المسجد الأقصى يواجه تهديدا وجوديا غير مسبوق بموسم الأعياد التوراتية



رجح تقدير موقف صادر عن مؤسسة القدس الدولية تجدد الفعل الشعبي المقاوم مع تصاعد محاولات الاحتلال الإسرائيلي للإحلال الديني في المسجد الأقصى ومحاولات تصفية هوية المسجد المبارك. يأتي ذلك في ظل العدوان على الضفة الغربية وتصاعد المقاومة فيها واستمرار حرب الإبادة ضد غزة والتصعيد في جبهات الإسناد.

ويشير التقدير -الذي أعده الباحث المتخصص في شؤون القدس والمسجد الأقصى زياد ابحيص- أن موسم الأعياد اليهودية هذا العام يأتي في الفترة من 3 إلى 24 أكتوبر/تشرين الأول، وستتلوه مباشرة الذكرى العبرية الأولى لعملية طوفان الأقصى التي ستوافق صباح الجمعة (25 أكتوبر/تشرين الأول).

ورجح أن يكون هذا الموسم أعتى مواسم العدوان على الأقصى، مشيرا إلى أن القيادة الإسرائيلية تتعامل مع هذه الذكرى بوصفها نقطة معالجة "عقدة 7 أكتوبر"، وأن الاحتلال قد يخطط لهجوم متعدد الجبهات يومي الأربعاء والخميس 24 و25 من الشهر المقبل؛ وهذا يجعل من الضروري الاستعداد لهذا الاحتمال بل والتفكير في إمكانية استباقه لتعزيز العقدة.

طوفان الأقصى بمواجهة التصفية

يرى التقدير أنّ عملية طوفان الأقصى كانت سادس محطّات التصدي الفلسطينية في مواجهة مرحلة الحسم التي أطلقها الاحتلال الإسرائيلي بدعم أميركي بهدف التصفية الشاملة لقضية فلسطين، وهي المرحلة التي بدأت من إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل في السادس من ديسمبر/كانون الأول عام 2017.

وتبع ذلك حملة الشيطنة وسحب التمويل على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لتصفية حق العودة، وسحب الاعتراف بجميع أشكال التمثيل السياسي للشعب الفلسطيني حتى ما كان متماهيا مع جميع "الشروط الاستعمارية".

ثم تلا ذلك، إعلان صفقة القرن في يناير/كانون الثاني عام 2020، التي تعرض إعادة إنتاج قضية فلسطين بوصفها قضية تمويل مقابل الأمن، وليتوج ذلك بتطبيع عربي رسمي على جبهات عديدة شملت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان فيما عرف بـ"الاتفاقيات الإبراهيمية".

هجوم ثأري

بيّن التقدير أن الاحتلال رد على الطوفان بهجوم ثأري مندفع ثم ببلورة إستراتيجية الحسم، وهي إستراتيجية أيديولوجية تعاند موازين القوى لكنها تشكل الكل المتماسك الذي يفسر منهجية خوض إسرائيل للحرب على مختلف الجبهات.
وهي كالتالي:
جبهة الأقصى ويتجلى فيها الإحلال الديني ومحاولة تأسيس "الهيكل" المزعوم.
جبهة حرب الإبادة في غزة.
جبهة مشروع التهجير في الضفة الغربية.
جبهة الخارج بمحاولة إنهاء حق العودة بدءا من تقويض الأونروا، وسياسيا بإنهاء جميع أشكال التمثيل السياسي للشعب الفلسطيني، ومع دول التطبيع العربي بإلحاقها بالهيمنة الإسرائيلية على أساس اصطفاف إقليمي جديد ضد إيران.

ويشير التقدير إلى أن المسجد الأقصى يشكل بوابة معركة الحسم، وتنظر إليه الصهيونية الدينية بوصفه النقطة الأصعب التي إذا ما حُسمت تفتح بوابة على بقية الجبهات، وهذا ما يجعلها "بوابة إلحاق الهزيمة وفرض اليأس الصهيوني من إمكانية الحسم، ويجعل معركة الأقصى معركة وجود".

موسم الأعياد التوراتية

وقد أوضح التقدير بأن جماعات الهيكل المتطرفة التي تنشط ضمن تيار الصهيونية الدينية للعدوان على المسجد الأقصى، قد اتخذت عبر تاريخ صعودها من مواسم الأعياد التوراتية الدينية أو القومية الصهيونية مواسم للعدوان على الأقصى ومحاولة تغيير هويته من مسجد إسلامي خالص إلى مقدس يهودي خالص مرورا بمرحلة من التقاسم.

كما كرست تلك الجماعات المتطرفة موسم الأعياد الممتد من رأس السنة العبرية وحتى "عيد ختمة التوراة" على أنه موسم العدوان الأسوأ على المسجد الأقصى في كل عام، وسيأتي هذا العام ممتدا ما بين 3 و25 أكتوبر/تشرين الأول القادم.

ويبيّن التقدير أن هذه التجربة التاريخية أدت إلى انطلاق 5 انتفاضات وحروب من بوابة الأقصى بالتزامن مع موسم الأعياد هذا تحديدا، بدءا من مجزرة الأقصى 1990 التي تزامنت مع هذه الأعياد، مرورا بهبة النفق 1996 وانتفاضة الأقصى 2000 ثم هبة السكاكين 2015 وصولا إلى طوفان الأقصى.

ومع اندفاع الاحتلال الإسرائيلي وجماعاته المتطرفة نحو الحسم، فإن موسم الثورات هذا مرشح لأن يتجدد بالنظر إلى الظروف القائمة اليوم على الأرض.

العدوان على الأقصى

يتوقع التقدير أن ترعى شرطة الاحتلال أكبر عدوان على المسجد الأقصى في موسم الأعياد العبرية القادم، وستحاول فيه فرض كامل الطقوس التوراتية العلنية لكل عيدٍ، وتجديد حصار المسجد الأقصى لتفتتحه.

كما تحاول استدامته هذا الوضع حتى رمضان القادم، أسوة بتجربة العام الماضي مستفيدة من تراجع أعداد الوافدين إليه شتاء.

ومن خلال ذلك تكرس شرطة الاحتلال الاستفراد الكامل بالساحة الشرقية وستحاول توسيع مساحة أداء الطقوس التوراتية إلى الجهة الغربية للأقصى مقابل البائكة الغربية لتصبح مساحة جديدة للاستفراد، مع تجديد تجربة رقص المستوطنين على الأبواب والسيطرة الصوتية عليه.

ويرى التقدير أنّ الوصول إلى سقف الطقوس المعلن يعني استعراض نفخ البوق المكرر علنا يوم الخميس (الثالث من أكتوبر/تشرين الأول)، ويوم الأحد (13 أكتوبر/تشرين الأول)، ويتوقّع أن يتكرر نفخ البوق مرارا وعلنا داخل الأقصى وعلى أبوابه وحول أسواره.

كما يرجح اقتحام الأقصى بـ"ثياب التوبة" البيضاء التي تحاكي ثياب طبقة الكهنة وأداء صلوات "بركات الكهنة" في الأقصى علنا، وفرض القرابين النباتية أو "ثمار العرش" في المسجد الأقصى، وصولا إلى أداء طقوس "زفاف التوراة" في الأقصى في 24 أكتوبر/تشرين الأول لتتويج العدوان بطقوس تجسد صورة النصر بعد عامٍ من انطلاق طوفان الأقصى.

مجالات التحرك

يخلص التقدير في الختام، إلى أن المسجد الأقصى يواجه ذروة التهديد الوجودي الذي يمكن أن يشهده منذ احتلاله، "وهذا يفرض ضرورة الانخراط في معركة الدفاع عنه بكل وسائل المقاومة الممكنة، على مستوى الشعب الفلسطيني في كل مناطق وجوده وعلى مستوى دول الطوق وكل شعوب الأمة العربية والإسلامية".

ويدعو تقدير الموقف إلى الضغط على النظام العربي الرسمي للحصول على أي موقف إيجابي ووقف تدهور سقوف موقفه.

كما إلى إطلاق أكبر حملة تعبئة وتوعية في تاريخ حملات التفاعل مع المسجد الأقصى منذ اليوم وحتى نهاية يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول القادم.



(الجزيرة)