jo24_banner
jo24_banner

الحاكمية الرشيدة واشكالية تميّز الأداء المؤسسي في المنظمات العامة

م. خليل المشاقبه
جو 24 : ان من اكثر الأدوار صعوبة في العمل العام فيما يتعلق بقيادة مؤسساتنا الوطنية ربما يتمثل في تعزيز وتثبيت قيمة القانون والنظام في هذه المؤسسات وبما يعني بأن يتموضع القانون والنظام في مكانه الصحيح وبما يضمن له ان يحكم الجميع على سوية واحدة وبدون استثناء ربما كثيراً ما كان يستند الى قوة خارج اطار هذا القانون وذاك النظام , وهي كما نرى الوسيلة المناسبة لضمان عدم وجود مراكز قوى فاسدة في داخل هذه المؤسسات والذي ان حصل _ وهو حاصل بالضرورة للأسف الشديد _ سيخل بمسألة تحويل هذه المواقع والمناصب الى مراكز فعلية وليست شكلية او فخرية تحكم ولا تحكم.

ربما يتم ذلك بشيء من الحنّو والاحتضان للفلسفة القائلة بالعمل بروح النظام المؤسسي المنهجي لا بمجرد الالتزام الشكلي بفحوى النصوص التي طالما حظيت باقتصاص واجتزاء ممنهج ومقصود لما تحمل من روح وثّابة وآفاق واسعة وواعدة للبزوغ والتحليق ربما كانت قد غادرت فضاءاتنا العربية العامة والخاصة كثيراً فيما اقتنصتها عوالم الغرب والشرق سوياً لتتركنا على قارعة الطريق ( كالمُنّبت لا ارضاً قطع ولا ظهراً ابقى ).
نقول ذلك وفي ذهننا ما يجب ان يترتب على كل ما سبق من مسألة تطبيق الحاكمية الرشيدة فيما يتعلق بمفاهيم المسائلة والمحاسبة والشفافية ضمن اطار تقييم المخرجات لهذه المؤسسة او تلك وبما يضمن عدالة الاحكام وربما بتعزيز ذلك بمكافأة المخلص والمجد والقادر والكفؤ وفي المقابل ان تضمن هذه المصفوفة من القيم العليا خروج الضعيف والكسول وراخي الهمة ( بارد الذرعان ) من قيادة مؤسساتنا , مع التأكيد على ان يكون سبب فشله عائد الى اليد الخفية المخرّبة والمتمثلة بمراكز القوى داخل هذه المؤسسات , تلك المؤسسات التي كان من المفترض ان يقودها المخلصون القادرون وما استكانت لهم بفعل ثلة من الفاسدين.
لقد حددت الكثير من الأدبيات التي اهتمت بموضوع الحاكمية الرشيدة في المنظمات المبادئ الرئيسية في سبيل الوصول الى منجزات يمكن الاعتداد بها فيما يتعلق بحوكمة المنظمات في القطاع العام الحكومي , حيث تفرض هذه المعطيات الاعتبار الأول فيما يتعلق بمسؤولية الدولة اتجاه الشعب من خلال وضع الاتجاه او الرؤيا والتي اعتبرتها تلك الوثائق من اولى اولويات الحكومات ممثلة بكافة هياكلها التنظيمية حيث انها هي القائمة على ادارة السياسة العامة للدولة والمسؤولة بطبيعة الحال عن ذلك امام مواطنيها .
تعمل الحوكمة الرشيدة على وضع السياسات والاستراتيجيات اللازمة لتوجيه أنشطة وأداء هذه المؤسسات الحكومية ، حيث انه من المألوف ان من يوجه السياسة العامة للدولة هي الأهداف الوطنية العامة التي تضعها الدولة في سبيل الارتقاء بتقديم افضل مستويات الخدمة لشعبها بطريقة فعالة وكفؤة وبما يضمن التخصيص الأمثل للموارد , ذلك الذي يحقق الحد الأعلى للقيمة المضافة للاقتصاد الوطني وضمان ان يحصل ذلك بأقل كمية من الموارد المتاحة , وهنا يبدوا انه من المفيد ان نكرر وقدر تعلق الأمر في الأردن تحديداً بأنها الأكثر ندرة في محيطنا الاقليمي والدولي .

ويبدوا انه من المهم ان نشير الى ان ضمان حدوث ذلك سيكون من خلال الحرص على التطبيق الشفاف للقوانين والأنظمة والمتمثل بصياغة افضل الخطط والخيارات الاستراتيجية ، وبما يعني تفعيل الهياكل الرقابية بمختلف مستوياتها سواءاً اكانت ذاتية من داخل المؤسسة نفسها او خارجية من قبل رقابة وزارة المالية ودائرة الموازنة العامة على اوجه الانفاق والأداء وبتقييم المخرجات لهذه المؤسسات , او من خلال اجهزة الدولة المركزية للرقابه العليا والمتمثلة بديوان المحاسبة وغيره من الأجهزة المركزية التي تعنى بموضوع الرقابة على المال العام حيث يبقى الاهتمام بأن تحرص على ان تكون قائمة في العمل على حفظ هذه الموارد وصونها وضمان حسن استغلالها.
ومن أجل تنفيذ هذه السياسات والاستراتيجيات الحكومية لا بد من الحرص على تخصيص هذه الموارد المالية والبشرية واختيار القيادة المناسبة لهذه الأجهزة الرقابية لتنفيذ الأنشطة المطلوبة , على ان يتبع في ذلك فلسفة الافصاح والمسائلة من خلال ادراج موازنات هذه الأجهزة ايضاً في الموازنة العامة للدولة والتي وكما نعلم تعتبر أداة رقابة بيد الدولة اضافة الى صفتها المعروفة كأداة للتخطيط وبرمجة النشاطات والمشاريع الحكومية فيما يتعلق بفلسفة الدولة الكامنة في تحقيق المنفعة المطلوبة لمتلقي خدماتها من المواطنين وغيرهم من الشركاء في القطاع الخاص.
ان الفلسفة القائمة من وراء دور الحكومة في تحديد الاتجاه العام لسياساتها المتمثلة برؤيتها واستراتيجيتها تكمن في تحقيق القيمة المتعلقة بالفلسفة القائمة على سيادة القانون , وهو المبدأ الكفيل بوضع الادارة العامة للدولة ممثلة بالقائمين على الادارة سواءاً اكانوا من السياسيين او من الاداريين البيروقراط امام استحقاق المسائلة القانونية على اداءهم امام الشعب ترسيخا للثنائية الجميلة القائلة بتوازن طرفي المعادلة فيما يتعلق بالحقوق والواجبات والذي سيعتبر بمثابة العقد الاجتماعي الذي يغلف علاقة الوكيل بموكله , وهو السعي الذي ننصح به في سبيل ان تصبح السلطة بصفتها تلك مغرماً كبيراً يوجب المسؤولية عند القصور في تأدية الواجبات لا مغنماً ورصيداً للمكاسب وحصانة تصب في غير مكانها .
أما بالنسبة للمحور الآخر الذي تحفل به ادبيات الحاكمية المؤسسية الرشيدة فهو ما يتعلق بأخلاقيات الأعمال والذي جاءت تجلياته المعاصرة استجابة لانحراف ادارات الشركات العالمية التي اظهرتها الازمة المالية العالمية العام 2007 / 2008 مما ادى الى انهيار الكثير من تلك الشركات في امريكا وانتقال آثار ذلك الزلزال الى شتى اصقاع العالم بفعل غول العولمة , ذلك الذي تكفل بتنكيس اسيجة الحدود وتسطيح العالم وتحويله الى قرية متناهية في الصغر.
تتطلب الحوكمة الرشيدة فيما تتطلب سيادة القيم الأخلاقية العالية ، وكذلك ضمان الحضور الجميل للشفافية والافصاح عالي المستوى عن مكامن ونوازع الاستراتيجيات وتطويرقيادات كفؤة ومخلصة ونزيهة ، ورقابة داخلية فاعلة تغلف ممارسات الادارة الحكومية وعلى كافة المستويات في الهياكل التنظيمية للدولة.
ولدعم وتعزيز الحوكمة الرشيدة في المنظمات الحكومية منها والخاصة سواءاً الربحية منها اوالتي تسعى الى تقديم المنفعة العامة للمواطنين فانه من المفيد ان يتم الحرص على وضع السياسات والاجراءات الكفيلة بتحفيز السلوك الايجابي المنسجم مع أخلاقيات وقيم النزاهة لهذه المنظمات , وسيكون ذلك من خلال اعداد واصدار مدونات مناسبة وصارمة لقواعد السلوك في الوظيفة العامة تتضمن القيم الاخلاقية للموقع العام ولتشكل اساساً شفافاً للمساءلة ومؤشراً مهما على افضل الممارسات في بيئة العمل التي يجب اتباعها.
تقوم نظرية الوكالة (Agency Theory) بأن يقوم الوكيل ( الحكومة ) بالدور المناط بها في ادارة شؤون الدولة ومواردها نيابة عن مواطنيها وهي التي باتت تتمتع بالسلطة لتحقيق وانجاز الأهداف المطلوبة منها وذلك بحكم مرجعيتها وعقدها الاجتماعي الذي ابرمته مع مواطنيها , مما يعني اعطاء الحق الكامل للشعب في محاسبة الحكومة بشأن كيفية استخدام هذه الموارد وقياس الانجارات التي تم الوصول اليها , وهنا تكمن فلسفة الحاكمية الرشيدة في ضرورة توفير تقارير أداء وتقارير مالية دورية تقدمها اجهزة الرقابة المالية العليا ( ديوان المحاسبة ) الذي نفترض استقلاليته من خلال ربط هيكله بأعلى سلطة في الدولة او ارتباطه بالبرلمان الذي يفترض ان يكون مالكاً ً لارادته ايضا وأن يحظى بالحصانة المناسبة التي تحمي رئيسة من العزل او التسلط من قبل اركان الحكومة وأدواتها لنضمن بذلك تطبيق مبدأ المساءلة ( Accountability ) وامتلاك زمام الأمور في فرض العقوبات بحق أي شخص استغل موقعه او قارب أساءة استخدام السلطة والموارد لغير الغرض المرسخة له , وهذه دعوة لمقاربة اعتماد النموذج القائل في ان تكون فلسفة الحاكمية الرشيدة المدخل المناسب لتميز الأداء المؤسسي في المنظمات الأردنية العامة والخاصة على حد سواء.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير