مغردون على ايقاع الوطن
ينشط الالاف من الاردنيين على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، حيث يقومون يومياً بالتغريد (الكتابة) عن آخر المستجدات السياسية على الساحة الاردنية والعربية.
يحللون ويعقبون، وسط جدل ونقاشات وجدل لا تنتهي، إذ يشكل هذا العالم الافتراضي انعكاساً لما يدور من نقاشات داخل صالونات الاردن السياسية و مقار الاحزاب و حتى ما يدور من نقاش داخل المطبخ السياسي الاردني.
أثبتت مواقع التواصل الاجتماعية مثل (تويتر) في ظل الربيع العربي انها لم تعد ناقلا للأحداث فحسب؛ بل صانعاً له، فهي تؤثر بالرأي العام و بمجريات الاحداث. كما ان ارتفاع نسبة مستخدمي (تويتر) في الاردن الى الضعف خلال عام واحد فقط بحسب البيانات الرسمية للموقع؛ هو مؤشر بان (تويتر) قد يلعب دورا هاما مستقبلاً بالتأثير على الاحداث والقرارات السياسية في الاردن على غرار ما حدث في دول الربيع العربي.
انخرطتُ منذٌ فترة من الزمن في الكتابة على (تويتر) ، حيث وجدت فيه منبراً حراً للتعبير عن آرائي السياسية والدخول في نقاشات حول نهج الدولة الأردنية في التعاطي مع متغيرات المرحلة الحالية.
و كان من الملفت حين بدأت بالمشاركة بالحوارات السياسية على (تويتر) كمية الحقد والنفاق عند العديدين ممن نشطوا بالدفاع عن سياسات النظام الاردني.
يتبين لأي مراقب لتغريدات هؤلاء أنهم يمتهنون دس السم في العسل، فشعاراتهم الوطنية تترافق دائماً مع دس الأكاذيب وممارسة التضليل بحق المعارضة لشيطنتها، وإيهام الرأي العام بان المعارضة هي العدو، و الخطر الداهم على الوطن.
بعد مرور أكثر من عام لي على (تويتر) و الغوص بثنايا هذا العالم الافتراضي، توضحت لي تفاصيل ومعلومات عن طريقة عمل أبرز من ينشط في مهاجمة المعارضة على (تويتر)؛ فالموالون على (تويتر) هم أشبه بشبكة، يعملون معاً من أجل مهاجمة الناشطين والمعارضة الأردنية بطريقة مبرمجة عبر التنسيق المتواصل مستخدمين برامج الرسائل النصية كـ (الواتس اب) أو خدمة الرسائل النصية الخاصة على (تويتر) المعروفة بالـ ( دي ام).
ويقوم بعضهم بالتحايل على المغردين بشراء المتابعين لخلق انطباع بأنهم ذوو شهرة أو مصداقية عالية. كل هذا التنسيق هدفه الأول والأخير؛ الطعن بالرأي المعارض للنظام والتشهير بكل من يتبناه، حيث وصل الأمر ببعضهم الى تهديد المعارضين بالقتل، أو اتهامهم بالعمالة، أو التحري عن ماضيهم سواء كان حياتهم الشخصية أو حساباتهم البنكية او اي انتفاع قانوني من امتيازات منصب سابق أو مكرمات ليقوموا لاحقاً بنشر المعلومات على (تويتر) كشكل من أشكال الابتزاز والضغط والترهيب.
و تجدر الإشارة هنا إلى أن بعضهم يلجأ لطرقِ أكثر ابتكاراً في محاولة لكسب الطرف الاخر الى جانبه، ويكون ذلك عن طريق بناء علاقة اجتماعية معه، تبدأ بعزيمة أو لقاء، و هذا الأسلوب متبع حصرا مع أكثر المغردين نشاطاً وشعبية.
الموالون على (تويتر) او "السحيجة" كما يسميهم المغردون ينقسمون الى أربع فئات، الأولى؛ تريد كسب رضى النظام عنها والمحافظة على مركزها في الدولة، والثانية تعمل على الدفاع عن مصالحها التي تشوبها شبهات فساد معروفة و واضحة، بينما تعمل الفئة الثالثة مدفوعة الأجر، من قبل متنفذين أو بتحريك من جهات في السلطة، أما الرابعة فمنهم من هو مضلل من التجييش الإعلامي ضد المعارضة، أو غير مقتنع بمناشدات المعارضة الاصلاحية لعدم ثقته فيها أو بأهدافها.
منذ فترة وجيزة شنت موالاة (تويتر) حملة شرسة على أحد الشخصيات الأردنية الشهيرة، والتي تمثل قصة نجاح باهر على الصعيد الاردني والدولي في مجال تطوير شبكة الانترنت، غير مكترثين بإنجازه الذي ساهم في رفع اسم الأردن عالياً؛ فقاموا باتهامه زوراً بالتهرب الضريبي لمجرد أنه عبر عن معارضته لسياسات الدولة، وقاموا بحملة اخرى ضد مسؤولة أردنية سابقة لمجرد انتقادها غياب الأمن عن أحداث الاحتفال بنتائج امتحانات التوجيهي والتي وقع اثرها ضحايا، متهمينها بالانتفاع من منصبها الحكومي السابق.
اصبحت على يقين بان مواليي النظام، وخصوصاً من ينشط منهم على المواقع الاجتماعية، هم من يؤذون صورته، بل يساهمون بازدياد التعاطف الشعبي مع المعارضة والاصطفاف خلفها. انهم يساهمون بإظهاره على أنه نظام اقصائي يحقر معارضيه ويعريهم ويهددهم بطرق مبطنة.
ان محاولات شيطنة المعارضة وكل من يتعاطف معها أصبحت مكشوفة. وفي حديث لي منذ فترة من الزمن مع مسؤول أردني رفيع المستوى، أكد أن الدولة تنظر لنشطاء المعارضة على شبكات التواصل الاجتماعي على أنهم يمارسون حقهم الدستوري في التعبير عن آرائهم، مبدياً تحفظه عن الحالات التي يقوم بها المعارض بالإساءة، وبشكل مباشر، لرموز الدولة.
كلامه لم يفاجئني؛ إذ لم يأت بجديد/ لكن ما فاجئني هو وصفه لتصرفات من يدافعون عن النظام على شبكات التواصل، بانها مسيئة، طائشة و إقصائية.
لا يخفى على أحد ارتفاع وتيرة التوتر على حدودنا الشمالية في الآونة الاخيرة ، وبأن موقف الأردن الحيادي تجاه الأزمة السورية بدأ يترنح؛ عقب الضغوط الإقليمية عليه.
نحن اليوم بأمسّ الحاجة لرصّ الصفوف والتلاحم، وتلك مسؤولية الدولة والشعب معاً، وبالرغم من تقاعس الطرف الاول عن مسؤوليته هذه، بمصادقته على قانون الانتخابات الإقصائي، فهذا لا يعني بتاتاً بأن نتخلى كشعبٍ عن مسؤولياتنا بهذا الصدد، بل على العكس من ذلك؛ فالوطن يناشد أبنائه الآن أكثر من أي وقت مضى للتوحد بتقريب المسافات، ونبذ الخلافات.
وعلى المغردين على (تويتر) من مختلف التوجهات ان يدركوا اننا بالرغم من اختلافاتنا سنبقى ابناء وطن واحد معارضة وموالاة نتشارك فيه نفس الهموم والمصير وبان معظمنا يريد الاصلاح لكننا اختلفنا على طريقة تحقيق نفس الغاية.
المعارضة هي جزء هام وصحي في الحياة السياسية واثبتت المعارضة الاردنية نضوجها بحسن التنظيم ووضوح الاهداف و وبالحفاظ على طابعها السلمي والمنظم ومناشداتها الاصلاحية وبشهادة مدير الامن العام نفسه رغم كل محاولات استفزازها واقصائها لإخراجها عن هذا المسار.
على الاردنيين عموماً ومعشر المغردين خصوصاً نبذ شخصنة النقاشات فيما بينهم وان يسعوا لردم الهوة عبر حوارات راقية وبناءة يحترم كل منهم وجهة نظر الآخر، و علينا التصدي لكل من يحاول تعكير صفو الحوار.
نعم كلامي قابل للتطبيق فالعديد من موالاة (تويتر) اصبحوا اصدقاء لي، نخوض يوميا نقاشات سياسية بناءة وسط اجواء من الاحترام المتبادل.
ونعم هنالك من لا يريد الإصلاح في هذا الوطن العزيز لأنه سيكون أول المتضررين منه.
علينا تعرية هؤلاء وأن نفوت الفرصة عليهم لاستغلال الخلافات وتعميقها وإلهائنا بمشاكل ثانوية، فتضيع بوصلتنا ولا نتمكن من الوصول الى هدفنا الشريف بالقضاء على الفساد والنهوض بوطننا الغالي نحو مستقبل مشرق وواعد.
dr.samkari@gmail.com
Twitter: @samkari_Z