أمريكا إذ تسحب البساط من تحت أقدام الإيرانيين
محمود الداوود
جو 24 : ظن الكثير من السياسيين أن إيران خلال العامين الماضيين على الأقل أصبحت كأنها قوة عظمى تتحرك على الأرض وتحقق نتائج مذهلة خاصة مع تحركات حزب الله اللبناني الموالي لإيران في سوريا، ومع تحركات الميليشيات المسلحة في الأراضي العراقية ومع الانقلاب الحوثي في اليمن والاستيلاء على شمال اليمن، وظن هؤلاء أن إيران باتت تفرض قوتها على المنطقة في حين غابت الولايات المتحدة الأمريكية من المشهد وظهرت كأنها عاجزة عن مجاراة إيران في تحركاتها.
بل إن البعض راح بعيدا في أن الصراع في المنطقة أخذ منحى جديدا يتصدر المشهد فيه إيران وتنظيم الدولة واختفاء تام للقوة الأمريكية التي بدت وكأنها عاجزة عن فعل أي شيء في المنطقة الساخنة من الشرق الأوسط.
وأرى أن الولايات المتحدة الأمريكية تركت إيران تصول وتجول في المنطقة خلال المدة الماضية لترى ما مدى قدرة إيران على الزحف بعيدا عن أراضيها، ولتتعرف على حجم القوة الإيرانية بأقصى قدراتها، فماذا حققت إيران خلال العامين الماضيين تقريبا؟
المتابع لأحداث المنطقة أصابه الانبهار من التحركات الإيرانية من خلال مؤيديها كـ "حزب الله"-اللبناني، والنظام السوري وبعض القوى السياسية في العراق وأقصد هنا الشيعة في العراق، إضافة إلى الحوثيين في اليمن، ولا ننكر أن إيران وحسب المشهد الذي رأيناه جميعا كسبت جولات في سوريا؛ إذ إن تدخل حزب الله أطال في عمر الحرب الدائرة هناك، ولكنها لم تحسم الصراع وبقي يراوح مكانه فلا رابح ولا خاسر، وبالتالي فإن التفوق الإيراني صب فقط في اتجاه إطالة أمد الحرب.
وفي العراق ظلت إيران تتدخل من خلال السياسات التي فرضتها على المشهد السياسي هناك، لكنها على الأرض لم تحقق سوى بعض الأعمال المنتقدة التي قامت بها الميليشيات المسلحة، وأدت إلى اختفاء مواطنين عراقيين والى قتل العديد منهم على هويته المذهبية، ولم تستطع إيران حسم معاركها ضد تنظيم الدولة بل إنها سجلت فشلا كبيرا في معركة تكريت.
وفي اليمن زحف الحوثيون بطول شمال اليمن وعرضه وملؤوا فراغا أوجدته الثورة اليمنية بعد رحيل الرئيس علي عبدالله صالح، فظن الحوثيون أن الطريق ممهد لهم فحاولوا فرض شروطهم على المشهد، وكادوا ينجحون لولا قدرة الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور من الخروج من إقامته الجبرية التي فرضها الحوثيون عليه، فارتبك المشهد الحوثي وحاولوا فرض رأيهم أكثر بمحاولتهم الزحف باتجاه عدن لكن يبدو أن المسألة إلى هنا وستتوقف بعد الغارات المتضامنة بين الجيش السعودي وائتلاف من عشر دول عربية.
فماذا يعني كل هذا ؟
أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية حاولت خلال فترة ابتعادها أو ما يمكن أن أسميه "جس نبض" لإيران لمعرفة حدود طاقتها الاستعراضية في المنطقة، أن تختبر هذه القدرة ومدى تأثيرها في المنطقة، وحين لم تحقق إيران أية انتصارات بالمعنى الحقيقي، فهي لم تفعل سوى إثارة الفوضى وخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، وكل ما يمكن أن نعتبره انتصارا كان في الواقع براويز هشة وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأمريكية أرادت التدخل الآن لإنهاء هذا المسلسل والدخول في مسلسل جديد تتضح فيه معالم المنطقة بشكل أكبر وأوضح من خلال ما يلي :
أولا: حين لم يحقق النظام السوري أي حسم ونصر بالتعاون مع الخبرات الإيرانية وحزب الله فان أمريكا أرادت أبعاد إيران عن المشهد وكأنها تقول لها انك لم تفعلي شيئا والآن جاء دورنا ونحن نوافق على مفاوضة النظام السوري حتى لو لم يكن للرئيس الأسد مكان فيه وبالتالي سحبت البساط من الإيرانيين.
ثانيا: في العراق تركت أمريكا لإيران الساحة وحين فشلت في معركة تكريت وبدت ميليشيات إيران غير قادرة على التقدم ضد تنظيم الدولة تدخلت أمريكا من خلال الحديث عن تسليح العشائر العراقية لمواجهة تنظيم الدولة وبالتالي إضعاف محور إيران في العراق.
ثالثا: بالرغم من أن الحوثيين في اليمن استطاعوا فرض أمرا واقعا على شمال اليمن لكن هذا الواقع ظل هشا على المستوى السياسي هناك ولولا دعم الرئيس المقال علي عبدالله صالح وحزبه وأتباعه لما تفوق الحوثيون وبالتالي فإن هذا التحالف غير المنسجم مهدد بالانهيار في أي لحظة، وحين حاول الحوثيون فرد عضلاتهم أكثر في محاولة الوصول إلى عدن وبالتالي إرباك المشهد اليمني أكثر فان التدخل العربي جاء بشكل الصد المباشر لان اليمن خط أحمر بالنسبة للخليجيين ووجود امتداد إيراني هناك يعني أن الخطر يقترب بشكل أكبر ومن هنا فان التدخل العسكري الخليجي جاء ليحسم المسالة في اليمن وبموافقة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعني أن الامتداد الإيراني أخذ بالتراجع في سوريا والعراق واليمن.
وهذا يعني باعتقادي أن أمريكا أرادت خلال الفترة الماضية استنزاف القدرات الإيرانية استنزافا كاملا وخاصة أن إيران تتعرض لعقوبات اقتصادية دولية ونفطها يخسر بنسب كبيرة وجيشها مستنفذ في مساحات واسعة وقد صرفت عليه الكثير من الأموال وهذا يعني أنها أرهقت نفسها كثيرا وهي المحاصرة عالميا بدلا من أن تحقق ما كانت تصبو إليه من نجاح لتصدير "ثورتها" ومع امتداد الوقت وعدم تحقيقها تلك الانتصارات الخارقة على الأرض فإنها تكون قد استنزفت بحق وتكبدت خسائر مادية وعسكرية ولم تخرج منها بنتائج مرجوة.
هذا الأمر يجعل أمريكا قادرة ربما مع قرب التوقيع على اتفاق نووي أن تفرض شروطها على إيران وليس العكس كما كانت تأمل إيران.
أعتقد أن الأشهر القادمة ستعيد تصوير بعض المشاهد في الشرق الأوسط، وأن كل القضايا الشائكة في سوريا والعراق واليمن تحديدا ستأخذ منحى مغايرا تماما ويبقى السؤال الأهم هل إيران قادرة على الخروج من صدمتها بما حدث خاصة في اليمن الذي جاء بالتأكيد مفاجئا لها مما يجعلها تحاول لعب دور ما في مكان آخر أم إنها ستحاول الدخول في مغامرة ما في العراق أو سوريا أو كليهما قد تعيد التوازن إلى الموقف الإيراني في مفاوضاتها النووية أو تجعلها تخسر اللعبة تماما وتكون عندئذ قد استهلكت كل قوتها مما قد يجعلها تنكمش على نفسها أو تبدو كمن امتص الصدمة وتحاول الظهور بمظهر القوي من خلال التقرب من جديد لدول المنطقة؟
ولا يعني هذا أن الولايات المتحدة تكون قد حققت أي انتصار حقيقي هي أيضا في هذا الصراع لأن الواقع المعقد في سوريا والعراق تحديدا يتطلب تظافر الجهود من قبل دول المنطقة لأنها الوحيدة القادرة على اتخاذ القرار فيما يجري على أراضيها وهذا أيضا يعني وجود قوة جديدة ستظهر هي قوة هذه الدول العشر التي شكلت هذا التحالف الجديد ضد الحوثيين وبالتالي قد تجد دول المنطقة نفسها قادرة على المحافظة على أمنها واستقرارها دون مساعدة أمريكية ويعني تحولها إلى دول قادرة على التدخل في تغيير المشهد لو استطاعت تذليل أي عقبات أمامها لاحتواء ما يجري في العراق وسوريا.
الأيام والأشهر القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت فالمشهد بدأ يتبلور بشكل آخر بعد أن استنفذ المشهد السابق كل عناصره الفنية.
بل إن البعض راح بعيدا في أن الصراع في المنطقة أخذ منحى جديدا يتصدر المشهد فيه إيران وتنظيم الدولة واختفاء تام للقوة الأمريكية التي بدت وكأنها عاجزة عن فعل أي شيء في المنطقة الساخنة من الشرق الأوسط.
وأرى أن الولايات المتحدة الأمريكية تركت إيران تصول وتجول في المنطقة خلال المدة الماضية لترى ما مدى قدرة إيران على الزحف بعيدا عن أراضيها، ولتتعرف على حجم القوة الإيرانية بأقصى قدراتها، فماذا حققت إيران خلال العامين الماضيين تقريبا؟
المتابع لأحداث المنطقة أصابه الانبهار من التحركات الإيرانية من خلال مؤيديها كـ "حزب الله"-اللبناني، والنظام السوري وبعض القوى السياسية في العراق وأقصد هنا الشيعة في العراق، إضافة إلى الحوثيين في اليمن، ولا ننكر أن إيران وحسب المشهد الذي رأيناه جميعا كسبت جولات في سوريا؛ إذ إن تدخل حزب الله أطال في عمر الحرب الدائرة هناك، ولكنها لم تحسم الصراع وبقي يراوح مكانه فلا رابح ولا خاسر، وبالتالي فإن التفوق الإيراني صب فقط في اتجاه إطالة أمد الحرب.
وفي العراق ظلت إيران تتدخل من خلال السياسات التي فرضتها على المشهد السياسي هناك، لكنها على الأرض لم تحقق سوى بعض الأعمال المنتقدة التي قامت بها الميليشيات المسلحة، وأدت إلى اختفاء مواطنين عراقيين والى قتل العديد منهم على هويته المذهبية، ولم تستطع إيران حسم معاركها ضد تنظيم الدولة بل إنها سجلت فشلا كبيرا في معركة تكريت.
وفي اليمن زحف الحوثيون بطول شمال اليمن وعرضه وملؤوا فراغا أوجدته الثورة اليمنية بعد رحيل الرئيس علي عبدالله صالح، فظن الحوثيون أن الطريق ممهد لهم فحاولوا فرض شروطهم على المشهد، وكادوا ينجحون لولا قدرة الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور من الخروج من إقامته الجبرية التي فرضها الحوثيون عليه، فارتبك المشهد الحوثي وحاولوا فرض رأيهم أكثر بمحاولتهم الزحف باتجاه عدن لكن يبدو أن المسألة إلى هنا وستتوقف بعد الغارات المتضامنة بين الجيش السعودي وائتلاف من عشر دول عربية.
فماذا يعني كل هذا ؟
أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية حاولت خلال فترة ابتعادها أو ما يمكن أن أسميه "جس نبض" لإيران لمعرفة حدود طاقتها الاستعراضية في المنطقة، أن تختبر هذه القدرة ومدى تأثيرها في المنطقة، وحين لم تحقق إيران أية انتصارات بالمعنى الحقيقي، فهي لم تفعل سوى إثارة الفوضى وخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، وكل ما يمكن أن نعتبره انتصارا كان في الواقع براويز هشة وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأمريكية أرادت التدخل الآن لإنهاء هذا المسلسل والدخول في مسلسل جديد تتضح فيه معالم المنطقة بشكل أكبر وأوضح من خلال ما يلي :
أولا: حين لم يحقق النظام السوري أي حسم ونصر بالتعاون مع الخبرات الإيرانية وحزب الله فان أمريكا أرادت أبعاد إيران عن المشهد وكأنها تقول لها انك لم تفعلي شيئا والآن جاء دورنا ونحن نوافق على مفاوضة النظام السوري حتى لو لم يكن للرئيس الأسد مكان فيه وبالتالي سحبت البساط من الإيرانيين.
ثانيا: في العراق تركت أمريكا لإيران الساحة وحين فشلت في معركة تكريت وبدت ميليشيات إيران غير قادرة على التقدم ضد تنظيم الدولة تدخلت أمريكا من خلال الحديث عن تسليح العشائر العراقية لمواجهة تنظيم الدولة وبالتالي إضعاف محور إيران في العراق.
ثالثا: بالرغم من أن الحوثيين في اليمن استطاعوا فرض أمرا واقعا على شمال اليمن لكن هذا الواقع ظل هشا على المستوى السياسي هناك ولولا دعم الرئيس المقال علي عبدالله صالح وحزبه وأتباعه لما تفوق الحوثيون وبالتالي فإن هذا التحالف غير المنسجم مهدد بالانهيار في أي لحظة، وحين حاول الحوثيون فرد عضلاتهم أكثر في محاولة الوصول إلى عدن وبالتالي إرباك المشهد اليمني أكثر فان التدخل العربي جاء بشكل الصد المباشر لان اليمن خط أحمر بالنسبة للخليجيين ووجود امتداد إيراني هناك يعني أن الخطر يقترب بشكل أكبر ومن هنا فان التدخل العسكري الخليجي جاء ليحسم المسالة في اليمن وبموافقة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعني أن الامتداد الإيراني أخذ بالتراجع في سوريا والعراق واليمن.
وهذا يعني باعتقادي أن أمريكا أرادت خلال الفترة الماضية استنزاف القدرات الإيرانية استنزافا كاملا وخاصة أن إيران تتعرض لعقوبات اقتصادية دولية ونفطها يخسر بنسب كبيرة وجيشها مستنفذ في مساحات واسعة وقد صرفت عليه الكثير من الأموال وهذا يعني أنها أرهقت نفسها كثيرا وهي المحاصرة عالميا بدلا من أن تحقق ما كانت تصبو إليه من نجاح لتصدير "ثورتها" ومع امتداد الوقت وعدم تحقيقها تلك الانتصارات الخارقة على الأرض فإنها تكون قد استنزفت بحق وتكبدت خسائر مادية وعسكرية ولم تخرج منها بنتائج مرجوة.
هذا الأمر يجعل أمريكا قادرة ربما مع قرب التوقيع على اتفاق نووي أن تفرض شروطها على إيران وليس العكس كما كانت تأمل إيران.
أعتقد أن الأشهر القادمة ستعيد تصوير بعض المشاهد في الشرق الأوسط، وأن كل القضايا الشائكة في سوريا والعراق واليمن تحديدا ستأخذ منحى مغايرا تماما ويبقى السؤال الأهم هل إيران قادرة على الخروج من صدمتها بما حدث خاصة في اليمن الذي جاء بالتأكيد مفاجئا لها مما يجعلها تحاول لعب دور ما في مكان آخر أم إنها ستحاول الدخول في مغامرة ما في العراق أو سوريا أو كليهما قد تعيد التوازن إلى الموقف الإيراني في مفاوضاتها النووية أو تجعلها تخسر اللعبة تماما وتكون عندئذ قد استهلكت كل قوتها مما قد يجعلها تنكمش على نفسها أو تبدو كمن امتص الصدمة وتحاول الظهور بمظهر القوي من خلال التقرب من جديد لدول المنطقة؟
ولا يعني هذا أن الولايات المتحدة تكون قد حققت أي انتصار حقيقي هي أيضا في هذا الصراع لأن الواقع المعقد في سوريا والعراق تحديدا يتطلب تظافر الجهود من قبل دول المنطقة لأنها الوحيدة القادرة على اتخاذ القرار فيما يجري على أراضيها وهذا أيضا يعني وجود قوة جديدة ستظهر هي قوة هذه الدول العشر التي شكلت هذا التحالف الجديد ضد الحوثيين وبالتالي قد تجد دول المنطقة نفسها قادرة على المحافظة على أمنها واستقرارها دون مساعدة أمريكية ويعني تحولها إلى دول قادرة على التدخل في تغيير المشهد لو استطاعت تذليل أي عقبات أمامها لاحتواء ما يجري في العراق وسوريا.
الأيام والأشهر القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت فالمشهد بدأ يتبلور بشكل آخر بعد أن استنفذ المشهد السابق كل عناصره الفنية.