بين المعشّر والرفاعي.. حكاية نادي الأثرياء الذي يعتبر النسور دخيلا
تامر خرمه- عندما تجهّز قهوة الصباح لتبدأ نهارك بجولة سريعة على الصحف والمواقع الإلكترونيّة، تدهشك جرأة النقد التي تعكس صورة تخالها ديمقراطيّة، حيث تجتاح حمّى انتقاد "السيستم" مختلف المسؤولين السابقين وربّما اللاحقين.
حتّى مكوّنات هذا "السيستم" لا تتردّد في انتقاده. جميل. ولكن قبل أن تصاب بنشوة "حريّة الرأي والتعبير" قد يكون من الحكمة أن تسأل نفسك التالي:
لماذا ينتقد الواقع من أسهم ذات منصب في صنع مخرجاته ؟ وما هو الفرق بين مسؤول سابق أمعن في تطبيق سياسات ليبراليّة منحازة لأقليّة احتكرت السلطة والثروة، وبين مسؤول حالي يمضي على ذات النهج والسنّة التي سنّها أسلافه ؟
لا فرق في حقيقة الأمر، سوى أن السابقين ربّما يحسدون اللاحقين على تناول كعكة كانت على مائدتهم ذات يوم. المسألة لا تتجاوز كونها تنافس بين أعضاء ذات النادي، الذي يتداعى رموزه على المناصب كتداعي الأكلة إلى قصعتها. ولكن مع هذا تجد من يحاول المقارنة بين رئيس وزراء أسبق -كسمير الرفاعي مثلا- وبين الرئيس الحالي د. عبدالله النسور، في محاولة لإيجاد الفروق العشرة ربّما، أو ربّما لتجميل صورة أحدهما.
في الأردن يا عزيزي المتفائل لا توجد ميكانيكيّات منطقيّة لخوض معارك سياسيّة بين برامج عمل مختلفة ومتعدّدة، ولا يتطلّب الوصول إلى منصب وجود مثل هذه البرامج، حتّى أن كلمة "تعدّد" لا محلّ لها من إعراب "السيستم"، بل هي يد تغرف من قدر النادي المغلق لمحترفي لعبة الأرقام والأرصدة البنكيّة، الذين نجحوا في تجريد "الحرس القديم" ممّا كان يتمتّع به من "عزّ" التفرّد، قبل تصفية القطاع العام.
نادي الأثرياء المتحفّز للانقضاض على أيّ شاغر رسميّ حال توفّره، يتحدّث بذات اللغة التي ينطق بها الرفاعي أو مثلا نائب رئيس الوزراء الأسبق مروان المعشّر، أو غيرهما من جلاوزة الخصخصة، وهي لغة ما يسمّى بالإصلاح الاقتصادي، التي تعلّمها رئيس الوزراء الحالي فور انسلاخه عن ذاته لتلبية استحقاقات منصبه. محاولة إيجاد الفروق بين من يتقلّبون على مناصب يعاد تدويرها أكثر عبثيّة من انتظار غودو على رمال متحرّكة.
النسور لم ولن يحيد عن سنّة الرفاعي الذي أخرجه الحراك الشعبي من الدوّار الرابع، المزايدة بـ "إنجازات" أحدهما ومحاولة اختلاق تفوّقه على الآخر، نكتة سمجة تعكّر صباح القارئ الذي سئم الاستخفاف بعقله. والأكثر إثارة للغثيان هو تلك "الاستطلاعات" التي لا تتّصل بالواقع، والتي تجزم بأن "شعبيّة" النسور في تزايد مستمرّ!!
إمّا أن "الاستطلاع" غير علميّ أو أن الشعب بلغ حالة خطيرة من الفصام، وبما أنّه يصعب عليك إقناع الناس بأنّهم فقدوا عقولهم لتتمكّن من فرض "استطلاعاتك" عليها، فقد يكون الأفضل لك التفتيش عن لعبة أخرى.
الأسعار لا يمسّها إلاّ المنعّمون.. المديونيّة حطّمت أرقام البطالة القياسيّة.. الاعتقال السياسي انتفخ ومازال يقول هل من مزيد.. الناس تموت من التعذيب في السجون.. الإعلام في حالة يرثى لها.. السلطة التشريعيّة حدّث ولا حرج.. الشلليّة حوّلت الإدارة العامّة إلى طبق سمك ولبن وتمر هندي.. أمام هذا الواقع تنبثق الاستطلاعات من العدم للتحدّث عن "إنجازات" و"شعبيّة" !!
كلّ ما فعله رئيس الوزراء الحالي هو الالتزام السلفيّ بسنّة النادي الليبرالي الذي يعتبر الرجل دخيلا عليه، والذي يحاول إقحام رموزه على المشهد السياسي عبر شعار: "عالأصل دوّر"، فتارة تجد الرفاعي يصول ويجول مستعرضاً أرقامه لترويج ذاته، وتارة ترى المعشّر يتحدّث عن الإصلاح ويتودّد للغرب الآمر الناهي. نائب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي يريد "إشراك كافّة الأطياف والجهات في عمليّة الإصلاح، والاتّفاق على قواعد اللعبة دون أن يتغول احد على حقوق أحد".
جاء هذا خلال حديثه لنخبة التقاها صاحبنا في مدينة إربد مؤخّرا، حيث قال إن "هناك طبقة كاملة عملت على الوصول إلى مراكز صنع القرار، أو للتأثير عليها لتعيق عملية الإصلاح، وتقف في وجهها من أجل المحافظة على الأوضاع كما هي عليه الآن".
بداية اللعبة التي يتحدّث الرجل عن قواعدها هي التي أوصلته ذات يوم إلى منصبه، ولا سبيل له بالعودة إلى المشهد السياسي دونها، فأي تغيير يتحدّث عنه الطامح المزاحم ؟ وهل حقّاً يعترف بوجود أطياف غير تلك الأطياف التي تسرق أحلام الفقراء ؟!
الطيف الوحيد الذي يؤمن به بطل "السلام" هو الطيف الرقميّ الذي لا يريد أيّ تواجد -ولو رمزيّ- للحرس القديم، وقد يكون هذا ما دفع الرجل إلى انتقاد "الطبقة" التي يزعم أنّها وصلت إلى مراكز صنع القرار. يا عزيزي في مراكز صنع القرار لا غريب إلاّ الشيطان، إنّها ذات الطبقة التي تنعم حضرتك بعضويّتها، فـ "البيروقراط" مضى إلى غير رجعة، المشهد والوطن والثروة والسلطة.. كلّها لكم وحدكم، دام عزّكم على حساب الغلابى !!
مضحك كيف وصف المعشّر الأوضاع الاقتصاديّة الناجمة عن سياسات ناديه الاقتصادي بـ "الخطيرة"، في ذات الوقت الذي تباهى فيه بـ "الإصلاحات الاقتصاديّة". ولمن لا يعرف هذه "الإصلاحات" فليتحسّس جيبه الخاوي على خروقه علّه يلمّ بها. أمّا "الإصلاح السياسي" الذي يريده، فهو حسم الصراع بين الحرس القديم وفريق الديجيتال نهائيّا لصالح الأخير.
بصراحة كفرنا بسياسات هذا الحرس القديم، ولكن ما جئتم به يا أبطال الديجيتال جعلتنا نترحّم على أيّامه.
الصورة الآن كالتّالي: متنافسون ينتقدون السلطة فور خروجهم منها، ليعاد تدويرهم على صدر ما تبقّى من أحلامك المصادرة. أنت لا تستطيع هزيمتهم بـ "قواعد اللعبة" التي نجحوا في إرسائها بلا عمد. قد تتبادر إلى ذهنك مقولة: "إن لم تستطع هزيمتهم انضمّ إليهم"، ولكن هل تملك في رصيدك البنكي ما يؤهّلك إلى الانضمام لهذه العصبة ؟! تأمّل في هذا "السيستم"، هل تجد في ثرائه من تفاوت ؟ انظر جيّداً. ثُمّ ارجع الْبصر كرّتين، ينقلب إليك الْبصر خاسئا وهو حسير.