عن أبناء الزبالين وعنصرية واقعية يرفضها القانون
ياسر الزعاترة
جو 24 : ضجة كبرى تلك التي ثارت مؤخرا في مصر على خلفية تصريحات لوزير العدل قال فيها، إن أبناء الزبالين لا يمكن أن يصبحوا قضاة، تبعتها سخرية لوزيرة تسخر من “الصعايدة”. وحين ثارت مواقع التواصل الاجتماعي؛ هي التي أصبحت وسيلة المظلومين للتعبير عن وجعهم، اضطرت القيادة إلى إقالة الوزير الذي لم يزد عن التصريح بالحقيقة التي يعرفها الجميع في مصر، وهي أن أبناء فئة معينة، وغالبا من نفس سلك القضاء والنيابة هم الذي ينضمون إليه، مع أبناء الطبقة العليا الآخرين. وما هي سوى أيام قليلة بعد الضجة، حتى اتفق عدد من الخريجين المتفوقين الذين استبعدوا من تعيينات النيابة العامة فى الدفعات الأخيرة لأسباب اجتماعية، على أن معايير اختيار الأعضاء الجدد في السلطة القضائية مازالت تنطوى على إخلال بتكافؤ الفرص، فخرجوا يطالبون بأن يبرهن الرئيس على صدق مقولته بأن “البسطاء هم نور عينيه”؛ برد حقوقهم إليهم. والأسباب الاجتماعية هي كما يعرف الجميع تتعلق بمستوى الاسرة، وبخاصة الأب، أي أنهم من أبناء العمال والفلاحين الذين تفوقوا ولديهم جميع المؤهلات اللازمة، لكن وضعهم الاجتماعي المتواضع هو الذي يحول بينهم وبين أخذ فرصتهم في التعيين. لا يتوقف الأمر عند مصر في واقع الحال، فهذا التقليد معروف في معظم العالم العربي والعالم الثالث، سواءً أخذ شكل التمييز الفاضح كما في الحالة المصرية، أم أخذ شكل الاستبعاد الناتج عن إمكانات الآخرين الأكبر على صعيد الواسطة والمحسوبية. كما أن الأمر لا يتوقف عند حدود السلك القضائي، بل يتجاوزه، بل ربما يبرز أكثر في السلك الدبلوماسي، وحيث يتوارث المعنيون الوظائف كما لو كانت دكاكين خاصة، فالوزير له أبناء سفراء، والسفير له أبناء يمضون في ذات الاتجاه، حتى تغدو المهنة أو التخصص “دولة” بين فئة معينة لا يكاد تغادرها إلا في حالات نادرة، كثيرا ما تكون لها صلة بالبعد السياسي، في حالة الشبان المسيّسين الذين ينتقلون من سلك المعارضة إلى سلك الولاء، بالتعبير السياسي المعروف. في الغرب، يسمى هذا السلوك تمييزا عنصريا، ويمكن لأي متضرر أن يشتكي للمحاكم، وهذا اللون من القضايا من أسهل القضايا التي يمكن كسبها، أكان ضد الحكومة، أم ضد أحد بعينه، أم لجنة أو مؤسسة. العنصرية هي آخر الأمراض التي سيتخلص منها البشر كما يقول أهل الحكمة والفلسفة، لكن فرقا كبيرا بين أن تكون تلك العنصرية ممارسة فردية، وبين أن تصبح تقليدا أقرب إلى القانون، منه إلى الممارسة الشاذة، وهنا في الحالة التي بدأنا بها، كان الوزير يتحدث بصراحة لا أكثر، وهي زلة لسان في واقع الحال، وحين علق كثيرون على الموقف بعد ذلك، لم يترددوا في القول إن إقالته لن تغير في الحقيقة شيئا، لأن أبناء الزبالين لن يصبحوا قضاة بعد ذلك. على مثل هذا الظلم ثار الناس وكان ربيع العرب الذي بشّر بدولة المواطنة التي يتساوى فيه الناس بصرف النظر عن دينهم وعرقهم ومستواهم الاجتماعي، لا سيما بعد أن شهدت العقود الأخيرة ذلك التحالف بين السلطة والثروة والعسكر، والذي أفضى إلى تغييب تدريجي للطبقة المتوسطة، لصالح فئتين؛ واحدة تملك بلا حساب، وأخرى لا تجد قوت يومها. لأجل ذلك كله، سيبقى أفق الربيع موجودا، وهذا الفشل الذي مني به في هذه الجولة، لا يعني أنه انتهى، فهو سيعود من جديد بموجة أخرى، وسيستعيد الناس حقوقهم يوما ما، شاء الظالمون أم أبوا.