انتخابات الطلبة في الضفة ودلالاتها
ياسر الزعاترة
جو 24 : من الصعب المرور مرّ الكرام على انتخابات جامعتين في الضفة الغربية أجريت خلال الأيام الماضية؛ الأولى في الخليل (بوليتكنيك الخليل)، وتساوت فيها حماس وفتح في عدد المقاعد، فيما لم يحصل اليسار سوى على مقعد واحد من أصل 31، والثانية جامعة بير زيت، وهي الثانية في الضفة من حيث الحجم والأهمية بعد النجاح في نابلس، وحصلت فيها حماس على 26 مقعدا، مقابل 19 لفتح، والستة الباقية لليسار الذي يسجل حضورا دائما في هذه الجامعة تحديدا، والتي يوجد فيها طلبة مسيحيون أيضا. تاريخيا، كانت انتخابات الجامعات هي “باروميتر” المزاج الشعبي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا قيمة لقول سفيه يحسبونه من ناطقي فتح، بأن آراء شبان بين 18 و20 سنة لا تعبر عن مزاج الناس، كأن هؤلاء ليسوا أبناء أسرهم ويعبرون عن نبضها، وكأنهم ليسوا الأكثر نقاءً في المجتمع، وكأنه لم يكن أكثر الشهداء في تاريخ فلسطين هم من أبناء هذا الجيل. وفيما شابت انتخابات الجامعة الأولى بعض التجاوزات التي يرى أبناء كتلة حماس أنها تسببت في تراجع رقمهم عن حقيقته (رغم أنه أفضل من العام الماضي)، فإن انتخابات بير زيت كانت نزيهة بالكامل، ولم يشكك في ذلك أحد، ومع ذلك فلن نعوّل على هذا الكلام في التحليل الذي نحن بصدده. تجري الانتخابات للتذكير هنا في ظل موجة استهداف واسعة النطاق تصاعدت خلال الشهور الأخيرة لحماس في الضفة، وكانت حصيلة الاعتقالات لشباب الجامعات كبيرة؛ إن كان من قبل سلطات الاحتلال، أم من قبل السلطة ذاتها، والتي تدمن على التعاون الأمني، ولا تفكر في تركه حتى لو خرجت منظمة التحرير وطالبتها بذلك بين حين وآخر، ولا يقتصر مسلسل التضييق على الاعتقالات، بل يشمل وسائل كثيرة سبق أن تعرضنا لها هنا، وكلها تأتي في سياق من إغلاق كافة النوافذ التي يمكن أن يتسلل منها برنامج المقاومة والانتفاضة إلى المجتمع الفلسطيني. كانت انتخابات جامعة بير زيت هي الأكثر إثارة، وفيها حققت كتلة حماس رقما لم تحققه من قبل، الأمر الذي لا يمكن أن يكون بلا دلالة من حيث انحياز الناس؛ ليس إلى رؤيتها الفكرية وحسب، بل أيضا إلى برنامجها المقاوم، كما تجسد في قطاع غزة، وكما يتجسد أيضا في الضفة عبر محاولات كثيرة يجهضها التعاون الأمني، وتكلف الكثير من الأسرى في سجون الاحتلال. ولعل ما تنبغي الإشارة إليه هنا هو أن كتلة حركة فتح، أو الشبيبة الطلابية كما تسمى تقليديا قد حملت في كل جامعات الضفة اسم “كتلة الشهيد ياسر عرفات”، وذك في محاولة لتوسل اسم له حضور في الشارع، لا سيما بعد أن تم اغتياله على يد الصهاينة، ويتذكر أبناء فتح أكثر من غيرهم أن رئيسهم الحالي هو من تآمر على عرفات رحمه الله وتعاون مع الأمريكان والصهاينة ضده، وهو من هيأ الأجواء لاغتياله. ولولا القبلية الحزبية، لما كان هؤلاء الذين يرفعون اسم ياسر عرفات منحازين إلى خصمه ومن تآمر ضده، والنتيجة أن كلا الطرفين، وهنا الدلالة الأهم، يملك قدرا كبيرا من الانحياز لبرنامج المقاومة، ولو اندلعت الانتفاضة في الضفة الغربية لما تخلف هؤلاء الشبان الذين مثلوا فتح في الانتخابات عن الركب، تماما كما كان الحال في انتفاضة الأقصى التي توحَّد فيها الجميع على برنامج المقاومة، قبل أن تصبح كارثة على الشعب الفلسطيني بحسب تصريحات لا تحصى لعباس الذي انفردومعه حفنة لا تذكر ضد تلك الانتفاضة حين أجمع كل الشعب عليها، بما في ذلك ياسر عرفات رحمه الله، وإن كان يضطر إلى إدانة بعض عملياتها بين حين وآخر. والخلاصة أن المزاج العام في الضفة الغربية هو مزاج مقاومة وانتفاضة، وليس مزاج تفاوض وتعاون أمني، لكن الجهود المحمومة من قبل الاحتلال والسلطة لا زالت تفعل فعلها. وما نحن متأكدون منه هو أن للضفة موعدا مع الانتفاضة لا بد سيأتي مهما تمكن رموز التعاون الأمني مع العدو من تأخيره. يبقى القول إن حديث انتخابات رئاسية وتشريعية من قبل بعض قادة حماس على خلفية ما جرى هو تجريب للمجرّب، وتكريس لواقع سلطة في خدمة الاحتلال، ويكفي أن نسألهم عن بؤس ديمقراطية يقرر الاحتلال مصيرها باعتقال النواب خلال ساعات في حال لم تصبّ نتيجتها في خدمته؟!
الدستور
الدستور