الشماتة تنتقل إلى الفضاء الإلكتروني
جو 24 : حالة من الذهول خيمت على العشرينية (هلا) عندما قرأت رسالة منشورة على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تشتمل على ألفاظ تنطوي على شماتة لفسخ خطوبتها.
تقول (هلا) “ما إن قرأت رسالة قريبات خطيبي السابق على “فيسبوك” حتى صدمت وبكيت جدا من نبرة الشماتة التي تضمنتها”، متابعة “شعرت بألم ليس لأنهن شمتن فحسب بل لأنهن فتحن نقاشا خاصا عبر صفحة عامة وعلى الملأ”.
“لولا ما إنت عندك ألف علاقة بحياتك ما كانت هيك تصرفاتك.. وما كان تركك خطيبك..!”، هذه العبارة جزء يسير مما كتبنه، وفق ما ذكرت هلا التي أبدت استياءها من عدم قدرة الفتيات على إخفاء الشماتة بل والميل إلى اتهامها بأخلاقها أمام أصدقاء “فيسبوك”.
لم تكتفِ هلا بحظر صداقة هؤلاء الفتيات وكل من لهم علاقة بخطيبها السابق، بل أغلقت صفحتها على “فيسبوك”، واعتزلت لتتمكن من نسيان هذا الكلام الذي أصابها بمقتل، حد قولها.
أما أروى والتي أنهت عملها في إحدى المؤسسات فلم تكن تتوقع أن تخرجها صديقاتها من “جروب” خاص على “فيسبوك”، لكنها قرأت عن طريق صفحة صديقة أخرى، أنهن لم يخفين شماتتهن بها لفصلها من العمل، بل نشرن ما يسيء لها على الصفحة.
وتتابع أروى “ما إن قرأت تعليقهن تستاهل إنها تطلع لأنها كانت شايفة حالها، وكانت على أساس إنها الشغيلة وبس الوحيدة اللي عندها شغل”، حتى ذهلت من موقفهن، لاسيما أنها كنت تعمل عملها وتركز فيه وتحرص على ألا تختلط بكثيرات ممن يثرثرن ويتذمرن من العمل.
تقول أروى إنها احتسبت الأمر عند الله، واكتفت بأنهن غير موجودات عندها على صفحتها، كما أنها تؤمن أن الإنسان يسطر سمعته وسيرته من خلال تعامله وأن العالم لن ينتهي عن تركها لعمل يضم مجموعة من “النفسيات المريضة”، بحسب وصفها.
وتؤكد خبيرة التكنولوجيا هناء الرملي “أن الشماتة الالكترونية ما هي إلا نمط سلوكي يدل على أزمة قيم عند بعض مستخدمي الانترنت”، مشيرة إلى أنه ربما مع الزمن “تقل” حدة هذه المشاحنات واللغة العنيفة والتنابز بالألقاب بعد أن تروض تطبيقات الانترنت جماح بعض الثائرين على كل شيء.
وتشير إلى أن هذه السلوكيات تحتاج إلى مادة بحث علمي لمعرفة مكامن الخلل في التنشئة الاجتماعية وأيضا لرصد الأخطاء الإدارية إن كانت هناك موجبات لبعض التعليقات السلبية، والمهم أيضا أن لا يتوسع الشخص بمفهوم رفض الرأي الساخط ولو علت نبرته فلعله يكشف عن مكامن ضعف أو فساد ويساعد المخطط والمسؤول على تصحيح الأوضاع.
وتؤكد الرملي أن الشماتة على الانترنت “تؤذي الآخرين وتكشف مستوى الوعي الاجتماعي”، فهناك نوعان من المسؤولية؛ الأخلاقية والقانونية، أما المسؤولية الأخلاقية في مثل هذه القضايا فتقع بلا شك على الفرد والمجتمع الذي أنتج الثقافة السلوكية السلبية، وعلاجها بأن يقوم المجتمع بدوره التقليدي في التنشئة الاجتماعية السليمة، أما المسؤولية القانونية فبلا شك تتوزع على الموقع الناشر وعلى مسؤولية من كتب هذه المواد إذا أمكن تحديده ومعرفة هويته وهي محل إشكال آخر.
وتنوه إلى أنّ القوانين تطبق سواء في الفضاء الطبيعي أو الافتراضي، ولكن من المهم نشر التوعية قبل تطبيقها كون الانترنت وفد إلى المجتمعات العربية بدون تهيئة وأصبحت تعيش خارج السيطرة الأخلاقية والقانونية إلى حد كبير.
ومن جهته، يبين اختصاصي مهارات التواصل ماهر سلامة “أنه لا ينبغي على الإنسان أن يقول كل شيء بدون قيود”، متابعا لأن أثمن ما في الحرية هي القيود التي يصنعها من يعيشها ضمن حدود الخلق والدين، فقيل عند العرب مثل “رب كلمة تقول لصاحبها دعني”.
ويكمل سلامة، أن مشكلة الإنترنت اليوم هي رواج القصص والإشاعات، لأن الكثير من رواده يتفاعلون مع الأحداث ومنهم من يحدثون بكل ما يسمعون من دون تثبت، وكثيرا ما نجد بعض التعليقات الالكترونية التفاعلية على ما ينشر عن الأحداث والأخبار لا تخلو من شماتة ومن تعصب ومن انعدام في الذوق الخاص والعام.
ولعل السبب في انتشار تلك الصفات، وفق سلامة، أن الانترنت لم يعد وسيلة النخبة والراشدين وحدهم، ومن جهة أخرى يبدو أن انفعالات الناس أمام شاشة الكمبيوتر لا يردعها إلا خلق عظيم أو عقوبة صارمة، ولهذا وبسبب ضعف وغياب هذين العنصرين في بعض مناشط الفضاء الالكتروني، ظهرت هذه المظاهر السلوكية التي تحتاج الى دورات وثقافة في “الاتيكيت الالكتروني”.
ويرى اختصاصي علم الاجتماع
د. محمد جريبيع “أن الكتابة من وراء الأسوار الإلكترونية أتاحت مساحات واسعة لأقلام موهوبة في التعليقات الساخرة للسخرية ذاتها وليس للإصلاح”، متابعا لأن القلم المتزن يمتلك رؤية ورسالة بهدف تكوين آراء ورسائل إيجابية مع الآخرين تحدث تغييرا، لكن الكتابة المعنية في هذا التحقيق من النوع الذي نتج عن هوس التعلق بالكمبيوتر والانترنت ولا يجيد كاتبها سوى الحوار في صمت وعزلة.
ويشدد على أن الحوار بهذه الصورة يتسم بـ”السلبية الإنسانية” لأن التواصل الإنساني يكاد يكون “مفقودا والجفاء هو الأبرز حضورا”، وصاحب الكلمات الشامتة “تربى قلمه وفكره على النمط نفسه”، فأنتج أسلوبا مماثلا، وأحيانا تمثل تلك التعليقات مباريات يعرضون فيها مهاراتهم اللاذعة بهدف حيازة بعض كلمات الإطراء.
وسبب تنامي مثل هذا النوع من الكتابة، وفق جريبيع، هو دخول طبقات وفئات مختلفة ومتنوعة على الانترنت وقبول صداقات لمختلف الشرائح عبر فضاء مواقع التواصل الاجتماعي ومن ثم اختلاط الناس بمختلف أخلاقهم الحسنة والسيئة في هذا العالم.
وفي هذا السياق، يوضح اختصاصي علم النفس د. أنس أبو زناد، أن الشماتة الالكترونية “أمر غير مقبول” أبدا، معتبرا ذلك مؤشرا على “افتقاد” من يمارس هذه الأساليب لكثير من أبجديات الاحترام والتقدير، وهو مؤشر آخر لجوانب قد تكون “غير سوية” في شخصيته قد تؤشر لاضطرابات الشخصية وافتقار اللياقة واللباقة الاجتماعية، ومما يدل على ذلك السلوك غير السوي تخفّي الممارسين له خلف أسماء مستعارة أو كنى مجهولة لعلمهم الأكيد بعدم سوية هذا السلوك الذي يسميه البعض سلوك “خفافيش الظلام”.
ويضيف جريبيع أنه لا يمكن اعتبار ذلك التشفي أو الإساءة للآخرين من حرية الرأي ولا يعد من الحرية الشخصية، بل هو تعد على حريات الآخرين ومصادرة آرائهم، ومحاولة ممارسة أساليب عدوانية وأفكار غير سوية بطريقة خفية تدل على الجبن الأدبي وفساد القصد وسوء السلوك.
ولا يمكن علاج هذه الظاهرة، وفق أبو زناد، إلا من خلال مراقبة أصحاب الصفحات لصفحاتهم كي تبقى معطرة من هؤلاء الأشخاص وتشديد الرقابة على التعليقات.
وتبدي الرملي تفاؤلها مستقبلا من أن التشبع من فضاء الحرية الالكتروني سيؤدي إلى التخفيف من الاحتقان الفكري والاجتماعي، وربما يشيع الهدوء في السنوات المقبلة، خاصة مع انتظام التشريعات وارتفاع مستوى الوعي العام باستخدامات التقنية.الغد
تقول (هلا) “ما إن قرأت رسالة قريبات خطيبي السابق على “فيسبوك” حتى صدمت وبكيت جدا من نبرة الشماتة التي تضمنتها”، متابعة “شعرت بألم ليس لأنهن شمتن فحسب بل لأنهن فتحن نقاشا خاصا عبر صفحة عامة وعلى الملأ”.
“لولا ما إنت عندك ألف علاقة بحياتك ما كانت هيك تصرفاتك.. وما كان تركك خطيبك..!”، هذه العبارة جزء يسير مما كتبنه، وفق ما ذكرت هلا التي أبدت استياءها من عدم قدرة الفتيات على إخفاء الشماتة بل والميل إلى اتهامها بأخلاقها أمام أصدقاء “فيسبوك”.
لم تكتفِ هلا بحظر صداقة هؤلاء الفتيات وكل من لهم علاقة بخطيبها السابق، بل أغلقت صفحتها على “فيسبوك”، واعتزلت لتتمكن من نسيان هذا الكلام الذي أصابها بمقتل، حد قولها.
أما أروى والتي أنهت عملها في إحدى المؤسسات فلم تكن تتوقع أن تخرجها صديقاتها من “جروب” خاص على “فيسبوك”، لكنها قرأت عن طريق صفحة صديقة أخرى، أنهن لم يخفين شماتتهن بها لفصلها من العمل، بل نشرن ما يسيء لها على الصفحة.
وتتابع أروى “ما إن قرأت تعليقهن تستاهل إنها تطلع لأنها كانت شايفة حالها، وكانت على أساس إنها الشغيلة وبس الوحيدة اللي عندها شغل”، حتى ذهلت من موقفهن، لاسيما أنها كنت تعمل عملها وتركز فيه وتحرص على ألا تختلط بكثيرات ممن يثرثرن ويتذمرن من العمل.
تقول أروى إنها احتسبت الأمر عند الله، واكتفت بأنهن غير موجودات عندها على صفحتها، كما أنها تؤمن أن الإنسان يسطر سمعته وسيرته من خلال تعامله وأن العالم لن ينتهي عن تركها لعمل يضم مجموعة من “النفسيات المريضة”، بحسب وصفها.
وتؤكد خبيرة التكنولوجيا هناء الرملي “أن الشماتة الالكترونية ما هي إلا نمط سلوكي يدل على أزمة قيم عند بعض مستخدمي الانترنت”، مشيرة إلى أنه ربما مع الزمن “تقل” حدة هذه المشاحنات واللغة العنيفة والتنابز بالألقاب بعد أن تروض تطبيقات الانترنت جماح بعض الثائرين على كل شيء.
وتشير إلى أن هذه السلوكيات تحتاج إلى مادة بحث علمي لمعرفة مكامن الخلل في التنشئة الاجتماعية وأيضا لرصد الأخطاء الإدارية إن كانت هناك موجبات لبعض التعليقات السلبية، والمهم أيضا أن لا يتوسع الشخص بمفهوم رفض الرأي الساخط ولو علت نبرته فلعله يكشف عن مكامن ضعف أو فساد ويساعد المخطط والمسؤول على تصحيح الأوضاع.
وتؤكد الرملي أن الشماتة على الانترنت “تؤذي الآخرين وتكشف مستوى الوعي الاجتماعي”، فهناك نوعان من المسؤولية؛ الأخلاقية والقانونية، أما المسؤولية الأخلاقية في مثل هذه القضايا فتقع بلا شك على الفرد والمجتمع الذي أنتج الثقافة السلوكية السلبية، وعلاجها بأن يقوم المجتمع بدوره التقليدي في التنشئة الاجتماعية السليمة، أما المسؤولية القانونية فبلا شك تتوزع على الموقع الناشر وعلى مسؤولية من كتب هذه المواد إذا أمكن تحديده ومعرفة هويته وهي محل إشكال آخر.
وتنوه إلى أنّ القوانين تطبق سواء في الفضاء الطبيعي أو الافتراضي، ولكن من المهم نشر التوعية قبل تطبيقها كون الانترنت وفد إلى المجتمعات العربية بدون تهيئة وأصبحت تعيش خارج السيطرة الأخلاقية والقانونية إلى حد كبير.
ومن جهته، يبين اختصاصي مهارات التواصل ماهر سلامة “أنه لا ينبغي على الإنسان أن يقول كل شيء بدون قيود”، متابعا لأن أثمن ما في الحرية هي القيود التي يصنعها من يعيشها ضمن حدود الخلق والدين، فقيل عند العرب مثل “رب كلمة تقول لصاحبها دعني”.
ويكمل سلامة، أن مشكلة الإنترنت اليوم هي رواج القصص والإشاعات، لأن الكثير من رواده يتفاعلون مع الأحداث ومنهم من يحدثون بكل ما يسمعون من دون تثبت، وكثيرا ما نجد بعض التعليقات الالكترونية التفاعلية على ما ينشر عن الأحداث والأخبار لا تخلو من شماتة ومن تعصب ومن انعدام في الذوق الخاص والعام.
ولعل السبب في انتشار تلك الصفات، وفق سلامة، أن الانترنت لم يعد وسيلة النخبة والراشدين وحدهم، ومن جهة أخرى يبدو أن انفعالات الناس أمام شاشة الكمبيوتر لا يردعها إلا خلق عظيم أو عقوبة صارمة، ولهذا وبسبب ضعف وغياب هذين العنصرين في بعض مناشط الفضاء الالكتروني، ظهرت هذه المظاهر السلوكية التي تحتاج الى دورات وثقافة في “الاتيكيت الالكتروني”.
ويرى اختصاصي علم الاجتماع
د. محمد جريبيع “أن الكتابة من وراء الأسوار الإلكترونية أتاحت مساحات واسعة لأقلام موهوبة في التعليقات الساخرة للسخرية ذاتها وليس للإصلاح”، متابعا لأن القلم المتزن يمتلك رؤية ورسالة بهدف تكوين آراء ورسائل إيجابية مع الآخرين تحدث تغييرا، لكن الكتابة المعنية في هذا التحقيق من النوع الذي نتج عن هوس التعلق بالكمبيوتر والانترنت ولا يجيد كاتبها سوى الحوار في صمت وعزلة.
ويشدد على أن الحوار بهذه الصورة يتسم بـ”السلبية الإنسانية” لأن التواصل الإنساني يكاد يكون “مفقودا والجفاء هو الأبرز حضورا”، وصاحب الكلمات الشامتة “تربى قلمه وفكره على النمط نفسه”، فأنتج أسلوبا مماثلا، وأحيانا تمثل تلك التعليقات مباريات يعرضون فيها مهاراتهم اللاذعة بهدف حيازة بعض كلمات الإطراء.
وسبب تنامي مثل هذا النوع من الكتابة، وفق جريبيع، هو دخول طبقات وفئات مختلفة ومتنوعة على الانترنت وقبول صداقات لمختلف الشرائح عبر فضاء مواقع التواصل الاجتماعي ومن ثم اختلاط الناس بمختلف أخلاقهم الحسنة والسيئة في هذا العالم.
وفي هذا السياق، يوضح اختصاصي علم النفس د. أنس أبو زناد، أن الشماتة الالكترونية “أمر غير مقبول” أبدا، معتبرا ذلك مؤشرا على “افتقاد” من يمارس هذه الأساليب لكثير من أبجديات الاحترام والتقدير، وهو مؤشر آخر لجوانب قد تكون “غير سوية” في شخصيته قد تؤشر لاضطرابات الشخصية وافتقار اللياقة واللباقة الاجتماعية، ومما يدل على ذلك السلوك غير السوي تخفّي الممارسين له خلف أسماء مستعارة أو كنى مجهولة لعلمهم الأكيد بعدم سوية هذا السلوك الذي يسميه البعض سلوك “خفافيش الظلام”.
ويضيف جريبيع أنه لا يمكن اعتبار ذلك التشفي أو الإساءة للآخرين من حرية الرأي ولا يعد من الحرية الشخصية، بل هو تعد على حريات الآخرين ومصادرة آرائهم، ومحاولة ممارسة أساليب عدوانية وأفكار غير سوية بطريقة خفية تدل على الجبن الأدبي وفساد القصد وسوء السلوك.
ولا يمكن علاج هذه الظاهرة، وفق أبو زناد، إلا من خلال مراقبة أصحاب الصفحات لصفحاتهم كي تبقى معطرة من هؤلاء الأشخاص وتشديد الرقابة على التعليقات.
وتبدي الرملي تفاؤلها مستقبلا من أن التشبع من فضاء الحرية الالكتروني سيؤدي إلى التخفيف من الاحتقان الفكري والاجتماعي، وربما يشيع الهدوء في السنوات المقبلة، خاصة مع انتظام التشريعات وارتفاع مستوى الوعي العام باستخدامات التقنية.الغد