ردود إيران على التصعيد الأخير
ياسر الزعاترة
جو 24 : لا خلاف على أن إيران فوجئت أيما مفاجأة بعاصفة الحزم، وبينما كانت تحتفل بكثير من الرعونة بإعلان وقفها، والانتقال إلى “إعادة الأمل”، لم تلبث أن فوجئت باستمرار العمليات من جهة، وبدعم متواصل للمقاومة الشعبية من جهة أخرى، ما يعني أنه حتى لو تمكن الحوثيون من دخول عدن، فإن مسار الاستنزاف لن يتوقف، وقد يكون أسوأ بكثير بمرور الوقت. كانت الصفعة الأخرى التي لا تقل إثارة هي تلك التي جاءتها من سوريا، ليس بفشل معركتها في الجنوب، وإنما بتقدم الثوار في عدد كبير من الجبهات، وحين يعود المزاج الإعلامي الدولي إلى أيام 2012، بحديث متواصل عن ترنح النظام والإجهاد الذي يعاني منه جيشه، فمن الطبيعي أن يُشعر ذلك إيران بالكثير من القلق، ولا يغير بعض التقدم في القلمون بحشد هائل من حزب الله وإيران من حقيقة تقهقر النظام. ولم يتوقف الأمر على اليمن وسوريا، بل تجاوزه إلى العراق أيضا، فوقت الأنبار بيد تنظيم الدولة، فصار العبادي حائرا بين اللجوء لأمريكا التي لا غنى عن طيرانها لإحراز أي تقدم، وبين اللجوء للمليشيات الفوضوية التي يدرك أنها أداة إيران للسيطرة على البلاد، وتهميشه، مع أنه لم يذهب في أي اتجاه يقلل من شأن حضورها، لا سيما أنه يدرك حدود إمكاناتها حياله، لكن جوهر الموقف بالنسبة لإيران هو أن كل تلك المليشيات التي حشدتها لا تحقق الكثير في مواجهة تنظيم الدولة من دون الدعم الأمريكي، وكل الإنجازات التي تحققت في تكريت، وقبلها بالنسبة للأكراد في كوباني لم تكن لتحدث لولا قوة الطيران الأمريكي. في لبنان أيضا يتبدى مأزق إيران، فهي تشعر من دون شك أن حزب الله الذي استثمرت فيه عشرات المليارات منذ عقود لم يعد بذات سطوته القديمة في لبنان، وها إن الكبير والصغير يتجرأ عليه، فيما يفقد كل تأييد له خارج الإطار الشيعي (مع قدر من الجرأة عليه داخل البيت الشيعي أيضا)، باستثناء نخب محدودة لا قيمة لها، ثم هو يضطر لتجنيد المزيد من المقاتلين وتحمل الكثير من الخسائر لتحسين ميزان القوى في سوريا، من دون تحقيق إنجازات كبيرة. هل يعني ذلك أن إيران في مزاج هزيمة وتراجع، وأنها على وشك الجاهزية للتفاهم على صفقة إقليمية تشمل تسوية الملفات العالقة مع العرب وتركيا؟ مؤكد أننا نتمنى أن تكون الإجابة هي نعم، فهذا النزيف الهائل في المنطقة، ليس في صالح إيران ولا بقية الأمة، والكل خاسر دون شك، باستثناء الكيان الصهيوني، ومعه الغرب الذي سيستفيد من الفرقة من جهة، ومن صفقات الأسلحة من جهة أخرى، لكن الواقع لا يقول ذلك، فالقوم في مزاج أقرب إلى الشعور بالإهانة التي تدفع إلى مزيد من المغامرة بهدف الثأر أكثر من الميل للتراجع والتفاهم. من هنا، فإن علينا أن نتوقع مزيدا من التصعيد الإيراني، وهو بدأ بالفعل، إن كان في سوريا عبر زج مقاتلين إيرانيين من الحرس والجيش في المعركة (دعك من حزب الله الذي ألقى بثقل هائل)، أم كان في اليمن عبر إيجاد منافذ لتهريب السلاح إلى الحوثيين، ومدهم بالمال والإشراف على جهدهم العسكري أيضا، إن كان مباشرة، أم عبر حزب الله في لبنان، وصولا إلى العراق الذي يُتوقع أن يشهد معارك طاحنة لاستعادة الأنبار. في المقابل، يدير المحور العربي التركي حرب، وعلى غير العادة بطريقة جيدة، وهو يستنزف القوة الإيرانية بشكل مثير، والأسوأ أن ذلك يحدث في ظل أزمة مالية خانقة بسبب تدهور أسعار النفط، وحتى لو تم اتفاق النووي ورفعت العقوبات، فإن ذلك لن يكون كافيا لتلبية الحاجات الملحة، بخاصة أن على الحكومة الإصلاحية أن تُشعر المواطن بالتحسن، وليس تبديد ما سيأتي في ذات المغامرات الفاشلة القديمة. إيران بهذا التهور تستنزف نفسها في مشروع مجنون وخاسر، وهي تكرر أخطاء أمريكا والاتحاد السوفياتي، والأخير على وجه التحديد، وهي تدمر التعايش في المنطقة، وتخدم الأعداء، وقد آن لها أن تعيد حساباتها، وتوقف هذه المأساة. ولا شك أن الوضع العربي، ومعه تركيا جاهزون لذلك إذا وجدوا نفسا مختلفا في طهران، لكنهم يتابعون بشكل يومي خطابا هستيريا مدجج بالتهديد والوعيد، بل ومدجج بالكذب والابتذال والهذيان أيضا. الدستور