jo24_banner
jo24_banner

السنيد: سقط النظام العام للمنطقة وغدت ساحة للفوضى

السنيد: سقط النظام العام للمنطقة وغدت ساحة للفوضى
جو 24 : القى النائب علي السنيد كلمة في ملتقى الاحزاب القومية واليسارية في مجمع النقابات المهنية بمناسبة مرور 67 عاما على النكبة الفلسطينية وصفت بالنارية.

وقد عرج فيها باستفاضة على الاحداث التي شهدها الاقليم في اطار ما سمي بالربيع العربي.

وتاليا نص الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرات السيدات والسادة الحضور الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

انه لمن دواعي سروري ان تفضلتم بالسماح لي لان اكون احد المتحدثين اليكم في هذه القضية المحورية والتي ما تزال تؤرق وجه التاريخ العربي منذ عقود.

وهي النكبة هذا العنوان الصادم تاريخيا الذي ربما قصد به لكي يكون المأزق الابرز الذي تظل تواجهه الاجيال العربية المتتالية بحيث ما تزال تجد نفسها حبيسة مرآته، ويضع لها سقفا اعلى لطموحاتها في هذه الحياة. وقد باءت بالفشل كل محاولاتها لتغييره وامتلاك ناصية مصيرها، والخروج من بوتقة الاحباط واليأس والعجز الى اللحظة. وذلك الى حيث طموحاتها المشروعة في السيادة والاستقلال والنهضة، وتحرير الارض، والبناء الوطني، والعيش بكرامة في اطار امة واحدة تقف على سوية غيرها من الامم الحرة.

وربما كان من سوء طالع هذه الاجيال العربية انها جاءت في ظل نظام عربي استبدادي محكم في شدة قبضته الامنية، وممعن في اغتصاب السلطات السياسية، ولفقدانه للبعد الشعبي في الحكم بقي يحافظ على تبعيته المطلقة للغرب، ويدين برؤسائه، وملوكه –الا ما ندر منهم- بالطاعة العمياء لهذا الغرب، وهم يؤمنون ان بقاءهم في الحكم مرتهن برضى هذا الغرب الذي لا يخفي عدائه التاريخي للامة العربية والاسلامية، اي لشعوبهم التي يتقلدون امانات حكمها. وظلوا يعملون هؤلاء الحكام على تأمين مصالح هذا الغرب في المنطقة ويفشلون حقوق الشعوب المشروعة حتى وصلوا الى حالة التصادم الحتمي معها.

وكان هذا النظام العربي الذي تشكلت غالبية سلطاته السياسية في احشاء الاستعمار نتيجة فشل العرب في انجاز استقلالهم التام، وبناء نظمهم الوطنية عمل على منع وصول المنطقة الى الشكل السياسي الحديث الذي يجسد الارادة الشعبية، ويحاكي المستقبل ويلبي احلام وتطلعات الانسان العربي، وهو الذي بقي يحمل في جعبته حلم الوحدة، والديموقراطية جيلا من بعد جيل.

وقد رافق تكون هذه النظم غير الشرعية انذاك ولادة الكيان الصهيوني وزرعه في قلب الامة، ولتدخل هذه الانظمة في حالة شراكة مع المستعمر ارتبطت بتطورات هذا الوضع، وليصار في حينه الى ربطها بادوار التصقت بها الى اليوم، وما تزال امينة على ادوارها الى اللحظة التي نعايشها. وكان من اولى اولوياتها كما هو معروف تأمين سلامة الكيان العنصري الصهيوني الذي تم زرعه في قلب المنطقة العربية ليعمل تلقائيا على منع هذه الامة من استعادة وحدتها، وليبقى يشغلها عن متطلبات التنمية، وتحقيق مقومات الامم الحرة في النهضة والتقدم، وربما ليجر عليها ويلات الحروب المتلاحقة، او مسرحيات تلك الحروب التي خيضت من قبل بعض الانظمة العربية لمخاطبة الوجدان الشعبي العربي اكثر منه استجابة لواجب تحرير الارض العربية المحتلة، واستعادتها الى حضن الامة.

وقد اعتمد غربيا لدوام هذا الحال على الاحتفاظ بهذا النوع من الانظمة الابوية التي فشلت معظم محاولات تغييرها من قبل العرب الى سنوات قليلة خلت ، والنادر القليل الذي خرج منها عن هذه المواصفات ، واقترب قليلا من المتطلبات الشعبية للنظم السياسية كما يحلم بها العرب جرى التأمر عليها وبالشراكة مع النظام العربي نفسه، وصولا الى تصفيتها وعلى رأسها العراق العظيم.

وفي غضون هذه السنوات القلائل الماضية، ومع انطلاقة اكبر موجة تغيير تجتاح المنطقة العربية من خلال قوى الشارع العربي، والتي كان مقدرا لها ان تغير وجه التاريخ العربي الى ان بدت للاسف كحلم ليلة تاريخ مضى مسرعا فقد جرى مجددا اخضاع المنطقة الى اعادة انتاج الهزيمة في نفس ووجدان كل عربي، وذلك بدلا من ان تتحرر ارادة هذه الشعوب، وتلتقي بامالها وتطلعاتها الوطنية فتم تسعير حدة الخلاف فيها على اساس طائفي، وتتعرض الدول مرة اخرى الى التفتيت، والتقسيم على مقتضى الهويات الفرعية، ويتم تغيير وجهة الصراع التاريخي فيها من صراع عربي- صهيوني، او اسلامي صهيوني الى صراع اسلامي – اسلامي، او عربي- عربي، وبذلك يكون غالبية ضحاياه من العرب انفسهم للاسف.

ولأن الاقليم العربي عموما بقي عصيا على احداث التغيير الحقيقي فيه، وخصوصا في بعض مراكزه السياسية، وبقيت الغالبية العظمى من نظمه السياسية امينة على الدور المراد لها دوليا ، ولم تتوخ فرص الخروج من اسر الدور الوظيفي بشكل جماعي، ومن ناحية اخرى لم تلب المتطلبات الشعبية لصالح شعوبها فكان واضحا ان هذا النظام العربي سيغدو في مواجهة مفتوحة مع الشعوب التي ستبحث عن استقلالها وحقها في الحياة الكريمة، والخروج من بوتقة احتكار السلطة السياسية . فتم في الغرب التحوط لذلك واعداد المخطط الموازي لمواجهة اشمل حركة تحرر عربية حتمية وذلك باشعال فتيل حرب طائفية في اطار هذا الاقليم العربي، ولكي تتخذ من التصفيات سبيلا لها لضرب الوحدة الترابية للبلد العربي الواحد، وفي سياق ذلك تتوجه بؤرة التغيير الى الدول التي تمثل البعد القومي في اطار الصراع التاريخي الدائر في المنطقة، بغية اسقاط شعارات هذا الصراع، وتجريف مولدات هذه القيم من حياة الانسان العربي، وهذا كان مربط الفرس. وبقدرة قادر يخطأ الحراك الشعبي العربي الممالك العربية التي هي الشكل الاكثر رجعية في الحكم في المعيار الديموقراطي، والتي تقوم على خرافة حكم الاسر المقدسة، والتي تجاوزها الزمن والعقل السياسي الحديث منذ العصور الوسطى.

وقد كانت محطة البداية المجربة في العراق سابقا تتخذ نموذجا، وبحيث يصار الى تعميم ذات التجربة على البلاد العربية التي استقر في وجدانها الفكر القومي فيصار الى اسقاط النظام العام فيها تحت شعار اسقاط النظام السياسي ، وجرى العمل على محاولات تدمير كيانها العام من جيش، ووحدة ترابية، ومؤسسات سياسية، ووحدة شعبية، وتفجير صراع الهويات الفرعية فيها، ولكي تدب فيها حمى الحرب الاهلية وصولا الى استنزاف الدولة واخراجها من ميزان القوى لصالح تفوق الكيان الصهيوني في المنطقة، وهو ما بدا واضحا اليوم في عديد من الدول العربية التي فقدت استقرارها ، واصبحت بمثابة دول فاشلة لا تستقيم فيها العملية السياسية بالحد الادنى للاسف.

والجمهوريات العربية التي لا تعد مركزا للتوجهات القومية وتمكنت الانتفاضة الشعبية من اسقاط انظمتها السياسية تركت الفرصة فيها قائمة لاعادة انتاج السلطة وفق ذات مواصفات الحفاظ على الدور الوظيفي للدولة العربية المطلوبة غربيا.

وفي السياق العام اورثت دول المنطقة الفوضى والاضطربات والصراعات الداخلية بحيث تتراجع فيها اولوية القضية الفلسطينية ، وترك الخيار لبقايا النظام العربي لسحق مفاعيل التغيير في المنطقة، ووضعها مجددا موضع الارهاب، وبذلك يصار الى ولوج مرحلة عربية يتراجع فيها تأثير الافكار القومية، والاسلامية في الواقع السياسي العربي مما يشكل الارضية المناسبة لتجاوز حقيقة الصراع التاريخي فيها، وتوليد اجيال عربية جديدة تكون بمعزل عن الحقوق التاريخية للعرب التي رافقتهم لاجيال وخاصة في فلسطين. وكذلك الاخلال بتوازن القوى من خلال اخراج عدة دول وجيوش عربية رئيسية من هذا الصراع التاريخي.

وهذا ايها السادة كان على ما يبدو مربط الفرس من مجريات الوضع العربي العام الذي تحولت فيه النكبة الفلسطينية الى نكبات شملت العراق وسوريا وليبيا ولحقت بذلك مصر واليمن على اسس اخرى، واصبح الشتات واللجوء والمخيم عنوانا يجمع العديد من عرب هذا الزمن، وتطورت صراعات السلطة في المنطقة العربية الى حد الحروب الاهلية، والافتئات على فرادة العيش المشترك فيها تاريخيا، ويرافق ذلك بروز ظاهرة الجماعات المسلحة والمليشيات التي استباحت قيمنا، وديننا وثقافتنا، وامالنا في التغيير وكأنها تؤشر الى الشكل المسموح به سياسيا لنا في المعيار الغربي عوضا عن بقاء هذه الانظمة التقليدية. ولكأنها الوريث المريع لحلم التغيير التاريخي في المنطقة العربية مما شكل صدمة لهذا الجيل الباحث عن التغيير.

سقط النظام العام في المنطقة العربية، وغدت ساحة مفتوحة للفوضى والاضطرابات، وبما افضى للاسف الى تعميم النكبة في الحياة العربية لتصبح النكبة نكبات، ويتم توزيع معطياتها على العديد من ابناء الدول العربية التي تمر اليوم بالموجة الثانية من التقسيم، وذلك اسوة باخوانهم الفلسطينيين الذين ذاقوا مبكرا مرارة اللجوء ، وفقدان الوطن، والتناثر في المنافي والشتات، وتقسيم الارض، وذوبان الهوية، ويعانون قسوة احقية المواطنة، والاندراج السياسي.

واليوم نستذكر النكبة الفلسطينية ونستخرجها من ركام هذه الاحداث المأساوية التي تمر بها المنطقة العربية بذهول، ولكي تظل تأخذ موقعها الملائم في الذاكر العربية على وجه الخصوص، وهي ما تزال حارة تحمل الالآم الانسان الفلسطيني، وحقه على امتداد امته، ولأن فلسطين تبقى قطب الرحى والبوصلة ووحدها تمثل وجهة التغيير، وهي بحق قبلة الوجدان العربي، وقبلة التغيير، وكافة تجليات الواقع العربي تعود في الاساس الى معطيات هذه القضية التاريخية التي تنازع فيها الحق التاريخي والديني والانساني مع اكبر اكذوبة في التاريخ اطلق عليها الصهيونية، وهي التي لا تتعدى كونها مزيجا من الخرافات والاساطير، والاجرام ، وقد وجدت نظاما دوليا معاديا اقامها في المنطقة ، وانظمة عربية حامية لها، وحافظة لاستمرارها، والهدف الاساس من كل تلك التركيبة الملعونة هي في منع العرب من الوصول الى حريتهم، واستعادة دورهم التاريخي، وامتلاكهم لمقدراتهم الوطنية والولوج بها الى مدارج الامم الحرة.

ولا يغيب عن البال ايتها الاخوات والاخوة حجم النضال الفلسطيني في دائرة تلك العواصم العربية الضيقة حيث ارتبط هذا النضال بالمسموح به والمتاح عربيا في ضوء تلك المعادلة. وكذا بتواصله على مدار قرن مضى في الداخل الفلسطيني برغم القيود التي يفرضها المستعمر، وقد قدمت التضحيات الجسام على سبيل هذه القضية التاريخية، وتحول الشباب الفلسطيني باجسادهم الى ادوات في هذا الصراع، ولمواجهة الة التدمير الصهيونية اخذت اجيال فلسطينية متعاقبة على عاتقها مهمة ادامة جذوة الصراع، وتجاوزت اوهام ابرام اتفاقيات السلام مع العدو في سابقة تاريخية لم تقترفها امة حرة في التاريخ.

الا ان دائرة الصراع ما تزال ملتهبة يحوط بها ملايين الشهداء والجرحى والمهجرين ، ولن تستطيع كافة احداث المنطقة او مجمل مؤامرات النظام الدولي المدعوم بالنظام العربي العميل ان تدفع المنطقة العربية لكي تتجاوز جرحها، وحقها التاريخي في ثاني اقدس بقاعها، والتي تقف على قمة اولوياتها القومية والاسلامية والوطنية. ذلك ان القضية الفلسطينية كما ارى اوجدت في العرب حقيقة وجدانهم الوطني، وستبقى تبعث فيهم امال التحرير.

شكرا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير