تلاميذ الصف الرابع الابتدائي!
حلمي الأسمر
جو 24 : هذه الحادثة وقعت قبل سنوات من اندلاع ثورات الربيع العربي، وفي فترة كانت الشعوب العربية تبدو خانعة مستسلمة، لا يعنيها من الشأن العام إلا ما يملأ بطونها بالثريد!
جاء في القصة، كما رواها لي مدير عام إحدى المدارس الخاصة، أنه فوجىء ذات يوم بطلب ملح جدا من عدد من طلاب الصف الرابع الابتدائي لمقابلته، مع العلم أن لديهم مدير مدرسة يستطيعون مناقشة أي مشكلة تخصهم معه، إلا أنهم أصروا أن يروا مدير عام المدراس «شخصيا» الذي لم يجد بدا من الموافقة على هذه المقابلة، يقول المدير، انه فوجىء بنحو عشرة تلاميذ يصطفون بانضباط شديد أمام مكتبه، يقودهم أصغرهم حجما، وربما سنا، وما أن أطل عليهم المدير حتى صاح «قائدهم»: لا لمعلم اللغة العربية، فيما ردد الطابور نفس الشعار، وكرروه مرات عدة، ويروي المدير أنه تقبل «المظاهرة» الصغيرة الطريفة بصدر رحب، وقال لهم انه موافق على مطلبهم، ولكن لماذا؟ فلم يسمع غير: «لا لمعلم اللغة العربية!» وتكرر الشعار، فقال لهم: لا بأس، انصرفوا وسنتصرف، وطلب منهم الخروج من الباب الثاني لمكتبه، فصاح القائد: «لا للباب الثاني!» وردد «الجمهور» الشعار ذاته، فضحك المدير، وقال لهم اخرجوا من حيث تريدون!
سألت المدير: وهل نفذت مطلب المظاهرة؟ أعني هل غيرت مدرس اللغة العربية؟ قال لي: طبعا، سأكون مجنونا لو لم أفعل! لم أسترسل بالحوار، فقد تقاطرت علي الأفكار من كل حدب وصوب، وسألت نفسي كم مدرس لغة عربية، وإنجليزية وجغرافيا وتاريخ و.. يستحقون أن يُقال في وجوههم: «لا» كبيرة جدا؟؟ بل كم «شخصا!» يتسلم مسؤولية ما لا يجد من يقول يرفع رأسه أمامه، فما بالك بالمطالبة بإقالته؟ بل كم يوجد بيننا من «مواطنين!» يتحلون بـ «رجولة!» ذلك الفتى ابن الصف الرابع الابتدائي، وصحبه، ممن يمتلكون الشجاعة الكافية للتعبير عن رأيهم، وكم بيننا من «مسؤولين» بوسعهم تحمل سماع هذا الرأي، على نحو ما فعل ذلك المدير العام؟! دون أن يبيتوا في أنفسهم «نية» البطش والتنكيل بمن يخطر بباله أن يبوح بمكنون صدره؟
كم تمنيت أن يتحول الشعب العربي كله إلى تلاميذ في الصف الرابع الابتدائي، في تلك المدرسة العظيمة، وكم تمنيت أن نستنسخ من ذلك المدير «نماذج» من المسؤولين الذين لا يضيق صدرهم بالرأي الآخر، بل يسعون بأنفسهم للتفتيش عن أصحاب الآراء الحرة، فيقربونهم إليهم ويحرصون على سماعهم، ولا يجمعون حولهم من هو مدمن على قول «نعم» في السراء والضراء، في المنشط والمكره، في الصواب والخطأ!
لعل الشعوب العربية تتعلم أن نقول لا لكل من يقهرها ويصادر حياتها وحرياتها ويلغي إنسانيتها، ولا يسمع غير صوته وصوت من يقلد صوته، أو يمشي مشيته!
لا وألف لا لمعلم اللغة العربية!
(الدستور)
جاء في القصة، كما رواها لي مدير عام إحدى المدارس الخاصة، أنه فوجىء ذات يوم بطلب ملح جدا من عدد من طلاب الصف الرابع الابتدائي لمقابلته، مع العلم أن لديهم مدير مدرسة يستطيعون مناقشة أي مشكلة تخصهم معه، إلا أنهم أصروا أن يروا مدير عام المدراس «شخصيا» الذي لم يجد بدا من الموافقة على هذه المقابلة، يقول المدير، انه فوجىء بنحو عشرة تلاميذ يصطفون بانضباط شديد أمام مكتبه، يقودهم أصغرهم حجما، وربما سنا، وما أن أطل عليهم المدير حتى صاح «قائدهم»: لا لمعلم اللغة العربية، فيما ردد الطابور نفس الشعار، وكرروه مرات عدة، ويروي المدير أنه تقبل «المظاهرة» الصغيرة الطريفة بصدر رحب، وقال لهم انه موافق على مطلبهم، ولكن لماذا؟ فلم يسمع غير: «لا لمعلم اللغة العربية!» وتكرر الشعار، فقال لهم: لا بأس، انصرفوا وسنتصرف، وطلب منهم الخروج من الباب الثاني لمكتبه، فصاح القائد: «لا للباب الثاني!» وردد «الجمهور» الشعار ذاته، فضحك المدير، وقال لهم اخرجوا من حيث تريدون!
سألت المدير: وهل نفذت مطلب المظاهرة؟ أعني هل غيرت مدرس اللغة العربية؟ قال لي: طبعا، سأكون مجنونا لو لم أفعل! لم أسترسل بالحوار، فقد تقاطرت علي الأفكار من كل حدب وصوب، وسألت نفسي كم مدرس لغة عربية، وإنجليزية وجغرافيا وتاريخ و.. يستحقون أن يُقال في وجوههم: «لا» كبيرة جدا؟؟ بل كم «شخصا!» يتسلم مسؤولية ما لا يجد من يقول يرفع رأسه أمامه، فما بالك بالمطالبة بإقالته؟ بل كم يوجد بيننا من «مواطنين!» يتحلون بـ «رجولة!» ذلك الفتى ابن الصف الرابع الابتدائي، وصحبه، ممن يمتلكون الشجاعة الكافية للتعبير عن رأيهم، وكم بيننا من «مسؤولين» بوسعهم تحمل سماع هذا الرأي، على نحو ما فعل ذلك المدير العام؟! دون أن يبيتوا في أنفسهم «نية» البطش والتنكيل بمن يخطر بباله أن يبوح بمكنون صدره؟
كم تمنيت أن يتحول الشعب العربي كله إلى تلاميذ في الصف الرابع الابتدائي، في تلك المدرسة العظيمة، وكم تمنيت أن نستنسخ من ذلك المدير «نماذج» من المسؤولين الذين لا يضيق صدرهم بالرأي الآخر، بل يسعون بأنفسهم للتفتيش عن أصحاب الآراء الحرة، فيقربونهم إليهم ويحرصون على سماعهم، ولا يجمعون حولهم من هو مدمن على قول «نعم» في السراء والضراء، في المنشط والمكره، في الصواب والخطأ!
لعل الشعوب العربية تتعلم أن نقول لا لكل من يقهرها ويصادر حياتها وحرياتها ويلغي إنسانيتها، ولا يسمع غير صوته وصوت من يقلد صوته، أو يمشي مشيته!
لا وألف لا لمعلم اللغة العربية!
(الدستور)