الأردن وأسئلة ما بعد جريمة قتل الكساسبة؟
نضال منصور
جو 24 : لا تتسع الأبجدية لحروف تصف بشاعة قتل الشهيد الطيار معاذ الكساسبة، فما حدث ربما يكون من أبرز جرائم العصر، ويُذكّر بعصور البرابرة والهمجيين، وسيظل الناس في الأردن والعالم يلعنون تنظيم "داعش" وقيادته على مدى التاريخ مهما حاولوا التستر بشعارات دينية.
حرق الطيار الشهيد معاذ الكساسبة حياً كانت رسالة لبث الرعب في صفوف المجتمع الأردني وإشاعة الفوضى، لكن رسالتهم دفعت المشهد إلى اتجاه مغاير، فالجريمة وحدت الأردنيين وعززت من قوة النظام والدولة الأردنية، وكذلك أعطت تفويضاً لمحاربة التنظيمات الإرهابية في الداخل والخارج.
ما حدث يطرح السؤال المفصلي ماذا بعد؟!
رغم حالة التوحد الشعبي التي يقل نظيرها، فهناك مخاوف وأسئلة، هل نحن متوجهون لتوسيع دائرة العمليات العسكرية لتتجاوز قصف الطيران إلى المشاركة بعمليات برية، وهل جبهتنا الداخلية محصنة من مخاطر عمليات تستهدف الداخل الأردني من "داعش" والتنظيمات الأخرى المتطرفة، وأخيراً كيف سنتحرك لنجفف منابع "تفريخ" الإرهاب في بلدنا؟
وفق كل المؤشرات فإن الدولة الأردنية رغم التعاطف الشعبي والاصوات المطالبة بالقصاص لن تذهب ولا ترغب بالدخول بعمليات عسكرية برية، وهذا ربما يعود بالأساس إلى أن هذا الأمر لم يحسم دولياً وتوجد معارضة واسعة له، بالإضافة إلى أن العمليات العسكرية البرية إن حدثت وكان الأردن طرفاً بها، فستكون وجهتها سورية، وهذا لن يتم دون تحديد موقف من نظام بشار الأسد، لأن هذا التدخل العسكري البري إن حدث وهو مستبعد سيكون إما بداية انتهاء نظام الأسد، أو بداية إعادة تأهيله والتعامل معه باعتباره الخيار الأصلح، وهذه أيضاً تصورات دولية لم تـُرسم ولم تحسم، وبالنتيجة باعتقادي وعلى المدى المنظور فإن توسيع دور الأردن العسكري ضد "داعش" والدخول بحرب برية غير وارد، عدا عن أضراره على الوضع الاقتصادي الصعب أصلاً وغير المستقر.
والسؤال الثاني الذي يشغل الداخل الأردني ويشكل حالة قلق، هل يمكن أن نكون مهددين من عمليات إرهابية ضدنا بعد تصعيد سلاح الجو لقصفه لمقرات "داعش"؟
هذه الفرضية والاحتمال بالتأكيد على طاولة الأجهزة الأمنية منذ اللحظة الأولى، وهي تشكل اختباراً وتحدياً لها، ولا يوجد بلد في العالم محصن مهما كانت قوته الاستخبارية والأمنية، ولكن علينا أن نتذكر أنه من تفجيرات الفنادق بعمان عام 2005، فإن المخابرات والأجهزة الأمنية استطاعت بإجراءاتها ضبط هذه المخاطر، وهي الآن أكثر تيقظاً وانتباهاً، والمطلوب تشديد دائرة الرقابة وخاصة أننا منذ عام 2011 شهدنا لجوءاً قياسياً، ولا يمكن ضمان ارتباطات كل هؤلاء والسيطرة عليهم، ويضاف لهذا العبء "دواعش" الداخل الذين رغم عمليات تقليم أظافرهم فإنهم موجودون.
المخابرات والجيش حظيت بدعم منقطع النظير بعد مقتل الكساسبة، وهذا يعزز قوتهم للتعامل بحسم مع الأمن الداخلي دون تفريط، مع واحترام لسيادة القانون وحقوق الإنسان، ويطلق يدهم لعمليات استخبارية نوعية خارج الأردن لضرب "داعش" وجلب قياداتهم للمساءلة أمام العدالة، وهو أمر إن حدث يعتبر انتصارا ورد اعتبار قويا على قتل الطيار الكساسبة.
وخارج سياق التحديات الأمنية والعسكرية تظل الحسابات الأهم كيف نجفف منابع التطرف والإرهاب؟
على الدولة أن تملك جرأة التعامل مع هذا الملف دون تردد، وأول الاختبارات أن الاردن دولة مدنية عليها ان تفصل الدين عن الدولة، حتى لا يظل هناك من يوظف الدين لمصالحه، وأبعد من ذلك فإن الحل المستقبلي ضمان علمانية الدولة الأردنية.
وبالتوازي مع هذا الاعتقاد فإن المقاربة الأمنية رغم أهميتها لمواجهة مخاطر التكفيريين والظلاميين فإن الحقيقة المؤكدة أنها لن تقضي على هذه التيارات والتنظيمات، فهناك حواضن فكرية وثقافية تعطيها زخماً وترفدها بالأنصار والأعضاء، فالإرث الديني والثقافي والتعليمي بعضه "داعشي" سواء سلمنا بهذه الحقيقة المؤلمة أو رفضناها، وهذا يتطلب استراتيجية قصيرة وطويلة المدى يشارك بصناعتها الجميع لمواجهة منظومة التطرف وخلق البديل لها.
الجريمة البشعة بقتل الكساسبة غُصة في قلوبنا وتؤلمنا، وفي ذات الوقت درس نتعلم منه صناعة مستقبل وطننا رغم الجراح.
(الغد)
حرق الطيار الشهيد معاذ الكساسبة حياً كانت رسالة لبث الرعب في صفوف المجتمع الأردني وإشاعة الفوضى، لكن رسالتهم دفعت المشهد إلى اتجاه مغاير، فالجريمة وحدت الأردنيين وعززت من قوة النظام والدولة الأردنية، وكذلك أعطت تفويضاً لمحاربة التنظيمات الإرهابية في الداخل والخارج.
ما حدث يطرح السؤال المفصلي ماذا بعد؟!
رغم حالة التوحد الشعبي التي يقل نظيرها، فهناك مخاوف وأسئلة، هل نحن متوجهون لتوسيع دائرة العمليات العسكرية لتتجاوز قصف الطيران إلى المشاركة بعمليات برية، وهل جبهتنا الداخلية محصنة من مخاطر عمليات تستهدف الداخل الأردني من "داعش" والتنظيمات الأخرى المتطرفة، وأخيراً كيف سنتحرك لنجفف منابع "تفريخ" الإرهاب في بلدنا؟
وفق كل المؤشرات فإن الدولة الأردنية رغم التعاطف الشعبي والاصوات المطالبة بالقصاص لن تذهب ولا ترغب بالدخول بعمليات عسكرية برية، وهذا ربما يعود بالأساس إلى أن هذا الأمر لم يحسم دولياً وتوجد معارضة واسعة له، بالإضافة إلى أن العمليات العسكرية البرية إن حدثت وكان الأردن طرفاً بها، فستكون وجهتها سورية، وهذا لن يتم دون تحديد موقف من نظام بشار الأسد، لأن هذا التدخل العسكري البري إن حدث وهو مستبعد سيكون إما بداية انتهاء نظام الأسد، أو بداية إعادة تأهيله والتعامل معه باعتباره الخيار الأصلح، وهذه أيضاً تصورات دولية لم تـُرسم ولم تحسم، وبالنتيجة باعتقادي وعلى المدى المنظور فإن توسيع دور الأردن العسكري ضد "داعش" والدخول بحرب برية غير وارد، عدا عن أضراره على الوضع الاقتصادي الصعب أصلاً وغير المستقر.
والسؤال الثاني الذي يشغل الداخل الأردني ويشكل حالة قلق، هل يمكن أن نكون مهددين من عمليات إرهابية ضدنا بعد تصعيد سلاح الجو لقصفه لمقرات "داعش"؟
هذه الفرضية والاحتمال بالتأكيد على طاولة الأجهزة الأمنية منذ اللحظة الأولى، وهي تشكل اختباراً وتحدياً لها، ولا يوجد بلد في العالم محصن مهما كانت قوته الاستخبارية والأمنية، ولكن علينا أن نتذكر أنه من تفجيرات الفنادق بعمان عام 2005، فإن المخابرات والأجهزة الأمنية استطاعت بإجراءاتها ضبط هذه المخاطر، وهي الآن أكثر تيقظاً وانتباهاً، والمطلوب تشديد دائرة الرقابة وخاصة أننا منذ عام 2011 شهدنا لجوءاً قياسياً، ولا يمكن ضمان ارتباطات كل هؤلاء والسيطرة عليهم، ويضاف لهذا العبء "دواعش" الداخل الذين رغم عمليات تقليم أظافرهم فإنهم موجودون.
المخابرات والجيش حظيت بدعم منقطع النظير بعد مقتل الكساسبة، وهذا يعزز قوتهم للتعامل بحسم مع الأمن الداخلي دون تفريط، مع واحترام لسيادة القانون وحقوق الإنسان، ويطلق يدهم لعمليات استخبارية نوعية خارج الأردن لضرب "داعش" وجلب قياداتهم للمساءلة أمام العدالة، وهو أمر إن حدث يعتبر انتصارا ورد اعتبار قويا على قتل الطيار الكساسبة.
وخارج سياق التحديات الأمنية والعسكرية تظل الحسابات الأهم كيف نجفف منابع التطرف والإرهاب؟
على الدولة أن تملك جرأة التعامل مع هذا الملف دون تردد، وأول الاختبارات أن الاردن دولة مدنية عليها ان تفصل الدين عن الدولة، حتى لا يظل هناك من يوظف الدين لمصالحه، وأبعد من ذلك فإن الحل المستقبلي ضمان علمانية الدولة الأردنية.
وبالتوازي مع هذا الاعتقاد فإن المقاربة الأمنية رغم أهميتها لمواجهة مخاطر التكفيريين والظلاميين فإن الحقيقة المؤكدة أنها لن تقضي على هذه التيارات والتنظيمات، فهناك حواضن فكرية وثقافية تعطيها زخماً وترفدها بالأنصار والأعضاء، فالإرث الديني والثقافي والتعليمي بعضه "داعشي" سواء سلمنا بهذه الحقيقة المؤلمة أو رفضناها، وهذا يتطلب استراتيجية قصيرة وطويلة المدى يشارك بصناعتها الجميع لمواجهة منظومة التطرف وخلق البديل لها.
الجريمة البشعة بقتل الكساسبة غُصة في قلوبنا وتؤلمنا، وفي ذات الوقت درس نتعلم منه صناعة مستقبل وطننا رغم الجراح.
(الغد)