jo24_banner
jo24_banner

تصنيف مُستفز.. الأردن دولة قمعية

نضال منصور
جو 24 :



استفزني جدا تصنيف مؤشر "سيفيكوس" أن الأردن دولة قمعية. مُقلق وموجع هذا التوصيف، وبصراحة لا أعرف إن كان رئيس الحكومة قد استشاط غضبا بعد سماعه لهذه الأنباء، فأعلن حالة الطوارئ القصوى، وتداعى مجلس الوزراء للاجتماع فورا بحثا عن حل، ورد؟

كان الأردن يتباهى دائما أنه دولة مختلفة في منطقة الشرق الأوسط، وما يُميزه عن غيره من الأنظمة المستبدة هوامش الحريات التي يتمتع بها الناس، وكان هذا الوضع محط إعجاب وتقدير المجتمع الدولي، وكانت الدول المانحة تكافئه لحفاظه على معادلة تجمع بين اعتبارات الأمن، ومساحات متوازنة من الحريات.

في حديث مع المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان، علاء العرموطي، أبدى معارضته، وتحفظه على إطلاق وصف دولة قمعية، منطلقا من قاعدة أن الأردن لا يشهد انتهاكات جسيمة وخطيرة، وهو ما توافقنا عليه، فالبلاد لم تعرف يوما تصفية للخصوم السياسيين، أو إخفاء قسري، أو عمليات تعذيب واسعة النطاق.

وما اتفقنا عليه أيضا أن فضاء الحريات يتراجع، وانتهاكات حقوق الإنسان في تزايد، والحكومة تتحدث عن الحقوق ولا تُطبقها، ولا تسمح بممارستها، بل تتخذ تدابير، وإجراءات تنتقص منها كل يوم.

تصنيف "سيفيكوس" أن الأردن دولة قمعية قاسٍ، ومُفرط في التشاؤم، والحقيقة أنه ليس صادما على الأقل لي شخصيا، ففي العام الماضي، خرج مؤشر "فريدم هاوس" بيت الحرية ليصنف الأردن "دولة غير حرة"، بعد أن كانت حرة جزئيا، وبالتوازي كانت تقارير "هيومن رايتس ووتش" تواصل انتقاداتها، وعلى نفس المنوال تقرير "مراسلون بلا حدود" فيما يتعلق بحرية الإعلام.

بالطبع لا تُسلم الحكومة بتقييم مؤشرات التقارير الدولية، وهي لا تتقبل بصدر رحب حتى تقارير المؤسسات الوطنية الخجولة، التي لا تختلف جذريا مع النتائج والتوصيات التي خلص لها العالم، وعدا عن الاتهامات الحكومية المُعلبة أحيانا، فالكلام دائما ينصب على استعراض وسردية مكررة "الأردن ليس السويد، ولكنه الأفضل مقارنة بدول الإقليم".

أكثر لعنة طاردت الأردن هي مقاربات، ومقارنات المسؤولين لواقع حالنا مع الدول المستبدة، ولم ينظروا بعين المُتعجل للحاق بركب الدول الديمقراطية، فظلت البلاد رهينة، وأسيرة لمروية التفرد والتميز ونظرة متماهية مع الجوار البائس، بينما كانت منظومة حقوق الإنسان تتآكل، وحين نتقدم خطوة للأمام، نعود خطوات للوراء دون سياق منطقي، ومسوغات.

المسألة ليست تقاذفا للاتهامات، وما تسرده "سيفيكوس" تلاحظه "هيومن رايتس ووتش" و"أمنستي"، وكله أو بعضه، وبلغة أو بأخرى توثقه تقارير "المركز الوطني لحقوق الإنسان"، المؤسسة الوطنية التي أنشأتها الدولة لمراقبة حقوق الإنسان.

في التقرير السنوي الأخير لـ "المركز الوطني لحقوق الإنسان" في عام 2020، يؤكد أن منظومة التشريعات جُلها لم تتغير، ولم تُحدث لدعم الحقوق والحريات، ومراجعة المنظومة القانونية والتحقق منها يكفي لرصد التجاوزات، ليس للمعاهدات والاتفاقيات التي صادق عليها الأردن، وإنما للدستور أساسا.

ومثال صارخ لا يمكن القفز عنه توقيف (21322) شخصا إداريا، وهي نسبة تراجعت عن السنوات الماضية، بسبب جائحة كورونا والتوجه لإخلاء السجون لتقليص مخاطر العدوى. وباختصار؛ فإن اللجوء لقانون منع الجرائم لتوقيف الناس في السجون إداريا ليس هدرا لحقوقهم فقط، بل تجاوزا على استقلالية سلطة القضاء.

"سيفيكوس" ترى أن تراجع الأردن في مؤشرها العالمي الذي يُغطي 197 دولة يعود إلى ما أسموه "قوة الناس تتعرض للهجوم"، وتُعرّج في تقريرها لإغلاق نقابة المعلمين واعتقال مجلسها وحجب الإنترنت والقيود المفروضة على الصحفيين والمجتمع المدني.

ما تراه أن الحريات المدنية في خطر، وأن حرية التجمع السلمي والتعبير وتكوين الجمعيات، تتعرض للتضييق، وهذه حقيقة، والشواهد عليها كثيرة كان آخرها الاعتقالات التي تعرض لها المحتجون سلميا، وجرى توقيفهم سندا لقانون منع الجرائم، والمُثير للاستهجان أن ما حدث تزامن مع السعي لإقرار مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية، التي تُريد أن تدفع الأردن لحكومات حزبية برلمانية، وضمانات أوسع للإصلاح السياسي.

لا تستطيع الحكومة إقناع الناس أنها جادة في الإصلاح السياسي، وضمان حرية التعبير وهي تغلق "كلوب هاوس"، أو حين تصدر أوامر منع النشر في قضايا تمس الرأي العام، ولهذا يخلص تقرير "سيفيكوس" إلى أن البيئة الحاضنة للمجتمع المدني أصبحت عدائية.

وتقول أرتي نارس، الباحثة المشاركة في إعداد التقرير: " كان يُنظر إلى الأردن على أنها واحدة من أكثر الدول تسامحا في الشرق الأوسط المُضطرب، لكن الحملات القمعية ضد المعلمين، ووسائل الإعلام، تُسلط الضوء على التدهور المستمر في الحقوق المدنية، والميل نحو مزيد من التكتيكات القمعية، خاصة خلال جائحة كورونا، مما يُثير المخاوف أن الأردن يسير على خطى جيرانه المستبدين".

جائحة كورونا فاقمت من المخاوف في الأردن، وكشفت عن هشاشة العدالة الاجتماعية، فقصور الحقوق يتعدى الجوانب المدنية والسياسية، وتمتد جذوره بعمق للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فقانون الدفاع وأوامره، والتدابير والإجراءات الاستثنائية عصفت بالفئات المهمشة، والأكثر عرضة للخطر، وتصاعدت بقلق مؤشرات الفقر والبطالة، في ظل ضعف الدولة اقتصاديا، وعجزها عن تقديم حلول للإنقاذ.

الانتقادات في الشارع ما عادت تطال الحكومة وحدها، وأصبحت تمس العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، والأصوات الرافضة للواقع القائم لم تبقَ في حدود الشخصيات المعارضة، وامتدت لشخصيات عُرفت بأنها جزء لا يتجزأ من النظام، ويتساوق ذلك مع تعديلات دستورية مقترحة قدمتها الحكومة، وتسعى لتوسيع الصلاحيات المنفردة للملك، وتُضعف أكثر، برأي قانونيين، الولاية الدستورية للحكومة.

أكثر التعبيرات عن حالة التململ، الدعوة التي وجهتها الحراكات الشعبية، وبعض الأحزاب لمسيرة احتجاجية تحت شعار "لنقف صفا واحدا في وجه العبث في الدستور الذي يوصل الدولة لصورة الملكية المطلقة، ويُكرس الاستبداد".

يحتاج نظام الحكم اليوم لانتفاضة تُعيد ترسيم صورة الدولة الأردنية من جديد، والأمر بالتأكيد يتعدى مؤتمرا وطنيا احتفائيا بحقوق الإنسان، إلى تكريس نهج حقوقي لا يتهاون مع انتهاكات حقوق الإنسان، ويُلاحق ويُجرم من يخرقها، ولا يسمح بالإفلات من العقاب، عندها ستُجبر المؤسسات الدولية أن ترانا بعين مختلفة، دولة تحتكم للديمقراطية والحكم الرشيد، وتُكرس قيم الحرية، والكرامة الإنسانية، وتلفظ القمع والاستبداد، فنعود إلى صورتنا المُشرقة التي عرفنا بها العالم.


(الحرة)
 
تابعو الأردن 24 على google news