jo24_banner
jo24_banner

عن الحرب البرية ضد داعش

حلمي الأسمر
جو 24 : قلنا في مقال سابق، أن الأردن لن يخوض حربا برية ضد داعش، استنادا إلى معلومات من مصادر رسمية، وما لم تقله حينها، أن الأردن لن يخوض هذه الحرب إلا إذا كان هناك ترتيبات معينة يكون فيها مشاركون آخرون في هذه الحرب، ويبدو أننا على مسافة قريبة من مثل هذه الترتيبات، حيث يجري تهيئة على غير صعيد لتدخل عسكري بري في العراق وسوريا، والمعلومات المتوفرة تستند كلها على تخمينات وتسريبات غير موثوقة، أو بالأصح لا ترقى إلى مستوى الحقائق اليقينية، وهذا لا ينفيها بقدر ما يبقي الباب مفتوحا لاحتمالات كهذه!

والحقيقة أن ما نلمسه، وهو لا يستند على استطلاعات رأي متخصصة، إن المجتمع الأردني منقسم حول كون محاربة داعش حربنا أو ليست حربنا، البعض ينكر وجود هذا الخلاف أصلا، ويعتقدون أن هناك إجماعا على كون هذه الحرب حربنا..

وفي تفاصيل الصورة ثمة أكثر من جانب، يحسن تقسيمها إلى نقاط محددة..

أولا/ هناك شبه اتفاق على أن الولايات المتحدة قائدة التحالف ومنظمته لم تبد حتى الآن ما يكفي من جدية لمحاربة داعش، بل وضعت لها خطوطا حمراء لا تريد لها أن تتجاوزها: بغداد والأكراد، وما سوى ذلك فحربها ضد داعش نوع من المشاغلة و»الحد» من خطرها، ليس إلا، كأنها تنتظر إنجاز ملف النووي مع إيران، لتتخذ من بعد قرارها بهذا الشأن، فهي لا تريد محاربة داعش والقضاء المبرم عليها، كي لا تخلو الساحتان: العراقية لإيران، أو السورية للأسد، فكيف تكون حربنا نحن فقط، وهي حتى الآن ليست حرب من أعلنت ونظمت التحالف ضدها؟ ثم بالمنطق نفسه، إن كانت بعض التقديرات العسكرية تتحدث عن الحاجة لعدة سنوات (من 3-10) للقضاء بشكل كامل على داعش، مع استعمال كامل قوة التحالف، فكيف نقول كأردن أننا بصدد القضاء على عصابة داعش؟

ثانيا/ يتحدث بعض المسؤولين تلميحا أو تصريحا عن نوايا للدخول في حرب برية، لمحاربة داعش، (ولو بالمشاركة مع أطراف أخرى) فهل ثمة قناعة لوجستية بالقدرة على مواجهة خطر كهذا؟ وهل يحتمل مجتمعنا المزيد من الأسرى والقتلى، وفي كل حرب، لا بد من طرح مثل هذه الاحتمالات، هل نحن مستعدون بما يكفي لمحاربة تنظيم دولي، ليس لديه اي من تقاليد الحرب الكلاسيكية، أو ما يسمونه «طهارة السلاح» فهو يمتلك منظومته الكاملة من القيم والسلوكيات التي لا تجد غضاضة في أن تقتل مدنيين أبرياء أو تفجر مكانا مكتظا بهم، بدون رحمة او شفقة، فهل لدينا حصانة ما لمواجهة مثل هذه الأخطار؟

ثالثا/ الأسئلة كثيرة جدا، ومعظمها بلا إجابات شافية، خاصة في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تمر بها البلد، ومديونية تتصاعد ، ومؤسسات عامة وخاصة على شفير الإفلاس، وركود تجاري وعقاري غير مسبوق، فهل يتسق وضع كهذا، مع حديث لخوض حرب طاحنة، تحتاج إلى ما هو أكثر من الحماس والتعبئة الجماهيرية!

حربنا أم ليست حربنا، الأمر أعقد بكثير من هذين السؤالين، وفي النهاية ليس مطلوبا منا أن نحارب نيابة عن أحد، خاصة حين نتفق على أن خطر داعش ليس موجها لنا نحن في الأردن فقط، فهو خطر دولي، وبالتالي فإن هذه الحرب ليست حرب الأردن فقط، بل حرب العالم كله، هذا إن ثبت من حيث المبدأ، أن مثل هذا التنظيم لا يتلقى دعما مباشرا أو غير مباشر من بعض القوى الدولية، كي يُصار إلى استثماره على نحو أو آخر لتخويف و»حلب» البعض، ولنتذكر هنا، الحرب العراقية الإيرانية الطاحنة، وكيف كانت جهة واحدة تزود كلا الطرفين بالسلاح، لإنهاك كلا الطرفين، وثمة الكثير من الحروب والمعارك المفتعلة، التي كانت ساحة مناسبة لتجريب الأسلحة الجديدة، ولا يهم هنا إن كان الضحايا من غير ذوي البشرة البيضاء، فدم أصحاب البشرة السمراء رخيص ولا تثير إراقته كثيرا من الحزن، أو ردود الفعل، إن لم تكن محبذة اصلا!


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news