عبدالحميد القضاة .. "جنتلمان" الجماعة الذي يرفض مغادرة الظل (بورتريه)
طوال العشرين عاما الماضية, لم يحظ مرشح لسدة حكم جماعة الاخوان المسلمين في الاردن بمثل ما حظي به عبدالحميد القضاة من نداءات داخلية للترشح وتبوء هذا المقعد.
ولم يحظ اي قيادي في الجماعة بتوافق نسبي بمثل الذي يحظى به عبدالحميد القضاة حتى الان. كما لم يحظ اي مرشح لهذا المنصب بترحيب رسمي - ولو انه غير معلن - كما حظي به القضاة.
فهل من سبب يا ترى؟
خصومه كما محبوه,يعترفون انه محنّك اداريا ويفرض حضوره اينما حلّ، ولا يُخفون حقيقة انه شريان مالي مهم للجماعة،ويقول عنه احد خصومه في الحركة الاسلامية ( إنه جنتلمان، له كاريزما تطغى على من حوله،ولا تملك وانت تختلف معه الا ان تحترمه، طبعه حاد لكنه غير خشن، إداري صارم ودائما اول الواصلين للاجتماع، خلال فترة تواجده في قيادة الجماعة لم يكسر عظما مع احد من اخوانه رغم انه لم يتنازل عن مواقفه المتشددة في امور ادارة التنظيم).
الدكتور عبدالحميد القضاة المولود في قرية عين جنا في محافظة عجلون عام 1946 ،كان اصغر اخوانه الذكور, وكانت عائلته تعمل بالزراعة. يقول القضاة في مذكراته المنشورة ان طفولته كان طابعها الفقر والحرمان، و كانت عائلتة مكونة من اثني عشر فرداً يعيشون في دار قوامها غرفة واحدة؛ هي للنوم، والاستقبال، والطعام، والأثاث وتخزين المؤن وكان والده منهكاً من كثرة الأعباء والهموم؛ لذلك أوكل جزءاً كبيراً من مهامه التربوية للابن الأكبر، وجزءاً من أعبائه المادية للابن الثاني.
يتحدث القضاة عن لوعة فراقه الاول لعجلون عندما غادرها عام 1965 الى اربد، لاستكمال دراسته الثانوية, واصفا تلك الغربة بأنها اصعب من غربته خارج الوطن لاستكمال دراساته العليا، الا انه يمر دائما على ما حصل معه في طريقه لدراسته الجامعية الاولى عندما قادته الصدف للقاء رجل كويتي في البصرة, ناصحا اياه عام 1968 بنصيحة لا زال القضاة يرددها : "أنت في بداية حياتك وبعيد عن رقابة والديك, فتذكر أن الله يراك , ألتزم شرعه, واختر الصحبة الصالحة ،والزم دراستك , واستفد من وقتك ,وعُد لوالديك بعلم نافع, تكسب رضاهم ورضى الله".
بسبب حرب حزيران عام 1967, لم يتمكن من تقديم امتحانات الثانوية العامة كلها, الا انه نجح بمعدل لم يسمح له بتحقيق حلمه ودراسة الهندسة، فتوجه للباكستان لدراسة الطب، وعندما رفض رشوة موظف التسجيل هناك, حرمه الموظف من دراسة الطب، فلم يجد بُدا من دراسة شيء لا يتطلب الرشوة, فدرس علم الجراثيم رغم انه لم يدر في خلده ان رفضه دفع الرشوة سيقوده في نهاية الامر لأن يكون من العلماء المبدعين في علم الجراثيم.
لا يفتأ القضاة يذكر بالخير المرحوم غازي عربيات مساعد رئيس هيئة الاركان المشتركة للقوى البشرية, والذي لم يقف في طريق اكمال القضاة لدراسته العليا, وقبل استقالته من الخدمات الطبية الملكية وسمح له بالمغادرة قائلا له انه لن يقف في طريق من له هذا السجل العلمي الممتاز.
ورغم استقالته بسبب الدراسة, إلا أنه يطالب بإعادة خدمة العلم, ويصر على انها من اهم الوسائل التربوية التي ستعود بالنفع على الوطن وشبابه, ويستشهد على ذلك بالفائدة التي جناها من مشاركته في دورة الضباط الرابعة.
بعد ان أوقفت الجهات الامنية ابتعاثه نهاية السبعينيات,تزوج من رفيقة دربه و غادر الى بريطانيا لدراسة دبلوم متقدم وشهادة الدكتوراه على نفقة أهله, وهما الشهادتان اللتان حصل عليهما في زمن قياسي اكاديميا, وخرج منهما ببراءتي اختراع , وكان اسمه معلقا لسنين طوال على لوحة خاصة في جامعة مانشستر نتيجة تميزه الاكاديمي.
ما يلفت الانتباه في حياته في بريطانيا عدا عن تميزه الاكاديمي هو قصته مع المرأة العجوز, والتي كتب في مذكراته انها اخبرته ان
" نساء المسلمين أميرات، إذا طلبن أمراً يأتيهن إلى البيت، ثم أردفت تقول: أتدري لماذا نخرج نحن الإنكليزيات من البيوت ؟ نخرج للعمل والتحصيل, لأننا لا نجد من ينفق علينا ويخدمنا, لو نجد نصف ما تجد نساؤكم لما خرجنا من بيوتنا، أتدري لماذا يربي الكبار منا كلاباً في البيت؟ ببساطة لحمايتنا... ثم لتدل علينا إذا متنا".
طوال مسيرته الجامعية وشهاداته العليا الخمس, كان يحصل على درجة التميز, ويتم تكريمه بعد كل شهادة بسبب تميزه، وانهالت عليه عروض مالية مغرية بعشرات آلاف الجنيهات الاسترلينية عندما انهى دراسة الدكتوراه مطلع الثمانينيات, إلا انه قفل عائدا الى الاردن ليخدم وطنه ووالدته.
عودته للأردن لم تكن بدايتها سعيدة, إذ استقال من جامعة اليرموك بعد قليل من بدايته بسبب خلافات وظروف عمل لم تناسبه, ليتفاجأ في الاسبوع التالي بقيادة الطالبين آنذاك سمير القبطي ورولا غنما إضرابا للطلاب عن الدراسة ومطالبتهم بإعادته الى الجامعة، إلا انه اصر على استقالته وانطلق لعمله الجديد في مختبره الخاص.
كان انتظم في جماعة الاخوان المسلمين وهو في مراحل المدرسة النهائية بداية الستينيات, و استمر مع الاخوان المسلمين في باكستان حيث كان رئيسا لاتحاد الطلبة الاردنيين هناك، وعند دراسته في بريطانيا تم انتخابه عضوا في مجلس شورى الاخوان المسلمين في بريطانيا و اوروبا.
اشتهر في الاردن في بداية الثمانينيات, حيث جال الاردن ولا يزال محاضرا عن الامراض المنقولة جنسيا، واصبح الان مدربا عالميا ومديرا لمشروع الاتحاد العالمي للجمعيات الطبية الاسلامية المتعلق بالوقاية من الامراض الجنسية، وهو مشروع ممتد على مستوى العالم ، ويذكر من معه في المشروع انه تم تدريب اكثر من 7 آلاف محاضر في هذا المجال حتى الآن.
تم انتخابه عضوا في الهيئات الادارية ، ثم مجلس شورى جماعة الاخوان المسلمين في الاردن عام 1990 عن شعبة اربد, وتم تجديد انتخابه في الدورات اللاحقة. كما شغل عضوية المكتب التنفيذي لحزب جبهة العمل الاسلامي لدورتين، وتم انتخابه عضوا للمكتب التنفيذي لجماعة الاخوان المسلمين منذ عام 1998، بالاضافة لترؤسه للجنة الشباب في مكتب الارشاد العالمي لجماعة الاخوان المسلمين.
تعرض القضاه خلال فترة ادارته للجماعة لأزمات داخلية طاحنة, كانت بدايتها في ادارة ملف ابعاد قادة حماس عن الاردن، ورغم ان خصومه اتهموه بعقد صفقة مع الحكومة, إلا انه مع مرور السنين تبين انه كان حتى عهد قريب هو حلقة الوصل بين حماس والاخوان المسلمين في الاردن.
لم تكن ادارة ازمة حماس اصعب من ادارة ازمة الاخوان الداخلية بعد انتخابات عام 2007 النيابية وقرار مجلس شورى الجماعة آنذاك حل نفسه واجراء انتخابات قيادية جديدة، وما زاد الطين بلة آنذاك تزامن هذه الأزمة مع قرار مفصلي للجماعة بفك ارتباطها مع حماس اداريا, وهو القرار الذي تبناه علانية وانتهى الى ما انتهى اليه بعد حرب داخلية ضروس، الا انه خرج من هذه الازمة دون اي خسارة على الصعيد الشخصي, حيث تم انتخابه نائبا للمراقب العام بالاجماع في الدورة الاخيرة.
تعرض القضاه لصدمة قاسية عندما فقد ملهمه ومعلمه وأخاه الاكبر المهندس خالد القضاة عام 2008, ولا يفتأ يذكر لزواره ان صدمة وفاة شقيقه الاكبر كانت مؤلمة اكثر من اي صدمة اخرى، حيث ان اخاه الاكبر هو الذي رباه وادخله في جماعة الاخوان المسلمين ودعمه طوال فترة دراسته وبعد عودته، ويذكر ان اخاه ابو المعتصم خالد القضاة كان معه في نفس الصف المدرسي رغم ان فرق السنين بينهما هو 12 عاما, حيث كان الاخ الاكبر مدرسا والاخ الاصغر طالبا، ورغم فرق السن بينهما, الا ان التنظيم جمعهما مرة اخرى عندما تزاملا في مجلس شورى جماعة الاخوان المسلمين في الفترة بين 1990 الى 1998.
يتردد اسم عبدالحميد القضاه الان لموقع المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين في الاردن, ويتردد اسمه في نفس الوقت لتسلم منصب رسمي مفصلي, إلا ان المحيطين به يؤكدون باستمرار أنه سيرفض اي موقع, مستشهدين برفضه لرئاسة اتحاد اسلامي لتنمية التكنولوجيا عام 1996, ورفضه الترشح لموقع المراقب العام للجماعة عامي 2002 و 2008, واعتذاره عن مواقع رسمية عامي 2003 و 2007. ويعللون رفضه بأنه " يحب ان يبقى في الظل ".
ولقراءة مذكرات القضاة يمكن زيارة موقعه الالكتروني على الشبكة العنكبوتية .