إيران في متاهتها السورية
ياسر الزعاترة
جو 24 : لم تكد أنباء انشقاق رئيس الوزراء السوري رياض حجاب تتداعى في وكالات الأنباء، حتى أصيبت الدبلوماسية السورية بنوبة سعار غير مسبوق؛ إذ حط أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي في بيروت ثم دمشق ثم بغداد (مثلت الدعم لنظام الأسد)، بينما أعلنت الدبلوماسية الإيرانية عقد لقاء للأصدقاء “الحقيقيين” للشعب السوري في طهران. أما وزير الخارجية فسافر إلى أنقرة وسط تصعيد في اللهجة بين الجانبين التركي والإيراني.
هذا هو الجانب المعلن من الدبلوماسية الإيرانية التي تحركت على سائر المستويات من أجل تقديم معنوي؛ ليس لبشار الأسد وحده، وإنما للطائفة التي تقف إلى جواره بشكل شبه حاسم، لاسيما أن عددا محدودا من ضباطها قد انشقوا أو قفزوا من السفينة الغارقة بتعبير أدق، ما يعني إمكانية تخليها عنه بمرور الوقت واتساع دائرة اليأس.
والحال أن معظم التقارير الصحفية والإعلامية لم تعد تتردد في القول إن الغالبية السنية قد حسمت موقفها من الأسد ونظامه، وأن من يقفون إلى جواره من أبنائها ليسوا سوى جحافل من المعتقلين المراقبين الخائفين على عائلاتهم وزوجاتهم وأطفالهم (من العسكر والمسؤولين المدنيين)، بينما ينتظرون الفرصة لكي ينشقوا، الأمر الذي لا يبدو سهلا على الإطلاق في ظل اتساع دائرة الشك بكل سنّي في المؤسسة الأمنية والعسكرية والسياسية.
وحين تصل الحال بزوجة وزير الدفاع داوود راجحة الذي منحه السيد نصر الله “مشكورا” وسام الشهادة، ومعه الذين قتلوا في تفجير مبنى الأمن القومي، حين تصل الحال بها حد القول: إن زوجها لم يعد لبيته منذ عام تقريبا، وأنه كان لا يتصل بهم إلا نادرا، ما يعني أنه كان مثل بقية المسؤولين أشبه بالمعتقل؛ عندما تقول ذلك وهي تتحدث عن زوجها المسيحي وليس السني، فهذا يؤكد أن أحدا لم يعد يقف بحسم إلى جانب النظام سوى طائفته، أو غالبيتها إذا شئنا الدقة.
قي هذه الأجواء كان على طهران أن تتحرك سريعا وبقوة في المشهد لكي تقول للأسد وطائفته بأننا معكم، وأن “الإرهابيين” لن يتمكنوا من هزيمتكم، بصرف النظر عن ماهية الخطاب ومحاولة تزيينه بحكاية المقاومة والممانعة التي لا يؤمن بها أولئك إلا في سياق “الأونطة”، بينما هم يقاتلون من أجل مكاسب طائفية وخوفا من البديل القادم.
كان على طهران والحال هذه أن تقدم أقصى درجات الدعم المعنوي للأسد، بينما تضع في الجانب غير المعلن كل ما تملكه من إمكانات تحت خدمة النظام ونخبته “الصامدة”، أكان على صعيد السلاح أم المال أم التخطيط، بل ربما التنفيذ المباشر فيما خصّ محاولات الإطباق على مدينة حلب التي خرجت من دائرة الولاء للنظام بصرف النظر عن نتيجة المعركة الدائرة فيها وحولها.
هي إذن محاولة محمومة لإسناد نظام يتداعى بسرعة، وينفضُّ عنه سائر المقربون باستثناء نخبته الطائفية، وهو إسناد لم يعد مقبولا أن يجري تخريجه بحكاية المقاومة والممانعة، وإنما بخوف إيران من نهاية مشروعها في المنطقة في حال سقط ركنه الإستراتيجي في دمشق.
والحال أن إيران بسلوكها الأرعن هذا، إنما تغامر أكثر فأكثر بما تبقى لها من رصيد يقترب حثيثا من الصفر في الأوساط الإسلامية السنية، الأمر الذي ينطبق بشكل واضح على حليفها نصر الله وسائر عناصر التحالف الذي يدور في ذات الفلك؛ بخاصة في العراق. وهي إلى ذلك تصب مزيدا من الزيت على نار الحشد المذهبي الذي يجتاح المنطقة كما لم يحدث منذ قرون طويلة.
إن قليلا من العقل لا يمكن أن يدفع طهران نحو الموقف الذي تتبناه، والذي لا يكتفي بالمراهنة على حصان خاسر، بل يضيف إلى ذلك حشد الجهد في معركة ستكون تداعيات ربحها أسوأ من خسارتها. وإذا اعتقدت طهران أن بوسعها أن تذل أمة بكاملها ثم تخرج منتصرة، فهي واهمة أشد الوهم، لأن أمة هزمت أكبر مشروع غزو للمنطقة منذ قرون ممثلا في الغزو الأمريكي للعراق لن تعجز عن هزيمة مشروع بات كثيرون يرونه أكثر خطرا من المشروع الصهيوأمريكي."الدستور"
هذا هو الجانب المعلن من الدبلوماسية الإيرانية التي تحركت على سائر المستويات من أجل تقديم معنوي؛ ليس لبشار الأسد وحده، وإنما للطائفة التي تقف إلى جواره بشكل شبه حاسم، لاسيما أن عددا محدودا من ضباطها قد انشقوا أو قفزوا من السفينة الغارقة بتعبير أدق، ما يعني إمكانية تخليها عنه بمرور الوقت واتساع دائرة اليأس.
والحال أن معظم التقارير الصحفية والإعلامية لم تعد تتردد في القول إن الغالبية السنية قد حسمت موقفها من الأسد ونظامه، وأن من يقفون إلى جواره من أبنائها ليسوا سوى جحافل من المعتقلين المراقبين الخائفين على عائلاتهم وزوجاتهم وأطفالهم (من العسكر والمسؤولين المدنيين)، بينما ينتظرون الفرصة لكي ينشقوا، الأمر الذي لا يبدو سهلا على الإطلاق في ظل اتساع دائرة الشك بكل سنّي في المؤسسة الأمنية والعسكرية والسياسية.
وحين تصل الحال بزوجة وزير الدفاع داوود راجحة الذي منحه السيد نصر الله “مشكورا” وسام الشهادة، ومعه الذين قتلوا في تفجير مبنى الأمن القومي، حين تصل الحال بها حد القول: إن زوجها لم يعد لبيته منذ عام تقريبا، وأنه كان لا يتصل بهم إلا نادرا، ما يعني أنه كان مثل بقية المسؤولين أشبه بالمعتقل؛ عندما تقول ذلك وهي تتحدث عن زوجها المسيحي وليس السني، فهذا يؤكد أن أحدا لم يعد يقف بحسم إلى جانب النظام سوى طائفته، أو غالبيتها إذا شئنا الدقة.
قي هذه الأجواء كان على طهران أن تتحرك سريعا وبقوة في المشهد لكي تقول للأسد وطائفته بأننا معكم، وأن “الإرهابيين” لن يتمكنوا من هزيمتكم، بصرف النظر عن ماهية الخطاب ومحاولة تزيينه بحكاية المقاومة والممانعة التي لا يؤمن بها أولئك إلا في سياق “الأونطة”، بينما هم يقاتلون من أجل مكاسب طائفية وخوفا من البديل القادم.
كان على طهران والحال هذه أن تقدم أقصى درجات الدعم المعنوي للأسد، بينما تضع في الجانب غير المعلن كل ما تملكه من إمكانات تحت خدمة النظام ونخبته “الصامدة”، أكان على صعيد السلاح أم المال أم التخطيط، بل ربما التنفيذ المباشر فيما خصّ محاولات الإطباق على مدينة حلب التي خرجت من دائرة الولاء للنظام بصرف النظر عن نتيجة المعركة الدائرة فيها وحولها.
هي إذن محاولة محمومة لإسناد نظام يتداعى بسرعة، وينفضُّ عنه سائر المقربون باستثناء نخبته الطائفية، وهو إسناد لم يعد مقبولا أن يجري تخريجه بحكاية المقاومة والممانعة، وإنما بخوف إيران من نهاية مشروعها في المنطقة في حال سقط ركنه الإستراتيجي في دمشق.
والحال أن إيران بسلوكها الأرعن هذا، إنما تغامر أكثر فأكثر بما تبقى لها من رصيد يقترب حثيثا من الصفر في الأوساط الإسلامية السنية، الأمر الذي ينطبق بشكل واضح على حليفها نصر الله وسائر عناصر التحالف الذي يدور في ذات الفلك؛ بخاصة في العراق. وهي إلى ذلك تصب مزيدا من الزيت على نار الحشد المذهبي الذي يجتاح المنطقة كما لم يحدث منذ قرون طويلة.
إن قليلا من العقل لا يمكن أن يدفع طهران نحو الموقف الذي تتبناه، والذي لا يكتفي بالمراهنة على حصان خاسر، بل يضيف إلى ذلك حشد الجهد في معركة ستكون تداعيات ربحها أسوأ من خسارتها. وإذا اعتقدت طهران أن بوسعها أن تذل أمة بكاملها ثم تخرج منتصرة، فهي واهمة أشد الوهم، لأن أمة هزمت أكبر مشروع غزو للمنطقة منذ قرون ممثلا في الغزو الأمريكي للعراق لن تعجز عن هزيمة مشروع بات كثيرون يرونه أكثر خطرا من المشروع الصهيوأمريكي."الدستور"