إعادة الاعتبار للطبقة الوسطى
خالد الزبيدي
جو 24 : تاريخيا تميز المجتمع الاردني بوجود طبقة وسطى عريضة شكلت وسادة فاصلة بين الفقر المدقع والثراء الفاحش، لذلك كان الاثرياء معروفين بالشخص ويتعاونون مع هيئات المجتمع ومؤسسات العون الاجتماعي، وكانت الطبقة الوسطى الاكثر تأثيرا في العملية الانتاجية ( السلعية والخدمية)، ولم يشهد المجتمع اعتمادا مفرطا على العمالة الوافدة في القطاعات المختلفة، ولم تكن البطالة متفشية في المجتمع كما في الايام الراهنة، واستمر هذا الوضع مستقرا حتى منتصف ثمانينات القرن الماضي، الا ان المعادلة شهدت اختلالات تراكمية منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي واستمرت بمنحنى تصاعدي حتى يومنا هذا، وساهمت الهجرات القسرية في العام 1990/1991، واللجوء تحت ضغط الاحتلال الامريكي للعراق في العام 2003، والاقتتال البشع المستمر في سوريا منذ اربع سنوات. وبالعودة الى الطبقة الوسطى فان ضعف عدالة توزيع الثروة في الاقتصاد، والسياسات المالية ( الضريبية وغير الضريبية)، وبرامج الخصخصة وتوسع الانفاق العام بخاصة الجاري، ادت مجتمعة الى تعميق التشوهات المالية، واحباط الجهود التنموية، الامر الذي ادى الى تركز الثروة في نسبة محدودة جدا من الاردنيين وانحسار دور وتأثير الطبقة الوسطى، وانضمت اعداد كبيرة منهم الى طبقة الفقراء، ونسبة محدودة للغاية ارتقت الى طبقة الاثرياء، وهذه المتغيرات يمكن وصفها باعادة تشكيل البنية للملكية في الاقتصاد والمجتمع الاردني. ارتفاع نسب الفقر الى 14% حسب الارقام الرسمية، وضعفي هذه النسبة حسب دراسات وتوصيفات مختلفة والمقدر بحوالي 35% هي مقلقة للغاية، والثابت هنا ان الفقر اصبح اوسع بكثير، وهذا يرتب اعباء اكبر على الدولة الاردنية، وزاد الطينة بلة استضافة المجتمع الاردني بموارده المحدودة، قرابة ثلاثة ملايين وافد منهم قرابة مليون عامل وافد من مصر ونحو مليون ونصف من سورية، ونصف مليون من جنسيات عربية واجنبية مختلفة، وهذا العدد الكبير ساهم في اعاقة اية جهود لمعالجة البطالة والفقر، وبالتالي الضغط على الطبقة الوسطى الاردنية التي تتآكل يوما بعد آخر، والاصعب من ذلك ان الخطط الرسمية تقف عاجزة عن معالجة هذه الاوضاع المتفاقمة. ان تمتين الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي واطلاق تنمية حقيقية يؤدي الى ترميم الطبقة الوسطى، والى تقوية الاستقرار السياسي والامني في المملكة، لذلك ان اعتماد التسهيل للاستثمارات المحلية بخاصة المكثفة للعمالة الوطنية، ووضع تشريعات تضمن التزام المشاريع بزج طاقات الشباب الاردني في التنمية اسوة بما يتم في دول عربية واجنبية كثيرة، واستقطاب استثمارات عربية واجنبية وفق محددات معينة في مقدمتها توظيف العمال الاردنيين واستخدام الموارد الاولية المتاحة محليا سيؤدى الى تحسين عدالة التوزيع في الاقتصاد، وتصل ثمار النمو الى المواطنين، وهذه الخطوات تساهم تدريجيا في إعادة الاعتبار للطبقة الوسطى، وهذا من شأنه اعادة المسيرة في الاتجاه الصحيح. الدستور