jo24_banner
jo24_banner

التجمعات الإنسانية ليست مصانع ولا شركات

ياسر الزعاترة
جو 24 : بعض الجدل الدائر حول وضع الإخوان هنا في الأردن، وما رافقه من تعليقات وتصريحات أوحى بأن الجدل يدور حول نزاع على ملكية شركة أو مصنع، أو وكالة سيارات، وفي أحسن الأحوال على جمعية خيرية، وليس على تجمع بشري لها أعضاؤه ومنتسبوه، ولديه طرقه الشورية المعروفة في اختيار قياداته، بل إنني دأبت على القول منذ أن سنوات بعيدة إن الإطار الإخواني لديه فائض في الديمقراطية لا يتوفر في أي تجمع إنساني آخر، إذ ثمة انتخابات للشُعب ولمجلس الشورى وللمحاكم ولما دون ذلك من أطر، وليس ثمة قرار مهم إلا ويمر بالأطر الشورية.
يمكن توجيه انتقاد لآليات الانتخاب، وهو جدل يتوفر في كل الأطر الديمقراطية في العالم، إذ لا يوجد قانون انتخابات لا يمكن إبداء ملاحظات عليه، لكن ذلك لا يطعن أبدا في تمثيل مجلس الشورى كممثل للقواعد بنسبة معقولة.
مع ذلك، وكما رددنا مرارا فإن الجماعات الإنسانية لا تدار فقط بالصناديق وعد الأصوات، ولا بد من قدر من التوافقات التي تأخذ في الاعتبار سائر الحساسيات الداخلية والعصبيات الإنسانية، وهي سنّةتعلمنا إياها سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، ومن بعده خيرة خلفائه.
يعلم بعض عناصر الطرف الآخر في الإخوان أنني كنت من أكثر الناس انتقادا للقيادة الراهنة، وأكثر انحيازا لتوافقات تأخذ في الاعتبار معادلات الوضع الداخلي، لكن تطور الموقف على هذا النحو جعل الأمرمختلفا، ليس من زاوية رؤيتهم وحسب، بل من زاوية الرؤية الرسمية أيضا، وإن كنت أرى أن من الطبيعي أن تقوم أية سلطة بإضعاف خصومها ما وسعها ذلك، من دون تجاهل الرؤية الأكثر صوابا لإدارة الوضع الداخلي، لأن وجود المعارضة ليس شرا دائما، حتى للوضع الرسمية ذاته.
من الواضح أن رؤية واضحة لم تحسم تماما في الأطر الرسمية حيال التعاطي مع الموقف رغم منح ترخيص للطرف المنقلب على القيادة الشرعية. ونقول شرعية لأنها كذلك، ما دامت قد جاءت وفق الأسس الشورية، ولا قيمة لملاحظات أبديت على العملية الانتخابية يعلم الجميع أنها كانت ممارسة شائعة طوال الوقت من الجميع، ومردها خلل في قانون الانتخاب.
تصريحات قادة الإخوان بعد لقاء رئيس الوزراء الخميس تثير الارتياح، وتبشر بإمكانية حشر القضية في إطار ضيق إذا تم حل الإشكال داخليا، حتى لو بقي الترخيص الآخر قائما، مع أن تجاوزه أو وضعه على الرف يبقى واردا.
لو كان الطرف الذي حصل على الترخيص الجديد واثقا من بضاعته، لطلب ترخيصا آخر، باسم آخر، لاسيما أن مسمى الإخوان ليس لازمة في الفروع الإخوانية، فهي حركة النهضة في تونس، وهي الجماعة الإسلامية في لبنان، وهي حركة مجتمع السلم في الجزائر، والأمثلة كثيرة ومعروفة، لكن إصراره على أخذ ترخيص بذات الاسم يحمل عنوانا لا يمكن أن تقبله القواعد، بما فيها تلك التي لها موقف سلبي من القيادة الحالية، فكيف وهو يتحدث عن انفصال كامل عن الجماعة الأم، ويعيب على خصومه ارتباطهم بها؟!
حتى الآن، لم تتوقف محاولات رأب الصدع، وكبار الجماعة لا يزالون يرفضون صيغة الانقلاب الجديدة، ويُتوقع أن يكون تفعيلها وصولا إلى حل الجماعة الحقيقية مرفوضا أيضا من الأطر الرسمية، ولذلك لسببين في اعتقادي: الأول هو أن جزءا معتبرا من النزاع يتم بنكهة جغرافية، ومع وجود حديث عن تدخلات من حماس خضعت لمبالغات غير منطقية، ما يطرح سؤالاحول المانع من تفكير البعض فيالانتقال إلى حماس بالفعل، ما دام متهما بذلك؛ وبأن أولويته هي القضية الفلسطينية، وحجته وجود تنظيم لحركة فتح هنا، وله كتل طلابية تخوض الانتخابات في الجامعات.
أما الجانب الآخر، فيتعلق بإمكانية تحول قطاع من الشبان نحو أفكار متشددة تبدو جاذبة هذه الأيام، وهي معضلة أخرى، ما يعني أن الأفضل هو اختيار مسار التهدئة، وسجل الجماعة في خدمة المجتمع هنا على كل الأصعدة مشهود، حتى لو لم يعجب في بعض تجلياته بعض الأوساط، وهي (أي الجماعة) كانت من أكثر الفعاليات تعبيرا عن نبض المجتمع في كثير من المراحل.
بقي القول إن في طرفي النزاع عقلاء مخلصون يمكنهم الاستجابة لمبادرات رأب الصدع التي يتولاها رجال مخلصون أيضا، ولهم تاريخهم المشهود، وهي مبادرات يمكن أن تشمل التوافق على التشكيل القيادي وعلى البرنامج المستقبلي في آن. ولا شك أن المطلوب من قيادة الجماعة الحالية أن تقدم تنازلات حقيقية تلملم الأمر بعيدا عن روحية الاستئثار التي لا تأت بخير.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير