عناق الممانع مع «الشيطان الأكبر» في العراق!!
ياسر الزعاترة
جو 24 : في معركة تكريت، لم يتدخل الطيران الأميركي بكثافة إلا بعد أن وافق حيدر العبادي على تحييد نسبي لما يسمى مليشيات الحشد الشعبي التي صنعها سليماني لهدفين؛ الأول كي تواجه مد تنظيم الدولة، فيما يتمثل الهدف الثاني في لجم تفكير العبادي بالخروج عن السرب ولو قليلا، مع أنه لا يفعل ذلك حبا في التمرد، بل إدراكا لحقيقة التجربة التي خاضها المالكي وأفضت إلى إبعاده. العبادي لا يختلف من حيث التكوين الفكري والتوجهات الطائفية عن المالكي، لكن أدرك أنه لكي ينجح، فلا بد من سياسة تبتعد قليلا عن سياسة الإقصاء والطائفية التي انتهجها المالكي، والتي أعادت الحاضنة الشعبية لتنظيم الدولة من جديد، مع قدر من تفاهم مع تركيا والمحيط العربي، لكن إيران التي تعيش جنون القوة والغطرسة لم تسمح له بذلك. إذا جئنا نرسم سياسة الأمريكان في التعاطي مع الشأن العراقي، يمكن القول إنهم يديرون مساومة ذكية مع إيران، فهم لا يريدون للبلد أن يعود إلى الولاية الإيرانية كما كانت حاله في ظل المالكي، في ذات الوقت الذي لا يريدون فيه لتنظيم الدولة أن يتمدد أكثر لكي يعيد رسم الخرائط ويفرض واقعا يهدد المصالح الأمريكية بمرور الوقت. تدخل الأميركان بكثافة لمنع تمدد تنظيم الدولة نحو بغداد، وكذلك نحو الشمال؛ حيث الحلفاء الأكراد، وفي كوباني ألقوا بثقل هائل لم يكن بوسع تنظيم الدولة أن يواجهه، أما ديالى فهي قصة أخرى، ليس لأنها منطقة مختلطة (مذهبيا) وحسب، بل أيضا لأنها خاصرة إيرانية، وفيها ألقى الإيرانيون بكل ثقلهم، بما في ذلك الطيران، ما مكنهم من طرد تنظيم الدولة منها. في معركة الأنبار، وقف الأميركان يتفرجون، وحين شاركوا كانت مشاركة خجولة، لكن واقع الحال أن الهزيمة ربما كانت أكبر من قدرتهم على منعها بالكامل، فقد كان مشهد فرار جنود الجيش مخزيا، وصار بوسع تنظيم الدولة أن يقول إنه نصر بالرعب. أما الجانب الآخر، فيتمثل في أن الحاضنة الشعبية لتنظيم الدولة في الأنبار تحديدا تبدو كبيرة. اليوم، وبعد سقوط الرمادي بيد تنظيم داعش يمضي مشهد العلاقة بين الأميركان وبين إيران والحكومة العراقية محطة أكثر وضوحا. فقد وافق الأمريكان على مشاركة ما يسمى مليشيات الحشد في المعركة، فيما لم يعترض قادة تلك المليشيات على مشاركة الأمريكان كما كانوا يعلنون في السابق (مجرد إعلان). والنتيجة هي عناق سافر بين سليماني (صاحب الولاية على المليشيات)، وبين الأمريكان، لكن ذلك لن يكون سوى جزءٍ لا يتجزأ من المساومة على اتفاق النووي الذي يبدي المحافظون موقفا سلبيا حياله. ولأن سليماني وعموم المحافظين في حاجة لانتصار يلملم شتاتهم بعد عاصفة الحزم في اليمن، وبعد التقهقر الكبير للنظام في سوريا (لهثوا من خلال حزب الله وبتدخل مباشر منهم خلف إنجاز في القلمون، فجاءتهم ضربة تدمر)، فإن معركة الأنبار لن تكون هامشية، وقد يأخذ الأمريكان مقابل مشاركة فاعلة فيها من إيران بعض التنازلات، سواء تعلقت بضمانات فيما يخص سلوكها في المنطقة، تجنبا لما حدث في تكريت، فضلا عن العلاقة مع العرب السنة (لإبعادهم عن تنظيم الدولة)، أو الفئة السياسية منهم، والأهم من ذلك كله هو ما يتعلق باتفاق النووي. لا يعني ذلك أن القضية لا تحتاج لأكثر من قرار، فتنظيم الدولة ليس من النوع الذي يسلم بسهولة، حتى حين تكون المعركة خاسرة كما كان الحال في كوباني، كما أن ممارسات المليشيات قد تخلق ردة فعل أكبر ضدها في عموم الأنبار. إذا مرّ اتفاق النووي، ستبدأ مرحلة جديدة في العراق، عنوانها مساومات تخص الداخل العراقي ومصالح الأمريكان، لكن عموم المشهد سيبقى مرتبطا بصراع المنطقة مع النفوذ الإيراني، وهو صراع لا تقرر مصيره أمريكا، بل إرادة العرب وتركيا، وكلاهما لن يقبلا ببقاء العراق ولاية إيرانية، فضلا عن اليمن وسوريا ولبنان، ولا بد من تفاهم على كل الملفات، لكن المشكلة أن أية مؤشرات لم تظهر بعد على نوايا إيران الذهاب في هذا الاتجاه، وها إن تنظيم داعش يستنزفها في العراق وفي سوريا (الفصائل الأخرى مجتمعة في سوريا أكثر تأثيرا بالطبع)، وصولا إلى اليمن الذي يتبلور فيه مشهد سوري سيمثل استنزافا لها (أعني إيران) لا يقل سوءا عن الاستنزاف السوري.
الدستور
الدستور