لا تقفوا على الحياد!
حلمي الأسمر
جو 24 : حملة المقاطعة التي تشنها قوى فلسطينية، وعربية وأجنبية، في العالم الغربي ضد إسرائيل، ومنتجاتها، أخذت منحى جديا وموجعا جدا لإسرائيل، وبعض كتاب وصناع الرأي في الكيان الصهيوني، ينظرون إليها كتهديد وجودي، وبعضهم كالكاتب روبين بيرغمان، تعرض لهذه الظاهرة، على نحو مختلف، فأورد في يديعوت بالأمس، ست أكاذيب إسرائيلية، تقلل من شأن المقاطعة، ورد عليها بمنتهى الوضوح، للتأشير على خطورة هذه الحركة، وهي:
1. حركة الـ «بي.دي.اس» هي استمرار للمقاطعة العربية ضد اسرائيل: ليس صحيحا. فمن الخمسينيات وحتى التسعينيات مارست الدول العربية مقاطعة اقتصادية استخدمت سلاح النفط كي تفرض على الجهات الدولية الا تقيم علاقات مع اسرائيل. هذه المرة لا تقود الدول العربية او أي جهاز مركزي آخر، هذه المقاطعة. فالحديث يدور عن مجموعة من العناصر في كل العالم، معظمها لا يرتبط الواحد بالاخر، القاسم المشترك الوحيد بينهم هو الانتقاد الحاد للغاية على اسرائيل – بعضه كاذب، بعضه صحيح – والرغبة في اتخاذ خطوات لفرض وقف الاحتلال على اسرائيل.
2. المقاطعة هي ظاهرة خاصة ضد اسرائيل، ولاننا يهود فهي لاسامية: ليس صحيحا. فالمقايسة بين المقاطعة ضد اسرائيل والمقاطعة الدولية التي فرضت على حكم الابرتهايد في جنوب افريقيا في الثمانينيات يظهر خطوطا شبه عديدة مشتركة بالنسبة للمشاركين، المصادر، الصياغات، المناطق والمواضيع التي اقيمت عليها المقاطعة وما شابه. فهل الطلاب الذين خرجوا في مظاهرة كبرى في الجامعات في الولايات المتحدة وفي اوروبا ضد التفرقة العنصرية والنظام في بريتوريا كانوا ايضا لاساميين؟
3. المقاطعة هي في اساسها ظاهرة اوروبية. اما في الولايات المتحدة فهذا لن ينجح: ليس صحيحا. صحيح ان العطف لاسرائيل اعلى في الولايات المتحدة منه في اوروبا، ولكن هناك ايضا الوضع آخذ في التردي. فرجال المنظمات اليهودية يبلغون عن صعوبة متزايدة في الجامعات في ارجاء امريكا، حيث يتعاظم نشاط مؤيدي المقاطعة، وينضم اليه المزيد فالمزيد من المحافل في وسائل الاعلام الامريكية، التي تعتبر في الغالب مؤيدة لاسرائيل. وفي دول اخرى ايضا تعتبر عاطفة جدا على اسرائيل (كندا، استراليا) تتكاثر الاصوات المؤيدة للمقاطعة.
4. خلف المقاطعة تقف محافل ارهاب/فلسطينيون/متطرفون لاساميون: ليس صحيحا. بالتأكيد يمكن أن نجد في مئات المنظمات ومجموعات الفيسبوك المشاركة في محاولات فرض المقاطعات على اسرائيل جهات كهذه ايضا، ولكن لو كان الامر متعلقا بهم لكانت فرضت هذه على اسرائيل منذ زمن بعيد. وهذا لا يعني انهم لم يجربوا. فقوة المقاطعة هي في الاتساع المتزايد لها في اوساط عديدة لا ترتبط بالنزاع الشرق اوسطي. فما ان كف الانتحاريون عن تفجير أنفسهم في شوارع المدن عندنا، حتى بدا النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني كخصام عقاري ما غير واضح يبعث على عدم الاستقرار ويبدو من بعيد مثل الابرتهايد.
5. اسرائيل يمكنها ان تنتصر على المقاطعة اذا كان الاعلام اكثر نجاعة ومزود بالميزانية المناسبة: ليس صحيحا. المشكلة المركزية في الحرب ضد المقاطعة ليست في التسويق بل في المنتج. ففي عالم 2015 لا يمكن تسويق الاحتلال. والممارسة والانجع للدعاية الاسرائيلية يمكنها فقط أن تكسب الوقت. اعتذار آخر من مدير عام اورنج، تأجيل آخر لعقوبات الفيفا. ولكنها لا يمكنها ان تؤجلها الى الابد. اما الوسائل السرية وتجنيد المقدرات للنشاط المركز فجيدة ضد خصوم معدودين، وليس ضد مئات المنظمات وعشرات الاف النشطاء.
6. «هدف الحملة ليس فقط التأثير على هذه السياسة أو تلك، بل تصفية وجودها كدولة يهودية وديمقراطية» (آييلت شكيد): قد يكون هذا صحيحا بالنسبة لبعض من المحتجين ضد اسرائيل، ولكن ليس بالنسبة لكثيرين آخرين. يمكن الجدال مع رأيهم، يمكن القول انهم مخطئون أو كاذبون. ومع ذلك، من معرفتي ولقاءاتي مع بعض من المحافل التي تدعو الى المقاطعة، أخذت الانطباع بان هؤلاء هم اناس ومنظمات مقتنعون حقا بانه بسبب الاحتلال تتحول اسرائيل الى دولة ابرتهايد وان من واجبهم تغيير ذلك.
والخلاصة؟ هذا مجرد تشخيص واحد لواقع حركة المقاطعة، بلغة «عبرية» ومنطق صهيوني، ولكنها مقاربة في العمق، يقتضي الأخذ بها، كي لا يبقى من هم على الحياد حتى الآن من حركة المقاطعة، حيث هم، بل عليهم جميعا، عربا وعجما، أن ينخرطوا بها، كي تكون أكثر فاعلية، وإيلاما لكيان العدو الصهيوني!
(الدستور)
1. حركة الـ «بي.دي.اس» هي استمرار للمقاطعة العربية ضد اسرائيل: ليس صحيحا. فمن الخمسينيات وحتى التسعينيات مارست الدول العربية مقاطعة اقتصادية استخدمت سلاح النفط كي تفرض على الجهات الدولية الا تقيم علاقات مع اسرائيل. هذه المرة لا تقود الدول العربية او أي جهاز مركزي آخر، هذه المقاطعة. فالحديث يدور عن مجموعة من العناصر في كل العالم، معظمها لا يرتبط الواحد بالاخر، القاسم المشترك الوحيد بينهم هو الانتقاد الحاد للغاية على اسرائيل – بعضه كاذب، بعضه صحيح – والرغبة في اتخاذ خطوات لفرض وقف الاحتلال على اسرائيل.
2. المقاطعة هي ظاهرة خاصة ضد اسرائيل، ولاننا يهود فهي لاسامية: ليس صحيحا. فالمقايسة بين المقاطعة ضد اسرائيل والمقاطعة الدولية التي فرضت على حكم الابرتهايد في جنوب افريقيا في الثمانينيات يظهر خطوطا شبه عديدة مشتركة بالنسبة للمشاركين، المصادر، الصياغات، المناطق والمواضيع التي اقيمت عليها المقاطعة وما شابه. فهل الطلاب الذين خرجوا في مظاهرة كبرى في الجامعات في الولايات المتحدة وفي اوروبا ضد التفرقة العنصرية والنظام في بريتوريا كانوا ايضا لاساميين؟
3. المقاطعة هي في اساسها ظاهرة اوروبية. اما في الولايات المتحدة فهذا لن ينجح: ليس صحيحا. صحيح ان العطف لاسرائيل اعلى في الولايات المتحدة منه في اوروبا، ولكن هناك ايضا الوضع آخذ في التردي. فرجال المنظمات اليهودية يبلغون عن صعوبة متزايدة في الجامعات في ارجاء امريكا، حيث يتعاظم نشاط مؤيدي المقاطعة، وينضم اليه المزيد فالمزيد من المحافل في وسائل الاعلام الامريكية، التي تعتبر في الغالب مؤيدة لاسرائيل. وفي دول اخرى ايضا تعتبر عاطفة جدا على اسرائيل (كندا، استراليا) تتكاثر الاصوات المؤيدة للمقاطعة.
4. خلف المقاطعة تقف محافل ارهاب/فلسطينيون/متطرفون لاساميون: ليس صحيحا. بالتأكيد يمكن أن نجد في مئات المنظمات ومجموعات الفيسبوك المشاركة في محاولات فرض المقاطعات على اسرائيل جهات كهذه ايضا، ولكن لو كان الامر متعلقا بهم لكانت فرضت هذه على اسرائيل منذ زمن بعيد. وهذا لا يعني انهم لم يجربوا. فقوة المقاطعة هي في الاتساع المتزايد لها في اوساط عديدة لا ترتبط بالنزاع الشرق اوسطي. فما ان كف الانتحاريون عن تفجير أنفسهم في شوارع المدن عندنا، حتى بدا النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني كخصام عقاري ما غير واضح يبعث على عدم الاستقرار ويبدو من بعيد مثل الابرتهايد.
5. اسرائيل يمكنها ان تنتصر على المقاطعة اذا كان الاعلام اكثر نجاعة ومزود بالميزانية المناسبة: ليس صحيحا. المشكلة المركزية في الحرب ضد المقاطعة ليست في التسويق بل في المنتج. ففي عالم 2015 لا يمكن تسويق الاحتلال. والممارسة والانجع للدعاية الاسرائيلية يمكنها فقط أن تكسب الوقت. اعتذار آخر من مدير عام اورنج، تأجيل آخر لعقوبات الفيفا. ولكنها لا يمكنها ان تؤجلها الى الابد. اما الوسائل السرية وتجنيد المقدرات للنشاط المركز فجيدة ضد خصوم معدودين، وليس ضد مئات المنظمات وعشرات الاف النشطاء.
6. «هدف الحملة ليس فقط التأثير على هذه السياسة أو تلك، بل تصفية وجودها كدولة يهودية وديمقراطية» (آييلت شكيد): قد يكون هذا صحيحا بالنسبة لبعض من المحتجين ضد اسرائيل، ولكن ليس بالنسبة لكثيرين آخرين. يمكن الجدال مع رأيهم، يمكن القول انهم مخطئون أو كاذبون. ومع ذلك، من معرفتي ولقاءاتي مع بعض من المحافل التي تدعو الى المقاطعة، أخذت الانطباع بان هؤلاء هم اناس ومنظمات مقتنعون حقا بانه بسبب الاحتلال تتحول اسرائيل الى دولة ابرتهايد وان من واجبهم تغيير ذلك.
والخلاصة؟ هذا مجرد تشخيص واحد لواقع حركة المقاطعة، بلغة «عبرية» ومنطق صهيوني، ولكنها مقاربة في العمق، يقتضي الأخذ بها، كي لا يبقى من هم على الحياد حتى الآن من حركة المقاطعة، حيث هم، بل عليهم جميعا، عربا وعجما، أن ينخرطوا بها، كي تكون أكثر فاعلية، وإيلاما لكيان العدو الصهيوني!
(الدستور)