استنفار الأردن.. شعور جمعي بحالة حرب مكلفة ومفتوحة على كل الاحتمالات
جو 24 : مع بدء «انتقام» الأردن لإعدام طياره الأسير لدى تنظيم «الدولة الإسلامية» معاذ الكساسبة حرقاً، والذهاب في حربه حتى الشوط الأخير معززاً بسخط غالبية الشعب ودعم الولايات المتحدة، يستعد المسؤولون والمواطنون للاحتمالات الأسوأ من تنظيم دموي يرابط على حدودهم ولا يلتزم بأية قواعد للاشتباك.
غالبية المواطنين تقف اليوم خلف قرار الملك عبدالله الثاني بـ«شن حرب بلا هوادة» على التنظيم وقتاله في عقر داره، بعد أن وحد معاذ الأردنيين ضد خطر «داعش»، ومع أخذ قرار المشاركة في الحرب بعد أشهر من التأرجح بين مؤيد ومشكك ومعارض.
يتكئ القصر في الحرب الاستباقية الجديدة بتجلياتها العسكرية والأمنية والاستخباراتية على معطيات طرأت داخلياً وخارجياً، من دون شعور بالحاجة إلى نقاش سلبيات قرار التصعيد وإيجابياته.
بالطبع، لا يقلل المسؤولون من الأخطار المحتملة التي قد تنجم عن الاشتباك مع تنظيم شرس لا تهمه خسارة الرأي العام أو كسبه. ويبدو أنهم مستعدون للتعامل مع كل المفاجآت.
على رغم بشاعة الجريمة ووقعها الصاعق على الأردنيين وسائر شعوب العالم، وفّر «فيلم» حرق الشهيد معاذ بالصوت والصورة هدية ذهبية لصانع القرار: غالبية المواطنين تقف اليوم إلى جانب الملك مؤيدة قراره مشاركة الأردن في حرب شنّها التحالف الدولي بقيادة واشنطن على «داعش» وأخواته في 23 - 9 - 2014. وسحبت الممارسة البساط من تحت أقدام من كانوا يبررون فكر «داعش» المتطرف بالاتكاء على مفاهيم مغلوطة للدين الإسلامي الحنيف.
أثناء مفاوضة «داعش» لمقايضة الطيار بعراقية محكومة بالإعدام في الأردن، وبعد محاولة فاشلة لكوماندوس أردني - أميركي لتحرير الرهينة، كان الشعور العام غير محسوم حيال قرار إقحام المقاتلات الأردنية في الحرب، قبل تهيئة الرأي العام.
وبرزت آنذاك أصوات تؤيد مشاركة محدودة في الغارات الجوية ضد «داعش» من باب «الحرب الوقائية الاستباقية» مقابل من كان يرى أنها «ليست حربنا»، باعتبار أن ذلك سيفتح الباب أمام أعمال إرهابية انتقامية ضد الأردن. وثمة شريحة ثالثة طالبت بعدم توفير غطاء للغرب لمحاربة الإسلام باسم العرب والمسلمين، فيما طالب آخرون صاحب القرار بالتركيز أكثر على الشأن الداخلي بتعميق إصلاحات اقتصادية وسياسية لمواجهة ثنائية الفقر والبطالة، بصفتهما حاضنتين لنشر تطرف «داعش».
الغالبية اليوم تقبلت حقيقة أن المملكة لم تعد في منأى عن المجال الحيوي لهذا التنظيم. بل وأكثر، باتت تشعر بأنها في «حال حرب» مكلفة ومفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها عمليات إرهابية داخل الأردن قد تطاول منشآت وأفراد وطياري سلاح الجو المشاركين ممن ظهرت أسماؤهم وصورهم وعناوين إقاماتهم في نهاية شريط الإعدام مع مكافأة مئة «كيلو ذهب» لكل من يعدم أحدهم. ويبدو أن المسؤولين مستعدون لتحمل الثمن مهما علا.
يرى وزير الداخلية حسين المجالي في لقاء مع «الحياة» مساء الخميس الفائت أن «الأردن كله بات اليوم مشروع شهيد دفاعاً عن الوطن وعن النظام».
ويضيف نجل رئيس وزراء الأردن السابق هزاع المجالي الذي اغتيل بتفجير إرهابي استهدف مقر الحكومة عام 1960، أن «ما حدث للطيار سمح لغالبية المواطنين بحسم موقفها مما إذا كان داعش تنظيماً إرهابياً أو مقاومة مشروعة، وإذا كانت الحرب على داعش حرب الأردن أم لا». ضمن هذه المعادلة «تم حسم الموقف الشعبي وبوضوح لمصلحة الموقف الرسمي من الحرب على الإرهاب».
الأرجح ألّا يشمل تغيير المواقف التي يتحدث عنها المجالي حوالى 7 في المئة من المتعاطفين عقائدياً مع «داعش» في الأردن، وفق استطلاع رأي نفذه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية في أيلول (سبتمبر) 2014. لكنه بالتأكيد ساهم في حسم مواقف غالبية كانت ضمن 28 في المئة من العينة ممن وقف في المنطقة الرمادية تجاه «داعش».
لكن، للمرة الأولى تشعر غالبية الأردنيين بأنها أمام امتحان حقيقي: قيادة ودولة ومجتمعاً.
فإحراق الشهيد، وفق ساسة ومسؤولين ونشطاء، سمح للملك بلملمة الجبهة الداخلية وتدعيمها بعد أشهر من السير على حبل مشدود عقب اتخاذه قرار الحرب.
جماعة «الإخوان المسلمين»، وذراعها السياسية، حزب جبهة العمل الإسلامي كسرت الصمت حيال ممارسات «داعش» بعد أشهر من انتظار المؤسسة الرسمية لمثل هذا الموقف الواضح، إذ دان رموز التيار الإسلامي المعارض والأوسع تأثيراً وتنظيماً في الأردن عملية حرق الطيار وبرأوا الإسلام من ممارسات «داعش» باسم الدين الحنيف.
المبادرة الوطنية للبناء «زمزم» التي أسسها أعضاء إصلاحيون في «الإخوان» والحزب قبل أكثر من عام، أعلنت أيضاً بدء العمل على تشكيل جبهة وطنية لمحاربة الإرهاب والتطرف بهدف «خلق حال من الوعي الوطني وتقوية الجبهة الداخلية».
أبرز منظري التيار السلفي الجهادي عصام البرقاوي (أبو محمد المقدسي) شن هجوماً عنيفاً على «تنظيم الدولة» في مقابلات متلفزة عقب الإفراج عنه يوم الخميس، بعد توقيف دام خمسة أشهر. واتهم البرقاوي قياديي «داعش» بالكذب عليه وخداعه والخروج عن الشريعة، منبهاً الشباب حول العالم إلى عدم الالتحاق بهذا التنظيم الخارج عن الشرع.
التحالف العربي - الدولي يدعم قرار الأردن تصعيد الحرب على «داعش». والولايات المتحدة تدرس بجدية طلب عمان الحصول على أسلحة ومعدات عسكرية متطورة وبسرعة في الحرب على «داعش». كذلك وافقت واشنطن على توفير ثلاثة مليارات دولار لمساعدة الأردن اقتصادياً وعسكرياً (2015 - 2017). جاء ذلك الإعلان خلال زيارة الملك الأخيرة لواشنطن، والتي قطعها بعد بث فيديو الإعدام.
وبذلك تثبت الولايات المتحدة مرة أخرى أنها حليف الأردن الاستراتيجي الأول، وفق مسؤولين، ما يعني دفعة معنوية وعملية لموقف عمان.
وزيرا الخارجية والداخلية ناصر جودة والمجالي سيطلبان دعماً إضافياً ويقدمان شرحاً مفصلاً عن دور الأردن في مكافحة الإرهاب حين يشاركان في مؤتمر دولي تحت هذا العنوان يستضيفه الرئيس باراك أوباما في واشنطن في 18 شباط الجاري.
فور عودة الملك – القائد الأعلى للقوات المسلحة - من أميركا توجه إلى القيادة العامة واجتمع بكبار المسؤولين الأمنيين والوزراء السياديين لوضع اللمسات الأخيرة على قرار تصعيد الحرب على «داعش» وقطف رؤوس التنظيم في سورية والعراق.
بواكير الحملة بدأت نهار الأربعاء بالإعلان رسمياً عن قيام سلاح الجو بشن غارات خاصة به وإن بدعم من التحالف، لضرب أهداف تنظيم «داعش» باسم «عملية الشهيد معاذ» وبمشاركة زملاء الطيار. سبق ذلك بساعات إعدام السجينة الريشاوي والعراقي زياد الكربولي، أحد زعماء «القاعدة» في العراق، كانت قوات نخبوية أردنية اصطادته قبل سنوات قرب الحدود العراقية في إطار عمليات للثأر من تفجيرات فنادق عمان. وقاد ذلك الجهد لاحقاً إلى مساهمة الأردن في قنص زعيم «القاعدة» في العراق أبو مصعب الزرقاوي، الأردني الجنسية.
الحملة الجديدة تتضمن سلسلة إجراءات أمنية وعسكرية واستخباراتية، بما فيها تشكيل مجموعات خاصة عابرة للحدود لمطاردة زعماء «داعش» على نسق عمليات وحدة «فرسان الحق» التي أنشئت بعد تفجيرات عمان 2005، وفق مسؤولين وخبراء أمنيين.
يقول مسؤول بارز أن «قواعد لعبة الاشتباك» مع «داعش» وأخواته تغيرت للأبد بعد عملية الإعدام حرقاً «وكل الخيارات اليوم متاحة».
الأجهزة الأمنية على الحدود وفي الداخل - التي كانت أصلاً في حال استنفار منذ بدء الحرب - رفعت من جاهزيتها القصوى.
ويخشى زعماء التيار السلفي الجهادي وغالبيتهم معروفة لدى الأجهزة الأمنية، من حملة اعتقالات قد تطاولهم بهدف قطع التواصل بينهم وبين حوالى 8.000 من أتباعهم وأنصارهم في الأردن، وفق تقارير رسمية.
وستتكثف حملات التشديد على خطباء المساجد لمنع محالات خروج أقلية للتحريض على العنف من منابر تشكل الرأي العام. وطلبت وزارة الأوقاف من خطباء المساجد تخصيص خطبة الجمعة أمس للحديث عن جريمة إحراق الطيار الأسير.
خلال الأسابيع الماضية أوقفت وزارة الأوقاف ثلاثة خطباء عن العمل لأنهم خرجوا عن الخط وروجوا للفكر الإرهابي. الإعلام بشقيه العام والخاص يقف وراء الموقف الرسمي على نحو غير مسبوق. الكتائب الإلكترونية الرسمية ترد وتشوش على رسائل أنصار «داعش» التي تعبر فضاء الإنترنت وتصل حسابات التويتر و «الفايسبوك». وتم تشديد الرقابة على مواقع المغردين و «الفايسبوكيين» الذين يرفعون شعار «الحرب ليست حربنا»، من خلال قانون مكافحة الإرهاب.
الإذاعات الأردنية العامة والخاصة تبث مقاطع تحضّ على الشهادة، وتستحضر شهداء الوطن من هزاع المجالي إلى وصفي التل (رئيس وزراء استشهد في القاهرة عام 1971) مروراً بالطيار فراس العجلوني وموفق السلطي (في حرب 1967). على أن بعض الأصوات لا تزال تخشى من تداعيات هذا الشعور الجمعي. أحد المدونين قال في مقابلة مع «الحياة» أن «الدولة استثمرت في شكل ناجح بشاعة ما أقدم عليه التنظيم لتخلق زخماً في اتجاه معين لا يحتمل أي اعتراض أو نقد مغاير وقطبية معنا أو علينا».
وأعرب عن خشيته «من انزلاق الأردن نحو مشاركة أوسع مكلفة وأن تملي المشاركة تبعية أكبر لمن سيمول التصعيد».
في الأثناء تعكف الوزارات على تسريع تطبيق خطة «تنفيذية من أجل التنوير ضد الفكر المتطرف والإرهاب» كانت قد رسمت قبل شهور بإشراف رئيس الوزراء عبدالله النسور.
تتضمن الخطة تعديل مناهج المدارس وتحديث خطاب المساجد وابتعاث أئمة ووعاظ، وتفعيل دور وزارة الثقافة ومجالس الشباب لمحاربة الغلو والتطرف الذي بات يتغلغل في أحشاء المجتمع.
غالبية المواطنين تقف اليوم خلف قرار الملك عبدالله الثاني بـ«شن حرب بلا هوادة» على التنظيم وقتاله في عقر داره، بعد أن وحد معاذ الأردنيين ضد خطر «داعش»، ومع أخذ قرار المشاركة في الحرب بعد أشهر من التأرجح بين مؤيد ومشكك ومعارض.
يتكئ القصر في الحرب الاستباقية الجديدة بتجلياتها العسكرية والأمنية والاستخباراتية على معطيات طرأت داخلياً وخارجياً، من دون شعور بالحاجة إلى نقاش سلبيات قرار التصعيد وإيجابياته.
بالطبع، لا يقلل المسؤولون من الأخطار المحتملة التي قد تنجم عن الاشتباك مع تنظيم شرس لا تهمه خسارة الرأي العام أو كسبه. ويبدو أنهم مستعدون للتعامل مع كل المفاجآت.
على رغم بشاعة الجريمة ووقعها الصاعق على الأردنيين وسائر شعوب العالم، وفّر «فيلم» حرق الشهيد معاذ بالصوت والصورة هدية ذهبية لصانع القرار: غالبية المواطنين تقف اليوم إلى جانب الملك مؤيدة قراره مشاركة الأردن في حرب شنّها التحالف الدولي بقيادة واشنطن على «داعش» وأخواته في 23 - 9 - 2014. وسحبت الممارسة البساط من تحت أقدام من كانوا يبررون فكر «داعش» المتطرف بالاتكاء على مفاهيم مغلوطة للدين الإسلامي الحنيف.
أثناء مفاوضة «داعش» لمقايضة الطيار بعراقية محكومة بالإعدام في الأردن، وبعد محاولة فاشلة لكوماندوس أردني - أميركي لتحرير الرهينة، كان الشعور العام غير محسوم حيال قرار إقحام المقاتلات الأردنية في الحرب، قبل تهيئة الرأي العام.
وبرزت آنذاك أصوات تؤيد مشاركة محدودة في الغارات الجوية ضد «داعش» من باب «الحرب الوقائية الاستباقية» مقابل من كان يرى أنها «ليست حربنا»، باعتبار أن ذلك سيفتح الباب أمام أعمال إرهابية انتقامية ضد الأردن. وثمة شريحة ثالثة طالبت بعدم توفير غطاء للغرب لمحاربة الإسلام باسم العرب والمسلمين، فيما طالب آخرون صاحب القرار بالتركيز أكثر على الشأن الداخلي بتعميق إصلاحات اقتصادية وسياسية لمواجهة ثنائية الفقر والبطالة، بصفتهما حاضنتين لنشر تطرف «داعش».
الغالبية اليوم تقبلت حقيقة أن المملكة لم تعد في منأى عن المجال الحيوي لهذا التنظيم. بل وأكثر، باتت تشعر بأنها في «حال حرب» مكلفة ومفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها عمليات إرهابية داخل الأردن قد تطاول منشآت وأفراد وطياري سلاح الجو المشاركين ممن ظهرت أسماؤهم وصورهم وعناوين إقاماتهم في نهاية شريط الإعدام مع مكافأة مئة «كيلو ذهب» لكل من يعدم أحدهم. ويبدو أن المسؤولين مستعدون لتحمل الثمن مهما علا.
يرى وزير الداخلية حسين المجالي في لقاء مع «الحياة» مساء الخميس الفائت أن «الأردن كله بات اليوم مشروع شهيد دفاعاً عن الوطن وعن النظام».
ويضيف نجل رئيس وزراء الأردن السابق هزاع المجالي الذي اغتيل بتفجير إرهابي استهدف مقر الحكومة عام 1960، أن «ما حدث للطيار سمح لغالبية المواطنين بحسم موقفها مما إذا كان داعش تنظيماً إرهابياً أو مقاومة مشروعة، وإذا كانت الحرب على داعش حرب الأردن أم لا». ضمن هذه المعادلة «تم حسم الموقف الشعبي وبوضوح لمصلحة الموقف الرسمي من الحرب على الإرهاب».
الأرجح ألّا يشمل تغيير المواقف التي يتحدث عنها المجالي حوالى 7 في المئة من المتعاطفين عقائدياً مع «داعش» في الأردن، وفق استطلاع رأي نفذه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية في أيلول (سبتمبر) 2014. لكنه بالتأكيد ساهم في حسم مواقف غالبية كانت ضمن 28 في المئة من العينة ممن وقف في المنطقة الرمادية تجاه «داعش».
لكن، للمرة الأولى تشعر غالبية الأردنيين بأنها أمام امتحان حقيقي: قيادة ودولة ومجتمعاً.
فإحراق الشهيد، وفق ساسة ومسؤولين ونشطاء، سمح للملك بلملمة الجبهة الداخلية وتدعيمها بعد أشهر من السير على حبل مشدود عقب اتخاذه قرار الحرب.
جماعة «الإخوان المسلمين»، وذراعها السياسية، حزب جبهة العمل الإسلامي كسرت الصمت حيال ممارسات «داعش» بعد أشهر من انتظار المؤسسة الرسمية لمثل هذا الموقف الواضح، إذ دان رموز التيار الإسلامي المعارض والأوسع تأثيراً وتنظيماً في الأردن عملية حرق الطيار وبرأوا الإسلام من ممارسات «داعش» باسم الدين الحنيف.
المبادرة الوطنية للبناء «زمزم» التي أسسها أعضاء إصلاحيون في «الإخوان» والحزب قبل أكثر من عام، أعلنت أيضاً بدء العمل على تشكيل جبهة وطنية لمحاربة الإرهاب والتطرف بهدف «خلق حال من الوعي الوطني وتقوية الجبهة الداخلية».
أبرز منظري التيار السلفي الجهادي عصام البرقاوي (أبو محمد المقدسي) شن هجوماً عنيفاً على «تنظيم الدولة» في مقابلات متلفزة عقب الإفراج عنه يوم الخميس، بعد توقيف دام خمسة أشهر. واتهم البرقاوي قياديي «داعش» بالكذب عليه وخداعه والخروج عن الشريعة، منبهاً الشباب حول العالم إلى عدم الالتحاق بهذا التنظيم الخارج عن الشرع.
التحالف العربي - الدولي يدعم قرار الأردن تصعيد الحرب على «داعش». والولايات المتحدة تدرس بجدية طلب عمان الحصول على أسلحة ومعدات عسكرية متطورة وبسرعة في الحرب على «داعش». كذلك وافقت واشنطن على توفير ثلاثة مليارات دولار لمساعدة الأردن اقتصادياً وعسكرياً (2015 - 2017). جاء ذلك الإعلان خلال زيارة الملك الأخيرة لواشنطن، والتي قطعها بعد بث فيديو الإعدام.
وبذلك تثبت الولايات المتحدة مرة أخرى أنها حليف الأردن الاستراتيجي الأول، وفق مسؤولين، ما يعني دفعة معنوية وعملية لموقف عمان.
وزيرا الخارجية والداخلية ناصر جودة والمجالي سيطلبان دعماً إضافياً ويقدمان شرحاً مفصلاً عن دور الأردن في مكافحة الإرهاب حين يشاركان في مؤتمر دولي تحت هذا العنوان يستضيفه الرئيس باراك أوباما في واشنطن في 18 شباط الجاري.
فور عودة الملك – القائد الأعلى للقوات المسلحة - من أميركا توجه إلى القيادة العامة واجتمع بكبار المسؤولين الأمنيين والوزراء السياديين لوضع اللمسات الأخيرة على قرار تصعيد الحرب على «داعش» وقطف رؤوس التنظيم في سورية والعراق.
بواكير الحملة بدأت نهار الأربعاء بالإعلان رسمياً عن قيام سلاح الجو بشن غارات خاصة به وإن بدعم من التحالف، لضرب أهداف تنظيم «داعش» باسم «عملية الشهيد معاذ» وبمشاركة زملاء الطيار. سبق ذلك بساعات إعدام السجينة الريشاوي والعراقي زياد الكربولي، أحد زعماء «القاعدة» في العراق، كانت قوات نخبوية أردنية اصطادته قبل سنوات قرب الحدود العراقية في إطار عمليات للثأر من تفجيرات فنادق عمان. وقاد ذلك الجهد لاحقاً إلى مساهمة الأردن في قنص زعيم «القاعدة» في العراق أبو مصعب الزرقاوي، الأردني الجنسية.
الحملة الجديدة تتضمن سلسلة إجراءات أمنية وعسكرية واستخباراتية، بما فيها تشكيل مجموعات خاصة عابرة للحدود لمطاردة زعماء «داعش» على نسق عمليات وحدة «فرسان الحق» التي أنشئت بعد تفجيرات عمان 2005، وفق مسؤولين وخبراء أمنيين.
يقول مسؤول بارز أن «قواعد لعبة الاشتباك» مع «داعش» وأخواته تغيرت للأبد بعد عملية الإعدام حرقاً «وكل الخيارات اليوم متاحة».
الأجهزة الأمنية على الحدود وفي الداخل - التي كانت أصلاً في حال استنفار منذ بدء الحرب - رفعت من جاهزيتها القصوى.
ويخشى زعماء التيار السلفي الجهادي وغالبيتهم معروفة لدى الأجهزة الأمنية، من حملة اعتقالات قد تطاولهم بهدف قطع التواصل بينهم وبين حوالى 8.000 من أتباعهم وأنصارهم في الأردن، وفق تقارير رسمية.
وستتكثف حملات التشديد على خطباء المساجد لمنع محالات خروج أقلية للتحريض على العنف من منابر تشكل الرأي العام. وطلبت وزارة الأوقاف من خطباء المساجد تخصيص خطبة الجمعة أمس للحديث عن جريمة إحراق الطيار الأسير.
خلال الأسابيع الماضية أوقفت وزارة الأوقاف ثلاثة خطباء عن العمل لأنهم خرجوا عن الخط وروجوا للفكر الإرهابي. الإعلام بشقيه العام والخاص يقف وراء الموقف الرسمي على نحو غير مسبوق. الكتائب الإلكترونية الرسمية ترد وتشوش على رسائل أنصار «داعش» التي تعبر فضاء الإنترنت وتصل حسابات التويتر و «الفايسبوك». وتم تشديد الرقابة على مواقع المغردين و «الفايسبوكيين» الذين يرفعون شعار «الحرب ليست حربنا»، من خلال قانون مكافحة الإرهاب.
الإذاعات الأردنية العامة والخاصة تبث مقاطع تحضّ على الشهادة، وتستحضر شهداء الوطن من هزاع المجالي إلى وصفي التل (رئيس وزراء استشهد في القاهرة عام 1971) مروراً بالطيار فراس العجلوني وموفق السلطي (في حرب 1967). على أن بعض الأصوات لا تزال تخشى من تداعيات هذا الشعور الجمعي. أحد المدونين قال في مقابلة مع «الحياة» أن «الدولة استثمرت في شكل ناجح بشاعة ما أقدم عليه التنظيم لتخلق زخماً في اتجاه معين لا يحتمل أي اعتراض أو نقد مغاير وقطبية معنا أو علينا».
وأعرب عن خشيته «من انزلاق الأردن نحو مشاركة أوسع مكلفة وأن تملي المشاركة تبعية أكبر لمن سيمول التصعيد».
في الأثناء تعكف الوزارات على تسريع تطبيق خطة «تنفيذية من أجل التنوير ضد الفكر المتطرف والإرهاب» كانت قد رسمت قبل شهور بإشراف رئيس الوزراء عبدالله النسور.
تتضمن الخطة تعديل مناهج المدارس وتحديث خطاب المساجد وابتعاث أئمة ووعاظ، وتفعيل دور وزارة الثقافة ومجالس الشباب لمحاربة الغلو والتطرف الذي بات يتغلغل في أحشاء المجتمع.