حول جدل الإخوان الداخلي من جديد
ياسر الزعاترة
جو 24 : آخر ما تم اعتماده في توصيف الأزمة داخل جماعة “الإخوان” هنا في الأردن هو أن هناك مشروعين، أحدهما يريد الاهتمام بالشأن الأردني، وآخر يحصر اهتمامه بالشأن الفلسطيني، وهو توصيف ليس جديدا في واقع الحال، وإن لم يكن يُطرح بهذا الوضوح من قبل، ربما لأن أصحابه كانوا حريصين على فريق من المنبت الآخر يصطف معهم، حين كانوا يأملون في التغيير من الداخل، وقبل أن يحسموا خيارهم باتجاه القطيعة التي لا ندري إلى أين يمضي مسارها؟ مع العلم أن ذلك لا ينطبق على الجميع، حيث ما زال فريق معتبر، من رموز لها وزنها من الجانبين يصرون على الوحدة والتفاهم.
هكذا تتحول قضية فلسطين (الصراع مع المشروع الصهيوني بتعبير أدق) إلى قضية لا تختلف عن الغزو الأمريكي لأفغانستان، أو الغزو الحوثي لليمن، أو الأزمة في العراق أو سوريا، بحيث يمكن إدارة كل شيء مع تجاهل تام لها، اللهم إلا ما تيسر من تعاطف هنا أو هناك، بحسب ما يتوافر من فائض الوقت.
لست مع قصة (الحقوق المنقوصة) في شقها السياسي، وأرى الاكتفاء بالحقوق المدنية، لكي تبقى قضية فلسطين وقضية اللاجئين حاضرتين بشكل دائم، على أن تكونا كذلك بالفعل، لكن ذلك شيء وتغييب الصراع مع المشروع الصهيوني من برنامج تيار أردني أيا كان شيء آخر.
كانت الشكوى التقليدية السابقة التي نسمعها دائما تتعلق بتدخل من طرف حماس في الوضع الإخواني الداخلي، الأمر الذي خضع ولا زال لمبالغات واضحة، لكن الموقف اليوم هو الحديث المعلن عن مشروعين، وفي الحالتين لم يقل لنا أنصار هذا الرأي ما الذي قدمته الجماعة على الصعيد الفلسطيني، وهل إن كل هذه المؤسسات، ومنها جمعية المركز الإسلامي كانت تقوم بخدمات لفلسطين؟! وهل ينكرون مثلا كل الأدوار السياسية والاقتصادية والاجتماعية (دعك من صناعتها للصحوة الإسلامية) التي قامت بها الجماعة خلال عقود؟!
بحسب أولئك، فقد تحولت جماعة الإخوان في العهد الحالي إلى معبَّر عن هموم الأردنيين من أصل فلسطيني، كما تماهت في لون حماس وغابت عن قضايا الهم الوطني الأردني، مع أننا لم نلمس أي فرق بين هذه المرحلة والمرحلة السابقة. وهنا تنشأ جملة من الأسئلة التي لا بد من طرحها. أول تلك الأسئلة هو ما الذي فعلته الحركة الإسلامية لحماس أكثر مما تفعله زميلاتها في اليمن والمغرب وموريتانيا ومصر؟ مع أن الأصل هو غير ذلك، لأن الاحتلال الصهيوني لا يهدد موريتانيا أو المغرب على نحو مباشر، لكنه يفعل ذلك بالنسبة للأردن الذي ما زال وطنا بديلا للفلسطينيين في برامج أحزاب فاعلة في الحياة السياسية الإسرائيلية.
من هنا فإن الاهتمام بقضية فلسطين لا يعني فئة من الأردنيين فحسب، بل يعنيهم جميعا، لأن المشروع الصهيوني لا يزال تهديدا للأردن، بل التهديد الأكبر، واتفاقية وادي عربة لم تخرجه من دائرة الصراع، وأي مشروع تسوية مقبل، لن يكون إلا على حساب الأردن ما لم يتوحد الجميع من أجل التصدي له وأجهاضه، فهل يغدو هذا الأمر شأنا أجنبيا أم شأنا محليا برأي هؤلاء؟!
إن استمرار المقاومة ورفض التسوية هو النقيض لمفهوم التوطين والصراع على اقتسام الكعكة، ما يؤكد محورية القضية كقضية محلية، وإلا فهل يقبل أصحاب تلك المقولات أن يركز اللاجئون في الأردن على المطالبة بديمقراطية كاملة تمنح كل شخص حقه الانتخابي بصرف النظر عن أصله أو منبته، باعتبار أن الصراع قد انتهى عمليا؟
نأتي هنا إلى الاشتغال بالهم الوطني، ومع قناعتنا بأن الاهتمام بالشأن الفلسطيني لا يعطل شيئا، لا سيما وهو لا يتجاوز الفعاليات الشعبية العابرة، إلا أن تراجع ذلك البعد الأول في مراحل سابقة (الحال هو ذاته في ظل كافة الألوان)، لم يكن ذا صلة بتدخلات حماس، بل بكلفته السياسية وطبيعة الرد عليه من قبل الجهات الرسمية، فالاشتغال بالملفات الداخلية بنفس معارض ليس بالأمر السهل وكلفته أعلى من الاهتمام بقضية فلسطين، ما دام لا يتجاوز البعد السياسي. أما الأهم فهو أن للملفات المذكورة أهميتها بالنسبة لجميع أبناء المجتمع بصرف النظر عن أصولهم ومنابتهم، ولم يكن أحد ليعترض على منحها الأولوية، وكان الأمر كذلك في بعض المراحل، كما حصل بعد الربيع العربي.
أعود إلى القول إن ما كان يجري هو في الأصل نزاعات شخصية وعصبوية لا صلة لها بالبرامج، وهي قضايا إنسانية مفهومة. ومع استفحالها، صار من الطبيعي أن يجري تخريجها بصيغة برامج، ولو تذكّر كل طرف ما كان يطرحه من رؤى قبل وقت ليس بالبعيد، فسيتأكد من ذلك، لكنه لن يفعل على كل حال، وهذا هو شأن البشر كما يبدو في كل زمان ومكان.
كل ذلك لا مشكلة فيه، فمن حق كل أحد أن يطرح ما يريد، ويجرب المسار الذي يراه، ولكن لماذا الصدام بالآخرين والاستقواء عليهم؟ أليس الأولى تطبيق القاعدة الشرعية “إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”؟ فليذهب كل في مساره، وليعمل كل “على شاكلته”، وليثبت أن رأيه في قصة الخلاف على البرامج صحيحا، لا سيما أن الانشقاقات لا تكون شخصية ولا جهوية بالضرورة، إذ يحدث أن تكون على برامج بالفعل، كما في حالة الشيخ رائد صلاح والشيخ عبدالله نمر درويش، حيث كان خلافهما حول دخول انتخابات الكنيست الصهيوني.
يبقى أن التعويل على العقلاء والكبار لملمة الموقف الداخلي لا زال قائما، وإذا لم يحدث، فيمكن أن يدخل الناس “من أبواب متفرقة”، وليخدم كل دينه ووطنه وأمته بالطريقة التي يراها. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
هكذا تتحول قضية فلسطين (الصراع مع المشروع الصهيوني بتعبير أدق) إلى قضية لا تختلف عن الغزو الأمريكي لأفغانستان، أو الغزو الحوثي لليمن، أو الأزمة في العراق أو سوريا، بحيث يمكن إدارة كل شيء مع تجاهل تام لها، اللهم إلا ما تيسر من تعاطف هنا أو هناك، بحسب ما يتوافر من فائض الوقت.
لست مع قصة (الحقوق المنقوصة) في شقها السياسي، وأرى الاكتفاء بالحقوق المدنية، لكي تبقى قضية فلسطين وقضية اللاجئين حاضرتين بشكل دائم، على أن تكونا كذلك بالفعل، لكن ذلك شيء وتغييب الصراع مع المشروع الصهيوني من برنامج تيار أردني أيا كان شيء آخر.
كانت الشكوى التقليدية السابقة التي نسمعها دائما تتعلق بتدخل من طرف حماس في الوضع الإخواني الداخلي، الأمر الذي خضع ولا زال لمبالغات واضحة، لكن الموقف اليوم هو الحديث المعلن عن مشروعين، وفي الحالتين لم يقل لنا أنصار هذا الرأي ما الذي قدمته الجماعة على الصعيد الفلسطيني، وهل إن كل هذه المؤسسات، ومنها جمعية المركز الإسلامي كانت تقوم بخدمات لفلسطين؟! وهل ينكرون مثلا كل الأدوار السياسية والاقتصادية والاجتماعية (دعك من صناعتها للصحوة الإسلامية) التي قامت بها الجماعة خلال عقود؟!
بحسب أولئك، فقد تحولت جماعة الإخوان في العهد الحالي إلى معبَّر عن هموم الأردنيين من أصل فلسطيني، كما تماهت في لون حماس وغابت عن قضايا الهم الوطني الأردني، مع أننا لم نلمس أي فرق بين هذه المرحلة والمرحلة السابقة. وهنا تنشأ جملة من الأسئلة التي لا بد من طرحها. أول تلك الأسئلة هو ما الذي فعلته الحركة الإسلامية لحماس أكثر مما تفعله زميلاتها في اليمن والمغرب وموريتانيا ومصر؟ مع أن الأصل هو غير ذلك، لأن الاحتلال الصهيوني لا يهدد موريتانيا أو المغرب على نحو مباشر، لكنه يفعل ذلك بالنسبة للأردن الذي ما زال وطنا بديلا للفلسطينيين في برامج أحزاب فاعلة في الحياة السياسية الإسرائيلية.
من هنا فإن الاهتمام بقضية فلسطين لا يعني فئة من الأردنيين فحسب، بل يعنيهم جميعا، لأن المشروع الصهيوني لا يزال تهديدا للأردن، بل التهديد الأكبر، واتفاقية وادي عربة لم تخرجه من دائرة الصراع، وأي مشروع تسوية مقبل، لن يكون إلا على حساب الأردن ما لم يتوحد الجميع من أجل التصدي له وأجهاضه، فهل يغدو هذا الأمر شأنا أجنبيا أم شأنا محليا برأي هؤلاء؟!
إن استمرار المقاومة ورفض التسوية هو النقيض لمفهوم التوطين والصراع على اقتسام الكعكة، ما يؤكد محورية القضية كقضية محلية، وإلا فهل يقبل أصحاب تلك المقولات أن يركز اللاجئون في الأردن على المطالبة بديمقراطية كاملة تمنح كل شخص حقه الانتخابي بصرف النظر عن أصله أو منبته، باعتبار أن الصراع قد انتهى عمليا؟
نأتي هنا إلى الاشتغال بالهم الوطني، ومع قناعتنا بأن الاهتمام بالشأن الفلسطيني لا يعطل شيئا، لا سيما وهو لا يتجاوز الفعاليات الشعبية العابرة، إلا أن تراجع ذلك البعد الأول في مراحل سابقة (الحال هو ذاته في ظل كافة الألوان)، لم يكن ذا صلة بتدخلات حماس، بل بكلفته السياسية وطبيعة الرد عليه من قبل الجهات الرسمية، فالاشتغال بالملفات الداخلية بنفس معارض ليس بالأمر السهل وكلفته أعلى من الاهتمام بقضية فلسطين، ما دام لا يتجاوز البعد السياسي. أما الأهم فهو أن للملفات المذكورة أهميتها بالنسبة لجميع أبناء المجتمع بصرف النظر عن أصولهم ومنابتهم، ولم يكن أحد ليعترض على منحها الأولوية، وكان الأمر كذلك في بعض المراحل، كما حصل بعد الربيع العربي.
أعود إلى القول إن ما كان يجري هو في الأصل نزاعات شخصية وعصبوية لا صلة لها بالبرامج، وهي قضايا إنسانية مفهومة. ومع استفحالها، صار من الطبيعي أن يجري تخريجها بصيغة برامج، ولو تذكّر كل طرف ما كان يطرحه من رؤى قبل وقت ليس بالبعيد، فسيتأكد من ذلك، لكنه لن يفعل على كل حال، وهذا هو شأن البشر كما يبدو في كل زمان ومكان.
كل ذلك لا مشكلة فيه، فمن حق كل أحد أن يطرح ما يريد، ويجرب المسار الذي يراه، ولكن لماذا الصدام بالآخرين والاستقواء عليهم؟ أليس الأولى تطبيق القاعدة الشرعية “إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”؟ فليذهب كل في مساره، وليعمل كل “على شاكلته”، وليثبت أن رأيه في قصة الخلاف على البرامج صحيحا، لا سيما أن الانشقاقات لا تكون شخصية ولا جهوية بالضرورة، إذ يحدث أن تكون على برامج بالفعل، كما في حالة الشيخ رائد صلاح والشيخ عبدالله نمر درويش، حيث كان خلافهما حول دخول انتخابات الكنيست الصهيوني.
يبقى أن التعويل على العقلاء والكبار لملمة الموقف الداخلي لا زال قائما، وإذا لم يحدث، فيمكن أن يدخل الناس “من أبواب متفرقة”، وليخدم كل دينه ووطنه وأمته بالطريقة التي يراها. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.