jo24_banner
jo24_banner

عن الربيع أيضا وأيضا!

حلمي الأسمر
جو 24 : لم أزل من أشد مؤيدي الربيع العربي، الذي كل خشية العدو الصهيوني كانت، أن يتحول إلى ما سموْه: الشتاء الإسلامي، رغم كل ما قيل وما يقال من هجاء لهذا الربيع، والذهاب بعيدا في وضعه في سياق التآمر على الأمة، منذ بدأ، أو بعد انطلاقه، وظهور خطره على البنى والهياكل المتداعية للنظام العربي الرسمي المتحالف مع أعداء متنوعي الأعراق والانتماءات، بهدف إبقاء كل شيء على ما هو عليه، والنأي عن أي تحول جذري في حياة العرب، يقربهم من ضفاف الخلاص من الاستبداد بأنواعه!
ولم ازل أتعقب كل رأي بهذا الخصوص، من باب الاستئناس أولا، وثانيا استشرافا لما هو قادم، وثالثا لطمأنة كل من استسلم لوهم الهزيمة، أن الربيع لم يمت، ولن يموت، وأننا في انتظار الموجة الثانية من موجاته، رضي من رضي وغضب من غضب، وإن غدا لناظره قريب!
من أصحاب هذا الرأي، وجدت عبد الرحمن اليوسفي الذي ترأس الحكومة المغربية في مرحلة هامة من تاريخ المغرب، خلال الفترة من أكتوبر/ تشرين الأول 1998 وحتى أكتوبر 2002. عاشت حكومته مرحلة انتقال الحكم من الملك الحسن الثاني الذي رحل في 23 يوليو/تموز 1999، إلى نجله الملك الحالي محمد السادس، كما تقول مقدمة حوار أجرته معه صحيفة «العربي الجديد» اللندنية، حيث اتسمت تلك الفترة بتعقيدات كبيرة، كونها كانت مُطالبة بتصفية ملفات الماضي وفتح الآفاق نحو المستقبل. لذلك عوّل عليها المغاربة في أن تنتقل بالبلد بهدوء من دون حصول مطبات. كانت مهمة اليوسفي صعبة، وهو الذي كان يتزعم أكبر أحزاب المعارضة، الاتحاد الاشتراكي، الذي بقي على خلاف لزمن طويل مع العاهل الراحل، الذي أراد أن يكون عهد نجله الشاب مختلفاً عن عهده، وقد ترأس اليوسفي ما عُرف في حينه بـ»حكومة التناوب»، وعمل جنباً الى جنب مع الحسن الثاني، وتمكن الطرفان، القصر الملكي والحكومة، من طيّ صفحة ملفات الماضي، والانتقال بالمغرب إلى العهد الجديد. إن رجلا كهذا، عركته السنون، قمين بأن يُسمع جيدا حينما يتحدث، خاصة عن حقبة كانت من أكثر الحقب دراماتيكية في حياة العرب، يقول عن رؤيته للربيع العربي، وكيف عاش أحداثه، ومآلاته المتوقعة، أنه عاشه وهو منفعل بأحداثه، وكأنه انتظره منذ زمن بعيد، وهو الذي قضى عمره في العمل السياسي، وجرب المعارضة والحكم، وعاش زمناً طويلاً في المنفى (15 سنة) وهو محكومٌ بعد شهادته في باريس في قضية المهدي بن بركة. يقول بالحرف: لقد هزتني رياح الربيع العربي، ولكني لم أتفاجأ بها، كنت أخمّن دائماً أن الشعوب العربية ستصحو قريباً لتأخذ مصيرها بيدها. أما بصدد المآلات، فالوضع الراهن مؤلم، ولكن قد يكون هذا المسار ضرورياً، وأعني بذلك التجلّيات الدموية في سورية واليمن وحتى ليبيا. وقراءة التاريخ على نحو عقلاني تخبرنا أن النهايات لن تكون إلا إيجابية. وحين نستعيد تاريخ الثورات الكبرى التي غيّرت مصائر البشر، نجد أن المهمة لم تكن سهلة. لنأخذ مثال ذلك الثورة الفرنسية، التي انتكست مرات عدة قبل أن ينال المواطنون الفرنسيون حقوقهم الدستورية. ويقول لنا التاريخ إنه ما من ثورة ولدت جاهزة وتحوز على الكمال المطلق منذ البداية، وحين يتعلق الأمر بتغيير أوضاع معقدة وبعد حكم مديد للديكتاتوريات العسكرية، فإن المهمة ليست سهلة وسيكون الثمن كبيراً، إلا أن التغيير سوف ينتهي إلى نتائج إيجابية.
هذا هو رأي أحد أهم الساسة العرب المخضرمين، ولعل فيما يقول بعض عزاء لمن صدّقوا أن الأمة في مرحلة موات، عقيم، عاجزة عن ولادة نهضتها، ولو بعد حين!
تابعو الأردن 24 على google news