jo24_banner
jo24_banner

حلم من وحي استشهاد النشمي الأردني معاذ الكساسبة

أ. د. عبدالله النقرش
جو 24 : عندما يتحول الاستشهاد الى حالة وطنية يحق لنا أن نحلم بما يكافئ تضحيتنا وانه حق لنا وحق علينا.
هل يكون استشهاد معاذ الكساسبة بداية مرحلة جديدة في تاريخ الأردن؟
وهل يكون رد الفعل العسكري الأردني بداية تاريخ لوطن جديد ونظام متجدد؟
وهل يكون الأردن هو المبادر والفاعل ويكون غيره نصيره؟
وهل يكون الشعب الأردني صانع التاريخ في هذه المنطقة ولأجيال قادمة؟
وهل يكون ذلك كله البيئة الحاضنة لمشروع الحشد والرباط؟

عندما ينطلق السهم يفتح الآفاق ويترك وتر القوس ما بين الذهول و رجع الصدى.
وعندما يتقرر الفعل التاريخي التأسيسي فانه لا يخرج عن سياق بيئته ولا يكشف عما يستبطنه من تداعيات وتطورات ونتائج, فلربما يكون حدث ما ارهاصاً لعالم آخر و لربما يكون فرداً عنواناً لشعب أو رمزاً لمسيرة أو حتى مقدمة لسيرورة تاريخية.

وعندما يتعانق الزمن مع الحركة لا يتوقعن أحد ما الى أين ستفضي طاقة الفعل. فهل توقع أحد منا أن احراق البوعزيزي لنفسه سيحرك التاريخ في منطقة اعتاد أهلها على السبات الطويل. وتكلست فيها المشاعر والمفاصل وأغلقت الدروب وعزت الوسائل.

قد يكون استشهاد الكساسبة حدثاً عابراً لدى البعض أو حدثاً فاتحاً لدى البعض الآخر. ان ذلك يتوقف على رؤية من يأخذ بالناصية، ناصية الزمن والتاريخ. انه الفرق بين الزعامات التاريخية والانسانية وأصحاب الرؤى وبين اولئك الذين يعتقدون أن الزمن مجرد وقت وأن التاريخ مجرد صدفة وأن المستقبل هو الأسير المقيم للماضي.

من يستطيع أن يجيش معه هذه الملايين بمواجهة المجهول؟ أوليس مواجهة المعلوم اولى بالحشد؟ من هو القادر على قيادة الملايين المفتونة بشباب وقع في الظلام وظل مضيئاً؟ أوليس بمثل هؤلاء يصنع تاريخ الملايين وتنجلي حكمة الأمة عبر الزمن؟

في هذه اللحظة التاريخية , لحظة الفعل والاستشهاد من يستطيع أن يرتقي ليحقق المشروع الحلم؟ المشروع الحلم الذي يستقطب مئات الملايين بعبقه ونوره , ويستنهض الأمة من حالة الخواء التاريخي الى حالة الفعل الايجابي الذي قد يتجاوز تقديره الحلم نفسه؟

الملايين العربية المسلمة حلمت بالتحرر والانعتاق والبطولة والنصر على الاستعباد والاستبدادي والفرقة والسطو, الملايين ذاتها لا تبحث عن الاقتناع بحلمها بقدر ما تبحث عن النبوءة التاريخية التي يستوحيها زعيم ما على قدر الأمة والمسؤولية ويدرك لحظة الوهج التاريخي هذه.

يعرف الكل فيما يبدو أن منطقة الرحم في العالم التاريخي المعروف, منطقة المشرق العربي, تمر بتفاعلات كاشفة. أظهرت أن الجموع الانسانية الغالبة فيه تعيش حالة وعي عقلاني مصيري متوهج, وأن الأغيار الغرباء والجبابرة لا يملكون الا العنف وسيلة للسيطرة الغاشمة بلا هدف ولا غاية ولا شرعية. وأن منهم من يدعي امتلاك العالم ويسعى لبسط سيطرته عليه. وأن منهم من يدعي امتلاك البشر ويعتقد ان سلطته أبدية على أرواح وجدت طريقها الى فضاء الحرية والأمل, وأن منهم من يحتكر المعتقد ويسعى للنكوص الى زمن الانسان العبد والسواد والخرافة. و من هم ايضاً من يرى سجن نزواته أولى من رحابة الأفق والمستقبل. وهنالك مع هؤلاء كلهم, من قبلهم وربما من بعدهم من يعتقد أن تزوير التاريخ يشكل اساساً لحقائق المستقبل . هؤلاء جميعاً يصطفون على اختلاف قاماتهم في خندق واحد , ويتطاولون على سنن الحياة والكون , ليعطلوا رحم التاريخ بالاجهاض القسري وليفرق تواصل الحضارات طرائق قددا.

هؤلاء واولئك يقاومون طبيعة الأشياء وطبائع الانسان ولكنهم بالرغم من ذلك كله طارئون, وهامشيون، وزائلون، انهم كوابيس اضغاث الأحلام!

في هذه اللحظة الحرجة حيث يقدم كل هجين تاريخي أطروحته عن كيفية الولادة من الرحم الممزق.. من يستطيع أن يتصدى بشرعية الحق والنور والرؤى ليحرك التاريخ باتجاه المستقبل الأسطع و الأكمل و الأمثل ؟ من يستطيع أن يلتقط اللحظة ليجمع كل خيول المرابطين بأرض الرباط بعيداً عن الظلام والظلاميين وتجاهلاً للمنبتين والمأجورين , وتسفيهاً للمنافقين والموتورين؟ من يستطيع أن يلتقط اللحظة التاريخية بشرعية الأمة والتاريخ والمستقبل , ويستثمر اولئك الذين عرفوا أن الأمة واحدة ومن شأنها الاسلام رسالة, وحضارتها اشعاعاً وسلاماً وانسانية؟!

هل يحق لنا في الأردن أن نحلم بأن هذه الملايين التي تتدافع في قلب رجل واحد , هي مؤهلة لحسم هذه الفوضى التاريخية بين الاستراتيجيا , والايديولوجيا , والسياسة والأخلاق و القيم , ومن ثم استنباط المشروع العربي الاسلامي الذي يجعل من الأردن بما هي و بما ستصبح عليه مركز دولة الأمة ودولة العقيدة ودولة الانسان الحر المتقدم ؟. هل يجوز لنا أن نحلم بأن جمعاً بشرياً من النابهين الرساليين الصادقين , يتجاوزون ما رسمته سايكس بيكو من كيانات وهويات , ومتوحدين ضد ما انقسمت عليه الأمة من قبائل وشعوب وما اختلفت فيه من عقائد وطوائف...؟ هل يمكن لنا أن نحلم بأن يتوحد مجرى النهر, وأن يهتدي القبطان الى سواء السبيل , ليكون الفعل على قدر الحلم ويكون الحلم على قدر الأمة ؟ أمة ليس فيها كل ما يعيبها اليوم , وليس في تخمها كل من هم فيها .

في اللحظات التاريخية النادرة عندما يتفتح الواقع على احتمالات الأحلام يصبح كل شيئ ممكناً وقد تصبح الأحلام واقعاً.

رحِم الله الشهيد معاذ الكساسبة ولله دره لقد استشهد وحيداً وسيعيش في ذاكرتنا موحِداً.
تابعو الأردن 24 على google news