المجتمع الصهيوني يتغير بالتدريج
ياسر الزعاترة
جو 24 : كما هي عادة الدول التي تقوم على أسس أيديولوجية، تبدأ بمرحلة الروح ثم العقل وصولا إلى الغريزة كما ذهب المفكر الجزائري المعروف مالك بن نبي في قراءته لصعود الحضارات وهبوطها. ولا شك أن الكيان الصهيوني يصيبه ما أصاب سواه، وها إنه يتدحرج بالتدريج نحو مرحلة الغريزة رغم كل محاولات لجم ذلك عبر مختلف الوسائل المتاحة.
خلال الأسبوعين الماضيين انشغل الإعلام وعموم المجتمع الصهيوني بقضية زجاجات الخمر التي تستهلكها وتبدلها سارة، زوجة رئيس الوزراء نتنياهو، والتي استغلتها القوى الأخرى على مرمى أسابيع من الانتخابات البرلمانية التي لن يحصل فيها حزب نتنياهو في أحسن الأحوال على ما يزيد عن ربع مقاعد البرلمان، وذلك مؤشر مهم آخر على شرذمة الساحة السياسية، واعتمادها على الشخصنة بدل الأفكار.
وهي ليست المرة الأولى التي تطارد فيها قصص من هذا النوع نتنياهو الذي يبدو من أكثر الزعماء في تاريخ الكيان الصهيوني إمعانا في التبذير، فيما سبقته قصص فساد كثيرة جدا خلال السنوات القليلة الماضية ذهب ضحيتها رؤساء وزارات ورؤساء دولة ووزراء وقادة أحزاب.
والحال أن من لا يعرفون تاريخ الكيان قد لا يجدون في كل تلك القصص شيئا مذكورا، وبالطبع قياسا بأوضاع عربية وعالمثالثية أسوأ بكثير، ما يدفع إلى عرض مقارنة أجراها بعض الكتاب الصهاينة لما كان الحال عليه قديما، وما وصل إليه الآن، مع التذكير بأننا نتحدث عن البعد الأخلاقي فيما خصّ الكيان داخليا، وليس فيما يتعلق بالتعامل مع الأعداء، وفي مقدمتهم الفلسطينيون، وحيث تغيب الأخلاق تماما، بل ربما كان الوضع أسوأ في الماضي تبعا لمعيطات الوضع الدولي وسطوة الإعلام هذه الأيام، والتي تلجم الكيان بدرجة أكبر.
في صحيفة معاريف، كتب “جدعون رايخر” يقول: “في تلك الأيام (القديمة يقصد) كان الوالدان يثوران ضد أي كلمة بذيئة ويهمسان ليس جيدا أن نتكلم هكذا أمام الأولاد. اليوم كل طفل وكل صبي في بلادنا يقرأ ويسمع عن زعماء يلقب أحدهم الآخر بألقاب وعبارات حفظ الله أسماعنا منها. هو يسمع عن قادة يسلبون أموال الجمهور، يكذبون ويقذف واحدهم الآخر”.
أما إسحق ليئور، فكتب في “هآرتس” بعنوان “ديودوردنت الطهارة”، ساخرا من بؤس الأخلاق في الداخل، مقابل غيابها في التعامل مع الفلسطينيين، لكنه يذكر قصصا جديرة بالتوقف عن الفارق بين زعماء الماضي، وأمثالهم في الحاضر.
يروي “ليئور” عدة قصص قديمة كالتالي: “قصة من سنوات الخمسين: دخل صحفي في إحدى الليالي الماطرة لمقابلة رئيس الدولة يتسحاك بن تسابي في مقر الرئاسة، جلس في غرفة الانتظار شرطي يحتسي الشاي. “أين الرئيس؟”، سأله الصحفي، أشار الشرطي من خلال النافذة إلى رئيس الدولة الجالس في كشك الحراسة في الخارج، في البرد، وقد حل مكان الشرطي إلى أن ينهي شرب الشاي”.
ثم “قصة من سنوات الستين: بينما كان وزير الاقتصاد بنحاس سابير متوجها نحو إيلات، توقف في يتباتا، وسأل بعض الأصدقاء عن مشكلة المحلبة الجديدة، أجابوه كذا وكذا، واصل طريقه نحو إيلات للتحكيم في نزاع عمل. في طريق عودته، دفع مما جناه من بدل التحكيم ما يكفي من المال لإصلاح المحلبة. هل نشير إلى سنوات السبعين؟ لدينا مناحيم بيغن وشقته المتواضعة”.
يضيف: “قصة أخرى ذات صلة: أعضاء الكنيست الشيوعيون، حتى نهاية سنوات الثمانينات، تبرعوا برواتبهم لصندوق الحزب، وحصلوا بالمقابل من الحزب على الدخل المتوسط لعمال المصانع”. ثم يسأل بعد ذلك: “ما هو المشترك بين هذه القصص؟ الروح المفقودة كليا، ليس الشوق إلى هذه الروح هو الدافع إلى مهاجمة نتنياهو ونمط حياته، ولا إلى سفك دم زوجته بهذه الطريقة العاهرة”.
ويصل إلى القول: “عندما تهاجم تسيبي ليفني طريقة حياة نتنياهو التي تعادل أجر الحد الأدنى لمليون إسرائيلي، هل تناست الارتفاع المضطرد لرواتب أعضاء الكنيست، أو شروط التقاعد الفضائحية الخاصة بهم، في حين عارضت الحكومة التي كانت عضوا فيها منذ وقت قريب رفع الحد الادنى للأجور؟ كلا”.
لا يتوقف الأمر عند السياسيين، وهو لا يمكن أن يتوقف أصلا، فالسمكة تفسد من رأسها، إذ أن المجتمع برمته يفقد مبدأيته، ودليل ذلك لا ينحصر في معدلات الجريمة التي تزداد اتساعا، بل في روحية الجنود الذي يقاتلون في الميدان، والذي تكشفت نفسيتهم المتدهورة في حرب تموز 2006، وفي حربي غزة 2008/2009، و2014.
في المقابل، فإن المجتمع الفلسطيني، يزداد إقبالا على الجهاد والاستشهاد، ولولا قيادة بائسة تعشق التنسيق الأمني، وتدمن على المفاوضات، لكان الوضع مختلفا إلى حد كبير (دعك من فسادها، فتلك حكاية بؤس أخرى).
(الدستور)
خلال الأسبوعين الماضيين انشغل الإعلام وعموم المجتمع الصهيوني بقضية زجاجات الخمر التي تستهلكها وتبدلها سارة، زوجة رئيس الوزراء نتنياهو، والتي استغلتها القوى الأخرى على مرمى أسابيع من الانتخابات البرلمانية التي لن يحصل فيها حزب نتنياهو في أحسن الأحوال على ما يزيد عن ربع مقاعد البرلمان، وذلك مؤشر مهم آخر على شرذمة الساحة السياسية، واعتمادها على الشخصنة بدل الأفكار.
وهي ليست المرة الأولى التي تطارد فيها قصص من هذا النوع نتنياهو الذي يبدو من أكثر الزعماء في تاريخ الكيان الصهيوني إمعانا في التبذير، فيما سبقته قصص فساد كثيرة جدا خلال السنوات القليلة الماضية ذهب ضحيتها رؤساء وزارات ورؤساء دولة ووزراء وقادة أحزاب.
والحال أن من لا يعرفون تاريخ الكيان قد لا يجدون في كل تلك القصص شيئا مذكورا، وبالطبع قياسا بأوضاع عربية وعالمثالثية أسوأ بكثير، ما يدفع إلى عرض مقارنة أجراها بعض الكتاب الصهاينة لما كان الحال عليه قديما، وما وصل إليه الآن، مع التذكير بأننا نتحدث عن البعد الأخلاقي فيما خصّ الكيان داخليا، وليس فيما يتعلق بالتعامل مع الأعداء، وفي مقدمتهم الفلسطينيون، وحيث تغيب الأخلاق تماما، بل ربما كان الوضع أسوأ في الماضي تبعا لمعيطات الوضع الدولي وسطوة الإعلام هذه الأيام، والتي تلجم الكيان بدرجة أكبر.
في صحيفة معاريف، كتب “جدعون رايخر” يقول: “في تلك الأيام (القديمة يقصد) كان الوالدان يثوران ضد أي كلمة بذيئة ويهمسان ليس جيدا أن نتكلم هكذا أمام الأولاد. اليوم كل طفل وكل صبي في بلادنا يقرأ ويسمع عن زعماء يلقب أحدهم الآخر بألقاب وعبارات حفظ الله أسماعنا منها. هو يسمع عن قادة يسلبون أموال الجمهور، يكذبون ويقذف واحدهم الآخر”.
أما إسحق ليئور، فكتب في “هآرتس” بعنوان “ديودوردنت الطهارة”، ساخرا من بؤس الأخلاق في الداخل، مقابل غيابها في التعامل مع الفلسطينيين، لكنه يذكر قصصا جديرة بالتوقف عن الفارق بين زعماء الماضي، وأمثالهم في الحاضر.
يروي “ليئور” عدة قصص قديمة كالتالي: “قصة من سنوات الخمسين: دخل صحفي في إحدى الليالي الماطرة لمقابلة رئيس الدولة يتسحاك بن تسابي في مقر الرئاسة، جلس في غرفة الانتظار شرطي يحتسي الشاي. “أين الرئيس؟”، سأله الصحفي، أشار الشرطي من خلال النافذة إلى رئيس الدولة الجالس في كشك الحراسة في الخارج، في البرد، وقد حل مكان الشرطي إلى أن ينهي شرب الشاي”.
ثم “قصة من سنوات الستين: بينما كان وزير الاقتصاد بنحاس سابير متوجها نحو إيلات، توقف في يتباتا، وسأل بعض الأصدقاء عن مشكلة المحلبة الجديدة، أجابوه كذا وكذا، واصل طريقه نحو إيلات للتحكيم في نزاع عمل. في طريق عودته، دفع مما جناه من بدل التحكيم ما يكفي من المال لإصلاح المحلبة. هل نشير إلى سنوات السبعين؟ لدينا مناحيم بيغن وشقته المتواضعة”.
يضيف: “قصة أخرى ذات صلة: أعضاء الكنيست الشيوعيون، حتى نهاية سنوات الثمانينات، تبرعوا برواتبهم لصندوق الحزب، وحصلوا بالمقابل من الحزب على الدخل المتوسط لعمال المصانع”. ثم يسأل بعد ذلك: “ما هو المشترك بين هذه القصص؟ الروح المفقودة كليا، ليس الشوق إلى هذه الروح هو الدافع إلى مهاجمة نتنياهو ونمط حياته، ولا إلى سفك دم زوجته بهذه الطريقة العاهرة”.
ويصل إلى القول: “عندما تهاجم تسيبي ليفني طريقة حياة نتنياهو التي تعادل أجر الحد الأدنى لمليون إسرائيلي، هل تناست الارتفاع المضطرد لرواتب أعضاء الكنيست، أو شروط التقاعد الفضائحية الخاصة بهم، في حين عارضت الحكومة التي كانت عضوا فيها منذ وقت قريب رفع الحد الادنى للأجور؟ كلا”.
لا يتوقف الأمر عند السياسيين، وهو لا يمكن أن يتوقف أصلا، فالسمكة تفسد من رأسها، إذ أن المجتمع برمته يفقد مبدأيته، ودليل ذلك لا ينحصر في معدلات الجريمة التي تزداد اتساعا، بل في روحية الجنود الذي يقاتلون في الميدان، والذي تكشفت نفسيتهم المتدهورة في حرب تموز 2006، وفي حربي غزة 2008/2009، و2014.
في المقابل، فإن المجتمع الفلسطيني، يزداد إقبالا على الجهاد والاستشهاد، ولولا قيادة بائسة تعشق التنسيق الأمني، وتدمن على المفاوضات، لكان الوضع مختلفا إلى حد كبير (دعك من فسادها، فتلك حكاية بؤس أخرى).
(الدستور)