jo24_banner
jo24_banner

نتنياهو... الرجل الذي فقد ظله

حلمي الأسمر
جو 24 :


(الأسير الحقيقي في إسرائيل… اسمه بنيامين نتنياهو..
حين يتحدث الزعيم المهزوم: خطاب نتنياهو بين الإنكار والسقوط)

منذ أن خرج بنيامين نتنياهو على جمهوره بخطابه الأخير، بدت ملامح الرجل وكأنها تائهة بين الدفاع عن النفس والبحث عن تبريرٍ يُنقذ ما تبقّى من صورته.
لم يكن الخطاب احتفالًا بانتصار أو إعلانًا عن نهاية حرب، بل كان بيانًا رسميًا للهزيمة المقنّعة.
الزعيم الذي وعد الإسرائيليين بالحسم والردع، وجد نفسه أخيرًا في موقع من يُبرّر لا من يُقرّر، ومن يلهث خلف الأحداث لا من يصنعها.

لغة الهزيمة المغلّفة

تحدث نتنياهو كثيرًا عن "العمليات الجارية” و”الأهداف التي تحققت”، لكنه تجنّب السؤال الوحيد الذي يؤرق كل بيت إسرائيلي:
أين الأسرى؟
وإن كانت إسرائيل "القوة التي لا تُقهر"، فكيف تعجز عن استعادة أسير واحد دون إذن من خصمها في غزة؟

في خطابه الأخير، كان واضحًا أن نتنياهو لا يخاطب الشعب، بل يخاطب الخوف ذاته.
خوفٌ من الحقيقة التي لم يعد ممكنًا إنكارها:
أن الردع الإسرائيلي انهار، وأن المقاومة في غزة أصبحت شريكًا قسريًا في قرار الحرب والسلام.

لم تعد المسألة عسكرية فحسب، بل وجودية.
فحين تعجز الدولة عن حماية جنودها واستعادتهم، تتزعزع أسس العقد الاجتماعي ذاته الذي قامت عليه: أن الجيش يحمي الشعب، وأن القيادة تعرف الطريق إلى الأمن.
أما اليوم، فالإسرائيلي يرى أن جنوده في الأسر، وقادته في مأزق، ومستقبله معلق على موافقة "العدو" الذي اعتقدوا يومًا أنه يمكن محوه في أيام.

من أسطورة الجيش إلى واقع العجز

منذ قيام إسرائيل، قامت العقيدة الأمنية على ثلاث ركائز:
الردع، والإنذار المبكر، ونقل المعركة إلى أرض الخصم.
لكن "طوفان الأقصى" قلب هذه المعادلة رأسًا على عقب.
تحولت غزة من "هامش أمني” إلى مركز القرار السياسي والعسكري في المنطقة.
وباتت إسرائيل، للمرة الأولى منذ قيامها، في موقع من ينتظر الإشارة لا من يُصدرها.

هذا الانقلاب لم يكن عسكريًا فقط، بل رمزيًا وثقافيًا.
فجيش "الدولة التي لا تُهزم” يقف اليوم عاجزًا أمام تنظيم محاصر، يقاتل بإيمان ومرونة وحسابات نفس طويلة.
وفي كل يوم يمر، تزداد الفجوة بين قوة السلاح وضعف المعنى.
فالقوة التي لا تُترجم إلى شرعية، تتحول إلى عبء.
والانتصار الذي لا يصنع أمنًا، يتحول إلى وهم.

نتنياهو... الأسير خلف الجدران

من المفارقة أن نتنياهو الذي بنى مجده السياسي على وعد "الأمن"، أصبح اليوم رمزًا لفقدانه.
هو لا يواجه حماس فقط، بل يواجه تآكل الثقة داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه.
فقد بدأ الشارع يرى أن الخطر لم يعد يأتي من حدود غزة، بل من داخل النظام السياسي الذي يعيش على الخداع والتأجيل.

في خطابه، حاول نتنياهو أن يبعث الأمل الزائف بأن "النصر لا يزال ممكنًا"، لكنه كان يعلم أن الإسرائيليين باتوا يشكّون في كل كلمة تصدر عنه.
كيف يصدقون قائدًا يَعِدهم بالأمان، فيما صفارات الإنذار لا تتوقف، والجنود يُقتلون أو يُؤسرون، والاقتصاد يترنح؟

في الحقيقة، لم يعد نتنياهو قائدًا يُمسك بالخيوط، بل أسيرًا لخطابه القديم، ولأسطورة صنعها بنفسه ثم ابتلعته.
إنه اليوم يعيش ما عاشته ممالك الغرور من قبل: حين يتجاوز القائد حدود الواقع، يبدأ سقوطه من الداخل.

الوعي الإسرائيلي… والصدمة المتأخرة

أخطر ما في خطاب نتنياهو أنه كشف عن تغير عميق في المزاج الإسرائيلي العام.
فبعد عامين من الحرب، بدأ المجتمع الإسرائيلي يدرك أن القوة لا تكفي، وأن "إسرائيل الكبرى” ليست سوى حلم يتآكل عند أول اختبار حقيقي.
الجيل الإسرائيلي الجديد، الذي وُلد بعد الانتفاضة الثانية، يشاهد اليوم عجز جيشه ويطرح سؤالًا وجوديًا لم يجرؤ آباؤه على طرحه:
هل ما زال الحلم الصهيوني قابلًا للحياة؟

إنها لحظة الصحو القاسي.
فالدولة التي طالما عاشت على فكرة "الاستثناء” و”التفوق” تكتشف أنها تخضع لقوانين التاريخ مثل غيرها:
حين يختل ميزان العدالة، يسقط ميزان القوة.
وحين تستهين الدماء بحق الحياة، تبدأ بالانزلاق نحو نهايتها الأخلاقية والسياسية.

سقوط الصورة

خطاب نتنياهو الأخير لن يُذكر بوصفه خطاب حرب، بل بوصفه شهادة على زوال الوهم.
لقد خسر معركته الكبرى لا في غزة، بل في الوعي الإسرائيلي نفسه.
هناك، حيث بدأ الناس يرون الحقيقة من وراء ضباب الرواية الرسمية:
أن من وعدهم بالأمن هو نفسه من قادهم إلى الخوف،
ومن أقسم على التحرير، أصبح ينتظر موافقة المقاومة ليفعل.

ربما يظل نتنياهو في السلطة أسابيع أو شهورًا، لكن سقوطه السياسي قد وقع بالفعل في لحظة النطق الأولى للخطاب.
فلم يعد يملك ما يبيعه لشعبه سوى الأكاذيب القديمة في عبوات جديدة.
أما الحلم الصهيوني الذي كان يستند إلى "الردع”، فقد تحول إلى كابوس من الأسئلة:
كيف يمكن لدولة تملك كل هذا السلاح أن تخاف من مدينة محاصرة؟
وكيف يمكن لزعيم أن يواجه العالم وهو لا يستطيع مواجهة الحقيقة؟

خاتمة

لقد خسر نتنياهو ظله قبل أن يخسر منصبه.
فمن يعيش على الأكذوبة لا يمكنه النجاة بالخطابة.
وإسرائيل، التي وُلدت من رحم الأسطورة، بدأت تصحو على صوت الحقيقة.
والحقيقة مرة:
أن القوة بلا عدالة لا تبني وطنًا،
وأن الزعيم الذي يحكم بالخوف، سينهزم أولًا أمام نفسه قبل أن ينهزم أمام عدوه.

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير