jo24_banner
jo24_banner

مشاجرات شبابية وليس عنف جامعي

جو 24 :

أقولها بملئ الفم ... لا يوجد عنف جامعي في بلادنا .وأنكر بل واستنكر قول من يقولون بوجود مثل هذا العنف ...أما أسبابي فمنها (وليس كلها لضيق المساحة):

1-أنه لا يوجد في أدبيات العلوم ذات العلاقة ( ونحن المتخصصون بها ) شيئا ً اسمه ((العنف الجامعي )) فاسم الجامعة ودورها يتناقضان جوهريا ً مع العنف. ذلك أن الجامعة...أية جامعة ، لا تعمل في مجال التدريب على العنف ،ولا تحث عليه ، ولا تعمل على إثارته، ولا تخطط إليه ، ولا تسعى لتحقيق ذلك كهدف . فهي والمدارس منارات علم وتربية وخبرة وأدب (بصرف النظر عن أي حالة خروج عن هذا النص هنا أو هناك ) ... فبها خيرة الخيرة من شبابنا (ذكورا ً وإناثا ً)وقيادات مؤهلة ... ولا يعقل أن يكون مثل هذا الجمع الرائع عنيفا ً... بل لا يعقل أن يزرع العنف أو يؤسس له ... وكل الذي يحدث ويتحدثون عنه هو مجرد مشاجرات شبابية عادية (هوشات) لا أكثر ولا أقل.


2- إن العنف علميا ً؛ هو ما قـُصد من ورائه مصادرة إرادة طرف من قبل طرف آخر يستهدفه بالسلوك العنفي ....وتكييف سلوك المستهدف به ، حسب إرادة الطرف المبادر ومشيئته ... وهذا عنصر غائب عن مشاجرات أبنائنا الشباب، فتغيب بغيابه صفة العنف علميا ً عن تلك المشاجرات المعتادة.وتصبح كلمة (العنف الجامعي) عندما تأتي في هذا السياق دون معنى وغير صحيحة، فأسر إرادة الآخر والسيطرة عليه مستحيلة في وسط المتساويين (الوسط الجامعي).

3- إن ما يحدث أحيانا ً في هذه الجامعة أو تلك إذن : هي مجرد مشاجرات شبابية .... ومن طبيعة الشباب في مجتمعاتنا العربية أن يتشاجروا أينما وجودوا ولو من باب الثورة والرفض لثقافة الكبت المتغلغلة في مجمل نسيجنا الاجتماعي ... يحدث ذلك في حاراتنا ...وأزقتنا ،وفي ملاعب الحارات ،والمقاهي ،وملاعب كرة القدم ومبارياتها. وما يحدث داخل الأسرة الواحدة (هوشات الروسية).و أشهر ميادين تلك المشاجرات هي ساحات الأعراس ومناسباتها التي لا تكاد تخلو أي منها عادة من مشاجرة شبابية وبخاصة في الأرياف وأمام قاعات الأفراح.حيث يجتمع الجنسان ،وتستيقظ الغرائز الطبيعية الأولى ،الدافعة لحب الظهور وجلب الانتباه استغلالا ً لا شعوريا ً ذكوريا ً لغريزة الخوف عند الإناث التي تدفعهن نحو التطلع لا شعوريا ًلمن يمتلك القدرة على الحماية.فيندفع الشباب للتمايز فيما بينهم (على هذا الأساس) ، طلبا ً للفوز في (هوشة)(غالبا ً مفتعلة ، ليحظى الفائز والمنتصر فيها بإعجاب الحاضرين والحاضرات. بمؤشر واضح الدلالة على ذلك وهو (الزغروتة)،وسوف يظل هذا الدافع هو الحاسم في الهوشات والمشاجرات الشبابية مادامت عناصر الجذب الأخرى الأكثر رقيا ًوايجابية غائبة عن مسرح هذا السلوك ...... ومالم تتراجع بذهنيات الإناث ،جاذبية هذا الجاذب الطبيعي (مظهر القوة والقدرة على الحماية) التي ما زالت قوية للأسف بشهادة زغاريد النسوة في أعراس بلادنا (في البادية والأرياف وكثير من أحياء الحضر) لكل من يطلق النار (وهذا مظهر قوة) وزغاريد بناتنا في الجامعة للفائزين في المشاجرة [وهذا سلوك رأيته بأم عيني عندما كنت عميدا ً لكلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في الماضي السحيق ،وأراه ُ ما زال يمارس من قبل بناتنا الطالبات بكل براءة.


4- إن الشباب يملكون "القوة" الطبيعية بكل معانيها وأبعادها، ومن يملك القوة لا بد أن يستخدمها، هذه قاعدة بل ومبدأ هو من المصداقية كالقانون الاجتماعي يحكم سلوك الأفراد والجماعات ،بل والدول أيضا ً ....وإلا لماذا تتحسس الدول من دولة أخرى يرونها تحشد لنفسها الكثير من أسباب القوة؟؟ هي القناعة القطعية بهذا المبدأ القانون .


نعود إلى الشباب فنقول :إن الشباب وليس سواهم من الأطفال والشيوخ من يمتلك القوة البدنية فإذا ما انعدمت أمامهم سبل التصريف الايجابي لهذه القوة ،ارتدوا بالضرورة إلى دوافعهم الفطرية والغريزية لاستخدامها طمعا ً في "التـَسـيـّد" والزهو وتحقيق الذات أمام الآخرين على الأقل ،وتحصيل استحسانهم لهذا المنجز البدائي والفوز برسائل الإعجاب العلنية (الزغاريت) أو ينطقها البعض (زغاريد)،وليس من أهدافهم اخلالا ً بأمن أو هدم مجتمعات أو دول فتلك مبالغة وتجني من كل من يقول بذلك.
5- لا يكاد يخلو عرس من أعراسنا من مشاجرة شبابية . وخاصة ً في الأرياف والكثير من الأحياء الحضرية ، حيث تقل الفرص الإيجابية للظهور والتميز بين الأفراد فتدفعهم إلى هذه المشاجرات دفعا ً خصائص بيولوجية معروفة لكل الملمين بمبادئ التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع ،بهدف لفت انتباه الآخرين وبخاصة الإناث ... كما هو شأن باقي مخلوقات الله من طيور وخيول وقردة ....الخ والإنسان أحد مخلوقاته الذي لم يتمكن رغم كل ما أنجزه أن يتخلص من إلحاحية بعض دوافعه الغريزية والبيولوجية والنفسية ،رغم نجاحه في تهذيب الكثير منها بأن سيطر عليها وأخضعها لسلطان العقل وأمر الضمير . يتشارك بهذا الهدف المبادرون بالمشاجرات ،والمستجيبون لها (والحجّازين) بينهم من الشيوخ حيث يقبل الواحد من هؤلاء على هذا الفعل الاجتماعي السلبي ذي الجذور النفسية ،باندفاع وفخر يضعه على حافة الإحساس بالفرح.وهذا شعور لا تخطئه عين الملاحظ ..... على وجوه أبناءنا الشباب والحجّازين بينهم أثناء المشاجرة أو بعد انتهائها وقد أضفت الشيوخ(الحجّازين ) هنا لقناعتي بأن لهم أيضا ً حساباتهم في بلادنا التي لا تختلف من حيث الدافع والمضمون عن حسابات الشباب فالدور الإصلاحي مقوم شيخة في أعرافنا وهذه مجلبة للمغانم الطبيعية والاجتماعية وبخاصة في بلاد تبيح تعدد الزوجات دون حرج فالإنسان هو الإنسان ، والفرق في الدرجة والمظهر أما المضمون فما زال عصيّا ً على التغيير الجوهري .


6- كلنا في شبابنا مارسنا المشاجرات (ألسنا أبناء لهذا المجتمع؟؟) وأبناؤنا أيضا ً مارسوها فلم تضيع أوطان ولا فسدت للود قضية . ومن يفتح صندوق سيارتي الخلفي لوجد (دبسة ابني أمجد) احتفظ بها للذكرى ،فكان ممن مارسوا مثل هذه المشاجرات ،ومستعد لها على الدوام.... لكني لم أره يوما ً حاقدا ً على الفريق الآخر بل كان يعود من كل مشاجرة والضحك يملأ ملامح وجهه منتصرا ً كان أو مهزوما ً ، لا يعلق سوى بكلمتين ضاحكتين : أكلوها إذا كان هو المنتصر أو أكلناها اليوم إن كان مهزوما ً ... لكن في كل الأحوال سعيد ..كنت حينذاك أستغرب لكني اليوم أكثر إدراكا ً لحقيقة تلك المشاجرات وواقعها بعد أن لاحظت أن معظم أصدقائه اليوم هم من كان يتشاجر وفريقه معهم بالأمس ... وان كل ذلك لم يحل دون تفوقه في دراسته آنذاك ودون أن يكون من الشباب الناجحين في دراسته وأعماله في الخارج اليوم بل وصارت له خبرة ساعدته في كثير من المواقف هناك . لم أعترض يوما ً عليه لأسباب (لا أعرفها ) بل لهاجس كان يراودني بأن ذلك جزء من التدريب على الحياة في بلادنا ليس كله ضرر وكنت محقا ً بذلك بشهادة واقعه ونجاحه الراهن.


7- وأقولها بصراحة فأنا لا أشعر بشيء غير عادي وأنا أرى الشباب يتشاجرون فيما بينهم بل وأتفهم دوافعهم ، بل لا أرى مجديا ً البحث عن أسباب موضوعية محيطة بهم مثل الإحباط السياسي أو الفقر أو الغلاء أو التدريس أو المرافق أو المنهاج أو الفراغ أو التخصص ..... الخ ذلك من حلقات هذا المسلسل الذي صار مملا ً لا لأنه سطحي ويفتقر أصحابه إلى الرؤية فحسب ، بل لأنه فاضح لألقاب أكاديمية أو مسميات فارغة إذ لا شيء يغط على القلب (كما يقول أهلنا في الشام الذبيحة) ويصيب بالقرف أكثر من قول القائلين ، بأن العنفنات العشائرية هي السبب مثلا ً .... فالسؤال : وهل هذه جديدة ؟!!وطالما أنها قديمة ... إذن ليست هي السبب الحديث للمشاجرات الحديثة وهكذا يقضي المنطق !!! فطالما أنها (من يومها ) كانت ولم تكن هناك مشاجرات مقلقة فما الذي استجد حتى تصبح المشاجرات مدمرة وتصبح العنفنات العشائرية هي السبب !!!؟؟ مجرّد سؤال .
وإلى من يرى أن الفراغ في الجامعات هو السبب ، نقول : هل أبقى نظام الساعات المعتمدة الذي استوردناه من أغنى دول العالم لنحشره حشراً في حلق مجتمع نام ٍ فقير بعدد قاعات جامعاته وعدد أساتذته نسبة لعدد الطلبة وفقير في مكتباته وبفرص العمل والتشغيل للطلبة أثناء الدراسة ، المناسب جدا ً لبلد المنشأ حيث يعمل الطالب إلى جانب دراسته هناك حيث لا حاجة للعلاقات الاجتماعية ولا حاجة (لـمونة ) الأستاذ على الطالب وهو ما نحتاجه نحن هذه الأيام ؛هو نظام مناسب لمن يريد أن يعمل ويدرس وهذا ممكن هناك فهل هو ممكن هنا !!؟؟ وإذا كان غير ممكن فلماذا استوردناه من الأصل لينتج الفراغ عندنا؟؟!! فهل العيب في الفراغ إن وجد أم بمن خطط وأنجز وتسبب بوجوده ؟؟؟!!.

إلى مثل هذا العمق وأكثر يمكن أن نفكر بالحل ...وإلا فالصمت أشرف من (اللعلعات) الفارغة ، ما علينا لنترك ذلك جانبا ً ، ونستأنف القول طالما أن لا فرص لعمل الطلبة عندنا ، إذن ما بقي للطالب من فوائد هذا النظام المزعومة الا ان يدرس ويدرس ويدرس فأين الفراغ لديهم؟؟!!! ثم هل فكر من حشروا هذا النظام بحلق بلادنا الفقيرة إن ما يتيحه هذا النظام من حرية للطالب في اختيار المادة والأستاذ ... هي حرية هناك لكنها قد تكون (وقد كانت ) فرصة (للزروقة) أتيحت لأبنائنا ها وفرصة للتخلص من هذا الأستاذ الجاد ، والمحاضر الجاد الرزين ... إلى ذلك الأستاذ المهمل المتساهل والمحاضرات الهشة الفاسدة ؟!!!! لم يخش المستوردون لتلك البضاعة أن نفاجأ وإذ بشبابنا الجامعي الذين مارسوا حريتهم في اختيار موادهم وأساتذتهم قد تخرجوا فقط من تحت هذا النوع من الأساتذة الجامعة كأي مؤسسة أخرى فيها الجادين وفيها الفاسدين !!! هل في ذلك مصلحة وطنية وهل التدمير الذي يلحق ببلادنا جرّاء هذا البرنامج أقل من التدمير الموهوم جراء المشاجرات الشبابية التي أراها قد حظيت بأكثر مما تستحق ؟؟؟؟


8- وللقائلين بعدم تعاون الأساتذة في توجيه وضبط الشباب والحيلولة دون مشاجراته نقول:وكيف لمن لا يعرف الآخر حسب النظام الحر المطبق ، أن (يمون ) عليه ... هذا الدور يحتاج إلى ما نسميه في ثقافتنا (المونة ) وهذه لا تكون إلا بين طرين يقدر بعضهم بعضا ً فكيف يمون على الآخر من لا يعرفه إذا مرّ عليه وقد لا يعود إليه حتى يتخرج !!! كيف سيجرؤ الأستاذ أن يتحدث مع من لا يعرفونه جيدا ً ... وهو الذي لا يستطيع أن يطلب من طالب أو طالبة تسد الطريق أمامه على الدرج بلا مبالاة ... أفسحي لي مجال للمرور !كيف؟؟ اذا كان ذلك كذلك !أليس من السطحية أن تطلب من الأستاذ أن يزج نفسه بين جموع الشباب أثناء مشاجرتهم فيفصل بينهم ، أو قبلها فيقنعهم بالعدول ؟!! كيف ؟! هي السطحية في التحليل وتجاهل الواقع . رؤساء الجامعات المختارون على مقاسات تقع خارج الجامعات لم تؤهلهم صفاتهم اللاقيادية من القيام بهذا الدور رقم قوة القانون وهيبة المركز المستندين إليه فكيف يفعل ذلك من لا يملك سوى قوة معنوية (لمونة مفقودة) ؟؟!!


9- وللقائلين بتدني مستويات المقبولين بحكم القوائم وغيرها نقول: ألم يكن ذلك من الأساس لتحقيق العدل في توزيع فرص التعليم على أبناء الوطن دون ظلم قد ينتج عن اختلاف ظروف حياة ذويهم إذا ما طبقت المساواة وصار القبول فقط بالتنافس الحر ّ المتساوي بين شباب لا تتساوى ظروفهم المعيشية ؟؟؟ أليست المساواة المطلقة في مثل هذه الحالة ظلم مطلق . من المعروف بداهة لكل من يلم بمبادئ البحث العلمي...إن المقارنة والمفاضلة أو المنافسة لا تكون عادلة إلا بين متنافسين متساوين من حيث المدخلات المؤثرة في (الموضوع أو المتغير ) موضوع المنافسة بينهم ؟إذا كان الأمر هكذا ... وهو هكذا قطعا ً فكيف تطالبون بالمنافسة الحرة بين شباب يملك كل المقومات المؤثرة في مجال التحصيل الدراسي من مال ومكتبة أسرية ومدرسيين خصوصيين ومدارس راقية (أنشأ أرقاها الاتحاد الاحتكاري لطبقة السلطة)؛ وبين شباب لا يملكون من حطام الدنيا عند الوالدين سوى الشاي (للغموس ) والعتمة وحطام فراش بارد (يسمى فراش) ليلا ً للمبيت ؟؟!!كيف يكون هذا عدلا ً ، وكيف تكونوا بهذا الطرح عادلين ؟؟!!

أنا نفسي عشت تلك الظروف وكثيرون من زملائي كذلك فلو كانت معاييركم مطبقّة لما وصل أمثالنا إلى عمّان! ثم ألم نطالب نحن جميعا ً الملك حسين رحمه الله بالعدل في توزيع الفرص التعليمية واستجاب لهذا الطلب برحمة وعدل ورؤية ملك واخترع رحمه الله المكرمات لتحقيق ذلك ... انحيازا ً للفقراء من أبنائه ممن لا أمل لهم على الإطلاق بدخول الجامعات ... جامعات الأردن كله !!!فيما لو تخلى عنهم الملك ليتنافسوا بإمكاناتهم المتواضعة مع أبنائنا المحظوظين بكل القدرات المالية والإمكانات اللوجستية ؟!هل يكون عاقلاً مثلا ً من يطلب من صبي بعمر 7 سنوات أن يصارع محترفا ً للمصارعة؟؟؟ وإن طلب ذلك طالب،فبما تصفون هذا الطلب والطالب بتقديركم يا أساطين الأكاديميات المحيرة لي شخصيا ً؟؟

لقد استفاد الفقراء يا إخوتي من الحل الملكي، وجاؤا إلى الجامعة فرحين فعل يعقل أن تكون تلك السياسة هي السبب في المشاجرات ؟؟!!نعم هذا هو المعنى وذاك هو السؤال !!!!


فالمشاجرات كما قلنا كانت تحدث قبل ذلك ،وتحدث حاليا ً ، وسوف تستمر مستقبلا ً من يقولون بالغاء المكرمات والقوائم، لو غررنا بأصحاب القرار – كما هي عادة النخب ببلادنا- وأغريناهم بإلغاء كل ذلك واستمرت رغم ذلك المشاجرات الشبابية في الجامعات وغيرها؛ كيف سنقول لمن نكون قد حرمناهم فرصة التعليم الجامعي بحجة أنهم (المشكلجية) إذا ما استمرت المشاجرات بعدهم؟؟ ومن المؤكد سلفا ً أنها ستستمر لعلاقتها بموروث ثقافي هائل من الواضح أننا لا ندرك كلنا استحقاقاته قد قضى بأن تكون هذه هي من عادات الشباب في بلادنا !


هل سنكتف بالقول بأننا ظلمناهم ؟ أم أنكم تراهنون على أن لا أحد قد بفطن حينذاك لهذه الصدمة الأخلاقية ؟؟! هل يكفي قولنا حينذاك (والله استعجلنا وظلمنا الفقراء من شبابنا وزدنا طينة الدهر الثقيلة على صدرهم بماء من عندياتنا يا أشاوس؟؟!! هل هذا معقول ؟؟ ثم ما قيمة هذا الاعتراف حينذاك كان أو طالما أن الفأس تكون قد شرخت الرأس وانتهى الأمر؟!!!

 
10- ثم إلى السادة ممن رأسوا أو يترأسوا جامعاتنا اليوم أقول متسائلا ً : ألم يكن أولئك الطلبة المستهدفين بالاستبعاد من الجامعات كطلاب قوائم (المشكلجية وفق رؤيتكم ) ألم يكونوا هم صمام الأمان في الجامعات في أيام مرّت عليكم حالكة ؟؟ ألم يكونوا هكذا يا أجهزة الأمن العتيدة وانتم العارفون بكل شيء كما تزعمون؟؟؟ لماذا التنكر للحق؟؟ والسكوت الذليل على المزاعم الباطلة؟؟؟ كيف من كانوا صمام الأمان في الجامعات بالأمس أن يصيروا خارقين له بين ليلة ٍ وضحاها ؟؟ هل هذا معقول يا منظرين ويا عارفين (إن كنتم عارفين) .. وصامتين؟؟؟ولماذا السكوت يا عارفين ولماذا هذا الخنوع الذليل أمام هكذا هراء ؟؟!! أم أن الناس عندكم (عِدّة في مخزن) للاستعمال فقط عند الحاجة ؟؟؟؟ ولا بأس بعد ذلك أن ترمى في دهاليزه؟! هل يعقل هذا ؟؟!!

لماذا لا نشك – ولو مجرد شك – كعادة العلماء إن كنا علماء بان ما يطرح ربما يكون جزءاً من برنامج لبعض مكونات الطبقة الارستقراطية الوطنية وهو من مستهدفات الحراك الشعبي الجاري اليوم في شوارعنا المعنى بالتصدي لمثله وتعديله .


تريدون الجامعات إذن فقط للقادرين على تكاليف الأساتذة الخصوصيين من شبابنا القادرين على حيازة كل مدخلات التفوق الدراسي المدرسي ، والمؤهلين نفوذا ً لاختراق سرية أسئلة الامتحانات في الثانوية العامة ؟!!ألم تسمعوا عن تسريب الأسئلة أي تقديمها على طبق من فضة للقادرين؟؟ لماذا لم يحاكم أحد؟؟ رغم أن المسألة أخطر بكثير من بيع الفوسفات القابلة للاسترجاع إذا أردنا ؟؟ألم تسمعوا عن من صاروا مليونيرات وكانوا قبلها معلمين في المدارس عبر آلية معاهد التعليم والمراكز التي تعقد دورات تعليمية للشباب بمواسم التوجيهي لا لشيء إلا لأنهم كما يشاع يوحون بالأسئلة المتوقعة ...فتأتي تماما ً وفق الوحي !!

كل الظن أن هذا بالضبط ما تريدونه.... لكنني كواحد منكم شكلياً أهمس في أذهانكم ، بأن الأوطان تدار بالسياسة وتساس بالإدارة حيث تؤخذ كل الأبعاد قبل الكلمة وأي قرار ،وإن المساواة وإن كانت واجبة أحيانا ً يظل العدل واجب بالمطلق ... والمساواة شيء والعدل شيء مختلف .


إن إدراك هذه الحقيقة والقدرة على بلورتها عمليا ً وتجسيدها موضوعيا هي أبسط المؤشرات الدالة على أهلية الإنسان لأن يكون مفيدا ً لوطنه أو ضارا ً..وفي أي موقع يوجد فيه سواء كان ذاك الوجود بحكم أهليته الحقيقية أو بجبروت الفساد العظيم !!


11- أما الكليات الإنسانية التي صارت هي (الحيط الواطي) عند بعض الــمتنطعين للتفسيرات الهلامية في مراكز البحوث وندواتها؛نقول : إن هذه الكليات هي أقدم الكليات الجامعية على مستوى بلادنا كلها وأعرقها ، وإن شبابها بحكم تخصصاتهم وتخصصات أساتذتهم يمتازون بوعي اجتماعي سياسي نسبي لا يؤهلهم لأن يكونوا قادة للمشاجرات بل قادة السلام وهذه حقيقة بصرف النظر عن الأرقام الـمبنيّة على التهم التي قد تكون مغرضة من قبل مصادرها. هذه حقيقة ينطق بها خبير ممارس (واسمحوا لي أن أزعم ذلك فالمقام استوجب) والطولة كشافة (كما نقول في أمثالنا الشعبية )فهم مثل غيرهم مهمومون بدراستهم ومستقبلهم وهم قبل وبعد كل شيء شباب ،ومن طبيعة الشباب أن يميلوا للمشاجرة أحياناً.فلا نميزهم عن غيرهم سلبا ً ولا إيجابا ً ، إمعانا ً في الحياء والموضوعية وكي لا نقع في تفسيرات اعتباطية .


12- إن الناس في بلادنا عندما يتنطعون لتفسير بعض المظاهر السلوكية المعتادة ينحكمون في الغالب الأعم – كما نلاحظ – إلى غريزة حب الظهور والتوهم بأن عليهم أن يستخدموا رطانة لغوية ...ومفاهيم تضمن لهم الاختلاف عن الآخرين .. فيكونوا بذلك من أهل العلم طالما أن الناس يسألونهم التفسير لأنهم لا يعلمون فينفتح بذلك المجال واسعا ً أمام الشخصية القضيبية(بلغة سيجموند فرويد) (وهي المرض المزمن لكثير من أبناء بلدي) لكي تتجلى بأجهل صورها ، فيندفع الواحد منّا بالرطانة التفسيرية كتلميذ يُسّمع سورة أمام شيخ الكتاب ،ليضيف بما يقوله غثاء على غثاء ، صار ممجوجا ً دون بصيرة أو تعمّق بالذي يجري أما الرؤية الخاصة بعلاقة ما يحدث بما يحيط به فمنعدمة بحكم منهجنا السائد في التعامل مع الأمور والمسمى بمنهج (البعد الواحد )وهو تهمة مستديمة اعتاد الغربيون أن يواجهوننا بها كلما(دق الكوز بالجرّة). لكنها تظل تهمة مثبتة من وجهة نظري( والعياذ بالله)بدليل انخفاض جرعة المنطق فيما نقول ونفعل . لكن لا عجب في أن تكون التفسيرات الرائجة ساذجة سطحية ، فنحن قد اعتدنا في بلادنا أن نسأل الإداريين (رئيس القسم أو المدير أو الوزير أو العميد أو رئيس الجامعة ) ونطلب منهم التفسير لاعتقاد جاهل بأن من يسند لهم الـمنصب الإداري دائما ً هو ( الأفهم) وهذا وهم خاطئ فقد سبق أن كنت رئيس قسم ولم أكن أكثر زملائي فهما ً ، وكنت عميدا ً ولم أكن أكثر أساتذة الكلية فهما ً.... لكن مع ذلك كنت أرى الناس لا يتوجهون إلا لي للسؤال عن مسائل لا تقع ضمن تخصصي ومعرفتي وهناك من يعرف بها أكثر مني في القسم والكلية .. ولكن هيهات أن يفهم الناس ذلك في تعاملهم مع المؤسسات الجامعية.


وللإيضاح نقول : إن إسناد أي دور إداري لشخص ما في بلادنا لا تعني بأي حال أهلية حتمية لتفسير كل ما حدث له علاقة بالمؤسسة التي يديرها وبالتالي ينبغي الحذر من أن تؤخذ آراء الكثيرين من هؤلاء ، بجدية فتفسير الظواهر والمشكلات له مقومات أبرزها :أهلية في الخلقة وخبرة في الاكتساب .أما الأول فهي أقرب ما تكون إلى الموهبة التي تتضمن استعدادا ً خلقيا ً للفهم ، وامتلاك الرؤية ... وهي لوازم التأهيل للقيادة والإدارة علميا ً و بالضرورة لوازم التأهيل للتفسير والتحليل ، وصار معروفا ً أن هاتين الخاصيتين مستبعدتين في بلادنا عن الأدوار القيادية في الغالب. إما سياسيا ً وهذا مفهوم ، وإما استبعادا ً ذاتيا ً، حيث صاروا هم يرفضون الإدارة والقيادة لا تكبرا ً ولا تجبرا ً (فهذا ليس من أخلاق المؤهلين كما أظن ) بل لذكائهم المدرك بأن الزمن غير الزمن ، والمكان غير المكان والظروف صارت غير مؤاتية لأمثالهم وطاقاتهم ، فلا يسعون للحريق بأقدامهم ... فكل ما يحيط بهم يغريهم بالحذر الحذر ، فخلت الساحة منذ زمن ليس بقليل ، إلا من (مستجدي الولاية ) فتولوا وقادوا وخططوا ونفذوا فأوصلونا إلى ما نحن فيه ...وهذا يمكن تقبله للضرورة وانعدام البديل، أما أن يصيروا مرجعية للتفسير والتحليل والتشخيص والتوصيات فهذا تناقض مخجل يقف بنا على تخوم الهبل ... ويكون حالنا حال من يعرف أنه جمل ومع ذلك يصيح بأعلى الصوت أحلبوه !!! فهل هذا معقول يا سادة يا كرام؟؟!!!

13- وختاما ً نقول : إن ما ورد لا يعني أن لا مشكلة هناك ؟؟فالواقع أن هناك مشكلة ... بل ومشكلة كبيرة لكن ليست بالموضوع كما يطرحون ، بل بالمنهج ... المنهجية المتبعة في بلادنا في التعامل الرسمي والإعلامي مع القضايا التي تقوم على مبدأ تكبير الصغير ، وتهويل الأشياء مهما كانت صغيرة وقد استوطن هذا المنهج منذ أمد ، تارة يكون ناجحا ً، وتارة ً غير ناجح ، إذ نميل إلى تعظيم المشاكل بدلاً من تصغيرها ، مع أن التصغير أقرب إلى نقطة التلاشي لو قصدنا المعالجة حقا ً ... وهناك مثال ففي أوائل الثمانينات تلقينا كأساتذة في الجامعة الأردنية تهديدات بالقتل لأسباب لم تُشرح في أوراق التهديد ولم نفهمها وكان قد حدث أن قُتل ثلاثة أساتذة في الجامعة الأمريكية في بيروت حينذاك وارتعدنا خوفا ً واستنجدنا بالمرحوم جلالة الملك الحسين ... فجاء مسرعا ً وجلس معنا في مطعم الجامعة وعرضنا عليه التهديدات فما كان منه إلا أن ابتسم بهدوء وأجاب بكلمتين (حطوا بالخرج) فتساءلنا كيف ! فأجاب لو مثل هذه التهديدات يستحق الاهتمام لما نمت في حياتي لأنني أتلقى شخصيا ً تهديدات مثلها كل يوم وها أنا حيّ أمامكم ونشرب الشاي ،يا إخوان حطوا بالخرج واتكلوا على الله وان شاء الله ما بصير إلا كل خير فارتفعت معنوياتنا وزال الغم عنّا ومرّت الأشهر والسنين وفعلا ً ما صار إلا كل خير ، تلك كانت منهجيتنا وما يمارس اليوم منهيجة مختلفة عنها .


منهجية الملك حسين رحمه الله اتجهت نحو تصغير المشكلة بنظرنا (حتى وإن رآها بسريرته كبيرة )لكنه عالجها بمنظور الملك ورؤية الملك فأحالها بنظرنا صغيرة ولا تستحق ونجح في ذلك واطمأن الجميع وما حصل إلا كل خير .


فلو تعاملنا مع المشاجرات الشبابية بهذا المنظور لظهرت على حقيقتها صغيرة ومحدودة لا تدور إلا في نطاقها وكنا بذلك قد استغنينا عن تفسيرات وندوات المتفلسفين التي لا تستهدف سوى الظهور وليس الحلول ، مع أن الظهور للضعيف محرقة .... وبستاهل.
14- أخلص إلى القول بأن لا مشكلة هناك ، سوى مشكلة منهجية وليست مشكلة تستحق الاهتمام على مستوى الموضوع ... لكني قد أُغيّر رأيي وأدور دورة كاملة ، إذا ما كان شبابنا في الجامعات يقومون بمشاجراتهم لا للأسباب التي ذكرت فعلا ً وإنما للأسباب نفسها التي تقف وراء مصارعة العبيد حتى الموت على مسارح روما القديمة كما يشاع في بلادنا أحيانا ً ... فتلك طامة ما بعدها طامة ، والعياذ بالله . بل هي من الخطورة في نظري إلى درجة أنني كلما تخيلتها افتراضيا ً وقفت شعيرات رأسي القليلة وصارت عصية على المشط ممانعة له رغم ضعفها ونعومتها.. حقيقة عبرت عنها في شبابي إذ قلت :تبقى النعومة بالقوي تصنعا ً أما الضعيف فبالضرورة ناعم. مقولة قد لا تصح إلا في عالم الأشخاص .


وختاما ً أرى أن يكف الجميع أيديهم وطروحاتهم عن الشباب ،وأن يزيدوا إيمانهم بهم وبإخلاصهم ووطنيتهم وذلك لتدعيم ثقة الشباب بأنفسهم وكفى يا بلد... فقد كبرّنا من الصغائر الكثير ومن الصغار كثيرون .

تابعو الأردن 24 على google news