من حكايات المساجد المزعجة
خلال الألفية الجديدة، وربما قبلها بعقدين، ازداد إقبال الناس على المساجد بشكل ملحوظ، وهي تزايدت أيضا بشكل كبير، ومن الطبيعي أن تتبدى الكثير من الظواهر السلبية فيها، مثل سائر التجمعات الإنسانية.
المصيبة أن تركيز الخطباء والعلماء على تلك الظواهر يبدو قليلا، قياسا بحجمها وأهميتها، ولا يُعرف لماذا يحدث ذلك، رغم أن بعضهم يولي اهتماما بما هو أقل شأنا من قضايا؟!
والحال أن تلك الظواهر السلبية التي نتابعها دائما في المساجد هي جزء لا يتجزأ من التدين المشوّه الذي لا يحسن ربط الديني بالأخلاقي، بخاصة المتعلق بالتعامل مع الآخرين. وهو تديّن يركز على الخلاص الفردي، والتعامل مع العبادات بروحية حساب ما تجلبه من حسنات، بعيدا عن تأثيرها الواقعي في حياة الإنسان، بل حياة البشر بشكل عام.
يقول ربنا: «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط..». والآيات التي تربط الدين بالأخلاق وتعايش البشر فيما بينهم لا تحصى، ما يعني أن تدينا لا ينعكس على الأخلاق، وبخاصة في التعامل مع الآخرين هو تدين مشوّه، وسيكون أكثر تشوّها حين يرتبط بشكل واضح بمكان العبادة الأهم، وهو المسجد.
كتبت مرارا خلال السنوات الماضية حول هذه القضية، لكن قرار كتابة هذا المقال جاء تحديدا قبل أيام حين صليت العشاء في أحد المساجد، وكان الإمام غائبا، فصلى بنا رجل كبير بالسن، اتخذ لنفسه هيئة توحي بالعلم، فقرأ بنا الصفحات الثلاث الأولى من إحدى السور الطويلة (لا نحدد كي لا يشار إليه من قبل البعض).
دعك من صوته غير الحسن، والذي ينبغي أن يحول بينه وبين التقدم للإمامة، وركّز في القراءة، فالرجل لا صلة له باللغة العربية، إذ أخطأ عشرات الأخطاء في اللغة وليس في أحكام التجويد (أقسم أنها كذلك وليست مبالغة، وما قرأه أحفظه شخصيا)، وحين احتج الناس بعد نهاية الصلاة، علمت أن الرجل فعلها مرارا، وهو يتقدم كلما غاب الإمام رغم احتجاجات الناس، بل إن أحدهم أخبرني أن هناك من لا يدخل المسجد حين يسمع صوته!!
هذه الظاهرة ليست شاذة، أعني تقدم من لا يجيد القراءة للإمامة بغياب الإمام الأصلي (وجود أئمة بأصوات بائسة حكاية أخرى تُسأل عنها وزارة الأوقاف، ولا صلة لها بما نحن فيه هنا)، بل هي ظاهرة متكررة، نجدها في أكثر المساجد، وهذا لعمري عدوان على الناس، وعلى صلاتهم وعبادتهم، يُؤثم من يتورط فيه بدل أن يؤجر، بخاصة حين يعلم أن هناك من هو أفضل منه.
تستحق الظواهر السلبية في المساجد عددا كبيرا من المقالات والوقفات، وما هذه سوى واحدة منها، ولو شئنا المرور سريعا على بعضها، فسنتحدث عن فوضى السيارات على أبوابها، وإغلاق بعض الناس على بعض كي لا يذهب بضعة أمتار أخرى بحثا عن مكان يوقف فيها سيارته، وهناك فوضى الأحذية، وفوضى تشويش البعض على البعض الآخر برفع الصوت في الصلاة، وهناك قضية اللباس، ورائحة الفم والقدمين، وصلاة المصابين بأمراض معدية بشكل مباشر، وهناك تخطي رقاب الناس ممن يحضرون متأخرين، وسوى ذلك مما يمكن أن يعدده كل أحد.
كل ذلك له صلة بالأخلاق، لأن الأصل أن يرفع الدين من السوية الأخلاقية للإنسان؛ ليس في المسجد فحسب، بل في الشارع وجميع الأماكن الأخرى. وهو كذلك جزء من فعل الخير الذي تقدم في الآية على الصلاة.. «وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين».
الدستور