تتعلق بتفكيك قبضة السلطة على الضفة (إن جاز الحديث بهذه اللغة في الحالة الفلسطينية)، وخلق مناخات داخلية تسهم في إضعافها وتساعد في تقوية فريق على حساب فريق آخر، وهنا نتحدث عن حماس في مواجهة فتح تحديداً.
ثمة ما يشبه الإجماع الفلسطيني على انسداد أفق التفاوض والرعاية الأمريكية للمفاوضات، من هنا جاء التوجه إلى مجلس الأمن بمشروع قرار يتضمن خطة لإنهاء الاحتلال وبناء الدولة وحل القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها، وفي هذا السياق جاء الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، داعماً لهذا التوجه ... والحقيقة أن هذه الخطوة يجب تدعيمها وتشجيعها، وهذا ما ينادي به فريق من حماس كذلك (تصريحات أحمد يوسف على سبيل المثال)، بيد أن هذا التوجه لوحده، وبفرض نجاحه في تخطي الفيتو الأمريكي والحصول على أغلبية مناسبة في مجلس الأمن، لن يكون كافياً لإرغام إسرائيل على انهاء احتلالها المديد، فهي بحاجة لخطوات أخرى أكثر أهمية، من بينها استكمال عضوية فلسطين في مختلف المنظمات والمعاهدات والمحافل الدولية، وإطلاق مقاومة شعبية سلمية، جماهيرية وواسعة النطاق، وعلى امتداد خطوط التماس مع الاحتلال والاستيطان في الضفة والقدس، فضلاً عن ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وانهاء حالة الانقسام المكلف.
مثل هذه “الاستراتيجية”، يمكن أن تنجح في تطوير “الصحوة الدولية” التي بدأت في القارة اللاتينية وامتدت إلى السويد، وتردد صداها في برلمانات كل من بريطانيا واسبانيا وإيرلندا وفرنسا، وهي “صحوة” مرشحة للاتساع والتجذر، وتنذر بنزع الشرعية عن الاحتلال، كياناً ومستوطنات وممارسات، وتوفر فرصة لوضع إسرائيل في ذات الخانة التي وجد نظام الفصل العنصري نفسه فيها، قبيل سنوات قلائل من انهياره.
لقد أظهرت ثورات الربيع العربي أن للمقاومة الشعبية السلمية لملايين المواطنين قوة ثورية هائلة، قادرة على تغيير الأنظمة والمعادلات، والمؤكد أنها في الحالة الفلسطينية، ستكون قادرة على إنهاء الاحتلال إذا ما استكملت شروطها وعناصر استمرارها، مستفيدة مما توفره أشكال النضال الأخرى في الميادين السياسية والدبلوماسية والحقوقية من أوراق قوة، لا يجوز بحال الاستهانة بأثرها وتأثيرها، ومدعومة بمناخات دولية مواتية تماماً.
نخشى أن يفضي الانقسام الفلسطيني الداخلي من جهة، ورغبة أطراف إقليمية في الدخول على خط الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إلى وضع الضفة الغربية أمام خيارات ليست جاهزة للتعامل معها، وبصورة تنعكس بأوخم العواقب على فلسطينيي هذه المناطق، في لحظة إقليمية شديدة الحرج، تتمثل في صعود دور الحركات الأصولية المتطرفة والجهادية، وتفشي ظاهرة اللجوء والنزوح والتهجير القسري لملايين السوريين والعراقيين والليبيين ... نخشى أن نكون أمام مغامرات غير محسوبة، تنتهي بنا إلى “نكبة” ثانية، يجري فرضها على الشعب الفلسطيني تحت ستار الحروب والمعارك الطاحنة التي تشهدها المنطقة، فـ “النكبة” الأولى لم تتجل في ضياع الأرض أساساً، بل في هجرة سكانها الأصليين، وتحولهم إلى جيوش من اللاجئين والنازحين في أوطانهم، والمنافي القريبة والبعيدة.
الحالة الإقليمية والدولية المحيطة بالقضية الفلسطينية مواتية تماماً لاختبار خيار المقاومة الشعبية السلمية واسعة النطاق، واستكمال عضوية فلسطين في مختلف المحافل، ومطاردة إسرائيل في كل الساحات والميادين، أما خيار تسليح الضفة وعسكرتها، فأحسب أنه مقامرة غير محسوبة، ودوافعها تكمن في “مطارح” أخرى، من الصراع الفلسطيني الداخلي إلى حروب المذاهب والمحاور، وصراع الضواري على الأدوار وتقاسم النفوذ المشتعل إقليمياً.
الدستور