الجريمة البشعة وتبريراتها وتداعياتها
ياسر الزعاترة
جو 24 : بوسع القتلة أن ينقبوا في كتب التراث عما يؤيد جريمتهم بحق الأسير الطيار معاذ الكساسبة رحمه الله وأكرم نزله، لكن ذلك لن يخفي تجاوزهم لنصوص صريحة للنبي عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري “لا يعذب بالنار إلا رب النار”، كما لن يعفيهم من جريمتهم، ولن يغير في حقيقة انتقائهم للنصوص التي تناسب فقههم الأعمى؛ في تجاوز لروح القرآن الكريم الذي يقول فيه الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”. هنا يضيفون السيف إلى النص (الحمد لله الذي أرسل محمدا بالسيف رحمة للعالمين كما يذهب بعض خطبائهم)، كأنما يعدلون كلام الله عز وجل.
هذا الفقه المتوحش (حسب كتابهم المعنون بـ”إدارة التوحش”)، هو نتاج أوضاع متوحشة دون شك، بخاصة في العراق وسوريا، لكنه أيضا نتاج تفكير يبحث في النصوص عن أكثرها مناسبة للعقل الذي يبحث، وهو لا يمت إلى أخلاق الإسلام في الحروب بأي صلة، حتى لو تجاوزها قلة في بعض مراحل التاريخ.
أيا يكن الأمر، فالجريمة التي روّعت الأردنيين وجميع المسلمين، لا تمت إلى الإسلام والمسلمين بصلة، وهي لا تشف “صدور قوم مؤمنين”، كما زعم مرتبكوها، فالمؤمنون أبرياء منها، والإسلام أيضا بريء منها، مع أن الكثير من الأعمال المشابهة لا زالت تسيء إلى الإسلام والمسلمين في وعي أكثر من خمسة مليارات من البشر، الأمر الذي لا يبدو أنه يثير اهتمام الذين يتورطون في تلك الممارسات.
المصيبة أن منطق المصالح والمفاسد الذي حكم سلوك النبي عليه الصلاة والسلام في كل حروبه وممارساته السياسية، لا تبدو حاضرة عند هؤلاء، فهم يتحركون دون حساب لذلك كله، بل يتجاهلون كل القوانين الدولية، ويتجاهلون أيضا موازين القوى، ويعتقدون أن بوسعهم أن يتحدوا العالم أجمع دون أن يُكسروا.
خلال الأسبوع الماضي تعرض التنظيم لهزيمتين؛ الأولى في كوباني، والثانية في ديالى، وراح يبرر أسباب الهزيمتين بطرق شتى، ولم يتذكر أنه لم يعترف من قبل بأن بوسع أي أحد أن يهزمه، بدعوى أن الله معه، لكأن المسلمين الذين هزموا في مواقع كثيرة لأسباب تتعلق بخلل ميزان القوى، وربما أسباب أخرى كانوا ناقصي إيمان.
لم يعترف قادة التنظيم مثلا بأنه من دون حاضنة شعبية لا يمكنه أن يتقدم. لم يعترف بأنه فقد تلك الحاضنة خلال أعوام 2007 و2008 فيما يعرف بالمثلث السني حين اصطدم بكل مكونات العرب السنة، فأنتج ما يعرف بالصحوات التي كبدته هزيمة كبيرة، ولم يستعد حضوره إلا بعد عودة تلك الحاضنة ردا على تطرف المالكي في طائفيته.
يظن أن التحالف يقاتله قتالا حقيقيا، ولا يرى أن القتال الحقيقي لم يكن إلا في سياق منعه من التقدم نحو بغداد، وفي سياق منعه من اجتياح مناطق الأكراد في الشمال، وكذلك الحال في كوباني، وفي كل تلك المعارك لم ينجح التنظيم. كذلك كانت الحال في ديالى حيث المنطقة مختلطة والحاضنة الشعبية محدودة، لاسيما أن حجم القوة الإيرانية كان هائلا تبعا لأهمية المنطقة لإيران كونها تشكل الامتداد اللوجستي للأراضي الإيرانية. والسبب في ذلك الموقف أن واشنطن لا تريد خوض معركة إيران وإعادة العراق ثمرة ناضجة بين يديها من جديد، بقدر ما تريد مساومتها عليه وعلى سوريا وصولا إلى إنجاز الاتفاق النووي.
اليوم، ومن خلال هذه الجريمة البشعة بحق معاذ الكساسبة، وقبلها جرائم أخرى، يمكن القول، إن التنظيم سيفقد ما كان يحظى به من بعض تعاطف شعبي عربي أو إسلامي، وهو ما سيجعل مدده من الشبان يتراجع عمليا، وإن بقيت له بعض الحاضنة في مناطق العرب السنة في العراق بسبب بشاعة المليشيات الشيعية وما ترتكبه من جرائم.
بجريمته البشعة؛ قدم التنظيم أعظم الهدايا للتحالف الإيراني الذي سيحاول أن يخفي من خلال بشاعة الجريمة جرائمه الرهيبة بحق العراقيين وبحق السوريين، والآن بحق اليمنيين أيضا، وسيستغل الجريمة أيما استغلال، فأي عقل كليل اتخذ ذلك القرار، وأي ضمير خرب هو الذي لم يجد حرجا في تنفيذها؟! حسبنا الله ونعم الوكيل.
الدستور
هذا الفقه المتوحش (حسب كتابهم المعنون بـ”إدارة التوحش”)، هو نتاج أوضاع متوحشة دون شك، بخاصة في العراق وسوريا، لكنه أيضا نتاج تفكير يبحث في النصوص عن أكثرها مناسبة للعقل الذي يبحث، وهو لا يمت إلى أخلاق الإسلام في الحروب بأي صلة، حتى لو تجاوزها قلة في بعض مراحل التاريخ.
أيا يكن الأمر، فالجريمة التي روّعت الأردنيين وجميع المسلمين، لا تمت إلى الإسلام والمسلمين بصلة، وهي لا تشف “صدور قوم مؤمنين”، كما زعم مرتبكوها، فالمؤمنون أبرياء منها، والإسلام أيضا بريء منها، مع أن الكثير من الأعمال المشابهة لا زالت تسيء إلى الإسلام والمسلمين في وعي أكثر من خمسة مليارات من البشر، الأمر الذي لا يبدو أنه يثير اهتمام الذين يتورطون في تلك الممارسات.
المصيبة أن منطق المصالح والمفاسد الذي حكم سلوك النبي عليه الصلاة والسلام في كل حروبه وممارساته السياسية، لا تبدو حاضرة عند هؤلاء، فهم يتحركون دون حساب لذلك كله، بل يتجاهلون كل القوانين الدولية، ويتجاهلون أيضا موازين القوى، ويعتقدون أن بوسعهم أن يتحدوا العالم أجمع دون أن يُكسروا.
خلال الأسبوع الماضي تعرض التنظيم لهزيمتين؛ الأولى في كوباني، والثانية في ديالى، وراح يبرر أسباب الهزيمتين بطرق شتى، ولم يتذكر أنه لم يعترف من قبل بأن بوسع أي أحد أن يهزمه، بدعوى أن الله معه، لكأن المسلمين الذين هزموا في مواقع كثيرة لأسباب تتعلق بخلل ميزان القوى، وربما أسباب أخرى كانوا ناقصي إيمان.
لم يعترف قادة التنظيم مثلا بأنه من دون حاضنة شعبية لا يمكنه أن يتقدم. لم يعترف بأنه فقد تلك الحاضنة خلال أعوام 2007 و2008 فيما يعرف بالمثلث السني حين اصطدم بكل مكونات العرب السنة، فأنتج ما يعرف بالصحوات التي كبدته هزيمة كبيرة، ولم يستعد حضوره إلا بعد عودة تلك الحاضنة ردا على تطرف المالكي في طائفيته.
يظن أن التحالف يقاتله قتالا حقيقيا، ولا يرى أن القتال الحقيقي لم يكن إلا في سياق منعه من التقدم نحو بغداد، وفي سياق منعه من اجتياح مناطق الأكراد في الشمال، وكذلك الحال في كوباني، وفي كل تلك المعارك لم ينجح التنظيم. كذلك كانت الحال في ديالى حيث المنطقة مختلطة والحاضنة الشعبية محدودة، لاسيما أن حجم القوة الإيرانية كان هائلا تبعا لأهمية المنطقة لإيران كونها تشكل الامتداد اللوجستي للأراضي الإيرانية. والسبب في ذلك الموقف أن واشنطن لا تريد خوض معركة إيران وإعادة العراق ثمرة ناضجة بين يديها من جديد، بقدر ما تريد مساومتها عليه وعلى سوريا وصولا إلى إنجاز الاتفاق النووي.
اليوم، ومن خلال هذه الجريمة البشعة بحق معاذ الكساسبة، وقبلها جرائم أخرى، يمكن القول، إن التنظيم سيفقد ما كان يحظى به من بعض تعاطف شعبي عربي أو إسلامي، وهو ما سيجعل مدده من الشبان يتراجع عمليا، وإن بقيت له بعض الحاضنة في مناطق العرب السنة في العراق بسبب بشاعة المليشيات الشيعية وما ترتكبه من جرائم.
بجريمته البشعة؛ قدم التنظيم أعظم الهدايا للتحالف الإيراني الذي سيحاول أن يخفي من خلال بشاعة الجريمة جرائمه الرهيبة بحق العراقيين وبحق السوريين، والآن بحق اليمنيين أيضا، وسيستغل الجريمة أيما استغلال، فأي عقل كليل اتخذ ذلك القرار، وأي ضمير خرب هو الذي لم يجد حرجا في تنفيذها؟! حسبنا الله ونعم الوكيل.
الدستور