jo24_banner
jo24_banner

هل هي أقليات

حلمي الأسمر
جو 24 : «مرتدة» عن الإسلام؟ يفجر مسلك ما يسمى «الدولة الإسلامية» أو داعش، تجاه الأقليات غير الإسلامية واحدا من الملفات الأكثر خطورة في الفقه الإسلامي، خاصة وأنهم يعتمدون على سلسلة فتاوى صدّرها علماء معتبرون على مدار التاريخ الإسلامي، كلها تصب في اتجاه تكفير كل تلك الطوائف والأقليات، التي خرجت من عباءة الإسلام، وبالتالي استباحة دمها واستحلال أموالها ونسائها، وربما استرقاقهم، وهذا فقه ليس خاصا بداعش، كما يمكن أن يظن البعض، بل هو فقه «إسلامي» صميم، حيث تمتلىء كتب أهل السنة بفتاوى تكفير معظم فرق الشيعة والدروز والبهائية والنصيرية، والإيزيدية وبقية الفرق غير المسلمة، من غير اليهود والنصارى. قضيت وقتا لا بأس به في البحث عن آراء لفقهاء معاصرين، أو باحثين في الفقه الإسلامي، بخصوص حكم الإسلام الآن تجاه تلك الأقليات في بلاد المسلمين، فلم أقع على رأي واحد يعاملهم كمواطنين، لهم حقوق المواطنة الكاملة، على الرغم من أن معظم دساتير البلاد العربية، تتسامح مع هذه الأقليات، وتتضمن ما ينص على حرية المعتقد، وحرية تغييره حتى، دون النص على أي عقوبة بهذا الشأن، بل تركت معالجة هذا الأمر للمحاكم الشرعية. إن ما فعلته جماعات «الجهاد» الجديدة، المستندة إلى فقه يعود لحقب ماضية، من قتل وإهدار دم لتلك الفرق والطوائف التي ترى فيها مجرد جماعات «مرتدة» عن الإسلام، يفجر قضية في غاية الخطورة أمام رجالات الدعوة الإسلامية المعاصرة، وكيفية استخلاص رؤية للتعامل مع هذه الأقليات، وفق ما تمليه قواعد الإسلام العامة، التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بحرية المعتقد، فالله عز وجل يقول: «وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ.. سورة الكهف الآية 29. ويقول جلت قدرته، في سورة البقرة الآية 256: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. وفي سورة يونس الآية 99: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ..؟؟ إن أهدار دم تلك الفرق، التي اعتبرها الفقهاء القدامى «مرتدة» عن الإسلام، في سياق تاريخي معين، واستدعاء هذا الحكم الآن وتطبيقه على هذه الطوائف في عصرنا الحالي، لا يتسق مع عدل الإسلام وروحه المتسامحة، حيث لا يمكن أن تطلب من سكان جبل الدروز مثلا، إما أن «يسلموا» أو تهدر دمهم، وتسبي نساءهم، فهؤلاء مواطنون معاهِدون، عاشوا بيننا، وبيننا وبينهم علاقات، وعِشْرة عمر، وحسن جوار، نحن بحاجة لفقه معاصر ومرن، لا يعتمد فقط على استدعاء الفتاوى التاريخية، بل يستلهم المستجدات المعاصرة، ويأخذ بعين الاعتبار المعطيات التي آلت إليها أوضاعهم كمواطنين مسالمين، غير محاربين! -
الدستور
تابعو الأردن 24 على google news